أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

سدود أفغانستان:

صراعات مائية تكشف اختراق إيران للداخل الأفغاني

18 يوليو، 2017


تصاعدت حدة الاحتقان بين إيران وأفغانستان حول مشروعات السدود التي تعتزم الأخيرة بناءها على نهر هلمند الأفغاني الذي يصل إلى إيران، وعلى الرغم من اعتبار هذه التوترات ضمن مؤشرات احتدام الصراعات المائية بين الدولتين، فإنها تكشف مدى التغلغل الإيراني في الداخل الأفغاني ورعاية إيران المعلنة لحركة طالبان لإضعاف الحكومة الأفغانية، بالإضافة إلى توظيفها أوراق ضغط متعددة لتطويق تمدد حلف الناتو والولايات المتحدة في الجوار الجغرافي المباشر لها، وتهديد الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان لاستباق أي مراجعة أمريكية مُحتملة للاتفاق النووي.

حرب السدود:

أثارت التصريحات الإيرانية المعادية لمشروعات السدود الأفغانية احتجاجات متزايدة من جانب المواطنين الأفغان، حيث احتشد عدد كبير من المواطنين الأفغان في ولاية هلمند في 9 يوليو 2017 احتجاجاً على تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني، التي اتهم فيها أفغانستان بسوء إدارة السدود والتأثير على التدفقات المائية إلى إيران، وهو ما اعتبرته أفغانستان تدخلاً في شؤونها.

وتكررت تحذيرات الرئيس الإيراني من بناء أفغانستان سدوداً على نهر هلمند، متهماً كابول بالتسبب في آثار مدمرة في شرق إيران بسبب الجفاف، ومن بينها إقليم بلوشستان الذي يتهم سكانه حكومة إيران باتباع سياسات تمييزيه ضدهم، كما هدد روحاني علناً بأن "إيران لا يمكنها السكوت على تدهور الموارد المائية في المناطق الحدودية مع أفغانستان"، وهو ما رد عليه الرئيس الأفغاني أشرف غني بتأكيده عزم أفغانستان بناء المزيد من السدود لتحسين استغلال الموارد الطبيعية. 

ويرتبط ذلك ببدء عمل "سد سلما" لإنتاج الطاقة الكهربائية في أفغانستان بتمويل هندي منذ مطلع عام 2017، حيث تكلف بناؤه 290 مليون دولار قامت الهند بتحملها، وتم إطلاق مُسمى "سد الصداقة بين أفغانستان والهند" على هذا السد الذي يزود مدينة هرات الأفغانية بالكهرباء بالإضافة لري مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وهو ما دفع إيران لزيادة ضغوطها على أفغانستان لوقف مشروعات السدود.

كما كشفت صحيفة الجارديان البريطانية في مارس 2017 عن عزم الحكومة الأفغانية بناء سد "كمال خان" في ولاية "نيمروز"، التي تعد ضمن الولايات الأكثر فقراً بهدف تنمية الأنشطة الزراعية بها لمواجهة اعتماد سكانها على تهريب المخدرات كمصدر رئيسي للدخل، حيث سيقوم السد بري 175 ألف هكتار من الأراضي، وهو ما يساوي مساحة مدينة لندن. 

وفي هذا الإطار صعدت إيران من تهديداتها للأمن المائي في أفغانستان، حيث انتقد الرئيس الإيراني حسن روحاني في يوليو 2017 مشروعات السدود الأفغانية، مثل سدود "كمال خان" و"كجكي" و"سلما"، في شمال وجنوب أفغانستان بأنها تمثل تهديداً للأمن الإيراني وهو ما أثار احتجاجات الحكومة الأفغانية، حيث كشفت الأخيرة عن قيام إيران ببناء أكثر من 30 سداً مائياً على الأنهار التي تتدفق إلى أفغانستان، مما أثر سلباً على المياه المتدفقة لأفغانستان، كما استهلكت إيران كميات ضخمة من المياه من منطقتي هلمند وهاررود في أفغانستان.

