أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

سيناريوهات مُتعددة:

هل تؤثر هجمات بلوشستان في مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني؟

12 سبتمبر، 2024


شهد إقليم بلوشستان في جنوب غربي باكستان، خلال الآونة الأخيرة، سلسلة من الهجمات وأعمال العنف التي خططت ونسقت لها القوات الانفصالية من عرقية البلوش، واستهدفت عدداً من الأهداف المدنية والعسكرية، وأسفرت عن مصرع ما يزيد عن 70 شخصاً.

كما سبقت هذه الهجمات سلسلة أخرى استهدفت المؤسسات الصينية والعمّال الصينيين في بلوشستان. وهي الهجمات التي أدانتها كل من الصين وباكستان؛ ولاسيما في ظل اشتراك الدولتين في مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، الذي يمر عبر الإقليم. وهو ما يطرح التساؤلات بشأن مدى تأثير الهجمات التي تستهدف المواطنين الصينيين في المشروع، الذي يبلغ إجمالي استثماراته 60 مليار دولار.

بيئة مُضطربة:

تُعد الهجمات الأخيرة في إقليم بلوشستان أحدث مؤشرات الاضطراب والتأزم الذي يشوب البيئة الأمنية في باكستان، خلال السنوات القليلة الماضية، ويمكن توضيح أبرز المؤشرات على ذلك، في الآتي:

1. تنامي الحوادث الإرهابية وأعمال العنف: تعرضت باكستان خلال الفترة الماضية إلى عدد كبير من الهجمات الإرهابية وأعمال العنف التي نفّذتها الجماعات الانفصالية المُسلحة؛ ولاسيما منذ استيلاء حركة طالبان على السلطة في أفغانستان المجاورة في عام 2021، وتركزت هذه الهجمات في إقليمي خيبر باختونخوا وبلوشستان.

وتُشير إحصاءات إلى قيام المسلحين البلوش بتنفيذ 110 هجمات في عام 2023. فيما قامت الجماعات الانفصالية المسلحة بشن 62 هجوماً خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024؛ استهدفت سلطات إنفاذ القانون والبنية التحتية والمدنيين. كما شهدت باكستان خلال عام 2023، ما يزيد عن 650 هجوماً، جرى 23% منها في إقليم بلوشستان، وأسفرت عن مقتل 286 شخصاً في الإقليم.

وتعكس الهجمات الأخيرة، التي أعلنت جماعة جيش تحرير بلوشستان مسؤوليتها عنها، تنامياً ملحوظاً في قدراتها وإمكاناتها؛ ولاسيما من حيث ارتفاع مستوى التنسيق والتخطيط مُقارنةً بالهجمات السابقة.

وقد أرجعت تقارير إعلامية غربية التزايد الكبير في الهجمات إلى نجاح المنظمات الانفصالية المسلحة في تجنيد وجذب المزيد من الأعضاء، في ظل حرمان البلوش من التمثيل السياسي بعد خسارة الأحزاب السياسية البلوشية، التي شكلت أغلب الحكومات الإقليمية في الماضي، السلطة في الانتخابات الأخيرة التي جرت في فبراير الماضي.

2. استهداف المواطنين الصينيين: يتعرض المواطنون الصينيون العاملون في المشروعات الصينية في باكستان إلى الاستهداف بين فترة وأخرى، وذلك من جانب تنظيم «داعش-خراسان» الذي يستهدف المصالح الصينية في باكستان، وكذلك من الجماعات الانفصالية البلوشية في جنوب باكستان، والتي تشارك في تمرد رئيسي في بلوشستان؛ إذ استهدفت الهجمات، التي أسفرت عن مصرع العديد من الصينيين، ميناء جوادر في إقليم بلوشستان، الذي تم تأسيسه بمساعدة الصين، وكذلك مهندسين صينيين يعملون في مشروع للطاقة الكهرومائية تموله الصين في شمالي البلاد، بالقرب من مدينة بيشام.

