أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

صمود صيني:

لماذا قد تخسر واشنطن الحرب التجارية مع بكين؟

25 ديسمبر، 2019


عرض: إيمان فخري - باحثة دكتوراه بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة

في أواخر يونيو الماضي، أعلن رئيسا الصين والولايات المتحدة في اجتماع مجموعة العشرين في أوساكا باليابان، أنهما توصّلا إلى انفراجة في حربهما التجارية، حيث صرح "ترامب" بأن المفاوضات عادت إلى مسارها الصحيح، حيث قام بوقف العمل بالتعريفات الجمركية الجديدة التي تم فرضها على البضائع الصينية ورفع القيود التي تمنع الشركات الأمريكية من التعامل مع شركة هواوي الصينية. واعتبر الخبراء هذه الخطوات بمثابة هدنة من الحرب التجارية الدائرة بين البلدين.

لكن ما لبثت هذه الهدنة أن انتهت في سبتمبر عندما فرضت إدارة "ترامب" مزيدًا من الرسوم الجمركية على الواردات الصينية بقيمة 125 مليار دولار، وقامت بكين في المقابل بفرض تعريفات جمركية على سلع أمريكية بقيمة 75 مليار دولار، فضلًا عن احتمال فرض الولايات المتحدة مزيدًا من التعريفات في ديسمبر الجاري، مما يرفع القيمة الإجمالية للسلع الصينية الخاضعة للتعريفات العقابية الأمريكية إلى أكثر من نصف تريليون دولار تغطي جميع الواردات الصينية تقريبًا. ومن ناحية أخرى، من المتوقع أن تقوم الصين باستكمال فرض مزيد من التعريفات العقابية هي الأخرى لتشمل 69% من وارداتها من الولايات المتحدة.

وفي هذا الإطار، يسعى "ويجيان شان" في مقالته المعنونة "الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.. الجميع يخسر خاصة الولايات المتحدة"، المنشورة بعدد نوفمبر/ديسمبر ٢٠١٩ بمجلة "الشئون الخارجية"، إلى استجلاء حقيقة الصراع التجاري الدائر بين البلدين، وقدرتهما على الاستمرار في الحرب التجارية وخسائر كلٍّ منهما في هذا الصراع.

ترتكز المقالة على مقولتين رئيسيتين؛ الأولى مفادها أن الولايات المتحدة في حربها التجارية مع الصين لا تسعى فحسب إلى تقليص العجز التجاري كما أعلنت إدارة "ترامب"، بل إن السبب الجوهري هو أن الرئيس الأمريكي يرى أن زيادة التعريفات الجمركية على الواردات الصينية ليست إلا وسيلة لإبطاء نهوض الصين الاقتصادي، وتحجيم قدراتها كمنافس جيوسياسي للولايات المتحدة. أما المقولة الثانية فهي أن الاقتصاد الصيني قادر على الصمود بصلابة خلال هذه الحرب التجارية.

استمرار العجز التجاري

يرى الكاتب أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، سواء كان هدفها تقليص العجز التجاري أم تحجيم الصعود الصيني، لم تحقق أيًّا من أهدافها حتى الآن. ففي بداية الأمر، قامت واشنطن بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية في عام 2018، ولكن الأمر المثير للدهشة أنه في العام نفسه ازدادت الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة بمقدار 34 مليار دولار، أي بنسبة 7%، في حين انخفضت الصادرات الأمريكية إلى بكين بمقدار 10 مليارات دولار، أي بنسبة 8%.

وفي الأشهر الثمانية الأولى من عام 2019 انخفضت صادرات الصين إلى الولايات المتحدة بنسبة تقل عن 4% مقارنة بالفترة ذاتها في العام السابق (٢٠١٨)، ولكن الصادرات الأمريكية إلى بكين تقلصت بنسبة 24%. فقد تزامنت الحرب التجارية مع زيادة العجز في الميزان التجاري بين البلدين لصالح الصين بحوالي 12% في عام 2018، بالإضافة إلى 8% أخرى في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2019.

ويَعزُو الكاتبُ عدمَ انخفاض الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة إلى عاملين؛ يتمثل أولهما في أنه لا توجد بدائل جيدة للعديد من المنتجات التي تستوردها الولايات المتحدة من الصين، مثل أجهزة آي فون iPhone، لذا يضطر المستهلك الأمريكي إلى استيعاب ارتفاع أسعار السلع المستوردة من الصين.

وينصرف ثانيها إلى أنه من غير المرجح أن تغلق الشركات الأمريكية مصانع تصنيع منتجاتها في الصين، وذلك لارتباط تصنيع العديد من المنتجات داخل الولايات المتحدة بمواد وقطع غيار لا توجد إلا في بكين، وخير دليل على ذلك هو أنه في عام 2012 حاولت شركة آبل نقل تصنيع جهاز ماك برو Mac Pro المتطور من الصين إلى تكساس، ولكن صعوبة توفير المسامير اللولبية الصغيرة التي تثبت أجزاء الجهاز ببعضها حالت دون النقل.

