أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

تهديدات "الهوامش":

ماذا يحدث في منطقة الشرق الأوسط؟

27 فبراير، 2018

تهديدات "الهوامش":

استضاف مركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، الإعلامي المصري أ. عماد الدين أديب، في 14 فبراير 2018، ضمن فاعليات حلقة نقاشية بعنوان "ما الذي يحدث في الشرق الأوسط؟". حيث أدار النقاش د. محمد عبدالسلام (المدير الأكاديمي للمركز)، وشارك فيه خبراء وباحثو "المستقبل". وطرحت الاتجاهات الرئيسية بالنقاش رؤية مفادها أن "منطقة الشرق الأوسط تشهد صدامًا محتدمًا بين المشروع العربي ومشروعات دول "الهوامش" الإقليمية (إيران وتركيا وإسرائيل)، وكثافة للتدخلات القوى الدولية ضمن التحولات الهيكلية في جغرافيا الإقليم، ومحاولات رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط".


إعادة هيكلة "الشرق الأوسط":

أكد المشاركون في الحلقة النقاشية أن تحليل التحولات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط يبدأ من تبني تفسيرات متعددة الأبعاد للظواهر المختلفة، واستبعاد التفسيرات الأحادية التي تتبنى رؤى خطية للعلاقة بين الحافز والاستجابة، وهو ما يرجع إلى التعقيد الشديد والتداخل الذي تتسم به التغيرات الإقليمية السريعة والتفاعلات الكثيفة التي يشهدها الشرق الأوسط، ويرتبط ذلك بتصاعد استهداف "دول الهوامش" في الشرق الأوسط (تركيا وإيران وإسرائيل) والقوى الدولية للمنطقة العربية منذ "الثورات العربية"، فمشروعات الإصلاح الإقليمي التي طرحتها القوى الغربية كانت تنطوي على انتقائية واضحة، وتعمدت استبعاد تركيا وإيران وإسرائيل، والتركيز فقط على الدول العربية على الرغم من تعدد مظاهر الاختلال الداخلي في "دول الهوامش" التي تستحق قدرًا كبيرًا من الاهتمام من جانب الأطراف الدولية.


فالحكومة التركية تتبع سياسات قمعية على المستوى الداخلي، وقاد الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" حملات اعتقال طالت المعارضين، بالإضافة إلى الموظفين وضباط الشرطة والجيش، وإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، والهيمنة على القضاء، والسيطرة الكاملة على كافة مفاصل الدولة. وعلى المستوى الإقليمي تنتهج تركيا سياسات عدوانية تقوم على عسكرة العلاقات مع دول الجوار والقرصنة البحرية.

وينطبق الأمر ذاته على إسرائيل التي لا تتبع الحد الأدنى من معايير حقوق الإنسان، وتتبنى سياسات تمييزية ضد العرب في الداخل والفلسطينيين، بالإضافة إلى انتشار ممارسات الفساد التي تشمل القيادات السياسية وفي صدارتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو". أما إيران فقد اعتادت مصادرة حقوق وحريات مواطنيها، والتمييز ضد الأقليات، وقمع المعارضين، في إطار نظام ولاية الفقيه.

ويتضح من ذلك أن المشروعات الغربية للتغيير في المنطقة تستهدف خلخلة العالم العربي، وإطلاق "موجات سيزمية" تؤدي لإعادة هيكلة خريطة الإقليم، وإعادة رسم الحدود داخل الدول عبر تفتيت الدول العربية ودعم تشكل دويلات متعددة على امتداد العالم العربي، مع توظيف الأقليات في إثارة عدم الاستقرار في العالم العربي على الرغم من وجود تناقضات كبيرة في علاقة نظم الحكم في إيران وتركيا وإسرائيل والأقليات.

