أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

عراقيل قائمة:

فرص نجاح التكتل الاقتصادي المقترح بين تركيا والعراق وإيران

05 ديسمبر، 2021


أعلن محمد حنون، المتحدث باسم وزارة التجارة العراقية، أن وفد بلاده اقترح، خلال فعاليات منتدى الأعمال العراقي – التركي للاستثمار والمقاولات في اسطنبول، في 20 نوفمبر 2021، إنشاء تكتل اقتصادي إقليمي يضم العراق وتركيا وإيران؛ لتشكيل قوة تتيح لهم منافسة التجمعات الاقتصادية حول العالم.

حوافز التعاون المحتمل

يمكن تفسير دعوة العراق لتدشين هذا التكتل في هذا التوقيت، بالرجوع إلى العوامل التالية: 

1- أبعاد سياسية غالبة: قد تكون للدعوة لمثل هذا التكتل في الوقت الحالي أبعاد سياسية خالصة، فهي قد تكون رسالة من جانب الحكومة العراقية أنها تسعى لتبني سياسات إقليمية متوازنة، وأنه بالتوازي مع حرصها على الانفتاح والتعاون مع الدول العربية، سواء تمثلت في دول مجلس التعاون الخليجي، من خلال الربط الكهربائي، وغيرها من مجالات التعاون، أو مع مصر والأردن من خلال مشروع الشام الجديد، فإن هذا لن يؤثر على رغبة العراق في تعزيز علاقاته الاقتصادية مع الدول المجاورة له، وتحديداً تركيا وإيران. 

2- دعم النمو الاقتصادي: تعاني اقتصادات الدول الثلاث أزمات اقتصادية لأسباب متباينة، إذ تواجه إيران عقوبات اقتصادية أمريكية بسبب برنامجها النووي وتدخلاتها الإقليمية، ولا يتوقع أن تتحسن أوضاعها، أو تدخل في تكتلات اقتصادية ذات معنى ما لم يتم رفع هذه العقوبات. 

ويواجه العراق تحديات أمنية وأزمات سياسية عرقلت من فرص النمو الاقتصادية خلال الفترة الماضية، كما تعاني أنقرة أيضاً تدهوراً كبيراً في اقتصادها، مع فقدان عملتها حوالي 45% من قيمتها مقابل الدولار منذ بداية العام الجاري وحده. لذا فإن هذا التكتل قد يساهم في تعزيز النمو الاقتصادي، ولكن بشرط تصحيح الاختلالات الداخلية في كل دولة، والتي انعكست على أوضاعها الاقتصادية. 

3- البناء على التعاون السابق: أعلن علاء الجبوري، وزير التجارة العراقي، في أغسطس الماضي عن اتفاق مع نظيره التركي على تشكيل لجان مشتركة لتطوير العلاقات الاقتصادية، وزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، فيما انطلقت أعمال اللجنة الرابعة المشتركة للتعاون الاقتصادي بين إيران والعراق، في مطلع العام الجاري، وذلك بعد توقفها لمدة 6 سنوات متتالية، وتناولت محادثات اللجنة تطوير العلاقات الاقتصادية ودراسة سبل تنمية الصادرات والتعاون المتبادل وتقييم السوق بين الجانبين.

وتتطلع كل من تركيا والعراق وإيران إلى زيادة حجم التبادل التجاري بينها، حيث تسعى تركيا، التي تعد ثاني أكبر المصدرين للعراق بعد الصين، إلى زيادة قيمة التبادل بينها وبين العراق ليبلغ 50 مليار دولار سنوياً مقابل القيمة الحالية التي لا تتعدى 21 مليار دولار سنوياً، فيما يبلغ حجم التبادل بين إيران وتركيا، حوالي 10 مليارات دولار سنوياً، بينما يخطط البلدان إلى زيادة قيمته ليصبح 30 مليار دولار سنوياً، وفي الوقت ذاته، ترغب إيران والعراق أيضاً في مضاعفة حجم التبادل بينهما ليكون 20 مليار دولار سنوياً.

4- استثمار التعاون الإيراني – التركي: التقى مولود جاويش أوجلو، وزير الخارجية التركي، قبيل الإعلان عن التكتل، في 15 نوفمبر، بنظيره الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، كما اجتمع أيضاً مع الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، حيث اتفق الجانبان على وضع خريطة طريق لتعاون شامل ومستدام، بما في ذلك التجارة والاستثمار ومكافحة الإرهاب، وذلك تمهيداً لزيارة الرئيس أردوغان المرتقبة إلى طهران قبيل نهاية العام الجاري. ومن المحتمل أن يؤدي هذا التقارب بين البلدين إلى تعزيز التكتل المزمع بينهما وبين العراق.

