أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تصعيد منضبط:

أبعاد المواجهات العسكرية الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله

15 أغسطس، 2021


أطلقت جهة مجهولة صاروخين في 4 أغسطس من الجنوب اللبناني على شمال إسرائيل، سقط أحدهما في منطقة مفتوحة في مستوطنة كريات شمونة من دون إصابات أو أضرار تذكر، في حين سقط الثاني في الأراضي اللبنانية. 

وردّت إسرائيل فجر 5 أغسطس بقصف جوي لمنطقة مفتوحة في منطقة الجرمق، قضاء جزين، وذلك لأول مرة منذ عام 2014. وقام "حزب الله" بالرد على هذا القصف في 6 أغسطس بإطلاق حوالي 18 صاروخ على منطقة مفتوحة في محيط مزارع شبعا المحتلة، تصدت لأغلبها منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية. كما قامت إسرائيل بقصف مدفعي كثيف في محيط تلال كفرشوبا.

وجاء هذا التطور بعد استهداف إيران للناقلة الإسرائيلية "ميرسر ستريت" مطلع الشهر الجاري قبالة سواحل عمان واتهام إيران بشن تلك الهجمة، فضلاً عن توعد إسرائيلي بالرد على إيران، وتبادل الطرفات لتصريحات عدائية، مما أنذر بإمكانية خروج المواجهات بين إسرائيل وحزب الله عن السيطرة.

توتر إقليمي متصاعد:

جاء الموجهات العسكرية المحدودة بين إسرائيل وحزب الله اللبناني في ظل بيئة إقليمية اتسمت بالتالي:   

1- استهداف إيران "ميرسر ستريت": جاء التصعيد بين تل أبيب وحزب الله في أعقاب الهجوم الأخير على الناقلة الإسرائيلية "ميرسر ستريت" مطلع أغسطس، والذي كان أول هجوم تعترف به إيران ضمناً من خلال وسائل إعلامها، وتؤكد أنه جاء رداً على الهجمات الإسرائيلية على موقع تابعة لإيران وحزب الله في مدينة حمص السورية، كما أنه ترتب عليه سقوط قتيلين.

2- تعبئة إسرائيل المجتمع الدولي: حاولت الحكومة الإسرائيلية تعبئة الموقف الدولي لإدانة إيران، عبر التأكيد عن امتلاكها معلومات استخباراتية عن تورط إيران في الهجوم، وهو ما دعمته السلطات والتقارير الاستخباراتية للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. ونجحت إسرائيل في الحصول على دعم مجموعة السبع، والتي أدانت إيران باعتبارها المسؤولة عن ذلك الهجوم. 

كما أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر للتحرك ضد إيران وذلك عبر التعهد برد جماعي على التهديدات الإيرانية، ودعمت لندن موقف واشنطن في تصعيد غير مسبوق ضد إيران.

3- تصعيد كلامي إيراني – إسرائيلي: هددت كل من إيران وإسرائيل باستهداف بعضهما البعض، كما اتجهتا إلى التهوين من قدرة الطرف الآخر على خوض تلك المواجهة، وهو ما يتضح من تأكيد "نفتالي بينيت" رده على التهديدات الإيرانية على الطريقة الصهيونية، في إشارة إلى تنفيذ عمليات تخريبية موجعة ضد إيران، بالإضافة لتصريحات وزير الدفاع "بيني غانتس" الذي أكد على استعداد إسرائيل لمهاجمة إيران. وفي المقابل، حذر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، إسرائيل من اختبار إيران عسكرياً.

الدلالات والتداعيات المحتملة: 

يتضح أن الموجهات المحدودة بين إسرائيل وحزب الله كان لها عدد من الدلالات والتي يمكن توضيحها في التالي:

1- تجنب إسرائيل الحرب المفتوحة: تسعى إسرائيل، في هذا التوقيت، إلى تجنب الدخول في أي حرب مفتوحة مع حزب الله، وذلك بالنظر إلى رغبتها في التركيز على البرنامج النووي الإيراني، ومواصلة تنفيذ عمليات تخريبية تستهدفه، بالإضافة إلى الرد على استهداف إيران للسفينة الإسرائيلية "ميرسر ستريت". 

وتفضل إسرائيل في الوقت الحالي التركيز على تهديد إيران بشكل مباشر، خاصة وأن الأخيرة، إما تتجاهل الهجمات الإسرائيلية، وتكتفي بإطلاق التهديدات، أو أنها تتحاشى تهديد الأراضي الإسرائيلية بشكل مباشر، وتلجأ إلى استهداف سفنها. ولاشك أن هذه المعادلة تصب في صالح إسرائيل في النهاية، ولذلك تفضل الحفاظ عليها، بدلاً من الدخول في مواجهة مفتوحة مع حزب الله اللبناني.

ومن جهة أخرى برزت حسابات داخلية مستجدة قد تفرض مستقبلاً قيداً على الحكومة الحالية، فقد هدد النائبان العربيان في الائتلاف الحكومي في إسرائيل، وهما غيداء ريناوي زعبي، نائبة لرئيس الكنيست عن حزبها اليساري "ميرتس"، ومازن غنايم، العضو في قائمة الحركة الإسلامية برئاسة النائب منصور عباس، بإسقاط حكومة بينيت التي يشاركان فيها، إذا أقدمت على حرب ضد قطاع غزة أو لبنان.

2- تحاشي حزب الله التصعيد: أكد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، في كلمته أن تبادل الاستهداف للمناطق المفتوحة من شأنه تثبيت قواعد الاشتباك بين الطرفين، وهو ما يحمل تهديداً ضمنياً بأن قيام إسرائيل بأي غارات يترتب عليها سقوط قتلى لبنانيين، سوف يستتبعها اتجاه الحزب لاستهداف إسرائيليين وقتلهم. 