وتتحمل الجماعات الانفصالية المسلحة في إقليم بلوشستان، وخاصة لواء مجيد التابع لجماعة جيش تحرير بلوشستان، المسؤولية عن الهجمات التي استهدفت المصالح الصينية في باكستان منذ عام 2018، ومنها الهجوم على القنصلية الصينية في كراتشي، في ذات العام، والهجوم على فندق بيرل كونتيننتال في جوادر، الذي غالباً ما يزوره المواطنون الصينيون، ومعهد كونفوشيوس في جامعة كراتشي، في عام 2022.

ومن الجدير بالذكر أن الصين تستثمر أكثر من 60 مليار دولار في مشروعات الطاقة والبنية التحتية في باكستان كجزء من الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، وهو جزء رئيسي من مبادرة الحزام والطريق الصينية، ويهدف المشروع إلى ربط الصين ببحر العرب ومساعدة باكستان على توسيع وتحديث اقتصادها، من خلال شبكة من الطرق والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب والموانئ التي تم بناؤها بقروض صينية، ومن أبرز هذه المشروعات ميناء جوادر في بلوشستان.

3. طرح مُبادرة جديدة لمكافحة الإرهاب: طرحت الحكومة الباكستانية في يوليو 2024، مُبادرة جديدة لمكافحة الإرهاب؛ بهدف مُعالجة التشدد والتطرف في باكستان. وقد جاءت هذه المبادرة على خلفية تنامي أعمال العنف والإرهاب في العاميْن الماضييْن. وتركز هذه المبادرة على الجهود الاستخباراتية في مُكافحة الإرهاب، وخاصة في إقليم خيبر بختونخوا، والمناطق الحدودية الأفغانية، وإقليم بلوشستان، وتستهدف مكافحة حركة طالبان باكستان والجماعات المسلحة البلوشية وغيرها من الجماعات المتحالفة معها، فضلاً عن تهيئة بيئة مواتية لمواجهة نزعات التطرف، عبر تبني إجراءات اجتماعية واقتصادية.

دوافع مُتباينة:

لا تستهدف هجمات جماعة جيش تحرير بلوشستان الأهداف العسكرية والمدنية الباكستانية فحسب، وإنما تستهدف أيضاً المؤسسات والاستثمارات الصينية في إقليم بلوشستان، ومن بينها ميناء استراتيجي ومنجم ذهب ونحاس. وهناك العديد من الأسباب والاعتبارات التي تدفع الانفصاليين البلوش إلى توجيه هجماتهم ضد المصالح الصينية في باكستان، ويمكن توضيح ذلك في الآتي:

1. تهميش إقليم بلوشستان: على الرغم من أن إقليم بلوشستان يُشكل ما يزيد عن 40% من مساحة الأراضي الباكستانية، بجانب احتوائه على موارد طبيعية ومعدنية؛ فإن سكان الإقليم من عرقية البلوش يعانون من التهميش والفقر، ولا يحصلون على حصة عادلة من ثروات الإقليم؛ ومما فاقم استياء السكان المحليين؛ تدفق الأموال إلى المنطقة عبر مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، الذي يُعد جزءاً أساسياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية؛ إذ يعتبرون أن هذا المشروع لم يحقق لهم سوى مكاسب قليلة؛ في حين ذهبت معظم الوظائف الجديدة إلى أفراد من عرقيات وأقاليم أخرى؛ وهو ما دفع الجماعات الانفصالية المسلحة في السنوات الأخيرة ليس فقط إلى استهداف مشروعات التنمية الصينية في الإقليم. وإنما أيضاً اتهام بكين بمساعدة إسلام آباد في استغلال الإقليم.

2. مُحاولة الضغط على الحكومة الباكستانية: يطالب البلوش الباكستانيون بمزيد من الحكم الذاتي على الصعيد السياسي وبتقاسم أفضل لموارد الإقليم الغني بالغاز الطبيعي؛ إذ تُعد جماعة جيش تحرير بلوشستان إحدى الجماعات المتمردة التي تطالب باستقلال الإقليم عن الحكومة المركزية في إسلام آباد.

ومن هنا، يحاول المتشددون من عرقية البلوش؛ من خلال الهجمات الأخيرة الضغط على الحكومة الباكستانية لتخفيف قبضتها المتشددة على الإقليم، وذلك من خلال تكثيف هجماتهم على الباكستانيين القادمين من مناطق أخرى والذين يعملون في الإقليم، بجانب شن هجمات على شركات الطاقة الأجنبية التي يعتبرون أنها تستغل الإقليم من دون مشاركة الثروات.