وتجدر الإشارة في هذا الصدد، إلى أن حجم الموارد المائية في أفغانستان، يصل إلى حوالي 70 مليار متر مكعب سنوياً، لكن 80% من هذه المياه تتدفق إلى إيران وباكستان والدول المجاورة الأخرى في آسيا الوسطى، وهو ما دفع الحكومة الأفغانية لإقامة سدود متعددة للاستفادة من الموارد المائية وتوليد الطاقة الكهربائية.

اختراق الداخل: 

تتجاوز التوترات الإيرانية – الأفغانية مجرد صراع محدود على الموارد المائية، إذ يكشف تتبع السياسة الإيرانية تجاه أفغانستان عن تمكن إيران من التغلغل في الداخل الأفغاني على مدار سنوات وقيامها بتوظيف أطراف داخلية متعددة لتحقيق مصالحها وفي صدارتها حركة طالبان، حيث تتمثل أهم معالم السياسة الإيرانية التدخلية في أفغانستان فيما يلي:

1- التحالف مع طالبان: على مدار سنوات طويلة حافظت إيران على علاقات قوية مع حركة طالبان الأفغانية، إلا أن مؤشرات التقارب المعلن بين الطرفين بدأت في التزايد عقب فتح مكتب تمثيل لطالبان في مدينة مشهد الإيرانية، كما كشفت عملية تصفية زعيم طالبان الملا أختر محمد منصور في باكستان في مايو 2016 عن علاقات وثيقة بين إيران وطالبان، حيث كان منصور عائداً من إيران إلى باكستان قبل مقتله.

ولم يعرقل التنافر المذهبي والديني بين طالبان وإيران، التقارب بين الطرفين، ففي ديسمبر 2016 استضافت طهران قياديين من حركة طالبان ضمن فعاليات مؤتمر "الوحدة الإسلامية" للتقريب بين المذاهب الدينية، وكشف السفير الإيراني لدى كابول، محمد رضا بهرامي في الفترة نفسها عن وجود اتصالات بين بلاده و"حركة طالبان"، كما أشار المتحدث الرسمي باسم "طالبان" الملا ذبيح الله، أن للحركة "علاقات واتصالات جيدة مع إيران".

واعتمدت طهران على هجمات طالبان لإعاقة مشروعات السدود الأفغانية قبل اكتمالها لمنع تأثيراتها السلبية على التدفقات المائية إلى إيران بالإضافة للتصدي لتشكيل حكومة أفغانية قوية عسكرياً متحالفة مع الغرب ومعادية للسياسة الإيرانية، وهو ما تجلي في هجمات طالبان على "سد سلما" في يونيو 2017، وهجماتها المتكررة على "سد كمال خان" منذ مطلع عام 2017.

2- تهريب الأسلحة: أكد حاكم إقليم هلمند الأفغاني "حياة الله حياة" في يناير 2017، أن إيران قد سلمت صواريخ إيرانية إلى طالبان لمهاجمة البنية التحتية والمدن الأفغانية، كما كشف عن اجتماع مسؤولين إيرانيين وبعض زعماء طالبان في مدينة "كرمسير"، وعثور القوات الأفغانية على بقايا صواريخ إيرانية الصنع أطلقتها طالبان ضد القوات الأفغانية في معارك جرت بمدينتي "كرمسير" و"سنكين".

ورصدت القوات الأمنية الأفغانية متفجرات وذخائر وقذائف مورتر وبنادق آلية وقنابل وأسلحة إيرانية الصنع خلال مداهمات لمستودعات للأسلحة تابعة لحركة طالبان خلال عامي 2016 و2017 بالإضافة إلى مواد مزدوجة الاستخدام يمكن استخدامها في تصنيع عبوات ناسفة، وتكررت اتهامات المسؤولين الأفغان لإيران بتدريب الحرس الثوري الإيراني مقاتلين لحركة طالبان في معسكرات في محافظة كرمان الإيرانية.

