أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

مخاوف الجوار:

تحديات النفوذ التركي في أفغانستان

29 أغسطس، 2021


سعت تركيا لتكون طرفاً فاعلاً في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأمريكية، وسيطرة طالبان على الحكم. وتواجه تركيا تحدياً كبيراً في هذا الإطار، خاصة بعد إعلان حركة طالبان في ثلاثة مواقف منفصلة رفضها وجود أي عسكريين أتراك في أفغانستان، وكان آخر ذلك في 28 أغسطس 2021، وهو ما دفع تركيا في النهاية للإعلان في 27 أغسطس عن إجلاء قواتها كافة من أفغانستان.

أدوار تركية سابقة

لعبت تركيا أدواراً متعددة في أفغانستان، خلال الفترة الماضية، والتي يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي: 

1- تدريب القوات الأفغانية: ترتبط علاقة تركيا بأفغانستان من خلال حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إذ كانت تركيا تشارك بقوات غير قتالية يقدر عددها بنحو 500 جندي، وذلك أثناء وجود "الناتو" في أفغانستان. وكان الجيش التركي يركز على تدريب القوات الأفغانية. 

2- تقديم الخدمات الطبية: سعت أنقرة خلال فترة وجودها في أفغانستان إلى دعم قوتها الناعمة، عبر تقديم خدمات طبية للمواطنين في مناطق نفوذ طالبان، في محاولة من أنقرة للحفاظ على علاقات جيدة مع الأخيرة، ومن ثم الحفاظ على علاقات مع مختلف أطراف الصراع الأفغاني. 

3- تأمين مطار كابول: سعت أنقرة لتوسيع دورها في أعقاب سحب واشنطن قواتها من أفغانستان، وذلك عبر عرض مشاركة قواتها في تأمين مطار كابول، بما يستتبعه ذلك من تأمين البعثات الدبلوماسية الغربية في حال قررت مغادرة كابول، بالإضافة إلى تأمين أي عناصر من الاستخبارات أو الجيش الأمريكي عند زيارتهم كابول للقاء المسؤولين الأفغان ومساعدتهم في حربهم ضد طالبان. وسعت أنقرة للحصول على تنازلات دبلوماسية واقتصادية من واشنطن مقابل هذا الدور. 

واتفق الرئيسان التركي، رجب طيب أردوغان، والأمريكي جو بايدن، على هامش قمة الناتو في 14 يونيو 2021، على أن بقاء القوات التركية لتأمين مطار كابول، مقابل تحمل الولايات المتحدة و"الناتو" الكلفة الاقتصادية للقوات التركية، فضلاً عن حصول تركيا على دعم دبلوماسي أو لوجستي أو اقتصادي. وكانت هناك مفاوضات جارية بالفعل حول مضمون هذا الدعم، غير أن تسارع الأحداث وتمكن طالبان من السيطرة على كابول في 15 أغسطس أجهض هذه الخطط. 

وفي 16 أغسطس، أعلنت تركيا استعدادها لتقديم ما أسمته الدعم الفني والأمني لطالبان من أجل السيطرة على المطار لو طلبت الحركة ذلك، غير أن الحركة عادت مجدداً لتؤكد رفضها هذا الدور في 24 أغسطس 2021، إذ قال المتحدث باسم الحركة، ذبيح الله مجاهد: "نريد علاقات جيدة مع تركيا لكننا لا نريد وجود عسكريين لها في أفغانستان".

وفي 25 أغسطس، قال مسؤولان تركيان إن حركة طالبان طلبت من تركيا مساعدة فنية لتشغيل مطار كابول بعد رحيل القوات الأجنبية، غير أنها أصرت، في الوقت ذاته، على انسحاب القوات التركية بالكامل بحلول المهلة النهائية في أواخر أغسطس. وأشار أحد المسؤولين إلى أن "ضمان سلامة العمال من دون القوات المسلحة التركية هو عمل محفوف بالمخاطر"، خاصة أن تفجير مطار كابول الانتحاري كشف عن ضعف إجراءات التأمين لطالبان. وأشار إلى أن المحادثات مع "طالبان" بشأن هذه المسألة مستمرة.

