أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

المتشددون الجدد:

لماذا قد تتجه إيران للتصعيد الخارجي بعد انتخابات البرلمان؟

12 مارس، 2024


أعلنت وزارة الداخلية الإيرانية، في 4 مارس 2024، أن نسبة المُشاركة في انتخابات مجلس الشورى الإسلامي "المعني بسن القوانين"، ومجلس خبراء القيادة "المعني بعزل واختيار المرشد"، والتي جرت في الأول من الشهر الجاري، بلغت 41%؛ إذ صوّت نحو 52 مليوناً من أصل 61 مليوناً يحق لهم المشاركة في الانتخابات، مُشيرة إلى أن عدد الأصوات الباطلة تراوح بين 5 إلى 8%.

وحسب الوزارة، فقد تم حسم 245 مقعداً من أصل 290 في مجلس الشورى الإسلامي، وأن الـ45 مقعداً الباقين، سيتم حسمهم في الجولة الثانية المُقرّر إجراؤها في نهاية إبريل 2024؛ إذ فشل هؤلاء المرشحون في الحصول على النسبة اللازمة لدخول البرلمان، في حين تم انتخاب الأعضاء الـ88 لمجلس الخبراء. 

دلالات لافتة: 

في ضوء قراءة نتائج انتخابات أعضاء مجلسي الشورى الإسلامي والخبراء في إيران، يمكن الوقوف على بعض الدلالات المُهمة على النحو التالي:

1- انخفاض المشاركة: سجلت نسبة المشاركة في الانتخابات الإيرانية هذا العام، النسبة الأقل على الإطلاق، منذ اندلاع الثورة في 1979. صحيح أن هذه النسبة جاءت أعلى بكثير مما كشفت عنه التوقعات قبيل الانتخابات الحالية، والتي كانت تقول إن نسبة المُشاركة سوف تكون في نطاق أقل من 30%، إلا أنه ومع التسليم بأن تلك الأرقام المعلنة دقيقة، فإن ذلك جاء بعد حملات سياسية ودينية أطلقها النظام لتشجيع المواطنين على المشاركة؛ إذ وصف المرشد الأعلى، علي خامنئي، مقاطعة الانتخابات بأنها "عمل عدائي يتعارض مع الإسلام"، كما صرّح الحرس الثوري الإيراني بأن ارتفاع نسبة المشاركة في الانتخابات "يفشل حسابات العدو" ضد إيران. 

ومن جهة أخرى، فقد عمد مجلس صيانة الدستور، والمعني بالنظر في أهلية المرشحين للانتخابات، إلى قبول ترشيح عدد كبير من المرشحين، وصل إلى نحو 15 ألفاً لخوض الانتخابات البرلمانية. وبالنظر إلى أن الأخيرة تتداخل فيها التفضيلات المحلية والمناطقية، وربما القبلية والعائلية، فإن ذلك من شأنه أن يرفع من نسب المشاركة في الانتخابات، وهو ما حدث بالفعل، وكان الاستثناء العاصمة طهران، التي شهدت أدنى مستوى للمشاركة، وصل وفق بعض التقديرات إلى 24%؛ نظراً لسيطرة الاعتبارات السياسية والحزبية. كما تُشير بعض المصادر إلى استخدام النظام الإيراني لسلاح الترهيب لإجبار المواطنين على المشاركة، من خلال التهديد بحرمانهم من الرواتب أو وظائفهم أو بعض المزايا. 

2- تصدر الأصوليين: تصدر المحافظون الأصوليون نتائج الانتخابات الإيرانية، وأشارت بعض التقديرات إلى فوز 200 من أصل 245 مرشحاً، من التيار الأصولي في هذه الانتخابات. ويُعد ذلك نتيجة منطقية للإجراءات والسياسات التي اتخذها النظام قبل الانتخابات؛ إذ منع "مجلس صيانة الدستور"، و"لجنة الانتخابات" بوزارة الداخلية الإيرانية، أغلب المتقدمين للترشح للانتخابات، سواء من التيار الإصلاحي أم المعتدلين أم المستقلين؛ ليمرر فقط من يدينون بالولاء الكامل للنظام. فعلى سبيل المثال؛ فقد جرى استبعاد الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، من الترشح لانتخابات مجلس الخبراء، بالرغم من أنه كان عضواً في هذا المجلس لمدة ثلاث دورات متتالية، منذ عام 1999. 

