أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

التداعيات السورية:

عسكرة السياسات الكردية في الشرق الأوسط

21 أكتوبر، 2015


إعداد: عزة هاشم


أثرت التغيرات الحادثة في الخريطة الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط على أوضاع الأكراد وسياساتهم، فعلاوة على أن مناطقهم تعتبر امتداداً طبيعياً في سوريا والعراق لعدة عوامل ثقافية وسياسية، فإنه قد حدثت تطورات دراماتيكية منذ يونيو 2014 على الساحة السياسية الكردية في الشرق الأوسط، في ظل سيطرة  تنظيم "داعش" على العديد من المدن والمناطق في سوريا والعراق.

انطلاقاً مما سبق، تأتي هذه الدراسة المُعنونة: "تأثير الحرب السورية على سياسات الأكراد في الشرق الأوسط"، والتي أعدها كل من Cengiz Gunes الباحث المتخصص في الشرق الأوسط وسياسات الأكراد، وRobert Lowe مدير مركز الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، حيث يحلل الباحثان انعكاسات الحرب في سوريا على سياسات الأكراد في منطقة الشرق الأوسط.

ويتناول الباحثان القضية من زاويتين رئيسيتين، الأولى تركز على انعكاسات الصراع الدائر في سوريا على واقع الأكراد وشبكة علاقاتهم مع القوى الداخلية في سوريا، والتي تتضمن قوى المعارضة والتنظيمات الجهادية وأهمها تنظيم "داعش"، بالإضافة إلى تأثير الحرب على العلاقات بين القوى الكردية المختلفة في سوريا. أما الزاوية الثانية فتتناول ردود الفعل الدولية على زيادة نفوذ الأكراد في سوريا، وانعكاسات هذا النفوذ على الأكراد في كل من تركيا والعراق.

صعود "حزب الاتحاد الديمقراطي" ومبادرة الحكم الذاتي (روجافا)

عقب اندلاع الانتفاضة السورية في عام 2011، أصبح "حزب الاتحاد الديمقراطي" أحد الأطراف الفاعلة الرئيسية في السياسة السورية، حيث خلقت الحرب الأهلية في سوريا بيئة مهيئة لإجراء تغيير رئيسي في سياسات وتوجهات الأكراد في سوريا. وقد أجاد الحزب في استغلال ظروف الحرب التي تمر بها البلاد في خلق الهيمنة وبناء دور فاعل له داخل سوريا وخارجها.

وقد أجمل الباحثان أهم العوامل التي ساهمت في تنامي هيمنة "حزب الاتحاد الديمقراطي" في سوريا، فيما يلي:ـ

  • وجود قدر من الانضباط والتنظيم والتخطيط الاستراتيجي لدى الحزب مقارنةً بالأحزاب الكردية غير المتآلفة الأخرى.
  • صلة الحزب القوية بحزب العمال الكردستاني، والتي منحته أيديولوجية واضحة.
  • توفر التدريب الجيد، والخبرة القتالية، والأسلحة، والمقاتلين لدى ميليشيات الحزب العسكرية، والتي تتمثل في وحدات حماية الشعب.

وبحلول صيف عام 2012، ومع انهيار سوريا وانقسامها إلى فصائل متحاربة، فرض "حزب الاتحاد الديمقراطي" سيطرته على ثلاث مقاطعات ذات أغلبية كردية في شمال البلاد، وهي: الجزيرة، كوباني، وعفرين.

وبنهاية عام 2013 وبداية عام 2014، قام "حزب الاتحاد الديمقراطي" بانشاء حكومة محلية للمقاطعات الثلاث، وجمعها تحت اسم روجافا (الغرب) Rojava، فيما يعد بمثابة خطوة هامة للحزب تجاه تجربة الحكم الذاتي، والتي يراقبها عن كثب الأكراد في كل من تركيا والعراق وإيران.

وتناول الباحثان بالتحليل الشقاق العميق داخل الحركة الكردية السورية، بين "حزب الاتحاد الديمقراطي" والعديد من أحزاب 1957، والذين اجتمع معظمهم تحت لواء المجلس الوطني الكردي (KNC) في عام 2011؛ حيث أدت الانشقاقات في الأحزاب القديمة وإخفاقها في التكيف، وضعف الشرعية الشعبية لها إلى تزايد جرأة "حزب الاتحاد الديمقراطي". كما أن الأحزاب المتضمنة في المجلس الوطني الكردي تعمل في الغالب خارج سوريا، ما يحد من تأثيرها الداخلي.

عسكرة النضال الكردي في سوريا

يرى الباحثان أن الحرب في سوريا هي التي أدت إلى عسكرة النضال الكردي السوري، حيث لم يلجأ أكراد سوريا في السابق إلى حمل السلاح لدعم قضيتهم في سوريا (على الرغم من دعمهم لحزب العمال الكردستاني في تركيا والجماعات الكردية في العراق)، ولكن ما أن تزايدت حدة القتال بين نظام الأسد و"الجيش السوري الحر" والجماعات الجهادية، بدأت "وحدات حماية الشعب" في المشاركة عسكرياً في الدفاع عن المدن والقرى الكردية.