وتمثل الهجمات الأخيرة تحدياً كبيراً للحكومة الائتلافية بقيادة رئيس الوزراء شهباز شريف، والتي تحاول مواجهة الأزمة الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي، فضلاً عن ارتفاع العنف المسلح من قبل الجماعات ذات الدوافع الدينية والانفصالية في جميع أنحاء باكستان. كما تشهد بلوشستان احتجاجات للمطالبة بإنهاء ما يوصف بأنه نمط من الاختفاء القسري والقتل خارج نطاق القضاء، وغير ذلك من انتهاكات حقوق الإنسان من قبل قوات الأمن، التي تنفي هذه التهمة.

ويتضح هذا التحدي بالنظر إلى غنى بلوشستان بالموارد الطبيعية، بما في ذلك الاحتياطيات الكبيرة من النفط والفحم والذهب والنحاس والغاز، والتي تولد عائدات كبيرة للحكومة الفدرالية الباكستانية.

ليس هذا فحسب، وإنما يحاول المتشددون البلوش أيضاً التأثير في علاقات الحكومة الباكستانية مع الصين. ولعل ذلك ما يُفسر تصريحات رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف بأن الهجمات تهدف إلى التأثير في العلاقات بين إسلام آباد وبكين؛ إذ عبرت الصين بشكل متكرر عن قلقها إزاء أمن مواطنيها الذين يعملون في مشروعات داخل باكستان وخصوصاً في بلوشستان.

3. عدم تحقق وعود التنمية الاقتصادية: تضمنت الخطة الرئيسية لتطوير ميناء جوادر، التي تمت الموافقة عليها في عام 2006، وعوداً بتنمية إقليم بلوشستان من خلال تدفق النفط والمنتجات البترولية الأخرى. فقد كان أحد الأهداف الرئيسية للممر الاقتصادي الصيني الباكستاني هو مساعدة السكان المحليين في جوادر وإخراجهم من دائرة الفقر. وذلك في ضوء حاجتهم إلى وظائف وفرص اقتصادية للاستفادة من مشروعات الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.

ومع ذلك، فقد تم استبعاد السكان المحليين من خطط تطوير الميناء. وعلى الرغم من إنشاء عدد قليل من الطرق في منطقة جوادر بعد إطلاق الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني؛ فإنه لم يطرأ أي تحسن على الظروف الاجتماعية والاقتصادية للسكان المحليين؛ وهو ما يجعل الجماعات المتمردة البلوشية، التي تستهدف هجماتها العنيفة من حين لآخر الاستثمارات المدعومة من الصين والمهندسين الصينيين، تنظر إلى بكين باعتبارها شريكة إسلام آباد في استغلال الموارد المحلية.

سيناريوهات مُستقبلية:

تطرح الهجمات الأخيرة في إقليم بلوشستان حالة من عدم اليقين بشأن مُستقبل مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني؛ من حيث مدى استمرار المشروع أو على الأقل تعطله مؤقتاً، أو توقفه على المدى الطويل؛ وهو ما يرتبط في مجمله بطبيعة الأوضاع الأمنية في باكستان عامة وبلوشستان خاصة، باعتبارها أحد التحديات الرئيسية التي تواجه المشروع، وكذلك موقف الصين إزاء المشروع الذي يمثل أهمية كبرى لها في إطار مبادرة الحزام والطريق. ويمكن طرح السيناريوهين التاليين:

1. السيناريو الأول: تعطل المشروع بصورة مؤقتة: يفترض هذا السيناريو أن الهجمات الإرهابية الأخيرة التي شهدها إقليم بلوشستان سوف تؤثر في المشروع، وقد تؤدي إلى تعطيله بشكل مؤقت. ولعل ما يفسر ذلك تصريحات رئيس الوزراء الباكستاني، شهباز شريف، بأن الهجمات تهدف إلى تعطيل المشروعات التنموية للممر الاقتصادي الصيني الباكستاني؛ ومما يدعم حدوث هذا السيناريو أن هذه الهجمات سيترتب عليها افتقار الإقليم إلى الأمن والاستقرار؛ وهو ما قد يترتب عليه تعطل أو توقف جزئي لبعض المشروعات الجاري تنفيذها في إطار المرحلة الثانية من الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، التي تم إطلاقها رسمياً في يونيو 2024، باعتبار أن توافر الأمن يُعد أحد العوامل الأساسية لعملية التنمية الاقتصادية في أي دولة.