وجدير بالذكر أن الانتخابات الأخيرة في إيران، وبالرغم من سيطرة الأصوليين على نتائجها، فإنها شهدت متغيراً جديداً يتعلق بظهور وجوه جديدة من الأصوليين، بما يعني أن جيلاً أصغر من المتشددين في طريقه إلى أن يحل محل الجيل السابق، والذي تجاوزت أعمار بعضه التسعين عاماً؛ إذ اختار آية الله أحمد جنتي، رئيس مجلس خبراء القيادة، ومجلس صيانة الدستور أيضاً، والبالغ من العمر 97 عاماً، عدم الترشح للانتخابات. ودافع المرشد الإيراني عمّا وصفته الصحافة الإيرانية بـ"ضخ دماء جديدة" في المجموعة السياسية، قائلاً: "سيكون المشرعون الجدد إلى جانب المشرعين من أصحاب الخبرة الذين دخلوا البرلمان في الدورات السابقة، هذه تركيبة جيدة للغاية وفيها إبداع وتحديث وخبرة". وربما هدف النظام الإيراني من تلك الخطوة، إلى إعداد جيل جديد يكون أكثر استعداداً للتغييرات المحتملة في ضوء إمكانية تغيير المرشد الحالي، في حال عجزه أو وفاته. 

3- تراجع المحافظين التقليديين والمُعتدلين: شهدت الانتخابات الإيرانية تراجعاً في فرص من يُطلق عليهم "المحافظين التقليديين"، وهم من يمثلهم رئيس مجلس الشورى المنتهية ولايته، محمد باقر قاليباف، والنائب السابق علي مطهري، ابن أحد كبار منظري الثورة الإيرانية، وهو آية الله مُرتضي مُطهري. وخسرت القائمة التي قادها مطهري "صوت الشعب"، في الانتخابات البرلمانية، وقد عزا ذلك إلى عزوف القطاعات الشعبية المؤيدة للإصلاحيين والمعتدلين عن المشاركة في التصويت، كما برر مشاركته في الانتخابات، بالرغم من علمه بتراجع فرص فوزه، بتشجيع المواطنين على المشاركة، ما جعله في مرمى الانتقاد من جانب الإصلاحيين والأصوليين على السواء.

ومن جهة أخرى، وبالرغم من فوز قاليباف في هذه الانتخابات، فإنه جاء في المركز الرابع في دائرة طهران، خلف مرشحين أكثر تشدداً من جبهة الثابتين "جبهه پایداری"، مع أنه احتل المركز الأول في نفس الدائرة في انتخابات 2020. يُضاف إلى ذلك، فشل آية الله صادق لاريجاني، في الاحتفاظ بمقعده في مجلس خبراء القيادة، علماً أن لاريجاني يشغل منصب رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، وأحد أفراد أشهر العائلات السياسية في إيران، ولقيت هزيمته ترحيباً من قِبل المحافظين الأكثر تشدداً. 

