أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

تحذيرات ضمنية:

لماذا اهتمت إيران بذكرى أحداث "30 ديسمبر"؟

06 يناير، 2017


مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الإيرانية التي سوف تُجرَى في 19 مايو 2017، تصاعدت حدة الجدل بين القوى السياسية الإيرانية حول العديد من الملفات الداخلية والخارجية. إذ بدا لافتًا أن بعض مؤسسات النظام أبدت اهتمامًا خاصًّا هذا العام بذكرى أحداث "9 دي 1388" (التي توافق 30 ديسمبر 2009)، والتي تشير إلى الحشود التي خرجت إلى الشوارع الإيرانية لتجديد ولائها لنظام الجمهورية الإسلامية والمرشد الأعلى علي خامنئي، في مواجهة الاحتجاجات التي اندلعت بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في يونيو من العام نفسه، والتي أسفرت عن فوز الرئيس السابق أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية.

فقد أكد المرشد خامنئي على أن "تلك الأحداث كانت إحدى الملاحم التي سطَّرها الشعب"، فيما بدأ بعض الموالين لخامنئي في التحذير من إمكانية تكرار أزمة عام 2009 خلال الانتخابات الرئاسية القادمة، موجِّهين اتهامات للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بالعمل على تأجيج تلك الاحتجاجات المزعومة بهدف تهديد حالة الاستقرار السياسي والأمني داخل إيران خلال المرحلة القادمة.

ففي هذا السياق، قال مستشار ممثل المرشد في الحرس الثوري حيدر مصلحي، في 29 ديسمبر 2016، إن "فتنة 2009 لم تنتهِ، والاستكبار العالمي وعناصره الداخلية لا يزالون يسعون إلى خلق اضطرابات أخرى".

تصريحات مصلحي تكتسب أهميتها في ضوء العلاقة القوية التي تربط بين مصلحي والمرشد خامنئي، والتي دفعت الأخير، على سبيل المثال، إلى التدخل من أجل إلغاء قرار الرئيس السابق أحمدي نجاد بإقالة مصلحي من منصب وزير الاستخبارات في أبريل 2011، بشكل دفع الرئيس إلى الاعتكاف في منزله لمدة عشرة أيام احتجاجًا على قرار المرشد قبل أن يعود من جديد إلى مزاولة مهام منصبه، وهو ما يعني أن تلك التصريحات تعكس التوجهات العامة التي يتبناها المرشد والمؤسسات الرئيسية في الدولة وفي مقدمتها الحرس الثوري، وهي الجهات التي ما زالت ترى أنه لا يمكن التعويل على الانخراط في أية التزامات دولية مع الولايات المتحدة، في إشارة إلى الاتفاق النووي الذي ما زالت عملية تنفيذه تواجه صعوبات عديدة بسبب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران، فضلا عن تعمدها عرقلة رفع مستوى التعاملات المالية بين المصارف الإيرانية والغربية.

أهداف عديدة:

وفي ضوء ذلك، ربما يمكن القول إن بعض مؤسسات النظام وعددًا من القوى السياسية يسعون من خلال الاهتمام بأحداث "9 دي" إلى تحقيق أهداف عديدة تتمثل في:

1- توجيه تحذيرات مباشرة إلى الرئيس حسن روحاني من تداعيات اتجاهه إلى فتح ملف أزمة عام 2009 من جديد خلال الشهور الخمسة المتبقية من ولايته الرئاسية الأولى، خاصة في ظل الضغوط التي يتعرض لها من جانب حلفائه من أجل تسوية ما يُمكن تسميته بـ"بقايا" تلك الأزمة قبل ترشحه في الانتخابات القادمة، على أساس أن ذلك كفيل بتعزيز فرصته في تجديد ولايته الرئاسية.

وفي هذا الإطار، فإن تيار المحافظين الأصوليين يسعى إلى توجيه رسالة مباشرة للرئيس بأن استجابته لضغوط حلفائه يمكن أن تخصم من قدرته على الفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة، لا سيما أن ذلك سوف يضعه في مواجهة مباشرة مع المرشد والمؤسسات النافذة في النظام التي ما زالت تتبنى شروطًا صارمة لتسوية تلك المشكلة، تتمثل في اعتراف قادة الاحتجاجات أو ما يطلق عليه "فتنة 2009" بالخطأ، وتقديمهم اعتذارًا عما اقترفوه في حق النظام والدولة.

