أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

حدود المنافسة:

هل تغزو الشركات الصينية العالم؟

21 مايو، 2016


إعداد: باسم راشد

تعد الصين أكبر سوق عالمي لمئات المنتجات، مثل السيارات ومحطات توليد الطاقة، كما أن الحكومة الصينية لديها أكبر احتياطي أجنبي على مستوى العالم تتجاوز قيمته 3 تريليونات دولار، علاوة على أن بكين تعد أكبر شريك تجاري لحوالي 124 دولة على مستوى العالم، بما فيها بعض الحلفاء السياسيين والعسكريين للولايات المتحدة.

لعلِّ تلك الأرقام هي التي دعمت النظرة التفاؤلية لدى البعض بأن الصين ستتجاوز الولايات المتحدة في وقت قريب، وستصبح القوة الاقتصادية الأولى على مستوى العالم، بيد أن هذه النظرة تُغفل بعض التحديات التي تواجه الصين في هذا الشأن.

وانطلاقاً من ذلك، يأتي هذا المقال المنشور في دورية Foreign Affairs تحت عنوان: "هل تستطيع الشركات الصينية غزو العالم؟"، وأعده كل من Pankaj Ghemawat  أستاذ الإدارة والاستراتيجية في كلية ستيرن لإدارة الأعمال بجامعة نيويورك، و Thomas Houtأستاذ الاستراتيجية في معهد ميدلبري للدراسات الدولية بمدينة مونتيري الأمريكية. ويهدف المقال إلى الإجابة عن عدة تساؤلات، منها: ما طبيعة وحجم الاقتصاد الصيني؟ وما الذي ينقصه؟ وما التحديات التي يواجهها؟ وهل تقدم الصين نموذجاً اقتصادياً خاص بها؟ 

حدود تقدم الاقتصاد الصيني

حققت الصين تقدماً ملحوظاً في إنتاج السلع الرأسمالية والمنتجات التكنولوجية عالية الجودة، والتي تمثل حالياً 25% من صادراتها. كما يتحكم المنتجون الصينيون في الوقت الحالي في نسبة ما بين 50-75% من الأسواق العالمية لحاويات الشحن، ومعدات توليد الطاقة، فضلاً عن السيطرة على ما بين 15-30% من الأسواق العالمية لأجهزة الاتصالات، ونظم السكك الحديدية فائقة السرعة.

كما اعتمدت الحكومة الصينية استراتيجية "حزام واحد، طريق واحد"، والتي تهدف إلى تغطية منطقة أوراسيا بالمرافق الصينية من طرق وقضبان وموانئ وغيرها، وخصَّصت لها مبلغ تريليون دولار، وتعطي هذه الخطة ميزة تنافسية للمنتجين الصينيين خارج نطاق أراضيهم.

بيد أن بكين، كما يؤكد الكاتبان، مازالت فاعلاً غير مؤثر في أسواق المنتجات الأكثر تعقيداً والأعلى سعراً، نظراً لاعتمادها على إنتاج السلع ذات التكلفة المنخفضة، وهو ما يجعلها غير قادرة على المنافسة مع الشركات الغربية، والتي تنتج سلعاً أكثر تقدماً وتعقيداً، مثل توربينات الرياح البحرية، وقلوب المفاعلات النووية، والطائرات النفاثة الكبيرة.

ويميز هذه الشركات الغربية كونها تعتمد على تطوير معرفة أعمق بالاحتياجات التقنية للمستهلكين، بما يُمكِّنها من تصميم منتجات عالية الجودة والتي تدمج التكنولوجيات الحديثة مع البرمجيات المتطورة، مما ساعدها على الهيمنة على أسواق مفاعلات الطاقة النووية، ونظم التشغيل الآلي الصناعي، والطائرات النفاثة.

وقد أدت تلك المنافسة إلى تباطؤ نمو الصادرات الصينية في أجهزة الاتصالات من 25% في عام 2010 إلى 10% في عام 2014. كما تباطأ نمو صادراتها بشكل عام من متوسط زيادة سنوية بلغت 17% بين عامي 2004 و2011 إلى 5% بين عامي 2011 و2015.

ويُعزى ذلك التراجع، بجانب المنافسة، إلى سعي الصين لتصنيع المكونات الصناعية للمنتجات في الداخل، بما يقلل من جودتها نظراً لانخفاض التكلفة، بالإضافة إلى افتقادها الأدوات اللازمة لتصنيع المنتج بالجودة العالية المطلوبة. وعلى العكس، فإن الشركات الغربية تبتاع تلك المنتجات من منشأها الأصلي ثم تضيف إليها لمساتها الإبداعية، وهو ما يجعلها تخلق قوة عمل كبيرة تساهم في تقوية اقتصادها، وهو ما تفتقده الصين.