من جانبه، أشار متحدث الرئاسة التركية إبراهيم قالن، في لقاء متلفز، إلى إمكانية مواصلة أنقرة مهمة تشغيل مطار حامد كرزاي الدولي في العاصمة كابول بعد إجلاء الجنود الأتراك منه، إذا تم التفاهم على الشروط والتوصل إلى اتفاق في هذا الاتجاه. 

أهداف أنقرة في أفغانستان:

تسعى تركيا لتحقيق بعض الأهداف من وجودها في أفغانستان، وترتبط بشكل أساسي بالمصالح التركية، ومن هذه الأهداف:

1- تعزيز النفوذ التركي في وسط آسيا: تسعى تركيا لتقديم نفسها كبديل لروسيا، باعتبارها الشريك السياسي والاقتصادي التقليدي لدول هذه المنطقة، خاصة في ضوء التقارب والتداخل الإثني بين أفغانستان والعديد من دول آسيا الوسطى المتأثرة دينياً ولغوياً وتاريخياً بتركيا، وكذلك نتيجة ما تحتويه المنطقة من ثروات اقتصادية ضخمة، خاصة من النفط، والغاز الطبيعي، واحتياطات المعادن، والفحم، والموارد المائية العذبة والجوفية.

2- تحسين العلاقات مع واشنطن: ترغب أنقرة في إيجاد ملفات تعاونية مع واشنطن لموازنة القضايا الخلافية بين الجانبين، والتي تعددت في الآونة الأخيرة، فضلاً عن انتزاع تنازلات من واشنطن في بعضها. 

وتمثلت هذه القضايا الخلافية في امتلاك تركيا منظومة الدفاع الصاروخي الروسي "إس – 400"، وتعليق واشنطن مشاركة أنقرة في برنامج تصنيع المقاتلة "إف – 35"، والدعم الأمريكي لأكراد سوريا والداعية الإسلامي فتح الله كولن، والذي تتهمه أنقرة بالتورط في الانقلاب العسكري عام 2016 ضد أردوغان. 

كما يجيء من ضمن الملفات الخلافية تحرش تركيا بحقوق كل من اليونان وقبرص في غاز شرق المتوسط. وتسببت هذه الخلافات في تعرض أنقرة لعقوبات أمريكية وأوروبية. 

3- مواجهة أزمة اللاجئين: تواجه تركيا أزمة لاجئين بدأت في الأسابيع التي سبقت سقوط كابول، إذ تشير التقديرات إلى استقبال تركيا ما بين 500 و2000 أفغاني يصلون إلى أراضيها كل يوم في مسعى للعبور منها إلى أوروبا. وسعت أنقرة لمواجهة هذا التهديد عبر استكمال جدار شرعت في بنائه منذ العام 2017، على طول حدودها مع إيران، وتعتزم إضافة 64 كيلومتراً أخرى بحلول نهاية العام، إضافة إلى خنادق وأسلاك شائكة ببقية الحدود. وتسعى تركيا للتأكيد أن بقاءها في أفغانستان، ومحاولة دعم التسوية السلمية سوف يساعدان على استقرار الوضع هناك، بما يساعد في الحد من موجة اللاجئين الحالية. 

أدوات الحركة التركية:

تمتلك أنقرة أوراقاً يمكن أن تستخدمها لتعزيز مهمتها في أفغانستان، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي: 

1- العلاقات مع الإخوان والأوزبك: ترتبط تركيا ببعض أمراء الحرب الأفغان، مثل قلب الدين حكمتيار، زعيم الحزب الإسلامي، الذراع السياسية للإخوان المسلمين في أفغانستان، إلى جانب أمير الحرب الأوزبكي عبدالرشيد دستم، والذي عاد من تركيا إلى أفغانستان في 6 أغسطس 2021، في خطوة هدفت تركيا من خلالها إلى تنويع أدوات تحركها في الساحة الأفغانية. فالأوزبك عرقية محسوبة على الجنس التركي، كما أنهم مقاتلون أشداء، وكانت لهم عداءات شديدة مع البشتون، الذين تنحدر منهم حركة طالبان، حتى قبل بروز سلسلة الحروب الأهلية الأفغانية.

وفيما يتعلق بحكمتيار، فإنه يتمتع بعلاقات قوية مع رجب طيب أردوغان، والذي نشرت جريدة الديلي ستار التركية في 10 يوليو 2003، صورة له وهو يجلس على يسار قلب الدين حكمتيار، وعلى يمينه زعيم حزب النهضة، راشد الغنوشي. وتعود الصورة إلى حقبة سيطرة المجاهدين على أفغانستان، وهو ما يؤكد عمق الترابط بين الأطراف الثلاثة. 