ولا تُعد ممارسات التجزئة والتقسيم أحد مستجدات سياسات الدول الغربية في المنطقة العربية، إذ ترتبط بالأدوار التاريخية السلبية لهذه القوى، وأطروحات المفكرين والسياسيين الغربيين حول تفكيك المشروع العربي، وإعادة هيكلة خريطة الشرق الأوسط. ولقد شهدت الآونة الأخيرة تلاقي مصالح القوى الغربية مع دول "الهوامش" الإقليمية في إثارة الاضطرابات السياسية، وعدم الاستقرار في المنطقة العربية.

تفجير الاضطرابات الإقليمية:

أدى التلاقي في مصالح الأطراف الإقليمية غير العربية والدولية في تفكيك منطقة الشرق الأوسط إلى تصاعد حدة الاضطرابات السياسية والتهديدات الأمنية، وسعت دول الهوامش في الشرق الأوسط لاستغلال عدم الاستقرار عبر اتباع عدة سياسات تتمثل فيما يلي:

1- تأجيج الصراعات الداخلية: كشفت مراجعة التطورات التي أعقبت الثورات العربية في بعض الدول العربية عن تورط قوى إقليمية في إثارة التوترات الداخلية، وتأجيج الصراعات الداخلية، وإدارة حروب بالوكالة مع القوى الإقليمية والدولية المناوئة لمصالحها، على غرار الدور الإيراني في سوريا والعراق، والسياسات التركية تجاه سوريا وليبيا. حيث قامت هذه الدول بتسهيل إمداد الميليشيات المسلحة والتنظيمات المتطرفة بالمال والسلاح، وتدريب وتأهيل الكوادر عسكريًّا، بهدف إضعاف وتفكيك الدول العربية من الداخل.

2- التحالف مع تيارات "الإسلام السياسي": قامت القوى الإقليمية بالتحالف مع التيارات الدينية في الدول العربية لتحقيق مصالحها، واستكمال الاختراق الداخلي للعالم العربي، وإدارة صراعات بالوكالة ضد القوى الداعمة للاستقرار، إذ قامت تركيا بدعم التيارات الدينية المتطرفة في عدد كبير من دول المنطقة، ووفرت لهم المأوى والاستضافة والدعم المالي والمنصات الإعلامية التي تروج لأفكارهم.

3- إثارة الانقسامات الطائفية: تقوم دول الهوامش باستغلال الانقسامات المجتمعية لإثارة عدم الاستقرار الداخلي، وزيادة حدة الاستقطاب السياسي. فعلى سبيل المثال، تستغل إيران الارتباط بالأقليات الشيعية في الدول العربية لاختراق المجتمعات والمؤسسات، وتأسيس علاقات للتبعية السياسية لتحقيق مصالحها.

4- التدخل العسكري المباشر: تصاعد اعتماد دول "الهوامش الإقليمية" على سياسات التدخل العسكري المباشر عقب الثورات العربية ضمن الاتجاهات شديدة العدوانية تجاه المنطقة العربية، حيث قامت تركيا وإيران بالتدخل العسكري في العراق وسوريا، ودعمت إيران ميليشيات الحوثيين عسكريًّا وماليًّا ضمن الحرب بالوكالة التي تخوضها ضد الدول العربية، يُضاف إلى ذلك قيام "دول الهوامش" بتأسيس قواعد عسكرية داخل المنطقة العربية وفي امتداداتها الجغرافية في شرق إفريقيا، وهو ما يمكن اعتباره تطبيقًا لسياسات "شد الأطراف" في مواجهة الدول العربية.

دوافع "دول الهوامش":

تستهدف القوى الإقليمية غير العربية من سياساتها العدوانية التدخلية تجاه المنطقة تحقيق عدة مصالح جيوسياسية يتمثل أهمها فيما يلي:

1- إضعاف المشروع العربي: تعتبر "دول الهوامش" في الشرق الأوسط المشروع العربي البديل الأساسي لمشروعات الهيمنة التي تسعى لفرضها على المنطقة، على غرار المشروع الشرق أوسطي الذي يقوم على إدماج إسرائيل في الإقليم، وفرض صيغة غير عادلة وغير متوازنة لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي، وتهدف إيران وتركيا لانتزاع الصدارة الإقليمية وفرض مشروعاتها للهيمنة على الشرق الأوسط.

