أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

تعميق الانقسام:

تداعيات سيطرة قوات "حفتر" على منطقة الهلال النفطي

18 سبتمبر، 2016


شنت قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر عملية عسكرية في 11 سبتمبر 2016، للسيطرة على موانئ الهلال النفطي، أطلقت عليها اسم "البرق الخاطف"، حيث نجحت خلالها في السيطرة على موانئ (الزويتينة، البريقة، رأس لانوف، والسدرة)، وطردت قوات حرس المنشآت النفطية فرع الوسطى بزعامة إبراهيم الجضران والموالية لحكومة الوفاق الوطني.

وعلى الرغم من نجاح قوات حفتر في السيطرة على الهلال النفطي من دون قتال عنيف، فإن المواجهات عادت للمنطقة مرة أخرى بعدما شنت قوات حرس المنشآت النفطية هجمات على ميناءي السدرة ورأس لانوف، بما يهدد بتجدد الحرب الأهلية في ليبيا بين المنطقتين الشرقية والغربية.

كيفية السيطرة

جاء هجوم قوات الجيش الليبي بقيادة حفتر على منطقة الهلال النفطي مفاجئاً، حيث تحركت القوات فجر يوم 11 سبتمبر الجاري باتجاه مناطق أجدابيا والبريقة ورأس لانوف والسدرة والزويتينة، ونجحت القوات في اليوم التالي في السيطرة على البوابات الشرقية والجنوبية لمدينة أجدابيا ومعسكر الشام مقر الجضران وقواته، ومنطقتي البريقة والسدرة وموانئهما النفطية، بالإضافة إلى منطقة رأس لانوف بالكامل، ومنطقة الزويتينة ومينائها النفطي.

ومن الملفت للانتباه أن قوات حفتر سيطرت على تلك المناطق من دون مقاومة تُذكر من قِبل قوات حرس المنشآت النفطية الموالية لحكومة الوفاق الوطني، ويرجع ذلك إلى الدور الذي لعبه شيخ قبيلة المغاربة صالح الأطيوش، حيث شكل لجنة ضمت مشايخ قبائل المغاربة وأقرباء مُنتسبي جهاز حرس المنشآت النفطية بزعامة الجضران، وتواصلت مع منتسبي حرس المنشآت وأقنعتهم بعدم قتال قوات الجيش الليبي.

وعقب نجاح الجيش الليبي في السيطرة على منطقة الهلال النفطي، قام بتسليم المنشآت والموانئ النفطية لجهاز حرس المنشآت النفطية بالمنطقة الشرقية والوسطى برئاسة العميد مفتاح المقريف الموالي للحكومة المؤقتة ومجلس النواب بالشرق. وأصدرت القيادة العامة للجيش الليبي بياناً، في 12 سبتمبر، أعلنت فيه أن سيطرتها على منطقة الهلال النفطي التي تهدف إلى استعادة الشعب الليبي سيطرته على مقدراته، ومنع المساس بها، ورفع المعاناة عنه، وتمكينه من الاستفادة من ثرواته، وشدد الجيش الليبي على أن مسؤولية تشغيل هذه الموانئ والتصرف فيها يعود إلى المؤسسة الوطنية للنفط، مؤكداً عدم تدخله في شؤون التشغيل أو التصدير وإبرام الصفقات التجارية باعتبارها اختصاصاً مدنياً بحتاً.

دوافع قوات حفتر

جاءت سيطرة قوات حفتر على منطقة الهلال النفطي لتحقيق مجموعة من الأهداف ذات أبعاد اقتصادية وسياسية وعسكرية، تتحدد في الآتي:

1- استغلال الحكومة المؤقتة بالشرق وقوات الجيش الليبي برئاسة حفتر للعوائد المالية الناجمة عن استئناف تصدير النفط، لمعالجة الأوضاع الاقتصادية المتردية بمدن الشرق الليبي، وبما يخفف من المعاناة الاقتصادية للمواطنين ويعزز من شرعيتها بالشرق الليبي، فضلاً عن استغلال تلك العوائد في تمويل عمليات الجيش الليبي ضد الجماعات المتطرفة في الشرق، وعلى رأسها "سرايا الدفاع عن بنغازي" و"مجلس شورى مجاهدي درنة" التابعان للمفتي صادق الغرياني بالعاصمة طرابلس و"مجلس شورى ثوار بنغازي"، وهو ما يصب في النهاية في صالح تعزيز القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية للشرق الليبي في مواجهة الغرب الليبي وحكومة الوفاق الوطني.