وعلى الرغم من هذه العلاقات الشخصية القوية بين أردوغان وحكمتيار، فإن شعبيته محدودة، مقارنة بحركة طالبان، كما أنه مرتبط كذلك بالمخابرات الباكستانية. ويبدو أن الأخيرة تمتلك نفوذاً أكبر عليه، وهو ما يتضح في التصريحات التي أدلى بها مؤخراً، في 22 أغسطس، والتي امتدح فيها باكستان، وهاجم الهند بضراوة. 

أما دستم، فإنه لم يتمكن من الصمود أمام طالبان، إذ سرعان ما انهارت قواته أمام طالبان في مدينة مزار شريف، ثم ما لبث أن هرب إلى دولة أوزبكستان المجاورة. ومن ثم، تراجعت إمكانية توظيف أنقرة له، خاصة في ظل العداء الشديد بين دستم وطالبان. 

2- الدعم الأمريكي والغربي: أكد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس، في 27 أغسطس، أن إدارة مطار ليست أمراً بسيطاً، بينما طرح وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، فرضية إغلاق مؤقت للمطار اعتباراً من 1 سبتمبر. وأكد بلينكن أنه أجرى حوارات مع بعض الدول لإبقاء المطار مفتوحاً، أو إعادة فتحه في حال عجزت طالبان عن إدارته. وتسعى واشنطن لإقناع طالبان بالقبول بدور أجنبي، خاصة أن بقاء المطار مفتوحاً يحقق مصلحة طالبان التي لا ترغب في عزلة أفغانستان عن العالم ووصول المساعدات الدولية إلى البلاد.

ويبدو أن واشنطن تقترح على طالبان، أن تقوم تركيا، أو قطر بلعب دور في تأمين المطار، بالنظر إلى أنهما من الدول الإسلامية المقربة من الحركة، فيما يطالب الأميركيون بدور "الميسّرين"، غير أن طالبان أصرت على أن تؤمن بنفسها مطار كابول، وأن تتولى تركيا مسؤولة المسائل اللوجستية. ويهدد الأمريكان، بشكل صريح، طالبان موضحين أن الكثير من الطائرات سوف ترفض الهبوط في كابول ما دامت طالبان لم تعطِ ضمانات حقيقية للأمن وحسن تشغيل البنى التحتية، وذلك في محاولة للضغط على طالبان للقبول بدور تركي. 

ومع ذلك فقد أكملت القوات التركية انسحابها من أفغانستان بحلول 27 مارس، وأبقت على قوة فنية. وأشار متحدث حركة طالبان، ذبيح الله مجاهد، في تصريح يوم 28 مارس، إن "هناك تقارير تحدثت عن تولي تركيا تأمين مطار كابول بعد الانسحاب الأمريكي، لا نؤكد صحة هذه التقارير ونرفضها جميعها"، وهو ما يؤشر على تصميم طالبان على رفض كل الضغوط الأمريكية والغربية عليها. 

ويتحفظ حلف الناتو على مشاركة باكستان في مهام التأمين في ظل قوة علاقاتها بحركة طالبان، في حين أن تركيا سوف تكون أكثر تقبلاً لتبادل المعلومات الاستخباراتية مع واشنطن حول الحركة بمطار كابول، وهو ما يقلق طالبان ومن ورائها باكستان.

3- الدعم من باكستان وقطر: سعى الرئيس التركي للاستعانة بباكستان لإقناع طالبان بالموافقة على لعب تركيا دوراً في تأمين مطار كابول عقب انسحاب الجيش الأمريكي. وقد وضح ذلك في زيارة وزير الدفاع التركي خلوصي عكار إلى باكستان في 11 أغسطس، والتي حاول خلالها إقناع المسؤولين الباكستانيين بالضغط على طالبان للقبول بدور تركي في مطار كابول، وهو ما رفضته طالبان في حينه. 

كما أن أنقرة تتمتع بعلاقات جيدة مع قطر، والتي استضافت جولات الحوار، سواء بين طالبان والحكومة الأمريكية، أو بين طالبان وحكومة أشرف غني، وذلك في مسعى للتوصل لتسوية سلمية للأزمة الأفغانية قبل سقوط الأخيرة في 15 أغسطس. ويبدو أن الدوحة قد تسعى لإقناع طالبان بالقبول بدور تركيا.