2- السيطرة على الممرات: تسعى تركيا وإيران وإسرائيل للسيطرة على الممرات الملاحية الاستراتيجية في المنطقة العربية باعتبارها تتحكم في حركة البضائع والأفراد وموارد الطاقة، وهو ما يرتبط بالسعي التركي لتعزيز علاقتها السياسية والعسكرية مع دولة السودان والتواجد في جزيرة "سواكن" ضمن سياساتها للتغلغل في المنطقة المُطلة على البحر الأحمر، كما تتعمد أنقرة عسكرة التفاعلات الإقليمية في البحر المتوسط، وتهديد دول الجوار للهيمنة على حقول الغاز بالقرب من السواحل القبرصية، ومواجهة المنافسة على مكانة "المركز الإقليمي للطاقة" الذي يربط بين المتوسط وأوروبا، ويبدو أن مصر قد تمكنت من حسمها لصالحها في الآونة الأخيرة.

3- تأمين المصالح الاقتصادية: تُعد المنطقة العربية سوقًا مهمة لدول "الهوامش" الشرق أوسطية، لأن هذه الدول لا تملك امتدادات جغرافية يمكن أن تعتبرها أسواقًا دائمة لمنتجاتها، ومن ثم تركز إسرائيل وتركيا وإيران على المردود الاقتصادي لسياساتها الإقليمية عبر عقد اتفاقات اقتصادية وتجارية متعددة مع دول المنطقة، وتحويل التفاعلات الإقليمية إلى "علاقات أعمال" مربحة.

4- الهيمنة على الموارد الاستراتيجية: تهدف القوى الإقليمية -سالفة الذكر- إلى السيطرة الكاملة على الموارد الاستراتيجية في المنطقة العربية وخاصة موارد الطاقة، حيث تسعى تركيا لانتزاع السيطرة على حقول الغاز المُكتشفة في شرق المتوسط، وهو ما دفعها للتهديد باستخدام القوة العسكرية في مواجهة عمليات التنقيب الكثيفة عن الغاز، وينطبق الأمر نفسه على إسرائيل التي تعارض عمليات استكشاف لبنان للغاز في منطقة البلوك رقم 9، كما تستهدف هذه الدول أيضًا السيطرة على الموارد المائية النادرة، والتحكم في تدفقات المياه، وهو ما يتجلى في سياسات تركيا وإسرائيل العدوانية في ملف المياه مع دول الجوار.

مستقبل "المنطقة العربية":

أشار المشاركون في الحلقة النقاشية إلى أن مستقبل "المنطقة العربية" يتوقف على إدارة التحولات الإقليمية، وما يتصل بها من ضغوط وتحديات، والتي يتمثل أهمها في: استعادة الاتزان والتماسك الداخلي في الدول العربية، واستيعاب الصدمات الإقليمية والتعامل مع الواقع الجديد الذي تفرضه التغيرات غير المتوقعة في المنطقة، لأن "ما لا يمكن تصديقه، قد أصبح واقعًا ينبغي التعامل معه"، فمشروعات التقسيم والتفتيت للمنطقة العربية -مثلًا- لم تعد مجرد أطروحات نظرية في مراكز التفكير الغربية، وإنما باتت واقعًا في دول الصراعات ينبغي التعامل معه، وتتمثل أهم ملامح مستقبل المنطقة العربية فيما يلي:

1- إدارة الاستحقاقات السياسية: تعد الانتخابات التشريعية المرتقبة في بعض الدول العربية -مثل العراق- نقطة تحول مفصلية في ظل ما يُصاحبها من استقطاب سياسي ومحاولات لتدخل القوى الإقليمية والدولية لتحقيق مصالحها، وهو ما يفرض على القوى الوطنية عزل التأثيرات الخارجية، وتحصين الداخل من الاختراق، والحفاظ على الاستقرار السياسي.