عوامل الهيمنة الأمريكية اقتصادياً

استعرض الكاتبان عدداً من العوامل التي أدت إلى استمرار تقدم الولايات المتحدة على الصين اقتصادياً، وجعلها مهيمنة على أسواق التكنولوجيا المتقدمة وعالية الجودة، ولعلَّ أبرز هذه العوامل ما يلي:

1- وجود نظم غير مقيِّدة للإبداع والابتكار، والتي تساهم في إنجاز منتجات عالية الجودة، وتعزز من الاستثمارات الخارجية في عمليات التصنيع والإنتاج، وهو ما تفتقده الصين إلى حد كبير، على الرغم من سعيها خلال السنوات الماضية إلى تعزيز وتأسيس ما يقرب من 40 مركزاً إبداعياً في عشرة قطاعات رئيسية مثل تكنولوجيا المعلومات وعلوم الفضاء والنقل الذكي.

2- تدعيم ميزانية البحث والتطوير في الولايات المتحدة، والتي تأتي في المرتبة الأولى على العالم من حيث تدعيم الباحثين في هذا القطاع. وقد شهدت السنوات الأخيرة ثباتاً في ميزانية دعم قطاع البحث والتطوير من دون زيادة بالولايات المتحدة، بالتزامن مع الزيادة الكبيرة التي حدثت في القطاع نفسه بالصين من حوالي صفر% في عام 2001 إلى 9.5% في عام 2011، ومع ذلك فإن الولايات المتحدة مازالت في المقدمة، وتحاول الصين، التي تأتي في المرتبة الثانية، اللحاق بها.

3- حجم الاستثمار الهائل في الأسواق الخارجية للولايات المتحدة؛ حيث وضعت الشركات الأمريكية، في عام 2014، استثمارات بقيمة 3 تريليونات دولار في أسواق عبر البحار. وقد انتهجت الصين الاقتراب نفسه مؤخراً، وسعت إلى زيادة استثماراتها الخارجية. وعلى الرغم من أنها بدأت متأخرة عن الولايات المتحدة في هذا الشأن، فقد استثمرت الشركات الصينية بنهاية عام 2014 مبلغ 730 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل إلى 2 تريليون دولار خلال السنوات الخمس القادمة.

وقد بدأت الصين، في إطار سعيها الحثيث للحاق بالولايات المتحدة ومن ثم تجاوزها، في تحسين مستوى جودة المنتجات التي تقدمها، وقامت بشراء الشركات الغربية الجاهزة والتي يقع بعضها في محيط الولايات المتحدة، كما عقدت الصين 141 صفقة عبر البحار يصل إجمالي قيمتها إلى مليار دولار، وأصبحت في الوقت الحالي دولة جاذبة للشركات متعددة الجنسيات على مستوى العالم.

يُضاف إلى ذلك، أن الصين أصبحت أكثر مخاطرة من الدول الغربية في تعاملاتها الاقتصادية؛ إذ ربما تعد الدولة الوحيدة التي تضخ استثماراتها الخارجية في دول غير مستقرة، وبالتحديد في الدول النامية على عكس الولايات المتحدة، ولعلَّ هذا الأمر قد يساهم في تسريع وتيرة النمو الاقتصادي الصيني، لكنه، بحسب الكاتبيْن، لن يمهد لها طريق الهيمنة على الأسواق.

هل تطرح الصين نموذجاً فريداً؟

يعتمد أكثر المتفائلين لهيمنة الصين على العالم على مفهومين اقتصاديين أساسيين؛ الأول يتعلق بدورة حياة المنتج، والمقصود به أن المنتج يتم تصنيعه بالأساس في الدول الاقتصادية المتقدمة، لكن عملية الانتهاء منه تتم بتكلفة منخفضة في الاقتصادات النامية.

أما المفهوم الثاني، فيرتبط بما يُعرف بالإبداع التخريبي disruptive innovation، وهي العملية التي تقلل من شأن المنتجات عالية السعر عن طريق طرح منتجات شبيهه وأقل سعراً، بحيث تتحسن جودتها بمرور الوقت.

ويرى الكاتبان أن التركيز على هذين العاملين لا يعطي الصين هيمنة إطلاقاً، خاصةً أن الشركات متعددة الجنسيات يمكنها تطوير حزمة من المنتجات والتكنولوجيا عالية الجودة، ثم خلطها مع بعضها وعرضها في مختلف مناطق العالم، وهو ما يخدم مجموعات متنوعة من العملاء، ويُفقد الاستراتيجية الصينية أهميتها ويجعلها كغيرها من دون أي تمييز.

