أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

زوايا مختلفة:

مأزق شرعية المؤسسات في دول الصراعات العربية

22 أكتوبر، 2018


تصاعدت أزمة شرعية المؤسسات في دول الصراعات العربية، لا سيما ليبيا واليمن وسوريا والعراق، خلال الفترة القليلة الماضية، وهو ما تعكسه مؤشرات دالة تتمثل في تعدد السيادة في مختلف الأقاليم الجغرافية بليبيا، ونهم الميلشيات المسلحة للسيطرة على السلطة في اليمن أو تعزيز وجودها في الدولة مثل الحشد الشعبي بالعراق، وأزمة بناء الثقة بين الأطراف السياسية المتصارعة في اليمن، واستعادة نظام الأسد المناطق الخارجة عن السيطرة بالقضم التدريجي وبدعم جيوش أجنبية وميلشيات طائفية، والقابلية لتدخلات الأطراف الإقليمية مثل الدور الإيراني في سوريا ولبنان واليمن.

إن التيار السائد في أدبيات النظم المقارنة يشير إلى أن شرعية المؤسسات، خاصة في الدول التي تشهد صراعات، ترتبط بنمط وصولها إلى السلطة، ومستوى الخدمات العامة التي توفرها السلطة للمواطن، وقدرتها على تعزيز الأمن وترسيخ الاستقرار وفرض سيادة القانون على الجميع بمقياس واحد، ومنع نشوء مراكز موازية لسلطة الدولة، والحرص على استقلالية القرار الوطني دون تأثير من جهات خارجية. وبالتالي، فإن شرعية مؤسسات الدولة هى الاتفاق المحدد حول كيفية ممارسة السلطة وتوزيع الموارد، وهو ما يعكس –بالمقابلة- مأزق شرعية المؤسسات في هذه الدول.

فهناك مؤشرات دالة على هذا المأزق المتعدد الأبعاد في حالات عربية عدة، بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة، يمكن تناولها على النحو التالي:

ازدواجية السلطة:

1- تعدد السيادة في مختلف الأقاليم الجغرافية: وذلك نظرًا لتنوع المصالح القبلية والجهوية والاقتصادية للميلشيات المسلحة، وهو ما ينطبق جليًا على الحالة الليبية. فمع انهيار نظام القذافي، لم تعد هناك سلطة مركزية في البلاد بل برزت جيوش موازية وجماعات مسلحة وكتائب مناطقية، وانتشرت حالة من المنافسة بين النخب الليبية على الاستئثار بالسلطة داخل المؤسسات الحكومية، وتضخمت جماعات المصالح الاقتصادية وخاصة إدارة الموارد النفطية، بالتوازي مع عدم قدرة المنظمات الدولية، خاصة الأمم المتحدة، على إقناع الأطراف بتسوية الصراع، وهو ما يؤدي إلى عدم الخروج من "المتاهة الانتقالية" بعد حراك 2011.

وفي هذا السياق، أكد مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا الدكتور غسان سلامة، في تصريح لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية في 14 أكتوبر 2018، أن "مشكلة شرعية المؤسسات لا تزال قائمة في ليبيا، إذ يوجد خلاف على الشرعية، وهذا أمر لا يحل إلا من خلال انتخابات عامة". كما سبق أن قال سلامة في تغريدة له على موقع "تويتر"، في 19 أغسطس الماضي: "نؤيد فكرة الانتخابات لحل مشكلة الشرعية وازدواجية المؤسسات في السلطات التنفيذية والتشريعية.. ووحدها إرادة الشعب الليبي هى التي تقرر من تريد بشرط أن يسمح الوضع القانوني والأمني بذلك".

فقد شهدت عدة مدن ليبية هى الزاوية والمرج وبني وليد انتخابات بلدية، ويتوقع أن تشهد الفترة المقبلة انتخابات في مدن أخرى. غير أن الانتخابات على المستوى الوطني قد تستغرق فترة زمنية أطول لعدم صدور القانون الحاكم لعملياتها، فضلاً عن آلية عمل المفوضية العامة للانتخابات.

حوثنة المؤسسات:

2- نهم الميلشيات المسلحة للسيطرة على السلطة: وهو حال ميلشيا الحوثيين في اليمن منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء والانقلاب على الشرعية في سبتمبر 2014، واغتيال حليفها الرئيس السابق علي عبدالله صالح في ديسمبر 2017، على نحو ما عبرت عنه تصريحات رئيس الوزراء اليمني السابق أحمد عبيد بن دغر، في 8 أكتوبر 2018 خلال لقاءه مع رؤساء المؤسسات الإعلامية اليمنية الرسمية بالرياض بقوله: "إن ميلشيا الحوثي دمرت كل مؤسسات الدولة وفي مقدمتها المؤسسات الإعلامية، وحاولت طمس الهوية الوطنية".

وأوضح بن دغر أن "حالة الانهيار التي تعرضت لها اليمن جاءت نتيجة طبيعة الحرب الهمجية التي شنتها ميلشيا الحوثي الانقلابية وسيطرتها على مؤسسات الدولة وتدمير نسيجها الاجتماعي وانتهاجها سياسة القمع وتكميم الأفواه، وفي مقدمتهم الإعلاميون وحملة الفكر والرأى".