2- استعادة التوازن المجتمعي: يرتبط تجاوز التحديات السياسية والتهديدات الأمنية باستعادة التماسك المجتمعي، ومواجهة ثقافة التشكيك والتمرد والاستقطاب والانقسام التي يتم الترويج لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي من جانب بعض القوى الخارجية لتفكيك المجتمعات وتدميرها من الداخل، ونشر حالة عدم الاستقرار التي تعزز فرص القوى الخارجية لاختراق المجتمعات ومؤسسات الدولة. 

3- مرحلة "ما بعد داعش": على الرغم من الانحسار النسبي لتنظيم "داعش" في سوريا والعراق، إلا أنه تمكن من الانتقال إلى بعض بؤر التمركز البديلة في المنطقة العربية، مثل ليبيا، وأسهمت بعض القوى الإقليمية في رعاية "الخروج الآمن" لعناصر التنظيم، والتمركز في بعض المناطق الليبية، كما تنتشر الخلايا والجماعات المحلية التابعة لداعش على امتداد المنطقة العربية وفي المحيط الإقليمي في غرب إفريقيا والصومال، وهو ما يفرض مواجهة محاولات اختراق العناصر التابعة لداعش للدول العربية، وتجفيف منابع التطرف والإرهاب في الشرق الأوسط.

4- تحولات الصراعات الداخلية: تغيرت توازنات القوى الداخلية ضمن الصراعات الداخلية الأكثر احتدامًا في المنطقة العربية، إذ لم يعد رحيل "الأسد" مطلبًا لأيٍّ من القوى الإقليمية والدولية، ولم تعد المعارضة السورية تتمسك به في إطار عمليات التسوية، وانتقل الصراع إلى مرحلة تقاسم نطاقات النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية المتدخلة، مثل روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا.

5- مواجهة تهديدات "أمن الحدود": تواجه الدول العربية تهديدات متعددة تنبع من التدفقات الحدودية، حيث تصاعدت عمليات تهريب الأسلحة وأنشطة عصابات التهريب، وانتقال التنظيمات الإرهابية عبر الحدود بين الدول العربية، وهو ما يزيد من أهمية تأمين الحدود، ومواجهة التهديدات، وسياسات الاستنزاف التي تتبعها القوى الإقليمية والدولية ضد الدول العربية عبر إثارة التهديدات العابرة للحدود. فعلى سبيل المثال، تمثل الأوضاع الأمنية غير المستقرة في ليبيا تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري يستوجب اتخاذ إجراءات وقائية لدرء التهديدات وتحصين الحدود.

6- استيعاب الضغوط الاقتصادية: تمثل مواجهة التحديات الاقتصادية محددًا مهمًّا لقدرة الدول العربية على تعزيز الاستقرار السياسي الداخلي، وتعد الحالة التونسية نموذجًا على ذلك، فالاستقرار السياسي يتوقف على قدرة الدولة على استعادة الأداء المتوازن للاقتصاد، وتخفيف حدة الضغوط التي تواجهها القطاعات المجتمعية الأقل دخلًا، بالإضافة لتعزيز الموارد الوطنية للاستمرار في تقديم الخدمات العامة.

إجمالًا، تواجه المنطقة العربية تهديدات متعددة من جانب دول "الهوامش الإقليمية"، بالإضافة للقوى الدولية المتدخلة في المنطقة، ومحاولات فرض مشروعات بديلة، ورسم خريطة جديدة للمنطقة العربية تقوم على تفكيك الدول العربية الحالية، وتأسيس دويلات متعددة تحكم علاقاتها الصراعات الممتدة، وإثارة الصدامات العرقية، والاستقطاب السياسي، ودعم الفاعلين المسلحين من غير الدول، وإدارة الصراعات الإقليمية بالوكالة، مما يفرض على الدول والمجتمعات العربية التحسب لهذه التهديدات، واتباع سياسات استباقية تقوم على تعزيز القدرات الوطنية، وتدعيم التماسك الداخلي، والتصدي للتدخلات الخارجية.