وما يُعزز من حقيقة أن الحرب التجارية لم تحقق النتائج التي تسعى لها الولايات المتحدة هو أن الاقتصاديين في بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك وفي أماكن أخرى وجدوا أن زيادة التعريفات الأمريكية لم تجبر المصدرين الصينيين على خفض أسعارهم، بل قاموا بتحميل المستهلك الأمريكي زيادة التعريفات من خلال رفع أسعار سلعهم، وبالتالي فالوضع على أرض الواقع أصبح أن المستهلك الأمريكي هو من يدفع لحكومته الزيادة التي أقرها الجانب الأمريكي على السلع الصينية. في حين أن المستهلكين الصينيين لا يدفعون أسعارًا أعلى مقابل الحصول على الواردات الأمريكية.

إدارة الصين الذكية

يذكر الكاتب أن دراسة أجراها معهد بيترسون للاقتصاد الدولي قد أظهرت أنه منذ بداية عام 2018 رفعت الصين متوسط ​​معدل التعريفة الجمركية على الواردات الأمريكية من 8% إلى 21.8%، وخفضت متوسط ​​سعر التعريفة على جميع شركائها التجاريين الآخرين من 8% إلى 6.7%. علمًا بأن بكين قد فرضت تعريفات فقط على السلع الأمريكية التي يمكن استبدالها بواردات من دول أخرى بأسعار مماثلة، وعملت أيضًا على خفض الرسوم المفروضة على المنتجات الأمريكية التي لا يمكن شراؤها في أي مكان آخر بسعر أرخص، مثل أشباه الموصلات والمستحضرات الصيدلانية. وبالتالي، انخفضت أسعار واردات الصين لنفس المنتجات بشكل عام، على الرغم من ارتفاع الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية.

وأوضح مثال على إدارة الصين الذكية للحرب التجارية هو فرضها تعريفة بنسبة 25% على سرطان البحر الأمريكي (Lobster) في يوليو 2018، مما أدى إلى انخفاض الصادرات الأمريكية له بنسبة 70%، وفي الوقت ذاته قامت بكين بتخفيض الرسوم الجمركية على سرطان البحر الكندي بنسبة 3%، مما أدى إلى تضاعف صادراته إلى الصين، وبالتالي فإن المستهلك الصيني أصبح يدفع ثمنًا أقل للحصول على سرطان البحر.

التأثيرات المستقبلية

رغم تبني المقالة نبرة إيجابية ومتفائلة حيال وضع الصين في الحرب التجارية؛ إلا أن الكاتب لا ينكر الصدمة التي أثرت على الاقتصاد الصيني عقب فرض التعريفات الجمركية للمرة الأولى، فقد شهدت أسواق المال الصينية انخفاضًا بنسبة 25%، وشعرت بكين بضغط شديد لمحاولة مواجهة الأزمة، ولكنها مع الوقت استطاعت التعامل مع الأزمة بشكل أفضل. وخير دليل على ذلك هو ارتفاع مؤشرات الأسهم بنسبة 23% و34% في بورصتي شانغهاي وشينجن على التوالي في 12 سبتمبر 2019.

ويرى الكاتب أن تأثير استمرار الحرب الأمريكية على الصين سيكون ضئيلًا، خاصة مع تحول اقتصادها من الاعتماد المكثف على الصادرات إلى الاعتماد على الاستهلاك كدافع للنمو الاقتصادي. وبالتالي لو قامت الإدارة الأمريكية بزيادة التعريفات الجمركية فلن يكون لذلك أثر كبير على الاقتصاد الصيني في ظل تضاؤل الدور الذي تلعبه الصادرات كمحرك للنمو الصيني. ويمكن استقراء ذلك من خلال انخفاض نسبة مساهمة الصادرات الصينية في الناتج المحلي الإجمالي الصيني من 36% في عام 2006 إلى 18% في عام 2018. في حين ازدادت نسبة مساهمة الاستهلاك المحلي في إجمالي الناتج المحلي من 35% خلال عام 2010 إلى 39% في عام 2018، ومرشحة للزيادة بشكل أكبر في المستقبل القريب.

وتستمر النظرة التفاؤلية لأداء الاقتصاد الصيني، حيث يذكر الكاتب أن الصين لم تشهد ركودًا خلال الأربعين عامًا الماضية، ولن تعاني من ركود في المستقبل المنظور، وذلك لأن اقتصادها لا يزال في مرحلة مبكرة من التنمية. وذكر المقال أنه حتى لو تحققت توقعات صندوق النقد الدولي بانخفاض ​نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للصين من 6.6% في عام 2018 إلى 5.5% في عام 2024، فإن ذلك لن يعني انكماش الاقتصاد الصيني، لأنه من المتوقع أن تستمر نسبة الاستهلاك المحلي في الازدياد لتكون محركًا داعمًا للنمو الاقتصادي للدولة.