وبجانب ما سبق، هناك استياء من جانب بكين إزاء التقدم المتحقق في مشروعات الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، خاصة وأن بكين ترى أن مستقبل الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان يعتمد على حماية المواطنين الصينيين والاستثمارات الصينية. ومن المرجح أن تؤدي موجة العنف الأخيرة إلى زيادة مخاوف الصين بشأن ضخ المزيد من الاستثمارات في باكستان، وخاصة في بلوشستان. وهو ما قد يترتب عليه احتمال حدوث تأخير أو عرقلة لبعض المشروعات؛ وهو ما يفسر مطالبة الصين للسلطات الباكستانية بضرورة تحسين الوضع الأمني لمواطنيها العاملين في مشروعات مختلفة في باكستان. ومن شأن حدوث مثل هذا السيناريو تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها باكستان نتيجة تعطل المشروع؛ ومن ثم إعاقة عملية التنمية الاقتصادية فيها.

2. السيناريو الثاني: استمرار المشروع: يؤكد هذا السيناريو استمرار المشروع طبقاً للخطط الموضوعة، وعدم تأثره بأحداث العنف في إقليم بلوشستان؛ ومما يدعم هذا السيناريو الالتزام الذي تبديه كل من الصين وباكستان بشأن تعزيز الممر الاقتصادي بين البلدين، وتعهد الجانبين بمواصلة تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب والأمن، فضلاً عن التزامهما بتحديث المشروع في خمسة قطاعات؛ بما في ذلك تعزيز سبل العيش والابتكار.

كما يدعم هذا السيناريو أيضاً ضرورة تجاوب باكستان مع المطالب الصينية بشأن ضمان سلامة المؤسسات الصينية والعاملين الصينيين في باكستان. بالإضافة إلى زيارة مسؤول عسكري صيني كبير، وهو الجنرال لي تشياو مينغ، إلى باكستان، والتي تزامنت مع الهجمات الأخيرة، لإجراء تقييم أمني، مع التركيز على حماية الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني؛ وهو ما يؤكد الأولوية التي تبديها بكين لتفعيل التعاون الدفاعي والأمني بين البلدين، لحماية مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني من الأخطار والتهديدات الأمنية التي تواجهه؛ وهو ما يؤكد أيضاً رغبة الصين في استمرار المشروع، مع ضرورة قيام باكستان باتخاذ الإجراءات اللازمة لحمايته من التهديدات الأمنية.

 وفي التقدير، يمكن القول إن الهجمات الأخيرة التي شهدها إقليم بلوشستان في جنوب باكستان، تطرح تحديات كبرى أمام مستقبل مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني؛ من حيث مدى استمراره أو تعطله وتوقفه، سواءً جزئياً أم نهائياً.

ويظل السيناريو الأقرب إلى التحقق هو استمرار المشروع، في ظل وجود رغبة قوية لدى الدولتين في استمراره، في ضوء أهميته الكبرى لاقتصاديهما؛ وهو ما يتطلب منهما ضرورة العمل على تبني إجراءات وخطوات متناسقة متعددة الأبعاد، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً؛ لجعل المشروع خياراً جاذباً يؤدي إلى تحقيق مكاسب اقتصادية واجتماعية لعرقية البلوش؛ ومن ثم تحييد التهديدات الأمنية التي تستهدف المشروع.

ومع ذلك؛ فإن الأمر ليس بهذه السهولة، في ظل وجود رغبة من جانب الجماعات الانفصالية المسلحة في إقليم بلوشستان، وعلى رأسها جماعة جيش تحرير بلوشستان، في إعاقة وعرقلة الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، باعتبار أن التعاون بين باكستان والصين لم ينجح في تحقيق مكاسب للإقليم؛ وهو ما دفع هذه الجماعات إلى استهداف مرافق الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، والموظفين الصينيين عبر الهجمات الإرهابية.