أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

التراجع الناعم:

هل ينجح إخوان الأردن في مهمة ثقب الجدار؟

27 ديسمبر، 2014


حدثان لافتان وقعا مؤخراً في العاصمة الأردنية عمان، الأول هو توجيه قيادي إخواني منشق انتقادات علنية حادة لسياسة الجماعة في مصر، مطالباً قوى أخرى، يسارية وقومية، بطرح مبادرة سلمية لوقف ما سماه "المجابهة الطويلة" بين السلطة والإسلاميين.

الحدث الثاني تمثل في لقاء مفاجئ جمع المرشح الرئاسي السابق رئيس حزب "مصر القوية" الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، وهو أيضاً منشق عن الجماعة، بعدد من رموزها في الأردن، وتضمن اللقاء هجوماً عنيفاً على تجربة الإخوان في حكم مصر، ثم على مواقفهم السياسية الراهنة، وأولها التمسك بـ "شرعية" الرئيس المعزول محمد مرسي.

ومع أن ظاهر الحدثين يتعلق بوضع الإخوان في مصر، حيث يواجهون ملاحقات أمنية وقانونية، فإن وصلهما بما يواجه فرع الجماعة بالأردن من تصعيد حكومي متواصل، ثم بإعلان ذراعها السياسي (حزب جبهة العمل الإسلامي) عن بدء مرحلة إصلاح فكري وسياسي، فضلاً عن قبول قادتها المبدئي بالتصالح مع المنشقين عنها؛ يمكن أن يؤدي إلى استنتاج آخر مفاده أن إخوان الأردن يرغبون إما في التحرك بعيداً عن خط التنظيم الدولي، أملاً في تجاوز أزمتهم مع النظام، أو أنهم يمهدون لتحول سياسي ناعم يتيح للجماعة عبور اللحظة الحرجة التي يمر بها في عدد من دول المنطقة.. فهل تكون الأردن – التي ظلت لعقود طويلة مضرب المثل في احتواء الإخوان – بوابتهم للخروج من أزمتهم الشاملة في المنطقة؟ أم أن إخوان الأردن هم الذين يسعون لإنقاذ تنظيمهم من تداعيات تلك الأزمة؟.

الدولة والإخوان.. وسياسة الاحتواء

تشبه الأزمة المتصاعدة بين جماعة الإخوان المسلمين والسلطات الأردنية مشاهد النهاية في السينما العربية، ذلك أن كلا الطرفين اجتهد على امتداد نحو 70 عاماً للحفاظ على حالة التعايش الدقيق بينهما، حتى جاءت "الثورات العربية"، فوضعهما أمام تناقضاتهما الجوهرية، بحيث بات الصدام بينهما حتمياً ما لم يغير أحدهما استراتيجيته وأهدافه.

ويتضح عمق هذه الأزمة بالنظر إلى مستويين، أولهما: تصاعدها السريع وشمولها قضايا واتهامات لم يسبق لأي من الطرفين طرقها من قبل. وثانيهما: دخول المؤسسة الملكية الأردنية طرفاً في تفاعلاتها، وذلك خلافاً لعادتها التاريخية بالبقاء بعيداً عن الصراعات الحزبية. أما خطورة هذه الأزمة، فتعود إلى ثلاثة أسباب رئيسية هي: تقاطعها مع الصراع الذي تخوضه الجماعة مع عدد من النظم العربية، وتزامنها مع تنامي تأثير العامل المذهبي في المنطقة، وارتباطها بثنائية التكوين السكاني في المملكة (أردني/فلسطيني).

ومع أن كلاً من الطرفين أكد بشكل متكرر رغبته في تطويق هذه الأزمة، فإن الشواهد الواقعية  تدل على أن ثمة عوامل أكثر تأثيراً تدفع باتجاه التصعيد، أبرزها التناقض بين طموحات الجماعة وأنشطتها ومرجعيتها ومركز ولائها من جهة، وسياسة النظام ومصادر شرعيته والتزاماته ومخاوفه من جهة ثانية؛ وهو تناقض من شأنه أن يعصف بقواعد "التعايش" الذي حكم علاقتهما منذ حصول الجماعة على الترخيص القانوني كجمعية أهلية في عام 1945، ثم بعد انخراطها في العمل السياسي في منتصف الخمسينيات.