وفي المقابل، يُشير المقال إلى أن الاقتصاد الأمريكي قد شهد أطول فترة توسع في التاريخ، وبالتالي فإن دورة الهبوط الحتمية تلوح في الأفق. فعلى سبيل المثال، انخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني من هذا العام (٢٠١٩) إلى 2% مقارنة بـ3% في الربع الأول. وبالتالي فإن استمرار الحرب التجارية بين الجانبين سيؤدي دون شك إلى مزيدٍ من الانخفاض للناتج المحلي الأمريكي مما يعزز إمكانية حدوث ركود اقتصادي. فوفقًا لاستطلاع أجرته صحيفة "واشنطن بوست" في سبتمبر ٢٠١٩، توقع 60% من الأمريكيين ركودًا في عام 2020، مما سيجبر الرئيس "ترامب" على وقف حربه التجارية مع الصين بعد أن يبدأ الاقتصاد الأمريكي في فقدان قوته.

ضرورة تغيير "ترامب" استراتيجيته

يرى الكاتب أن إدارة "ترامب" تغض الطرف عن فشل الحرب التجارية في تحقيق الهدف منها، في حين أن العجز التجاري الأمريكي ليس بسبب الممارسات غير العادلة للصين أو غيرها من الدول في النظام التجاري الدولي، بل إن السبب الرئيسي لذلك يكمن في أن النفقات المحلية للولايات المتحدة دائمًا ما تتجاوز الناتج المحلي الإجمالي، مما يؤدي إلى انخفاض صافي الصادرات ووجود عجز تجاري.

ويُضيف، أن الولايات المتحدة تعاني من عجز تجاري مستمر بشكل عام، ومع معظم شركائها التجاريين منذ عام 1975، لذا فإنه حتى حال قيام الصين بالرضوخ لمطالب إدارة "ترامب" واستيراد مزيدٍ من السلع الأمريكية، فإن ذلك لن يؤثر بشكل إيجابي على العجز التجاري الأمريكي الكلي. ومن ثم فإن زيادة حجم الصادرات الأمريكية لن تُقلل بالضرورة العجز التجاري ما لم يرافقه انخفاض في نفقات الحكومة الأمريكية من حيث الاستهلاك والاستثمار.

ويرى أن إدارة "ترامب" عليها أن تُدرك أن الطريقة المثلى لمعالجة العجز التجاري تتمثل في العمل على نمو الاقتصاد الأمريكي بشكل أسرع لتغطية النفقات المحلية وتحقيق فائض، وأن ذلك لا يمكن أن يحدث إلا من خلال تشجيع الابتكار وزيادة الإنتاجية، والحرب التجارية تفعل عكس ذلك تمامًا، فهي تعرقل جهود النمو الاقتصادي والابتكار.

وفي هذا السياق، يدعو الكاتب المسئولين في الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في تحليلهم للاقتصاد الصيني. وأشارت المقالة إلى أن الاعتقاد بوجود "نموذج صيني" فريد للتنمية الاقتصادية والذي يمثل بديلًا وتهديدًا لأنظمة السوق الليبرالية أصبح افتراضًا غير منطقي، خاصة في ظل أن السوق تلعب دورًا مهيمنًا في تخصيص الموارد، وأن القطاع الخاص يمثل أكثر من ثلثي الاقتصاد الصيني، فضلًا عن أن القيادات الصينية تدرك أنه لا يمكن لبكين أن تحافظ على زخمها الاقتصادي إلا من خلال الإصلاح الهيكلي لاقتصادها، والتحرك في اتجاه سوق أكثر حرية وانفتاحًا وإلا سيعاني من تراجع في مستويات نموه.

لذا، يقترح الكاتب أنه يجب على المفاوضين الأمريكيين دفع الصين إلى مزيدٍ من تقليص قطاعها المملوك للدولة، وضمان الوصول المتساوي إلى سوقها للتجارة والاستثمار، وتطوير نظام أفضل لحماية الملكية الفكرية. ويرى الكاتب أن من شأن هذه الإجراءات أن تسرع مسار الإصلاح الذي شرعت فيه الصين قبل 40 عامًا، وأن مثل هذه التغييرات ستفيد بكين وكذلك شركاءها التجاريين، بما في ذلك الولايات المتحدة.

ختامًا، خلُصت المقالة إلى أن الصين والولايات المتحدة ترتبطان ارتباطًا شديدًا ببعضهما، فكل منهما أكبر شريك تجاري للآخر، وبالتالي فإن أي محاولة لفصل الاقتصادين لن تؤدي إلى حدوث عواقب وخيمة لكلا البلدين فحسب، بل ستلقي بظلالها السلبية على الاقتصاد العالمي من حيث ارتفاع الأسعار وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي. ولذا، من مصلحة كلا البلدين الابتعاد عن التفكير الصفري، ووضع حد للحرب التجارية، والمضي قدمًا نحو إزالة أية حواجز أو عوائق للتجارة بينهما.

المصدر:

‏Weijian Shan, The Unwinnable Trade War: Everyone Loses in the U.S.-Chinese Clash—but Especially Americans, Foreign Affairs, Vol. 98, Num. 6, November/December 2019, pp. 99-108.