مشاكل التكتل المقترح

يلاحظ أن هناك عقبات وأزمات تواجهه وتقف في طريق إتمام ونجاح مثل هذا التكتل، ويتمثل أهمها فيما يلي:

1- المشاكل المائية المزمنة مع العراق: تعاني العلاقات بين الدول الثلاث من توترات بسبب أزمة المياه وتقاسم الأنهار الدولية بينها، حيث يواجه العراق أزمة شح موارده المائية، نظراً لنشاط إيران في تحويل مجاري الأنهار الدولية إلى داخل البلاد، وذلك لمواجهة موجة الجفاف الحالية، غير عابئة لتداعيات ذلك السلبية على العراق. ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة لتركيا والتي أقامت على مدار سنوات عدة سدوداً على نهري دجلة والفرات، وهو ما أثر بصورة سلبية على كمية المياه المتدفقة إلى العراق.

 وأعلن وزير الموارد المائية العراقي، في 24 نوفمبر الجاري، أن تركيا وإيران قد انتهكتا المواثيق الدولية بخصوص حصة العراق في المياه، مؤكداً أن معدلات الاطلاقات المائية المتدفقة من إيران للعراق وصلت إلى الصفر، فيما أكد الوزير في يوليو الماضي، أن بلاده قد تلجأ للمجتمع الدولي إن لم تطلق إيران حصته المائية، في إشارة إلى فشل محادثاته مع إيران وتركيا للاتفاق على بروتوكول لتقاسم المياه. ولا شك أن غياب الاتفاق على تقاسم الأنهيار الدولية قد يعرقل من فرص إقامة تعاون اقتصادي بين الدول الثلاث. 

2- التنافس التركي – الإيراني المحتمل: تتضارب المصالح التركية والإيرانية بشكل واضح، إذ إن جوهر مشروعهما الإقليمي يقوم على محاولة الهيمنة الإقليمية على جوارهما المباشر، وهو ما وضح في تنازعهما في سوريا والعراق وآسيا الوسطى. 

ففي سوريا، كان البلدان على وشك الدخول في مواجهة مسلحة في إدلب في فبراير 2020؛ بين الميليشيات المدعومة من إيران والمتمردين المدعومين من تركيا. كما انتقدت طهران في 27 فبراير الماضي، أنقرة بسبب تدخلها العسكري في شمال العراق. وفي منطقة آسيا الوسطى، اتجهت إيران لدعم أرمينيا، في مقابل الدعم التركي لأذربيجان. كما أن المناورات العسكرية التي أقامتها إيران بالقرب من حدود أذربيجان في مطلع أكتوبر الماضي، قد ردت عليها أنقرة من خلال إقامة مناورات عسكرية تركية – أذربيجانية بعدها بعدة أيام. 

3- التنافس الإيراني – التركي على السوق العراقي: يلاحظ أن هناك منافسة شرسة بين البلدين على السيطرة على السوق العراقي، حيث إن تركيا هي المنافس الاقتصادي الرئيسي لإيران في السوق العراقية، فقد تجاوزت صادراتها إلى العراق عام 2019 صادرات إيران. كما استثمرت الشركات التركية حوالي 25 مليار دولار في 900 مشروع إنشائي وبنية تحتية في مدن عراقية مختلفة؛ وذلك في مجالات الطاقة والمياه والصناعات البتروكيماوية، فضلاً عن تزايد المنافسة بينهما في إنتاج الكهرباء في العراق، والتي كانت تهيمن عليها الشركات الإيرانية في السابق.

4- الدور العربي المتزايد: يلاحظ أن العراق قد اتجه خلال الفترة الأخيرة إلى تعزيز علاقاته بالدول العربية، وقد وضح ذلك في الاقتراب من إتمام مشروع الربط الكهربائي بدول الخليج العربية، وهو الأمر الذي سوف يحد من الصادرات الإيرانية إلى العراق، والتي كانت في جانب منها، تعتمد على تصدير الكهرباء والغاز الطبيعي لتشغيل محطات الكهرباء العراقية، كما أن شراء الطاقة من دول الخليج العربية سوف يكون أرخص من نظيرتها الإيرانية. 

ومن جانب ثان، يتطلع العراق إلى تعزيز تعاونه مع مصر والأردن عبر مشروع الشام الجديد، والذي يهدف إلى تحقيق التكامل الاقتصادي بين الدول الثلاث في إقامة مشاريع اقتصادية، فضلاً عن الربط الكهربائي، إلى جانب استكمال بناء خط الغاز العربي، وهي كلها مشاريع سوف تسمح بتطوير الاقتصاد العراقي، وإلى مزاحمة الاستثمارات العربية لنظيرتها التركية والإيرانية.  

وفي الختام، يمكن القول إنه لم يتبلور بعد تصور واضح من جانب العراق لهذا التكتل الاقتصادي المقترح، فضلاً عن أن كل من إيران وتركيا لم تبديا بعد مواقف واضحة من مثل هذا التكتل، وعما إذا كانتا على استعداد للتعاون من خلال هذا الإطار الثلاثي، أم يظل الإطار الثنائي هو الأفضل لتعزيز التعاون الاقتصادي فيما بينهم. وحتى في حالة اتجاه الدول الثلاث إلى تفعيل الاقتراح العراقي، فإنه سوف يواجه بمنافسة من دول عربية، والتي تتجه هي الأخرى للانفتاح على بغداد، وتعزيز علاقاتها بها سياسياً واقتصادياً.