لقد تأسس هذا التعايش على توافق متبادل بألا يتجاوز الإخوان ما يُعرف بـ "الخطوط الحمراء"، في مقابل السماح لهم بالعمل الاجتماعي والتربوي دون قيود؛ ولذلك لم تُظهر الجماعة طوال ثلاثين عاماً حافلة بالتطورات الكبرى مثل أحداث أيلول الأسود (سبتمبر 1970)، وقرار فك الارتباط عن الضفة الغربية (يوليو 1988)، والمشاركة الأردنية في مؤتمر مدريد للسلام (أكتوبر1991)، وتوقيع اتفاقية وادي عربة (سبتمبر 1994)، ما يمس شخص الملك حسين أو ما يهدد شرعية حكمه، بينما سعت السلطة للاستفادة من وجود الإخوان أولاً في سحب البساط من تحت أقدام القوى القومية واليسارية، خاصة بين المواطنين من أصل فلسطيني (نصف السكان تقريباً)، وثانياً في إدارة علاقاتها الخارجية، سواء باستخدامهم كأداة ضغط (على نحو ما حدث مع النظام البعثي السوري بعد أحداث حماة في بداية الثمانينيات) أو كجسر للتواصل مع أطراف خارجية (على غرار ما جرى مع فلسطينيي الأرض المحتلة أو بعض دول الخليج العربي)، وإن كان الملك الراحل حسين بن طلال لم يُخفِ، في منتصف الثمانينيات، قلقه من سعي الجماعة لنقل تجربتها في سوريا إلى الأراضي الأردنية.

وفي بداية التسعينيات، ترجمت القيادة الأردنية حرصها على احتواء الإخوان بأن سمحت لهم، مع عودة التعددية الحزبية، بتشكيل حزب سياسي هو حزب جبهة العمل الإسلامي، على الرغم من تحريم القانون إنشاء أحزاب على أساس ديني. وقد التزم الحزب بالآليات التي تضمنها الدستور الأردني؛ فشارك في الانتخابات الأولى والثالثة والرابعة ( 1993، 2003، 2007) وقاطع الثانية والخامسة (1997 ، 2013)، كما شارك في أول حكومة تعددية في عام 1993، لكنها سرعان ما انسحبت من هذه الحكومة بعد توقيع اتفاق وادي عربة.

وعلى امتداد نحو عقدين كاملين، ظلت مطالب الحزب السياسية تتسم بطابعها الجزئي، حيث  ركز على تعديل بعض القوانين، خاصة التي تنظم الانتخابات وتحدد الدوائر وتنظم عمل النقابات المهنية  الاتحادات الطلابية. كما قاد الحزب حملات ضغط من أجل مكافحة الفساد وما يعتبره ترسيخ الفضائل الأخلاقية وتأكيد الهوية الإسلامية للبلاد.

الثورات.. بداية النهاية للتوافق المتبادل

بعد الثورات العربية، تبنى الحزب، وقبله الجماعة، رؤية جذرية للإصلاح محورها إعادة هيكلة النظام السياسي ليصبح ملكياً دستورياً تخضع فيه السلطة للإرادة الشعبية، مع التلويح المتكرر بتحريك الشارع لإجبار السلطة على السير في هذا الاتجاه.

وقد جسد الأمين العام السابق للحزب، سلامي حمزة منصور، هذا التحول بقوله "إن حزبه سيلجأ إلى الشارع  لمواجهة إصرار الحكومة على وضع المواطنين بين خياري القبول بالفساد والاستبداد أو تعريض البلاد لخطر الاقتتال الداخلي، على غرار ما يحدث في الدول المجاورة". أما من الناحية الحركية، فقد قادت الجماعة وحزبها منذ انطلاق الثورات العربية تصعيداً احتجاجياً بلغ مداه في يونيو 2013 عندما شارك الإخوان مع ما يُعرف بـ "ائتلاف العشائر الأردنية" في تظاهرات حاشدة طالبت بإسقاط رأس النظام الذي تعرض لإساءات لفظية غير مسبوقة، وهاجمت الثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف حسين (الجد الأكبر للملك عبدالله الثاني) ضد الدولة العثمانية ووصفتها بـ "الثورة العبرية".