ونظراً لوجود مصالح مشتركة بين كل من "الجيش السوري الحر" و"وحدات حماية الشعب" في التصدي للجماعات الجهادية، بالإضافة إلى أن كليهما لديه عداء تجاه النظام البعثي، فقد لجأت المجموعتان إلى التعاون الحذر، حيث كانت تسيطر الريبة على العلاقات بينهما، وهو ما جعل العلاقات بينهما تتراوح ما بين التعاون والاشتباك، تبعاً للظروف المحلية والديناميات الأوسع للحرب.

وبالإضافة للأكراد الذين يقطنون المناطق ذات الأغلبية الكردية، ثمة عدد آخر من الأكراد يقيمون في المناطق المختلطة مثل حلب، والذين قاموا بتنظيم أنفسهم عسكرياً منذ بداية عام 2012 فيما يسمى "جبهة الأكراد"، حيث يعملون كوحدات مستقلة ضمن الجيش السوري الحر. وقد شهدت العلاقات بين "الجيش السوري الحر" و"جبهة الأكراد" توتراً شديداً منذ يوليو 2013 بعد الهجمات التي شنتها الجماعات الجهادية على الأكراد في مدينة حلب.

تأثير الجهاديين وأهمية "كوباني"

تعود بداية الحرب بين "وحدات حماية الشعب الكردية" والتنظيمات الجهادية، خاصةً تنظيم "داعش"، إلى نهاية عام 2012، عندما شن التنظيم الإرهابي هجمات متكررة للسيطرة على المعابر الحدودية والمدن الكردية، حيث ينظر الإسلاميون إلى الأكراد بوصفهم أعداءً أيديولوجيين لهم، فضلاً عن كونهم منافسين للتنظيم في السيطرة على الأراضي والموارد.

ويرى الباحثان أن تقدم الجماعات الجهادية (والذي صاحبه تهديد لسلامة الأكراد) هو الذي دفع أكراد سوريا لدعم "حزب الاتحاد الديمقراطي"، والذي لم يقتصر على توفير الحماية، وإنما أيضاً تقديم الخدمات والعمل لهم. وقد يكون دعم أكراد سوريا لـ"وحدات حماية الشعب" أكبر بكثير من دعمهم لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي"، لأن الأول يوفر الحماية الفعلية فقط للأكراد المقيمين في شمال سوريا، فضلاً عن أن نجاح "وحدات حماية الشعب" في الدفاع عن "كوباني" قد عزز أكثر من شرعيتها.

وقد اتخذت مدينة "كوباني" الكردية على الحدود بين تركيا وسوريا مركز الصدارة في الصراع الدائر في سوريا في نهاية عام 2014، حيث حاصرتها قوات تنظيم "داعش"، ثم كثفت هجماتها عليها. ولم تستطع المقاومة الكردية رغم دفاعها المستميت منع قوات "داعش" من دخول المدينة، وهو ما دفع الولايات المتحدة للتدخل من خلال شن عدد من الغارات الجوية التي استهدفت مواقع "داعش" حول مدينة كوباني، بالإضافة إلى التعزيزات التي قدمتها قوات البشمركة من ذخيرة وأسلحة ثقيلة، إلى أن تم الإعلان في 27 يناير 2015 عن الانسحاب الكامل لقوات "داعش" من المدينة.

ويمثل التعاون بين الولايات المتحدة و"حكومة إقليم كردستان" و"وحدات حماية الشعب"، نقطة تحول هامة عكست دعماً إقليمياً كردياً ودولياً لكلِ من "حزب الاتحاد الديمقراطي" و"وحدات حماية الشعب"، إذ أعطى هذا التطور دفعة قوية لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي" والشرعية والمكانة الجيوسياسية الهامة لمشروع "روجافا".

موقف تركيا من الأكراد في سوريا

صاغت تركيا سياستها تجاه أكراد سوريا في إطار سياستها العامة تجاه "حزب العمال الكردستاني"، والتي تتسم بالعداء والصراع.

ويرجح الباحثان أن هذا هو ما يجعل التطورات التي تحدث في المناطق الكردية في سوريا، وخصوصاً صعود "حزب الاتحاد الديمقراطي" والسرعة والفعالية التي نظمت الأكراد عسكرياً تحت لواء "وحدات حماية الشعب"، تثير قلق أنقرة نتيجة أن "حزب الاتحاد الديمقراطي" ينتمي أيديولوجياً لـ"حزب العمال الكردستاني". لذا تخشى تركيا من أن مثل هذا الوضع قد يؤدي إلى زيادة قوة "حزب العمال الكردستاني"، ما يضع المزيد من الضغوط على عاتق أنقرة لمنح الحقوق السياسية للأقلية الكردية. ولهذا، ترفض أنقرة تطوير علاقات بنَّاءة وتعاونية مع "حزب الاتحاد الديمقراطي".