4- عزوف الإصلاحيين: بخلاف الرئيسين السابقين محمود أحمدي نجاد، وحسن روحاني، اللذان اختارا المشاركة في التصويت في الانتخابات الحالية، فقد فضّل الرئيس الإيراني الأسبق، محمد خاتمي، والذي يمثل التيار الإصلاحي، عدم المشاركة في هذه الانتخابات، للمرة الأولى، معتبراً ذلك "الطريقة الوحيدة"، لإيصال رسائل للنظام، بأن ما يسير فيه من سياسات وإجراءات غير مقبول لدى غالبية الشعب الإيراني. وقد اتخذ ذات الموقف رموز هذا التيار مثل: مير حسين موسوي، ومهدي كروبي، وأعلن الأخير، والذي يخضع للإقامة الجبرية منذ 13 عاماً، في سبتمبر 2023، أن "السلطات تحاول تكرار البرلمان الحالي"، و"أن جميع الطرق مغلقة أمام المشاركة في الانتخابات". ولم تدعم الجماعات الإصلاحية أياً من المرشحين في الانتخابات، ولم يعرف أن أياً من الوجوه الإصلاحية البارزة، قد فاز في تلك الانتخابات. 

5- ارتفاع نسبة "الورقة البيضاء": لجأت بعض القوى السياسية الإيرانية إلى الذهاب إلى ما يُسمى "الاقتراع السلبي" أو "الورقة البيضاء"، وهو ما يعني المشاركة في الانتخابات، وعدم التصويت لصالح أي من المرشحين. وتمثلت تلك القوى بشكل أساسي فيما يُطلق عليه "تيار المعتدلين" والذي يمثله الرئيس روحاني. ورأى هذا التيار أن خيار "الورقة البيبضاء" قد يخرجها من دائرة المقاطعة، وهو الخيار الذي تبناه التيار الإصلاحي، ويسمح له في الوقت نفسه بإيصال رسائل للنظام وقادته برفض سياسة الإقصاء والتهميش للقوى السياسية من غير الموالين- بشكل كامل له-. وجدير بالذكر أن نسبة الأصوات الباطلة في الانتخابات الأخيرة تمثل من 5 إلى 8%، وهي نسبة مُرتفعة نسبياً.  

6- تفتت التيار المحافظ: على الرغم من هيمنة الأصوليين على نتائج الانتخابات الإيرانية، فإن هذه القوى لم تدخل بقائمة واحدة، وإنما بأكثر من قائمة، أبرزها؛ تجمع ائتلاف قوى الثورة الإسلامية "شانا"، وجبهة الثابتين "جبهه پایداری"، وتجمع الوحدة "شوراي وحدت". وقد تعمّق نتائج الانتخابات الصراع الخفي الدائر بين الجبهة التي تؤيد رئيس مجلس الشورى المنتهية ولايته، قاليباف، وجبهة الثابتين، التي يمثلها أمينها العام صادق محصولي، وهو الصراع الذي بدأ منذ فوز إبراهيم رئيسي، بالرئاسة في أغسطس 2021، ومنحه لأعضاء "جبهه پایداری" حصة مقاعد وزارية أكثر من مقربي قاليباف. كما يسعى أنصار هذه الجبهة لإزاحة قاليباف عن رئاسة البرلمان، خاصةً أن أنصارها تصدروا نتائج الانتخابات في طهران، وكان الفائز الأول هو محمود نبويان، بالإضافة إلى غيره مثل حميد رسائل، والذي يسعى لخلافة قاليباف في رئاسة البرلمان.

تأثيرات قادمة: 

في ضوء المعطيات سالفة الذكر، يمكن التنبؤ بعدد من التأثيرات المُحتملة، الداخلية والخارجية، للانتخابات الإيرانية الحالية، على النحو التالي:

1- مزيد من التشدد في الداخل: من المُرجح أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من تشدد النظام الإيراني تجاه الداخل، وخاصةً أن نسبة المشاركة التي حققتها هذه الانتخابات كانت مُرضية بل وغير مُتوقعة بالنسبة له، كما أن نتائج الانتخابات جاءت بمجلسي شورى وخبراء "أكثر إطاعة". وربما يشمل هذا التشدد الإمعان في إقصاء التيارات الإصلاحية والمعتدلة، خاصةً مع تراجع فرص فوزها في الانتخابات الحالية، إلى جانب تمرير القوانين التي من شأنها فرض القيود الاجتماعية على الإيرانيين، الأمر الذي يزيد من الفجوة بين النظام والشارع، ما قد يُنذر بتفجر الأوضاع مع أقرب حادث يشعل فتيلها. 