بدورها، ربطت السلطة هذا التحول في سياسة الإخوان بسعيهم للسيطرة على السلطة بغير الأساليب الدستورية، حتى أن الملك عبدالله الثاني انتقد بنفسه الجماعة، واتهمها خلال حوار نشرته مجلة "ذي أتلانتك" الأمريكية في مارس 2013 (أي قبل عزل الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي) بالانتهازية والسعي لاستغلال الديمقراطية من أجل الوصول إلى السلطة.

وبين ما ساقه العاهل الأردني ضد إخوان الأردن أنهم يتلقون الأوامر من قيادة الجماعة في القاهرة، ويسعون لإزاحته عن العرش، بل إنه زاد على ذلك، فوصفهم بأنهم "طائفة ماسونية"، وهو ما ردت عليه الجماعة بحدة مماثلة، حيث اعتبرت هذه التصريحات "استخفافاً بالشعب والوطن والدولة، وإساءة إلى مكونات المجتمع الأردني وللحركة الإسلامية"، وطالبت الملك بـ "الاعتذار الصريح، والتعامل بالاحترام الذي يليق بكرامة الشعب الأردني".

وعاد الملك في حوار أجراه في 7 ديسمبر 2014 مع قناة "بي بي إس" الأمريكية، ليؤكد أن الجماعة تمثل خطراً على وجود المملكة، مستشهداً على ذلك برفضها التجاوب مع الحوار الوطني الذي أطلقته الدولة لتحقيق الإصلاح الشامل، وتهديدها المتكرر باللجوء للشارع، على الرغم من استجابة السلطة لمطالبها، وفي مقدمتها تعديل الدستور وإنشاء محكمة دستورية.

اعتقال بين أرشيد.. مواجهة الحقيقة

شكل اعتقال نائب المراقب العام لإخوان الأردن، زكي بني أرشيد، في نوفمبر الماضي، ثم إحالته السريعة لمحكمة أمن الدولة العليا، ذروة المواجهة بين النظام والجماعة التي باتت من الناحية الواقعية بين خيارين، فإما أن تعود عن التصعيد وتمتثل لشروط التعايش المعروفة، ومن ثم تتخلى عن روابطها الخارجية وتمثل لقواعد اللعبة، أو أن تتحمل تبعات اختياراتها.

وعلى الرغم من أن حزب "جبهة العمل الإسلامي" قد رد على اعتقال بني أرشيد بلغة جافة تضمنت التأكيد على أن "سياسة الاعتقالات الممنهجة لن تثني الحركة الإسلامية عن مواقفها الراسخة والشامخة"، فإن فشله في تحريك الشارع بالدرجة التي روج لها، مضافاً إلى ذلك الإحراج السياسي الذي تعرض له عندما منعت السلطات بعض قادته من زيارة بني أرشيد في سجن "ماركا"، أظهرا صعوبة الخروج من هذه المواجهة بغير الانحناء للعاصفة، خصوصاً في ظل تعرض الجماعة في الخارج لخسائر استراتيجية.

في هذه الأجواء، جاءت دعوة القيادي السابق بفرع الإخوان بالأردن محمد رحيل غرابية للإسلاميين في مصر"، كي يعتذروا لشعبهم ويتراجعوا عن مطلب عودة مرسي للحكم، لتفتح ثقباً في جدار التماهي بين الجماعة وفرعها في الأردن، تماماً كما فعل غرايبة نفسه عندما تزعم مع آخرين مبادرة لتصحيح مسار الجماعة في نهاية عام 2012 (مبادرة زمزم) لتصحيح مسار الجماعة، والتي تعرض بسببها للفصل من الجماعة؛ فقد انتقد غرايبة عبر مقال نشره في صحيفة "الدستور" واسعة الانتشار، وحمل عنواناً موحياً هو "الحل يبدأ من مصر"، استراتيجية إخوان مصر، مشدداً على أهمية الحفاظ على الدولة المصرية ومقدراتها وجيشها وأمنها وشعبها، وأكد على أولوية الحل السياسي للأزمة المستمرة منذ 30 يونيو 2013، محذراً مما سماه  "الخطورة التي تحيق بهم (الإخوان) وبأمتهم وبلدهم على مستوى مصر أولاً، وعلى مستوى الإقليم بأكمله".