2- حرمان المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني من فرصة استئناف عمليات إنتاج وتصدير النفط الليبي المتوقفة منذ فترة طويلة نتيجة للتنافس السياسي والعسكري بين المنطقتين الشرقية والغربية في ليبيا، وذلك عقب نجاح المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، في 4 يوليو الماضي، في توحيد مؤسستي النفط المتصارعتين في بنغازي وطرابلس في مؤسسة واحدة، بالإضافة إلى توقيع جهاز حرس المنشآت النفطية بالمنطقة الوسطى بزعامة إبراهيم الجضران والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني اتفاقاً، في 28 يوليو، لاستئناف تصدير النفط وإعادة فتح موانئ تصديره بكافة أنحاء ليبيا، وهو ما كان سيزيد من قوة حكومة الوفاق الوطني سياسياً بنجاحها في بسط نفوذها على مزيد من المؤسسات والمنشآت الاقتصادية المهمة، وأيضاً اقتصادياً باستغلالها للعائدات المالية من تصدير النفط لوضع ميزانية تمكنها من معالجة الأوضاع الاقتصادية السيئة، بما يرفع في النهاية من شعبيتها بالشارع الليبي ويزيد من قوتها في مواجهة الحكومة الموازية لها في الشرق.

3- التوظيف السياسي لسيطرة قوات حفتر على الهلال النفطي في المفاوضات الجارية حالياً بين الأطراف الليبية المختلفة حول التشكيلة الجديدة لحكومة الوفاق الوطني بعد أن رفض مجلس النواب الليبي في جلسته المنعقدة بتاريخ 22 أغسطس الماضي منح الثقة لحكومة فايز السراج، بما يعزز من وجود مُمثلي المنطقة الشرقية في التشكيلة الجديدة، خاصةً فيما يتعلق بـ"الهيئة الخماسية" المقترح تشكيلها لتكون بمنزلة القيادة العليا للجيش، والتي من المقترح أن تضم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، والقائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر، ونائبي رئيس المجلس الرئاسي موسى الكوني وأحمد معيتيق.

4- استباق قوات حفتر لاستكمال إحكام قوات "البنيان المرصوص" الموالية لحكومة الوفاق الوطني سيطرتها بالكامل على مدينة سرت الليبية بعد استعادتها أجزاء كبيرة من المدينة من سيطرة تنظيم "داعش" في أغسطس الماضي، وانحصار تواجد التنظيم في الحي السكني الثالث الذي تدور به الاشتباكات حالياً بين "داعش" و"قوات البنيان المرصوص"، حيث تتخوف قوات حفتر من احتمالية اتجاه هذه القوات أو جزء منها، عقب نجاحها في تحرير مدينة سرت من "داعش"، لمنطقة الهلال النفطي للسيطرة عليها بالتعاون مع إبراهيم الجضران، ثم البدء في شن عمليات عسكرية ضد قوات الجيش الليبي في الشرق للتقليص من نفوذه، خاصةً في ظل دعاوى بعض قيادات ورموز الغرب الليبي وعلى رأسهم الصادق الغرياني بالتوجه نحو الشرق الليبي لتحريره من قوات حفتر بعد الانتهاء من تحرير سرت من تنظيم "داعش".

