أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

استيعاب التحديات:

دلالات زيارة وزير الخارجية السوري إلى إيران

15 ديسمبر، 2021


تزامنت زيارة وزير الخارجية والمغتربين السوري، فيصل المقداد، إلى إيران مع استئناف الجولة السابعة من محادثات فيينا، والانفتاح العربي على الجانب السوري، فضلاً عن الضربات الإسرائيلية المكثفة ضد الوجود الإيراني في سوريا.

• تبدي إيران قلقاً للتطورين الأخيرين، وتسعى لتأكيد علاقاتها الاستراتيجية مع الحكومة السورية في مواجهتهما، كما تؤشر إلى حرص المسؤولين الإيرانيين على مناقشة الملف الاقتصادي مع المقدد عن وجود قلق حقيقي لدى طهران من الانفتاح العربي على دمشق.

• تعد زيارة فيصل المقداد إلى طهران استكمالاً لمحاولة النظام الإيراني الهيمنة على سوريا، غير أن الضربات العسكرية الإسرائيلية المكثفة ضد إيران في سوريا بالتفاهم مع روسيا، فضلاً عن العقوبات الاقتصادية الأمريكية على طهران سوف تحد من قدرة إيران على مواجهة التطورات الإقليمية غير المواتية لها على الساحة السورية.

زار وفد سوري رسمي برئاسة وزير الخارجية والمغتربين، فيصل المقداد، إيران في 5 ديسمبر، وذلك تلبية لدعوة من الحكومة الإيرانية. وتعد هذه الزيارة هي الثانية للمقداد إلى إيران منذ توليه منصب وزارة الخارجية، والأولى له في ظل الحكومة الإيرانية الجديدة برئاسة الرئيس إبراهيم رئيسي. وأكد وزير الخارجية والمغتربين السوري خلالها أن العلاقات بين سوريا وإيران استراتيجية وتهدف لبناء مستقبل واعد لشعوب المنطقة تعيش فيه بأمن وسلام بعيداً عن أي تدخل خارجي.

تطورات إقليمية غير مواتية: 

رافق هذه الزيارة عدد من التطورات الإقليمية، والتي يمكن استعراضها على النحو التالي:

1- تعنت إيران في محادثات فيينا النووية: جاءت تلك الزيارة مع استئناف الجولة السابعة من المفاوضات النووية مع إيران، خاصة في ظل ما تشهده تلك المفاوضات من تعنت إيراني واضح، وهو ما ظهر في المرحلة الأولى من مفاوضات الجولة السابعة، والتي سعت إيران خلالها للنكوص عما تم التوصل إليه كافة في الجولات السابقة، وهو ما لاقى رد فعل سلبياً، ليس فقط من الولايات المتحدة، ولكن كذلك من روسيا والصين. 

كما يلاحظ أن إيران تبدي اهتماماً كبيراً بنفوذها الإقليمي في سوريا، إذ إن إيران توظف هذا النفوذ في إطار ما يعرف باسم "الدفاع المتقدم"، أي توظيف وجود قواتها وميليشياتها في دول أجنبية لتهديد خصومها بعيداً عن حدودها، وكذلك ردع الولايات المتحدة عن مهاجمتها في حال فشلت مفاوضات فيينا حول برنامجها النووي.  

2- الانفتاح العربي على سوريا: جاءت تلك الزيارة في ظل مساعٍ عربية لإعادة علاقاتها بالحكومة السورية، خاصة أنها جاءت عقب زيارة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي إلى دمشق في 9 سبتمبر، فضلاً عن التقارب الأردني – السوري، وهو ما وضح في إعادة فتح معبر "جابر – نصيب" بين دمشق وعمان في 30 سبتمبر 2021. 

ويلاحظ أن الولايات المتحدة على الرغم من إعلانها رفض التطبيع العربي مع الحكومة السورية، فإنه لم تفعل عقوبات قانون قيصر ضد الحكومة الأردنية، في مؤشر على وجود تغاضٍ أمريكي عن إعادة العلاقات الاقتصادية، ومحاولة من واشنطن لتقييم انعكاس استعادة الدول العربية علاقاتها بدمشق على النفوذ الإيراني في سوريا. ولا شك أن هذا الأمر بات مثار قلق لدى دوائر صنع القرار في طهران.  

3- تهديد إسرائيل الوجود الإيراني في سوريا: كشف مسؤولون إسرائيليون أن تل أبيب نجحت في تدمير 75% من الأسلحة الإيرانية في سوريا، وحققت أقصى درجات الردع ضد القوات الإيرانية هناك. كما كشف مسؤولون عسكريون إسرائيليون لصحيفة "يديعوت أحرونوت" أن الغارة الإسرائيلية على ميناء اللاذقية، في 7 ديسمبر، استهدفت شحنة أسلحة إيرانية تحوي منظومات دفاع جوي مهربة إلى لبنان.

ولا شك أن هذه الغارة أثارت استياء طهران، نظراً لدلالتها البالغة، إذ يلاحظ أن مرفأ اللاذقية يقع بالقرب من قاعدة حميميم السورية، التي تضم منظومة دفاع جوي روسية متطورة، من طراز "إس – 300" و"إس – 400"، كما يلاحظ أن موسكو كانت قد عبرت لدمشق عن غضبها من إعطائها إيران عقداً في فبراير 2019 لإدارة ميناء اللاذقية، ما يرجح أنه جرت تفاهمات ما بين إسرائيل وروسيا على تنفيذ هذه العملية، في مؤشر على استمرار التنسيق بينهما ضد إيران في سوريا. 