صعوبة التوافق:

3- أزمة بناء الثقة بين الأطراف السياسية المتصارعة: على نحو ينطبق على العلاقة بين قوات الحكومة الشرعية والحوثيين في اليمن وتعثر مفاوضات السلام بينهما، والتي نظمت جولات مختلفة لها في الكويت وجنيف دون أن تسفر عن تحولات في مسار الصراع، الذي يزداد تعقيدًا بمرور الوقت، لا سيما مع عدم تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان، فضلاً عن اعتماد الحوثيين على الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعدي على الممتلكات الخاصة والاستيلاء على الأموال العامة لدعم جهودهم العسكرية.

ويضاعف من ذلك عدم نجاح جهود مبعوثي الأمين العام للأمم المتحدة على مدار السنوات الماضية في إحراز تقدم ملموس. فقد أكد مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث، في مقابلة مع فضائية "سكاى نيوز عربية"، في 29 أغسطس 2018، على أن "الأمم المتحدة تسعى لإعادة الشرعية للمؤسسات في اليمن الذي يشهد نزاعًا مسلحًا منذ 4 سنوات". كما تكرر هذا التصريح على لسان المبعوث الأممي السابق إسماعيل ولد الشيخ، في تصريح لقناة "العربية" في 26 أغسطس 2017، بقوله أنه "لا حل في اليمن إلا بعودة المؤسسات لسيطرة الحكومة الشرعية"

القوة القاهرة:

4- استعادة المناطق الخارجة عن السيطرة: وذلك عبر آليات مثل القضم التدريجي ودعم جيوش أجنبية وميلشيات طائفية، على نحو ما فعله نظام بشار الأسد في سوريا خلال السنوات الماضية، رغم أنه سادت تحليلات بقرب سقوطه  في لحظات مختلفة، لا سيما أنه كان يسيطر على ما بين 18 إلى 21% حتى الدعم العسكري الروسي له في 30 سبتمبر 2015. وسرعان ما تغيرت الأوضاع في مرحلة لاحقة، خاصة بعد عجز المعارضة السورية عن القيام بدور توفير الخدمات اليومية للسوريين، في حين كانت الدولة السورية المصدر الرئيسي للسلع الأساسية من صحة وتعليم وخبز ووقود مدعم، فضلاً عن الخدمات الإدارية التي تديرها الدولة مثل إصدار الوثائق التي تسمح للسوريين بالزواج، وتسجيل صكوك الملكية، والسفر إلى خارج سوريا.

غير أن نظام الأسد، على الجانب الآخر، بتوظيفه لسلاح الدولة له تأثير مدمر على شرعية مؤسسات الدولة وبقاءها، وفقًا لأحد التفسيرات، لا سيما بعد طردها المعلمين النشطين في صفوف المعارضة واعتقال الطلاب قبل التقدم لامتحانات الثانوية العامة، واستهداف النشطاء من المهندسين والأطباء، ما يلحق ضررًا بفعالية الدولة على المدى الطويل، لا سيما مع تأكيده أن نظام الأسد هو بالفعل الدولة السورية. وهنا، يخشى المجتمع الدولي من أن انهيار نظام الأسد قد يستتبعه ضعف الدولة ذاتها، بل تمكين من تنظيم "داعش" من التوسع في مرحلة معينة أو انتشار الفوضى غير القابلة للسيطرة.

منافذ التغلغل:

5- القابلية لتدخلات الأطراف الإقليمية: إذ أن دولة مثل إيران لديها مشروع تحاول تطبيقه في دول الأزمات أو الصراعات العربية، بحيث تكرس سيطرة الطائفة على حساب الدولة والميلشيات على حساب الجيوش النظامية. بل إن أطرافًا داخلية، في بعض الحالات، تسمح بتعزيز دور طهران بما يخدم مصالحها للبقاء في الحكم أو مناوئة الأطراف المعارضة. وكذلك الحال بالنسبة لتركيا التي تدعم جماعات وتيارات سياسية على حساب حكومات قائمة. فالقوى الإقليمية تقيد شرعية مؤسسات الدولة في عدة حالات عربية بدعم الجماعات التي تعمل بالوكالة.

إعادة تأسيس:

خلاصة القول، إن الحكومات في دول الصراعات العربية عليها مهام عاجلة تتعلق بالحفاظ على ما تبقى من مؤسسات الدولة، وإدراك أن مركزية السلطة السابقة لم تعد قابلة للتطبيق، وأن استبدال دور مؤسسات الدولة بالمنظمات الإنسانية الدولية في بعض الحالات يعني إضعاف الثقة بين المواطن والدولة، على نحو يتطلب، في مرحلة لاحقة، إعادة تأسيس لعلاقة الدولة مع المواطن على محددات جديدة، بما يقف بالمرصاد للجماعات العنيفة المسلحة التي تحاول تقويض أركان الدولة، وتضعف مؤسساتها وتؤثر على سيادتها وتقلل قدرتها على العمل بل والبقاء. فالتحدي الأكبر الذي يواجه هذه الدول مرتبط ببناء وطني تعتمد شرعيته على المؤسسات الحية وعلى تأييد المواطنين لها.