أعلن المتحدث باسم الحكومة الصومالية، في 9 يناير 2022، عن توصل الأطراف الصومالية إلى اتفاق بشأن الانتهاء من الانتخابات التشريعية في موعد أقصاه 25 فبراير المقبل، وقد تم التوصل لهذا الاتفاق بعد المؤتمر التشاوري الذي عقده المجلس الاستشاري الوطني، والذي استمر لمدة أسبوع في العاصمة الصومالية مقديشو، بحضور رؤساء الولايات الفيدرالية الخمسة، بالإضافة إلى محافظ إقليم بنادر، وبرئاسة رئيس الوزراء الصومالي، محمد حسين روبلي.
تطورات متسارعة
شهد الملف الصومالي عدداً من المتغيرات المهمة خلال الفترة الأخيرة، والتي عكست بعض المؤشرات الإيجابية بشأن احتمالية تحريك حالة الجمود السياسي التي تهمين على المشهد في مقديشو، ويمكن عرض هذه التطورات على النحو التالي:
1- توافقات جديدة: احتضنت العاصمة الصومالية مقديشو، في الفترة من 3 – 9 يناير 2022 اجتماعات المؤتمر التشاوري الوطني، بحضور رؤساء الولايات الفيدرالية الخمس، بونتلاند وجوبالاند وجنوب غرب الصومال وغلمدغ وهيرشبيلي، فضلاً عن محافظ إقليم بنادر. كما تضمنت الاجتماعات لقاءات تشاورية مع ممثلين عن اتحاد المرشحين للرئاسة ومنظمات المجتمع المدني والشركاء الدوليين.
ورجحت بعض التقديرات، في البداية، فشل هذه الاجتماعات في التوصل لأي توافقات بسبب تعقد المسائل الخلافية فيما يتعلق بالانتخابات، فضلاً عن تصاعد حدة الأزمة بين معسكري الرئيس فرماجو ورئيس الوزراء، بيد أنه في 9 يناير الجاري، صدر بيان ختامي لاجتماعات المؤتمر التشاوري، تضمن التوصل إلى اتفاق جديد بشأن تسريع مسار العملية الانتخابية.
وأنطوى هذا الاتفاق على 18 بنداً رئيسياً، كان أبرزها إجراء انتخابات مجلس الشعب في الفترة من 15 يناير الجاري وحتى 25 فبراير المقبل، فضلاً عن الاتفاق على إجراءات لضمان نزاهة وشفافية العملية الانتخابية، والتأكيد على استقلالية اللجان المشرفة على العملية الانتخابية، على المستويين الفيدرالي والإقليمي، والتزام قوات الجيش والشرطة الحياد إزاء القضايا السياسية، بالإضافة إلى مطالبة قوات بعثة الاتحاد الأفريقي (الأميصوم) تعزيز أمن المجمع الرئاسي.
2- دعم المعارضة للاتفاق: أعلن مجلس اتحاد المرشحين الرئاسيين، وهو تحالف بين أطياف المعارضة الرئيسة في الصومال، عن ترحيبه بنتائج المؤتمر التشاوري، مشيراً إلى أن رئيس الوزراء هو المنوطة به مسؤولية الأمن في البلاد لحين الانتهاء من الانتخابات البرلمانية والرئاسية، كما دعا المجلس الحكومة الصومالية إلى ضرورة مراقبة الانتخابات وضمان الشفافية.
3- تأييد القوى الإقليمية والدولية: رحبت الأمم المتحدة بالاتفاق الأخير، وطالب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، بضرورة تنفيذ هذه القرارات خلال الفترة المحددة، وتجنب الاستفزازات التي تخاطر بتأجيج توترات جديدة. كما رحب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فقي محمد، بمخرجات المؤتمر التشاوري بين القادة الصوماليين.
وأصدر الشركاء الدوليون والإقليميون للصومال بياناً مشتركاً، تضمن دعم القرارات التي أفرزها المؤتمر التشاوري الأخير، بالإضافة إلى دعوة الأطراف الصومالية إلى ضرورة الإسراع في إنجاز عملية الاستحقاقات البرلمانية، وتغليب المصلحة العامة وتجنب انخراط القيادات الأمنية في العملية السياسية، وشارك في هذا البيان كل من بعثة الأمم المتحدة، وبعثة الاتحاد الأفريقي، وسفارتي الولايات المتحدة وبريطانيا، وسفراء عدة دول عربية منهم السفير المصري، فضلاً عن السفير التركي.
