أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

استهداف مستمر:

دوافع واشنطن لمواصلة ضغوطها على بيروت

11 يونيو، 2020


كثفّت الولايات المتحدة مؤخراً من ضغوطها على حزب الله وحلفاءه عبر استهداف لبنان، وذلك في محاولة لتحييد نفوذهم المتنامي، وقطع الطريق على أى اتجاه لمواصلة التماهي مع المحور الإيراني- السوري، الأمر الذي قد يدفع صانع القرار اللبناني إلى إعادة النظر في هذا الاتجاه نظراً لانعكاسه مستقبلاً على نفوذه داخلياً، ولتجنب أى صدمة في العلاقات مع الولايات المتحدة، مما يُرجح استمرار تراجع نفوذ حزب الله وحلفاءه في الداخل، وامتداد ذلك التراجع لتقويض أنشطته في الخارج. 

تحركات جديدة:

اتجهت الولايات المتحدة خلال الفترة الأخيرة إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات التي سعت من خلالها إلى رفع مستوى ضغوطها على لبنان التي تسيطر على السلطات فيها قوى تيار "8 آذار"، ومن مظاهر ذلك ما يلي:

1- السعى لتوسيع مهام قوات "اليونيفيل": تعمل الإدارة الأمريكية حالياً على توسيع مهام قوات "اليونيفيل" التابعة لمنظمة الأمم المتحدة على الحدود بين لبنان وإسرائيل مع بدء انطلاق مباحثات مجلس الأمن حول موازنتها وهيكليتها وعددها وولايتها، وتتمثل المهام الجديدة في السماح للقوات الدولية بتفتيش الأملاك الخاصة للبنانيين القابعين في المنطقة الحدودية، مع التلويح بضرورة تمديد مهام تلك القوات على الحدود الشرقية للبنان مع سوريا.

2- عرقلة مفاوضات صندوق النقد الدولي: أرجعت العديد من المصادر اللبنانية تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي إلى سيطرة حزب الله على المشهد الداخلي، وذلك بإيعاز من الولايات المتحدة أكبر ممولي الصندوق، ويدلل على ذلك تباطؤ المفاوضات بعد دخولها الأسبوع الرابع (بدأت المفاوضات رسمياً يوم 13 مايو من العام الجاري، بعد المطالبة بها رسمياً منذ مطلع الشهر نفسه). وفي هذا السياق، توقع الناطق باسم الصندوق جيري رايس أن تطول مدة المفاوضات بسبب درجة تعقيد القضايا والإصلاحات اللازمة، مع تشديده على ضرورة دعم طرفى الطيف السياسي والمجتمع المدني في لبنان للبرنامج الاقتصادي الاصلاحي الجاري التفاوض بشأنه.

3- قانون "قيصر": ينص القانون، الذي أقره الكونجرس الأمريكي في ديسمبر 2019، على فرض عقوبات اقتصادية على الحكومة والجيش في سوريا، وملاحقة الأفراد والمجموعات والدول التي تتعامل معهما، وسيبدأ تطبيق المرحلة الأولى من القانون في 17 يونيو الجاري (وذلك من أصل 4 مراحل سيتم تحديد موعد تطبيقها تباعاً)، وينعكس تطبيق ذلك القانون على لبنان بشكل مباشر، وقد يدفعها لتقليص التعاون مع سوريا، حيث تُصدِّر سوريا الكهرباء إلي لبنان، وتوجد فروع لبنوك لبنانية في الأولى، فضلاً عن وجود تجارة رسمية بين البلدين، وزيارات متبادلة بين مسئولين لبنانيين وسوريين، تحت ذريعة إعادة الإعمار، الأمر الذي سيضغط على بيروت التي تجد منفذاً لها في التعامل مع سوريا. 

تحييد النفوذ:

لا تستهدف الولايات المتحدة الدولة اللبنانية في حد ذاتها، بل تهدف إلي تقويض ممارسات حزب الله وحلفاءه، وبالتالي اتجهت الإدارة الأمريكية للاعتماد على أدوات مباشرة للتأثير على مواقف الدولة الرسمية إزاء بعض القضايا خاصة ما يتعلق بالتطبيع مع سوريا (ظهرت ملامحه في ضبط الحدود، واستمرار التعاملات المالية والمصرفية، وتعزيز العلاقات التجارية)، وهو ما يُرجح أن يكون لواشنطن دور محوري خلال الفترة المقبلة في تقويض النفوذ الإيراني في الداخل اللبناني.

وقد ركزت الولايات المتحدة في الفترة الماضية على تنويع أدوات ملاحقتها القانونية لحزب الله، وفي هذا السياق، سيكون لقانون "قيصر" تأثير على السياسين المحسوبين على الحزب وقوى "8 آذار" الذين يزورون الأراضي السورية بشكل علني، إضافة إلى أن القانون سيضر بصورة حزب الله الساعي للتطبيع مع سوريا أمام مناصريه وحلفاءه، وذلك لامتثال السلطات اللبنانية المتوقع للقانون تجنباً للعقوبات، الأمر الذي يعكس التراجع المستمر لنفوذ حزب الله داخلياً، خاصة مع فقدانه السيطرة على ممارسات حلفاءه الذي تنامى العداء بينهم.

ولا يُستبعد أن يكون تعثر إقرار برنامج التعاون بين صندوق النقد الدولي ولبنان مرتبطاً بضغط واشنطن على الثانية لعدم الاعتراض على محاولات توسيع مهام قوات "اليونيفيل"، أو الامتثال لها في حالة إقرارها من مجلس الأمن، خاصة وأن واشنطن تدرك مدى أهمية وجود تلك القوات بالنسبة لبيروت، وهو ما عبرت عنه مؤسسات الدولة الدستورية (رئاسة الجمهورية- مجلس النواب- الحكومة) في تصريحات رسمية بشأن تأثير ذلك الوجود في حفظ استقرار الحدود الجنوبية.

 ويُشار في هذا الصدد إلى أن الموافقة على تمديد مهام "اليونيفيل" سيُعد ضربة قاسية لحزب الله بسبب زيادة انكشافه على القوات الدولية، والتي سيُتاح لها تفتيش المراكز التابعة للحزب في القرى والمدن الجنوبية، مع زيادة رصد تحركات الحزب العسكرية، وبما قد يُدخِل الدولة في أزمة جديدة تتعلق بالموقف من قرارات مجلس الأمن الخاصة بضبط الحدود والسيطرة على نشاط الميليشيات المسلحة. وفي حالة رفض توسعتها بسبب فيتو روسي أو صيني، فإن ذلك قد يقلص من فاعليتها بعد تخفيض تمويلها وعددها، الأمر الذي سيشكل تحدياً جديداً للدولة اللبنانية.

ختاماً، يعكس تشابك الضغوط الأمريكية على حزب الله، سواء في طابعها الرسمي أو غير الرسمي، تزايد استهداف الحزب خلال الفترة المقبلة بكافة السبل، على نحو سيكون لها دور في تحديد أنماط التفاعلات السياسية التي تجري على الساحة الداخلية، وذلك في ظل حاجة بيروت لدعم دولي مستدام في السنوات المقبلة للخروج من الأزمات السياسية والاقتصادية المتلاحقة التي تعصف باستقرارها.