وربما يُفسر ذلك تعمد روحاني الرد على تلك الرسائل بتأكيده ضرورة عدم استغلال الاحتفال بذكرى "9 دي" في تصفية حسابات حزبية، في إشارة إلى أن خصومه السياسيين يسعون إلى استثمار تلك المناسبة من أجل ممارسة مزيد من الضغوط عليه قبل الانتخابات الرئاسية.

2- الرد على الدعوات التي أطلقها العديد من الشخصيات السياسية البارزة برفع الإقامة الجبرية عن كلٍّ من رئيس الوزراء الأسبق مير حسين موسوي (وزوجته زهرا راهنافارد)، ورئيس مجلس الشورى الأسبق مهدي كروبي، والتي فُرضت عليهما منذ فبراير 2011، بسبب مطالبتهما السلطات بالسماح لهما بتنظيم احتجاجات جديدة لتأييد الثورات والاحتجاجات التي شهدتها العديد من الدول العربية في تلك الفترة.

واللافت في هذا السياق، أن نائب رئيس مجلس الشورى علي مطهري هو من قاد تلك الدعوات خلال الفترة الأخيرة، وهو أحد كوادر تيار المحافظين الأصوليين، لكنه يتبنى توجهات مختلفة نسبيًّا عن الجناح المتشدد داخل التيار، إلى درجة دفعت الأخير إلى رفض ترشيحه في الانتخابات التشريعية الأخيرة على قوائمه، بشكل اضطر معه مطهري، وهو ابن آية الله مطهري أحد أهم رموز نخبة رجال الدين في إيران، إلى الترشح على قائمة "صوت الشعب"، حيث نجح في الاحتفاظ بمقعده وجاء في المركز الثاني في العاصمة طهران، كما فاز أيضًا بمنصب نائب رئيس المجلس.

ومن دون شك، فإن ذلك يوحي بأن تيار المحافظين الأصوليين لا يتبنى موقفًا واحدًا تجاه تلك القضية تحديدًا، لكن الاتجاه العام داخله يميل ناحية تأييد الإجراءات التي يتخذها النظام تجاه قادة الاحتجاجات وبعض المعتقلين السياسيين، ربما لتحقيق مكاسب سياسية، أو لعرقلة الجهود التي يبذلها تيار المعتدلين من أجل توسيع نطاق وجوده داخل السلطة. وقد وصل الأمر إلى درجة أن بعض كوادر تيار المحافظين الأصوليين اعتبر أن وضع مير حسين موسوي ومهدي كروبي تحت الإقامة الجبرية "كان رأفة بهم لأن القرار العادل كان يتمثل في الحكم بإعدامهما". 

3- تجديد شرعية النظام وإضفاء وجاهة خاصة على رؤيته للتطورات التي تشهدها الساحتان الداخلية والخارجية، والتي تعتمد في الأساس على وجود "مؤامرة" تسعى قوى خارجية وأطراف داخلية لتنفيذها من أجل تقويض دعائمه، وتكريس حالة من عدم الاستقرار الداخلي على المستويات المختلفة.

وهنا، كان لافتًا أنه بالتوازي مع تصاعد اهتمام النظام بذكرى "9 دي" بدأت وسائل الإعلام الموالية للنظام في إلقاء الضوء من جديد على أن الصراع في سوريا يهدف إلى تقويض الدور الإقليمي الإيراني، وتهديد أمن ومصالح إيران، باعتبار أن النظام السوري يُمثِّل محورًا مهمًّا يساعد إيران في دعم دورها على الساحة الإقليمية، خاصة أنه يوفر لها قنوات للتواصل مع الميليشيات الحليفة لها، لا سيما حزب الله.

ومن دون شك، فإن تبني مؤسسات النظام لهذا الخطاب "التآمري" يبدو أنه سوف يتزايد خلال المرحلة القادمة، في ظل تصاعد مخاوف إيران من المسارات المحتملة للصراع في سوريا بعد التفاهمات التي توصلت إليها كل من روسيا وتركيا خلال الفترة الأخيرة، والتي قد تقود للوصول إلى تسوية قد تُهدد مصالحها في سوريا، وهو ما يشير في النهاية إلى أن النظام في إيران سوف يتجه خلال المرحلة القادمة إلى الربط بين الضغوط التي تفرضها التطورات الخارجية والتوازنات السياسية الداخلية التي يسعى إلى إعادة ضبط حدودها من أجل التعامل مع التداعيات المحتملة لتلك الضغوط.