4- تهديدات أمريكية لمعرقلي الانتخابات: وجهت الولايات المتحدة تحذيرات للقادة الصوماليين حال تم تأجيل عملية الانتخابات البرلمانية مرة أخرى، حيث أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، في 12 يناير الجاري، أن واشنطن ستفرض عقوبات صارمة على أولئك الذين يعرقلون إجراء الانتخابات في الصومال، حال عدم الالتزام بالجدول الذي حدده المجلس الاستشاري خلال المؤتمر التشاوري الأخير.
دلالات مهمة
عكس الاتفاق الأخير، الذي تمخض عن اجتماعات المجلس الاستشاري الوطني العديد من الدلالات المهمة بشأن مستقبل المسار الانتخابي في البلاد. ويمكن عرض هذه الدلالات على النحو التالي:
1- استمرار الصراع بين فرماجو وروبلي: على الرغم من المؤشرات الإيجابية التي عكسها الاتفاق الأخير الذي توصل إليه القادة الصوماليون، بيد أنها لم تقدم تسوية للأزمة الأخيرة التي تفاقمت بين الرئيس الصومالي المنتهية ولايته، محمد عبد الله فرماجو، ورئيس الوزراء، محمد حسين روبلي، بعدما عمد فرماجو، في 27 ديسمبر الماضي، إلى محاولة تعليق سلطات روبلي، من أجل تعطيل عملية الانتخابات والاستمرار في السلطة.
وتجدر الإشارة إلى أن فرماجو يسعى للاستمرار في السلطة، وهو ما وضح في قيامه مؤخراً بترقية العديد من القيادات الأمنية، في محاولة منه لكسب مزيد من الموالين له.
ولم يتضمن الاتفاق الأخير أي إشارة إلى تسوية للأزمة بين فرماجو وروبلي بشكل مباشر، وإن كان من الواضح أن هناك عدة تلميحات إلى الأزمة، وتقوية مركز روبلي، وهو ما وضح في التأكيد على إجراء الانتخابات دون تأجيل، وتلويح الولايات المتحدة إلى عقاب المعرقلين، في إشارة إلى وجود إدراك أمريكي بإمكانية تورط فرماجو مجدداً في تأجيل الانتخابات. كما أن الاتفاق الأخير تضمن بنداً بشأن الدفع بعناصر من بعثة الأميصوم إلى المجمع الرئاسي؛ للحيلولة دون حدوث مواجهات بين القوات الموالية للرئيس الصومالي، وتلك الداعمة لرئيس الحكومة.
وشهدت اجتماعات المؤتمر التشاوري خلافات حادة بين الحضور بشأن مسؤولية الأمن في البلاد، حيث عمد رئيس الوزراء بالتمسك بإدارة هذا الملف لضمان شفافية الانتخابات، وهو ما لاقى اعتراضات واسعة من قبل رؤساء الولايات المواليين لفرماجو، وهم رؤساء ولايات غلمدغ وهيرشبيلي وجنوب غرب الصومال، فضلاً عن عمدة مقديشو، بينما دعم رؤساء ولايتي بونتلاند وجوبالاند موقف رئيس الوزراء حسين روبلي.
وأدت الخلافات السابقة إلى تعزيز حالة الاستقطاب داخل اجتماعات المؤتمر التشاوري، وهو ما أنذر باحتمالية فشل التوصل إلى أي تفاهمات، الأمر الذي دفع في النهاية إلى تجاوز هذه النقطة الخلافية، والاكتفاء فقط بالنص على تعزيز أمن المجمع لرئاسي بعناصر من الأميصوم، مع بقاء الصراع الراهن بين فرماجو وروبلي، ما قد ينذر باحتمالات تأجج الصراع في أي وقت.
2- مستقبل اللجنة الانتخابية: على الرغم من إعلان الاتفاقية الأخيرة للمؤتمر التشاوري عن موعد نهائي لإجراء انتخابات مجلس الشعب، وهو 25 فبراير المقبل، بيد أن ثمة إشكاليات عديدة لم يتم التطرق إليها في البيان الختامي، وهو مستقبل العناصر السبعة التي أقالها روبلي من لجنة فض النزاعات المتعلقة بالانتخابات، فضلاً عن دور قوات الأمن في المسار الانتخابي، وكذلك فكرة التعامل مع الشكاوى الانتخابية، وفي ظل عدم تسوية الاتفاقية الأخيرة لهذه الاشكاليات، تبقى الشكوك المتعلقة باحتمالية فشل الالتزام بالموعد المحدد للانتهاء من انتخابات مجلس الشعب قائمة بقوة.