كما رجحت دوائر أمنية إسرائيلية أن إيران هربتها من دون علم الأسد، في مؤشر على أن طهران باتت لا تثق في توجهات الحكومة السورية وموقفها من الضربات الأخيرة ضد نفوذها، وأن هناك تقييماً لدى تل أبيب يقوم على أن دمشق باتت تتجاوب مع الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى تقليص النفوذ الإيراني في سوريا، وهي كلها استنتاجات في حال صحت، تكشف عن حجم التهديد للنفوذ الإيراني في سوريا. 

توظيف زيارة المقداد:

تسعى إيران لاستثمار زيارة المقداد لها لتحقيق عدد من الأهداف، والتي يمكن تفصيلها على النحو التالي:

1- رسالة إلى الجانب الإسرائيلي: تعد تلك الزيارة بمنزلة رسالة إيرانية إلى الولايات المتحدة بشكل عام، وإلى الجانب الإسرائيلي، على وجه الخصوص، باستمرار التحالف الإيراني – السوري، في مواجهة التحديات التي تعترضه، خاصة في ظل الاستهداف الإسرائيلي المتكرر للوجود العسكري الإيراني في سوريا، وأن أي محاولة للفصل ما بين إيران وسوريا لن يكتب لها النجاح، وذلك على الرغم من أن ذلك لا يتوافق مع التطورات على أرض الواقع. 

2- تعزيز العلاقات الاقتصادية: ناقش المقداد في طهران مع عدد من المسؤولين الإيرانيين تعزيز التعاون الاقتصادي، حيث التقى بوزير الطرق وإعمار المدن الإيراني، رستم قاسمي، وبحثا التعاون بين البلدين في ملف إعادة إعمار سوريا. كما التقى برئيس مجلس الشورى الإسلامي، محمد باقر قاليباف، الذي تحدث عن عقد الجانبين لعدد من الاتفاقات الاقتصادية في مجال دعم أنشطة القطاع الخاص وتنشيط الغرف التجارية والمساعدة في تطوير المنتجات الصناعية والزراعية بين البلدين. 

وقال الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، خلال استقباله وزير الخارجية السوري، فیصل المقداد، في 6 ديسمبر، أنه "يتابع تعزيز العلاقات الثنائية بين طهران ودمشق، على وجه الخصوص، العلاقات الاقتصادية والتجارية".

كما سبق تلك الزيارة افتتاح إيران مركزاً تجارياً في المنطقة الحرة بالعاصمة السورية دمشق، لتسهيل التبادل التجاري وتعزيزه، فضلاً عن مشاركة وفد اقتصادي إيراني برئاسة وزير الصناعة والمناجم والتجارة، رضا فاطمي أمين، في افتتاح المعرض الإيراني التخصصي الذي انطلق في مدينة المعارض في 29 نوفمبر الماضي، فضلاً عن زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان لسوريا في 9 أكتوبر الماضي، وشغل الملف الاقتصادي حيزاً من نقاشات الجانبين إلى جانب العلاقات الأمنية والعسكرية.

ويلاحظ أن مجمل هذه التحركات تهدف إلى تحجيم الانفتاح الاقتصادي العربي على دمشق، غير أن إيران سوف تواجه صعوبات جدية في حالة قررت تعزيز استثماراتها في سوريا، بالنظر إلى العقوبات الاقتصادية الأمريكية ضدها.

3- تأكيد النفوذ العسكري: اعتبر رئيسي أثناء لقائه بالمقداد أنّ مواصلة تواجد القوات الأجنبية غير الشرعي في المنطقة، خاصة الأراضي السورية خطيرة لأمن واستقرار المنطقة، في إشارة إلى التواجد الأمريكي تحديداً، كما أكد أن سوريا "تقع في الخط الأمامي أمام الصهاينة".

وسبق توجه المقداد لطهران زيارة إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، خلال الأيام الماضية لمحافظة دير الزور، حيث أشرف على عملية تخريج مجموعة جديدة من العناصر المنخرطين في صفوف فصيل "فاطميون"، في مؤشر على رغبة إيران تأكيد وجودها في سوريا على الرغم من التهديدات الإسرائيلية.

وفي الختام، تكشف زيارة المقداد إلى إيران بناء على دعوتها عن حجم مخاوف طهران حيال التطورات الإقليمية التي تشهدها سوريا، سواء فيما يتعلق بالتحديات التي تواجه نفوذ إيران العسكري في سوريا، أو ما يتعلق بالانفتاح العربي على سوريا اقتصادياً من بوابة ملف إعادة الإعمار، كما يلاحظ أن طهران، حالياً، لا تمتلك القدرة على عكس أي من التطورين، خاصة في ظل استمرار العقوبات الاقتصادية الأمريكية ضدها، فضلاً عن عودة التفاهمات الإسرائيلية – الروسية لتنفيذ ضربات عسكرية تستهدف الوجود الإيراني في سوريا.