3-  تجنيد اللاجئين: كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في يونيو 2017 عن تجنيد الحرس الثوري الإيراني لاجئين أفغاناً، خاصة من قومية "الهزارة" الشيعية للقتال في سوريا والعراق والدفاع عن الأضرحة الشيعية، حيث تم تشكيل "لواء فاطميون" في عام 2014، من اللاجئين الأفغان الشيعة، وفي المقابل تقدم إيران للمجندين رواتب مالية وتعويضات لأسرهم بالإضافة لمنحهم الجنسية الإيرانية ورعاية ذويهم اقتصادياً، وتقوم إيران بنشر هذه الوحدات العسكرية في مقدمة الصفوف في مناطق الاحتدام العسكري في سوريا وهو ما يسبب سقوط عدد كبير من القتلى بينهم.

4- تصعيد الضغوط: تتبع إيران سياسات ضاغطة في مواجهة الحكومة الأفغانية تهدف لإضعافها من خلال دعم خصومها السياسيين بالإضافة إلى إضفاء الشرعية السياسية على حركة طالبان، واعتبارها طرف سياسي يمكن التفاوض معه بدعم من روسيا التي باتت تقوم بدور مركزي في رعاية التفاوض مع طالبان.

وكثفت إيران من توظيف ملف اللاجئين في الضغط على الحكومة الأفغانية، ففي مايو 2017 قامت إيران بترحيل 130 لاجئ أفغاني، وقدرت بيانات منظمات الإغاثة الدولية ترحيل ما لا يقل عن 700 ألف لاجئ أفغاني منذ مطلع عام 2016 من إجمالي 2.5 مليون لاجئ أفغاني تستهدف إيران لترحيلهم خلال فترة 18 شهراً مما سيزيد عدد سكان أفغانستان بنسبة 10%، وهو ما اعتبرته بعض المصادر تصعيداً للضغوط الإيرانية على الحكومة الأفغانية.

5- استهداف القوات الأمريكية: يؤكد بعض المسؤولين الأمنيين والعسكريين الأمريكيين أن إيران تدير مواجهة عسكرية بالوكالة مع حلف الناتو والقوات الأمريكية الموجودة في أفغانستان، حيث أكد القائد الأعلى للقوات الأميركية بأفغانستان الجنرال جون نيكلسون خلال شهادته أمام مجلس الشيوخ في فبراير 2017 أن "التحركات الإيرانية والروسية في أفغانستان تهدف إلى تقويض دور الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي".

وتعتبر إيران الوجود العسكري الأمريكي في دول الجوار مثل أفغانستان والعراق وقواعد حلف الناتو في تركيا بمنزلة تطويق للإقليم الإيراني من مختلف الجهات، وهو ما يعزز اتباع إيران سياسات تقوم على "التطويق المضاد" للقوات الأمريكية من خلال اختراق الدول التي تتمركز بها هذه القوات والتحالف مع وكلاء محليين، سواء تنظيمات إرهابية أو ميليشيات لاستهداف الوجود العسكري الأمريكي بها.

وختاماً، من المرجح أن تتصاعد التدخلات الإيرانية في أفغانستان مع تعزيز الولايات المتحدة لانتشارها العسكري في المنطقة لمواجهة تهديدات حركة طالبان وتصاعد وتيرة عملياتها العسكرية ضد الحكومة الأفغانية ومناطق تمركز قوات حلف الناتو، حيث ستكثف إيران من اتباعها استراتيجية "الاحتواء المضاد" في إدارة الحرب بالوكالة ضد الولايات المتحدة للتصدي لأي محاولات أمريكية بفرض ضغوط سياسية أو عسكرية عليها أو تنفيذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعهداته الانتخابية بمراجعة الاتفاق النووي مع إيران.