أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

صعوبات محتملة:

كيف سيتعامل الرئيس الإيراني القادم مع المشكلات الاقتصادية؟

27 أبريل، 2017


مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الإيرانية في 19 مايو المقبل، يكون قد مر حوالي عام ونصف على رفع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران بعد وصولها إلى الاتفاق النووي مع مجموعة "5+1"، والذي حقق مكاسب اقتصادية للأولى في الأشهر الماضية. فنتيجةً لرفع معظم العقوبات الدولية، استطاعت إيران استعادة جزء كبير من حصتها في سوق النفط العالمية بشكل أنعش اقتصادها، ومكّنها، نسبيًّا، من معالجة العديد من الاختلالات الاقتصادية وأبرزها التضخم.

وعلاوةً على ما سبق، فقد نجحت إيران في إبرام العديد من الصفقات التجارية اللازمة لإعادة تأهيل اقتصادها، ومن أكبرها الصفقات الخاصة بشراء طائرات لتحديث أسطولها الجوي، وذلك بجانب العديد من الصفقات الأخرى للاستثمار في قطاع النفط والغاز الطبيعي. 

وبرغم المكاسب السابقة، إلا أن حكومة الرئيس حسن روحاني، الذي من المقرر أن يخوض الانتخابات الرئاسية بالإضافة إلى خمسة مرشحين آخرين، تواجه تحديات عديدة بسبب تفاقم العديد من المشكلات الاقتصادية، لا سيما الفقر والبطالة.

وعلى مدار فترة رئاسته، ظهرت بوادر خلافات متكررة بين روحاني وبعض المؤسسات الرسمية التقليدية بسبب التدخلات الكبيرة للحرس الثوري في الأنشطة الاقتصادية. وعلى ما يبدو، فإن التقييم السلبي للأداء الاقتصادي لحكومة روحاني طيلة الفترة الماضية سيعزز من فرص المنافسين الآخرين في الانتخابات المقبلة. 

وأيًّا كان الفائز فيها، فمن دون شك، فإن إدارة الاقتصاد الإيراني تمر بمرحلة جديدة تواجه صعوبات لا تبدو هينة بسبب تجدد حالة عدم اليقين جراء اتجاه الإدارة الأمريكية نحو رفع مستوى العقوبات غير النووية على البلاد، يُضاف إلى ذلك تباطؤ الإصلاحات الاقتصادية، وذلك تزامنًا مع تعاظم دور بعض المؤسسات التقليدية -مثل الحرس الثوري الإيراني- داخل الاقتصاد.

مكاسب عديدة:

أسفر الاتفاق النووي، الذي تم التوصل إليه في 14 يوليو 2015، عن عددٍ من المكاسب الاقتصادية لإيران، يمكن تناول أبرزها على النحو التالي:

1- ارتفاع صادرات النفط: تمثل عودة إيران إلى أسواق النفط الدولية أحد المكاسب الكبيرة التي حققتها عقب رفع العقوبات الدولية في 17 يناير 2016. ففي أشهر قليلة من التاريخ السابق، تمكنت إيران من زيادة إنتاجها من النفط تدريجيًّا ليصل إلى مستويات قياسية بنهاية مارس 2017 عند 3.8 ملايين برميل يوميًّا. وبالتوازي مع ذلك، فقد استعادت إيران حضورها في عددٍ من الأسواق الآسيوية والأوروبية، ليزيد إجمالي صادراتها من النفط الخام والمكثفات إلى أكثر من 3 ملايين برميل يوميًّا منذ فبراير 2017.

2- انتعاش اقتصادي: على خلفية ارتفاع إنتاج النفط، انتعش النمو الاقتصادي للبلاد ليسجل 7.4% في النصف الأول من عام 2016/2017 مرتفعًا من الركود الذي سجله في عام 2015/2016 عند سالب 1.8%. كما انخفض التضخم إلى خانة العشرات ليصل إلى نسبة 9.5% على أساس سنوي منذ منتصف عام 2016. واستقر سوق الصرف الأجنبي، بالرغم من بعض التقلبات في نهاية عام 2016، ليتقلص الفارق بين السوقين الرسمية والسوداء إلى حوالي 15%. ومن المتوقع كذلك أن يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 6.6% بنهاية 2016/2017، ولكنه سيتراجع إلى 3.3% بنهاية 2017/2018.

3- صفقات دولية: ربما يتمثل أكبر المكاسب التي حققتها إيران بعد الوصول للاتفاق النووي في الصفقات المُوَقَّعة مع الشركات الأجنبية لشراء طائرات لتحديث الأسطول الجوي الإيراني. ففي ديسمبر 2016، وقَّعت شركة "بوينج" الأمريكية صفقة بقيمة 16.6 مليار دولار لبيع 80 طائرة للخطوط الجوية الإيرانية بعد رفع العقوبات الاقتصادية. كما وقَّعت نفس الشركة الأمريكية اتفاقًا لبيع 30 طائرة بقيمة 3 مليارات دولار لشركة طيران "آسمان" الإيرانية. وفي ديسمبر من العام الماضي أيضًا، أبرمت الحكومة الإيرانية صفقة كبيرة مع شركة "إيرباص" لشراء 100 طائرة، بقيمة 20 مليار دولار.

وبالإضافة إلى ما سبق، فقد مكَّن انفتاح إيران على الدول الغربية من معاودة الشركات النفطية الأجنبية العمل في البلاد لإعادة تأهيل قطاع النفط المتقادم. وفي يناير 2017، سمحت الحكومة الإيرانية لـ29 شركة من أكثر من عشر دول بتقديم عروض في مشاريع النفط والغاز بموجب النموذج الجديد لعقود النفط. كما أنه بموجب اتفاق مع شركة "توتال" الفرنسية في نوفمبر 2016، ستقوم الأخيرة بتطوير القسم الـ11 لحقل غاز بارس الجنوبي لإنتاج 370 ألف برميل من المكافئ النفطي، وذلك باستثمارات تصل إلى 4 مليارات دولار.