وقد زاد غرايبة على ذلك، فطالب بحل التنظيم الدولي للجماعة، ودعا أطرافاً محايدين من مختلف القوى والاتجاهات السياسية المصرية والعربية، سواءً كانت من الجناح القومي واليساري، أو من بعض الأطراف الإسلامية، للتدخل بمبادرات تقود إلى صياغة أكثر نضجاً وتفصيلاً لحل سياسي يوقف النزيف المتدفق على الأرض المصرية، ويكون مقدمة للنجاح في وقف النزيف على الأرض العربية كلها.

اللافت للنظر أن مقال غرايبة لم يُواجَه بنقد علني من قبل قادة الجماعة على الرغم من توقيته الحرج، بل على العكس بدا أن أفكاره موضوع للتداول، بدليل أن اللقاء الذي جمع الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح بكل من عبداللطيف عربيات (الذي استضاف اللقاء في بيته) وسالم الفلاحات (المراقب العام السابق للجماعة) وحمزة منصور (الأمين العام السابق لحزب جبهة العمل الإسلامي)، شهد تكراراً نسبياً للخطوط العامة التي صاغها غرايبة، الأمر الذي يوحي بأن ثمة قبولاً أولياً بهذا النوع من المراجعة التي يعدها البعض بمنزلة جزء من عملية تصحيح قد تتم داخل الجماعة.

إخوان الأردن.. مهمة ثقب الجدار

يعزز من فرضية الارتباط بين الأحداث السابقة أن التنظيم الدولي للإخوان خصص (حسب مصادر من داخله) اجتماعاً لمناقشة مقترحات أبوالفتوح باعتبارها مبادرة مطروحة لحل الأزمة في مصر. ويُلاحظ كذلك أن قرار التنظيم برفض هذه المقترحات، التي تضمنت أيضاً تشكيل تحالف إسلامي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة يكون الإخوان طرفاً رئيساً فيه، استند إلى سبب برجماتي تمثل في عدم وجود وعود من الدولة تكافئ إعلان الإخوان التخلي نهائياً عن السلطة، الأمر الذي يمكن تفسيره بأنه تأكيد على أن التفاوض في ذاته ليس مرفوضاً، والأهم أنه يكشف اضطلاع إخوان الأردن بدور المنسق لهذا التحرك.

وربما يؤكد هذا الاستنتاج أن موقف إخوان الأردن من "الأزمة المصرية" شهد خلال شهر ديسمبر الجاري تراجعاً نسبياً، كما يدل عليه شاهدان بارزان، أولهما: مرور الزيارة الأولى للرئيس عبدالفتاح السيسي إلى عمان (11 ديسمبر) من دون أي تحرك إخواني جاد لإفسادها، وذلك على الرغم من تصريحات منددة سبقتها. وثانيهما: عودة الجماعة للتركيز على القضايا التي تحظى بتوافق شعبي، مثل معارضة التوقيع على اتفاقية استيراد الغاز من إسرائيل، ورفض التدخلات الخارجية لإلغاء عقوبة الإعدام، والضغط على الحكومة من أجل إعادة النظر في برامجها الاقتصادية المضرة بالفئات الفقيرة.

يؤكد على ذلك أيضاً امتناع مجلس شورى "جبهة العمل الإسلامي "خلال اجتماعه الطارئ الذي عُقد  في 14 ديسمبر، عن التلويح بالضغط الشعبي لإجبار السلطة على تلبية مطالبه، مستبدلاً ذلك بالدعوة لـ "حوار وطني تُدعى له القوى الوطنية السياسية كافة لمعالجة القضايا والمخاطر كلها التي يتعرض لها الوطن"، والعودة لتأكيد أولوية "تعزيز الشراكة الحزبية والوطنية في المجالات السياسية، والقانونية، والإدارية، والاقتصادية، والاجتماعية".

وعلى ما يبدو، فإن هذا التراجع المزدوج يستهدف في المقام الأول الخروج الناعم من المواجهة الصعبة مع النظام داخلياً، والحفاظ للجماعة على جسور تصلها بغيرها من القوى والتيارات السياسية في عموم المنطقة.

ويظل نجاح هذا المسعى معلقاً بعوامل أخرى أبرزها: مدى استعداد السلطة لإحياء التوافق القديم، وقدرة الإخوان على إدارة باقي قضايا الخلاف مع الحكومة، وفي مقدمتها: الحرب على "داعش" والعلاقة مع إسرائيل، بوسائل سياسية، فضلاً عن درجة احترامهم لعلاقة الدولة بحلفائها الإقليميين، خصوصاً مصر ودول الخليج.