2- استمرار تعثر المفاوضات النووية: بالرغم من محدودية الدور المنوط بمجلس الشورى الإيراني بشأن المفاوضات النووية والبرنامج النووي لطهران، فإن ذلك لا يعني انعدام هذا الدور، إذ أدى رئيس المجلس السابق، علي لاريجاني، والذي ترأس المجلس في الفترة من 2008 حتى 2020، دوراً في التوصل للاتفاق النووي المُوقع بين إيران والقوى الكبرى في عام 2015، هذا بخلاف الدور الذي أداه رئيس المجلس المنتهية ولايته، باقر قاليباف، في تصعيد بلاده نووياً، من خلال إقرار قانون خطة العمل الاستراتيجية لرفع العقوبات، والذي يقضي بأن تتنصل إيران تدريجياً من التزامتها بموجب اتفاق 2015، وتطور برنامجها النووي، للحد الذي بات على أعتاب إنتاج القنبلة النووية. 

وعليه، فمن المُرجح أن تشهد الفترة المقبلة مواصلة تصعيد برنامج إيران النووي؛ ومن ثم استمرار عرقلة مسار المفاوضات مع الولايات المتحدة، بل وتزايد حدّة التصعيد مع الأخيرة، خاصةً في الوقت الذي تتزايد في الترجيحات بشأن إمكانية عودة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، صاحب حملة الضغوط القصوى على إيران، إلى البيت الأبيض مرة أخرى في حالة فوزه في انتخابات نوفمبر المقبل. 

3- تبني سياسات إقليمية أكثر حدّة: تأتي تلك الانتخابات في ظرف إقليمي دقيق، خاصةً منذ اندلاع الصراع في قطاع غزة، في 7 أكتوبر 2023، بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية التي تتصدرها حركة حماس. وتوظف إيران هذا الظرف في تحقيق مكاسب لها، من خلال زيادة الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة، عبر أذرعها في المنطقة، في لبنان واليمن وسوريا والعراق، في إطار الصراع الدائر مع تلك الأطراف، والذي تمثل المنطقة أحد أهم ساحاته؛ إذ يُحتمل أن يؤدي إحكام سيطرة الأصوليين على مجلسي الشورى والخبراء في إيران؛ إلى تبنيها سياسات أكثر حدّة في التعامل مع الملفات الإقليمية، ولا ينفصل ذلك عن إعلان القوات البحرية للجيش الإيراني، في 6 مارس الجاري، التزود بـ42 إنجازاً دفاعياً جديداً، في بندر عباس المطلة على الخليج، وهو ما يُفسر في إطار الصراع بالممرات الملاحية في المنطقة، الذي يدور بين إيران وحليفها الحوثي من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى. 

في الختام، يمكن القول إنه كان من المتوقع أن تسفر الانتخابات الإيرانية الحالية عن هيمنة الأصوليين على نتائجها، إلا أنه من غير المتوقع أن تحقق الأهداف التي يصبو إليها النظام الإيراني؛ إذ قد تزيد تلك النتائج من السخط الشعبي جراء سياسات النظام، ما قد يُنذر بانفجار وشيك في الداخل الإيراني، خاصةً مع احتمال أن تشهد الفترة المقبلة حسماً للملف الأبرز في الداخل وهو خلافة خامنئي، في حال عجزه أو وفاته، وهي الإشكالية التي قد تفتح الباب على مصراعيه لصراعات بين التيار الأصولي الذي يدفع باختيار مجتبى خامنئي، نجل المرشد الحالي، و"الدولة العميقة" التي تدفع بالرئيس الحالي إبراهيم رئيسي، ليكون المرشد القادم، وذلك في تكرار لسيناريو خلافة خامنئي نفسه بعد وفاة سلفه الخميني.