التداعيات

أدت سيطرة قوات حفتر على منطقة الهلال النفطي إلى مجموعة من التداعيات على المشهد الليبي، بدأ بعضها في الظهور على أرض الواقع، والبعض الآخر من المرجح تبلوره خلال الفترة المقبلة، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- تجدد الحرب الأهلية في ليبيا بين المنطقة الشرقية، مُمثلة في مجموعة عملية الكرامة، والمنطقة الغربية، ممثلة في تحالف فجر ليبيا، ولعل الإرهاصات الأولى لتجدد هذه الحرب بدأت مع هجوم عناصر حرس المنشآت النفطية برئاسة الجضران في 18 سبتمبر على ميناءي السدرة ورأس لانوف ونجاحها في السيطرة على ميناء رأس لانوف لبعض الوقت قبل أن تتمكن قوات حفتر من طردهم واستعادة السيطرة على الميناء، وهو ما يشير إلى أن المواجهات بين المنطقتين الشرقية والغربية خلال الفترة الحالية ستقتصر على شن هجمات محددة يكون الهدف منها عرقلة عملية تصدير النفط للخارج وتخريب بعض المنشآت النفطية الحيوية، بما يحول دون نجاح الشرق الليبي في استئناف تصدير النفط والاستفادة من عوائده. ولعل والسبب في ذلك هو انشغال ميليشيات تحالف فجر ليبيا ومدينة مصراتة بقتال تنظيم "داعش" في مدينة سرت. ومن المرجح اتساع نطاق الحرب الأهلية في ليبيا مع الانتهاء من تحرير مدينة سرت واستمرار حالة الانقسام السياسي والصراع على موارد النفط الليبي وطريقة تقسيم عوائدها.

2- اتجاه الغرب الليبي، في ظل انشغال غالبية قواته بقتال تنظيم "داعش" في مدينة سرت، لتشكيل تحالف جديد موالٍ له بالشرق الليبي تكون مهمته مواجهة قوات حفتر، على أن يتكون هذا التحالف من قوات حرس المنشآت النفطية وعدد من التنظيمات الإسلامية بالمنطقة الشرقية، والتي أعلنت ولاءها للمفتي الصادق الغرياني بالعاصمة طرابلس،  وتتمثل هذه التنظيمات في "مجلس شورى مجاهدي درنة" الذي أعلن في 21 أغسطس الماضي اتخاذه الغرياني إماماً له، و"سرايا الدفاع عن بنغازي" التي تشكلت في 2 يونيو الماضي من قِبل دار الإفتاء للدفاع عن مدينة بنغازي ونصرة مجلس شورى وغرفة ثوار أجدابيا، وهو ما سيؤدي إلى تشتيت قوات حفتر واستنزافها، حيث إن الأخيرة باتت تقاتل حالياً على أربع جبهات هي درنة وبنغازي وأجدابيا ومؤخراً الهلال النفطي.

3- على الرغم من إعلان مدينة مصراتة عدم تدخلها في شؤون الموانئ النفطية، وأن هذا الملف يختص به المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فإن هذا الموقف تكتيكي وله مبرراته المتمثلة في رغبة مصراتة في تهدئة الأجواء مع أطراف الصراع الليبي خلال الفترة الحالية، حيث تخشى من تعرضها لمزيد من الاستنزاف العسكري والاقتصادي حال دخولها في مواجهات مباشرة مع قوات حفتر بالتزامن مع انخراطها في معركة تحرير سرت والخسائر التي تكبدتها على يد "داعش"، خاصةً على مستوى العنصر البشري. ومن المرجح اقتصار مدينة مصراتة خلال الفترة الحالية على تقديم دعم عسكري ومادي لقوات الجضران، لاستنزاف قوات حفتر بمنطقة الهلال النفطي، ومنع استئناف عملية تصدير النفط، على أن يتسع نطاق مشاركة مصراتة في تلك المواجهات حال تعثر مسار المصالحة السياسية في ليبيا والتوصل لصيغة توافقية حول إدارة موارد النفط الليبية.

ختاماً، من شأن هذه التداعيات المتوقعة عرقلة مسيرة المصالحة الوطنية والتوافق السياسي بين الأطراف المتنازعة في ليبيا، ودفعها نحو مزيد من التشدد في طرح طلباتهم وشروطهم، سواء تلك المتعلقة بطبيعة التشكيلة الحكومية الجديدة أو المتعلقة ببنود الاتفاق السياسي الموقع عليه في ديسمبر 2015، حيث تأتي على رأسها البنود الخاصة بإعادة تشكيل الجيش وقوى الأمن الليبية، وتحديد من يتولى رئاسة المؤسسات السيادية والحيوية، وهو ما سيقود ليبيا في النهاية نحو مزيد من التقسيم.