4- مدخل إعادة الإعمار: تسعى تركيا إلى إعادة إعمار البنى التحتية التي تعرضت للدمار نتيجة الحرب، كما أنها قد تسعى للمشاركة، أو الدخول طرفاً في المشاريع الصينية الخاصة بالطوق والطريق في أفغانستان.  

عقبات رئيسية:

على الرغم من امتلاك أنقرة العناصر السابق الإشارة إليها، فإن هناك بعض المعوقات التي تحول دون ذلك، ومن أهمها ما يلي:

1- رفض طالبان: ظهر رفض طالبان الواضح بشأن بقاء قوات أي دولة أجنبية داخل أفغانستان، بما في ذلك تركيا. وتبرر طالبان ذلك بأن القوات التركية هي جزء من قوات حلف الناتو، وبالتالي يعد بقاؤها خرقاً للاتفاق الذي تم بين طالبان والإدارة الأمريكية. وبطبيعة الحال، فإن رفض طالبان يعني انسحاب القوات التركية من أفغانستان نهائياً، وهو ما فعلته أنقرة في النهاية. 

2- توجس القوى المعنية: يلاحظ أن القوى المعنية بالأزمة الأفغانية، سواء القوى الدولية، مثل الصين وروسيا، أو القوى الإقليمية، مثل باكستان، ترفض أن تلعب تركيا دوراً مؤثراً في أفغانستان. فمن جانب، تنظر الصين إلى الدور التركي بقلق شديد، خاصة في ضوء ارتباط تركيا بتنظيمات إرهابية. كما سبق أن هاجم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الصين، وأعلن بصراحة دعمه لأقلية الإيجور في الصين، لأنهم جزء من العرق التركي، ووصف في عام 2009، عندما كان رئيساً للوزراء الإجراءات الصينية ضد الإيجور: "إبادة جماعية".

كما أعلنت روسيا صراحة رفضها تأمين تركيا مطار كابول، حيث أعربت وزارة الخارجية الروسية، في يوليو 2021، عن استغرابها إزاء احتمال تكليف الجيش التركي وليس الجيش الأفغاني بمهمة تأمين مطار كابول الدولي بعد انسحاب قوات الولايات المتحدة وحلف الناتو. وأضافت "نستغرب كيف لم يستطع كل هذا الحشد العسكري الأمريكي الأطلسي خلال 20 عاما أن يدرب 600 أفغاني ليكونوا قادرين على ضمان تشغيل مطار كابول؟ هذا سؤال كبير".

وعلى الجانب الآخر، فإنه في الوقت الذي كانت فيه تركيا عضواً في حلف شمال الأطلسي، فإن باكستان كانت تدعم طالبان، مادياً وعسكرياً، كما كانت قيادات الحركة وأسرهم يجدون ملاذاً آمناً في أفغانستان، ولا يتوقع أن تقدم باكستان على استثماراتها لصالح دولة أخرى، ومن دون مقابل. 

3- موقف المعارضة التركية: ترفض المعارضة التركية بشدة، وعلى رأسهم حزب الشعب الجمهوري، وحزب الشعوب الديمقراطي، وحزب الخير، سواء إرسال قوات تركية جديدة إلى أفغانستان، أو حتى بقاء القوات التركية الموجودة في العاصمة كابول لحماية المطار الدولي، وتطالب بعودة الجنود الأتراك إلى تركيا، ويرجع ذلك بشكل أساسي لخوفهم من تورط القوات التركية في مواجهات عسكرية مع فصائل وتنظيمات إرهابية في أفغانستان، وعلى رأسها "داعش". ويلاحظ أن موقف الرأي العام يتفق مع رأي المعارضة، حيث ينادون بعودة الجنود الأتراك إلى بلادهم. 

وختاماً، تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن هناك بعض الفرص التي تمكن تركيا من تعزيز وجودها داخل أفغانستان، فإن هناك العديد من المعوقات التي تحد من قدرة تركيا على دعم وجودها في أفغانستان، سواء داخلياً أو خارجياً. وسوف تستمر واشنطن في التعويل على تركيا أو قطر في لعب دور في إدارة مطار كابول بعد انسحاب واشنطن وحلف الناتو.