ومن ثم، يؤكد الكاتبان أن الصين ستنتج في المستقبل حصة خاصة بها في الشركات الكبيرة، كغيرها من الاقتصادات العالمية، لكن لا يبدو أنها ستؤسس "نموذجاً فريداً"، ولا يتوقع أيضاً أن تشهد معدلات نجاحها الاقتصادية تحسناً كبيراً عل المدى القريب.

تأثير العوامل الخارجية على النمو الصيني

من وجهة نظر الكاتبين، فإن العوامل الخارجية التي تحدث تغيرات في الأسواق والشركات العالمية هي أهم المحددات التي توضح مدى قوة اقتصاد الدولة. ومن ثم لا يمكن القول ببساطة إن الصين ستهيمن على العالم في ظل خطتها الاستراتيجية الواضحة مقارنةً بالنمو الاقتصادي البطيء للولايات المتحدة، وذلك لأن تلك العوامل الخارجية لها تأثيرها الواضح على حدود التقدم الاقتصادي للدولة.

فقوة الاقتصاد في الولايات المتحدة تنبع من عناصر كثيرة، أهمها: القدرة التنافسية الهائلة للثقافة الأمريكية، والنفوذ السياسي للشركات الأمريكية، والإنتاجية البحثية الكبيرة للجامعات والمعامل الأمريكية الحكومية، والنظام المالي الأمريكي الذي يوجه الاستثمارات لمشاريع التكنولوجيا الجديدة، والهجرة التي تجذب المواهب المختلفة، وضع الولايات المتحدة كقوة عظمى، وأخيراً دور وقيمة الدولار كاحتياطي نقدي في العالم.

كما أن القوة الاقتصادية الصينية لها أُسس قوية، وإن كانت مختلفة، أهمها: السياسات التي تُفضّل الاستثمار على الاستهلاك، والتشجيع الحكومي للاستثمارات الخارجية في الصناعات المحلية، ووجود رجال أعمال جريئين نجحوا على الرغم المعوقات التي واجهوها، والتحول في مركز الثقل الاقتصادي العالمي نحو آسيا، فضلاً عن السوق المحلي الصيني الهائل.

وبصرف النظر عن التحديات الداخلية التي تواجه الصين، يرى الكاتبان أنه من الصعب تحديد أو حتى توقع إلى أي مدى يمكن أن تؤثر العوامل الخارجية على القوة الاقتصادية للصين. كما أنه من الصعب أيضاً معرفة تأثير النمو الاقتصادي الصيني البطيء على القدرة التنافسية العالمية لشركاتها؛ فهو قد يؤدي إلى تدميرها أو التعجيل بإعلان إفلاسها، ومن ثم تركيز القوة في بعض الشركات القليلة القادرة على المنافسة، والتي قد تصبح قوة اقتصادية كبيرة في الأسواق العالمية.

بالإضافة إلى ذلك، ليس من اليسير معرفة كيف سيستجيب بقية العالم للنمو الصيني؛ فحينما أصبحت بكين أكبر مشترٍ للموارد الطبيعية، توقع الكثيرون حدوث ارتفاع دائم في أسعار السلع الأساسية، لكن ما حدث فعلياً هو أن المُستكشفين وجدوا طرقاً جديدة لزيادة المعروض، وكذلك وجدت الشركات طرق جديدة لحفظ وزيادة جودة السلع، بما أدى إلى انخفاض أسعار السلع الأساسية حالياً عما كانت عليه من 20 سنة مضت.

ومن المتوقع حدوث ذلك الأمر أيضاً مع النمو الصيني الحالي، ففي حين تصارع الشركات الصينية للوصول إلى الأسواق العالمية، فإن الشركات الغربية لن تقف مكتوفة الأيدي، بل ستبدع وتبتكر وتطوِّر مصادر أخرى للطلب على منتجاتها.

ختاماً، يخلص الكاتبان إلى أن فكرة حتمية الهيمنة الاقتصادية الصينية على العالم لا أساس لها من الصحة في ضوء العوامل السابق ذكرها؛ فالصين تحظى بقوة كبيرة لكنها تواجه تحديات أكبر، أهمها قدرتها التنافسية على إنتاج منتجات عالية الجودة تستطيع المنافسة من خلالها مع الشركات الغربية.

* عرض مُوجز لمقال بعنوان: "هل تستطيع الشركات الصينية غزو العالم؟"، والمنشور في دورية "فورين أفيرز" Foreign Affairs، عدد مارس /أبريل 2016.

المصدر:

Pankaj Ghemawat and Thomas Hout, Can China's Companies Conquer the World? The Overlooked Importance of Corporate Power, Foreign Affairs, Volume 95, Number 2, (New York, Council on Foreign Relations, March/ April 2016). pp 86 - 98.