كما أكد كذلك أن حزب الله بإمكانه توسيع نطاق عملياته حال استمر القصف الإسرائيلي، وهو ما يعكس رغبة حزب الله في تحاشي التصعيد مع إسرائيل في هذا التوقيت، خاصة في ظل الانهيار الاقتصادي الذي تعاني منه لبنان في الوقت الحالي، ووجود عقوبات أمريكية على الحزب والشخصيات المقربة منه. وتنذر تدهور الأوضاع الاقتصادية بتهديد شعبية الحزب، حتى في الحاضنة الشعبية له، ولذا، فإنه لم يكن من المتوقع أن يتجه حزب الله للتصعيد.

وتجدر الإشارة هنا إلى رفض الدروز في بلدة شويا في منطقة حاصبيا الحدودية تحول بلادهم إلى قاعدة لإطلاق الصواريخ على إسرائيل، وقام الأهالي باحتجاز إحدى شاحنات الصواريخ التي كانت معدة للإطلاق باتجاه إسرائيل، وتسليمها للجيش اللبناني، في مؤشر على حجم الرفض الشعبي من جانب بعض الطوائف اللبنانية للدخول في أي مواجهات مع إسرائيل في الوقت الحالي تتسبب في مزيد من التردي لأوضاعهم المعيشية.

ومن جهة أخرى، فإن حزب الله أراد من التصعيد المنضبط مع إسرائيل التغطية على أزماته الداخلية، خاصة تحقيقات مرفأ بيروت، فقد حذر نصرالله، من "تسييس" التحقيق في انفجار مرفأ بيروت الذي وقع العام الماضي، رافضاً الاتهامات بأن حزب الله متورط في جلب مواد متفجرة إلى المرفأ، كما أن نصرالله سعى للربط بين هذه التحقيقات ووجود مؤامرة داخلية – خارجية تستهدف سلاح المقاومة، في إشارة إلى سلاح حزب الله نفسه.

3- تأكيد تهديد إيران لإسرائيل عبر حزب الله: أكد اللواء حسين سلامي، قائد الحرس الثوري الإيراني ونعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله، خلال لقائهما في طهران بعد حفل تنصيب الرئيس الإيراني يوم 8 أغسطس، أن هجمة حزب الله هي بمثابة رسالة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديدة نفتالي بينيت للتأكيد على أن معادلة الرد على التهديدات الإسرائيلية لم تتغير، مؤكدين على توافر الإمكانات والظروف اللازمة لإسقاط إسرائيل، في تهديدات مبطنة توجهها إيران لإسرائيل بإمكانية توظيفها حزب الله لتهديد الأمن الإسرائيلي بشكل مباشر.

4- دور أمريكي لمنع التصعيد: تدخلت واشنطن على خط الصراع بين إسرائيل ولبنان، وذلك عبر ممارسة ضغوط على رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، لكيلا يتبنى رد فعل أقوى، بما ينذر بتحول المواجهة بين إسرائيل وحزب الله إلى مواجهة عسكرية مفتوحة. 

كما حضت الولايات المتحدة الحكومة اللبنانية على منع مقاتلي حزب الله من إطلاق صواريخ نحو إسرائيل. ويرتبط الموقف الأمريكي بسياسة إدارة بايدن، والتي باتت تتحاشى أي تصعيد إقليمي، كما تخشى من الانعكاسات السلبية لأي مواجهة إسرائيلية – لبنانية على مسار التفاوض حول برنامج إيران النووي. 

5- تراجع نظرية الأمن الإسرائيلي المطلق: مثّل الشمال جبهة متجددة لتهديد الأمن القومي الإسرائيلي مثلها مثل قطاع غزة، ورغم سكون تلك الجبهة نسبياً في السنوات القليلة الماضية، فإن التهديدات الشمالية قد تفاقمت على الرغم من ذلك بسبب قيام إيران بمحاولة نقل صواريخ دقيقة التوجيه إلى حزب الله اللبناني. 

وتسعى إسرائيل إلى منع إيران من نقل صواريخ دقيقة التوجيه إلى حزب الله عبر توجيه ضربات جوية إلى أي شحنات إيرانية لحزب الله، فضلاً عن توظيف منظومة القبة الحديدية، والتي تراهن إسرائيل عليها في تأمين تل أبيب، من كافة أنواع الصواريخ والقذائف، بما في ذلك الصواريخ دقيقة التوجيه.

وبغض النظر عن مدى مبالغة إسرائيل في تقدير كفاءة المنظومة الدفاعية الإسرائيلية، فإن هناك أسئلة تثار حولها، خاصة في ضوء تأكيد إسرائيل أن المنظومة تصدت لعشر صواريخ تابعة لحزب الله، على الرغم من تأكيد تل أبيب أن الصواريخ استهدفت ساحات مفتوحة. فمن المعروف أن هذه المنظومة تعمل بالذكاء الاصطناعي ولا تقوم باعتراض الصواريخ التي تلك التي تستهدف مناطق سكنية أو استراتيجية، أو صناعية.   

وفي الختام، يمكن القول إن الحسابات الخاصة بأطراف الصراع المباشرين، وتحديداً إيران وحزب الله اللبناني قد مالا إلى تجنب التصعيد، نظراً للتداعيات المترتبة على ذلك على أمنهما القومي، كما أن إدارة بايدن تفضل عدم حدوث أي أزمات إقليمية إضافية تعيق التوصل لاتفاق حول برنامج إيران النووي، فضلاً عن تنفيذ سياستها الرامية إلى تقليص وجودها العسكري في المنطقة.