3- تصاعد الاستقطاب الداخلي: شهدت الأيام الأخيرة انتقال الاحتقان السياسي إلى الشارع الصومالي، فقد شهدت مقديشو حالة من الاستياء الشعبي بعد قرار عمدتها منع التظاهرات التي كان مقرراً لها 13 يناير الجاري للتنديد بتحركات فرمجاو الأخيرة، والتي وصفها منظمو الاحتجاجات بأنها انقلاب سياسي.
وكان هؤلاء المحتجون حصلوا على رخصة أمنية من قبل وزير الأمن الصومالي للتظاهر في ميدان "دلجركا داهسون" المتاخم للمجمع الرئاسي، بيد أن عمدة مقديشو، الموالي لفرماجو، عمد إلى حظر هذه التظاهرات، وهو ما يكشف عن عمق الانقسامات في المؤسسات السياسية في العاصمة.
وتزامن مع هذا التطور، انتشرت القوات الموالية لفرماجو، بشكل مكثف، في شوارع مقديشو، بالتنسيق مع بعض أفرع الجيش الموالية له، في مشهد ينذر باحتمالات حدوث صدامات عنيفة خلال المرحلة المقبلة.
سيناريوهات محتملة
يمكن طرح ثلاثة سيناريوهات رئيسية تعكس المسارات المحتملة في الصومال خلال الفترة المقبلة، والتي تتمثل فيما يلي:
1- الالتزام بالمسار المعلن: يتمثل هذا السيناريو في إنجاز الانتخابات البرلمانية والرئاسية في موعدها، خاصةً مع تهديد الولايات المتحدة باحتمالية فرض عقوبات على الأطراف المعرقلة للانتخابات. وربما يدعم هذا الطرح إعلان فرماجو عن دعمه لهذا الاتفاق.
2- تعثر الخارطة الجديدة: يبقى هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحاً، خاصةً في ظل الملفات الخلافية المعقدة التي لا تزال عالقة حتى الآن، والتي لم ينجح الإتفاق الأخير في تسويتها، فضلاً عن التحركات المكثفة التي يقوم بها الرئيس المنتهية ولايته، عبد الله فرماجو، من أجل عرقلة هذه الانتخابات، وربما يعزز من هذا الطرح حالة الانقسام التي تطغى على المؤسسات السياسية المختلفة، فضلاً عن وجود عدد من رؤساء الولايات الصومالية يدعم موقف فرماجو، وتسعى لتعطيل إنجاز انتخابات نزيهة وشفافة، تهدد استمرارية الأخير في السلطة.
3- اندلاع مواجهات مسلحة: يعد السيناريو الأسوء، وهو يرتبط بالسيناريو السابق، ففي ظل التحركات التي يقودها فرماجو لعرقلة إجراء الانتخابات، وبعد فشل محاولته السابقة في الاعتماد على تحرك عسكري محدود من أجل إزاحة رئيس الوزراء من المشهد، لا يمكن استبعاد لجوء فرماجو إلى حشد مزيد من الموالين له داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية للإطاحة بروبلي، خاصة في ضوء الدعم العسكري التركي لفرماجو، وهو الأمر الذي ربما يتمخض عنه تفاقم من حدة الصراعات المسلحة في مقديشو.
وفي الختام، يمكن القول إن الرئيس المنتهية ولايته فرماجو، قد تستمر مساعيه لتعطيل الانتخابات للبقاء في السلطة، مع العمل على البحث عن شركاء سياسيين، واستقطاب بعض عناصر المعارضة، فضلاً عن تعزيز حلفائه داخل المؤسسات الأمنية للبقاء في المشهد، وهو ما قد يرجح احتمالية عدم إنجاز الانتخابات البرلمانية في الموعد المقرر في 25 فبراير المقبل، مما يزيد من حالة الضبابية التي تهيمن على مستقبل المشهد السياسي والأمني في الصومال.