انتقادات واسعة:

وعلى الرغم من المكاسب الواسعة السابقة، إلا أنها على ما يبدو لم تُعزز من فرص تحسين المستوى المعيشي لمعظم الإيرانيين، إذ ظلت البطالة مرتفعة عند مستوى 12.5%، كما استمرت مستويات الفقر في الارتفاع، وهو ما أثار العديد من الانتقادات الشعبية لحكومة روحاني. وفي الوقت نفسه، بدت الأوضاع الاقتصادية المتردية للإيرانيين نقطة ضعف تُستخدم من قبل الخصوم السياسيين لروحاني.

وفي هذا السياق، وَقَعَ روحاني تحت ضغوط وانتقادات رسمية بسبب سوء الإدارة الاقتصادية، إذ أشار المرشد الأعلى علي خامنئي، في تصريح له في مارس 2017، إلى أن السياسات الاقتصادية للحكومة جاءت مخيبة للآمال، قائلا: "أشعر بمعاناة المواطنين الفقراء ومحدودي الدخل بكل وجداني، خصوصًا بسبب ارتفاع الأسعار والبطالة والتفاوت الاجتماعي.. اتخذت الحكومة خطوات إيجابية، لكنها لا تلبي توقعات الشعب وتوقعاتي".

 وبالمثل، فقد أشار أحمد جنتي رئيس مجلس الخبراء إلى أن روحاني فشل في تحسين الاقتصاد خلال السنوات الأربع الماضية، موضحًا أن "الاقتصاد الإيراني إذا لم يَسِرْ في الطريق الذي ينبغي أن يسير فيه فعلى روحاني أن يعتذر ويوضح الأسباب للشعب الإيراني".

تحديات مستقبلية:

يبدو أن التقييم السلبي للأداء الاقتصادي لحكومة روحاني طيلة الفترة الماضية سيعزز من فرص المنافسين الآخرين في الانتخابات المقبلة. وأيًّا كان الفائز فيها، فإن الاقتصاد الإيراني سيواجه في الفترة المقبلة عددًا من الصعوبات، أبرزها ما يلي:

1- عقوبات محتملة: تجدد عدم اليقين بآفاق الاقتصاد الإيراني، لا سيما مع اتجاه إدارة ترامب إلى مراجعة الاتفاق النووي، بجانب رفع سقف العقوبات غير النووية على إيران. ففي 19 إبريل الجاري، أقر وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون بأن الولايات المتحدة تُراجع رفع العقوبات المفروضة على إيران بموجب الاتفاق النووي النهائي.

فيما كشفت نيكي هيلي المندوبة الأمريكية بالأمم المتحدة في 10 من الشهر ذاته، عن اتجاه الإدارة الأمريكية إلى دراسة فرض عقوبات ضد روسيا وإيران بسبب مساندة النظام السوري. وبسبب برنامج الصواريخ الباليستية أيضًا، فرضت الولايات المتحدة في مارس 2017 عقوبات على 11 شركة وشخصية بسبب نقل تكنولوجيا حساسة إلى إيران.

2- تباطؤ الإصلاحات: لا تزال إيران تُواجه العديد من المشكلات الهيكلية، مثل هشاشة النظام المصرفي، وتردي مناخ الاستثمار. فعلى صعيد النظام المصرفي، تؤكد العديد من المؤشرات ضعف الاستقرار المصرفي، ومنها بلوغ القروض المتعثرة نسبة 12% من إجمالي القروض، وانخفاض نسبة كفاية رأس المال إلى 5.8% في مارس 2015، مقابل 8.4% في مارس 2012.

أما على صعيد المناخ الاستثماري، فهو يعاني من العديد من الصعوبات بسبب التعقيدات الإدارية والبيروقراطية وانتشار الفساد، ولذا حلّت إيران في المرتبة 120 عالميًّا في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال 2017 الصادر عن البنك الدولي، متراجعة بذلك ثلاثة مراكز عن تصنيف عام 2016.

3- صراع داخلي: تكمن إحدى المعضلات الأخرى التي يواجهها الاقتصاد الإيراني في معارضة تيار المحافظين المتشدد لكثيرٍ من خطوات الإصلاح الاقتصادي التي اتخذتها حكومة روحاني في الأشهر الماضية. وقد تجلى ذلك في تأخر إقرار عقود النفط الجديدة التي تبنتها الحكومة في عام 2016.

وفي هذا السياق، قال وزير النفط الإيراني بيجن زنجنه، في 9 إبريل الجاري: "عقود النفط الجديدة قيد المراجعة حاليًّا من المجلس الأعلى للأمن القومي"، وهو ما قد يؤشر إلى احتمال تدخل المؤسسات التقليدية لإلغاء هذه العقود أو تعديلها، الأمر الذي دفع الرئيس روحاني مجددًا إلى انتقاد تدخل الحرس الثوري في الاقتصاد، قائلا: "وساوس القوات المسلحة في موضوع اقتصاد البلاد من شأنها إبعادها عن مهامها الأصلية".

 وفي النهاية، يمكن القول إن الفائز في الانتخابات الرئاسية المقبلة سيواجه العديد من التحديات الاقتصادية، خاصة في حالة ما إذا وصل التصعيد بين إيران والولايات المتحدة إلى مرحلة غير مسبوقة خلال المرحلة المقبلة.