على الجانب الآخر، رفضت تركيا تقديم يد المساعدة لأكراد سوريا خلال حصار كوباني، ما جعلهم ينظرون إلى تركيا نظرة عداء، وهو ما عززته تصريحات المسؤولين في تركيا، حيث صرح مسؤول بارز في حزب العدالة والتنمية التركي أن: "ما يجري في كوباني ليس مأساة، وإنما مجرد حرب بين اثنتين من الجماعات الارهابية"، وهو ما دفع أكراد سوريا لاتهام تركيا بدعم التنظيمات الجهادية. وقد هددت الحكومة التركية بغزو سوريا في حال إنشاء حكم ذاتي كردي تحت قيادة "حزب الاتحاد الديمقراطي"؛ ومن ثم، فإن كلا الطرفين ينظر للطرف الآخر بوصفه أكثر خطورة من تنظيم "داعش".

وقد شهد العام الماضي أيضاً تعاوناً وثيقاً بين الحركات الكردية في سوريا والعراق ضد تهديدات تنظيم "داعش"، ما جعل "وحدات حماية الشعب" فاعلاً مهماً في الحرب الدولية ضد هذا التنظيم الإرهابي، وهو ما أدى بدوره إلى تعزيز الشرعية الدولية لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي"، بيد أن هذا لم يؤد إلى تغير كبير في الموقف التركي.

وتتناقض حالة استمرار انعدام الثقة والصراع بين تركيا والأكراد في "روجافا" مع العلاقات السياسية والاقتصادية الجيدة بين تركيا وإقليم كردستان في العراق، ويعود هذا التحسن في جزء منه إلى أن إقليم كردستان العراق أصبح منذ عام 2005 سوقاً مهماً للصادرات التركية.

وعلى الجانب الآخر، فإن تركيا تعد الحليف الوحيد لحكومة إقليم كردستان في محاولاتها لتعزيز استقلالها الاقتصادي عن حكومة بغداد، ولذلك فإن حكومة إقليم كردستان العراق حريصة على حماية علاقاتها مع تركيا من تأثير التصعيد في المناطق الكردية في سوريا.

موقف إقليم كردستان في العراق من أكراد سوريا

يشارك إقليم كردستان في العراق عن كثب في الصراع الدائر في سوريا منذ بدايته، فقد خلق النشاط الكردي في سوريا فرصة لحكومة إقليم كردستان لتنظيم الأكراد في سوريا من خلال الأحزاب السياسية التابعة للأحزاب السياسية الكردية العراقية، وهو ما عزز التنافس بين الحركات الكردية في كل من تركيا والعراق، لاسيما بين "حزب العمال الكردستاني" و"الحزب الديمقراطي الكردستاني".

وقد كان أول دعم مهم قدمته "حكومة إقليم كردستان" فيما يتعلق بالنزاع السوري قد تمثل في المساهمة في توحيد المعارضة الكردية في سوريا عام 2011 من خلال جلب الأحزاب السياسية الكردية - باستثناء "حزب الاتحاد الديمقراطي" - تحت مظلة المجلس الوطني الكردي، وكان الهدف من هذه المساعدة تقوية تأثير الجبهة الكردية في سوريا.

وقد تحسنت مؤخراً العلاقات بين "حزب الاتحاد الديمقراطي" وحكومة إقليم كردستان بشكل ملحوظ؛ فقد عززت هجمات تنظيم "داعش" ضد الأكراد اليزيديين في منطقة سنجار بالعراق، التعاون العسكري بين الأكراد في كل من تركيا وسوريا والعراق. ولعبت "وحدات حماية الشعب" و"حزب العمال الكردستاني" أدواراً بارزة في إنقاذ اليزيديين من "داعش" في العراق، ورفع الحصار عن سنجار. كما قامت "حكومة إقليم كردستان" بتزويد "وحدات حماية الشعب" بتعزيزات عسكرية في دفاعها عن "كوباني"، وأرسلت قوات البشمركة التي كانت مزودة بأسلحة ثقيلة لدعم وحدات حماية الشعب.

ويرجح الكاتبان أن العلاقات بين "حكومة إقليم كردستان" و"حزب الاتحاد الديمقراطي" بحاجة إلى أن ينظر إليها في سياق أوسع من العلاقات بين حكومة إقليم كردستان وتركيا، حيث إن الحاجة إلى التنسيق العسكري ستبقى طالما ظل تنظيم "داعش" يهدد الأكراد في العراق وسوريا، ولكن وجود العديد من الفروق الجوهرية بين الأحزاب السياسية الكردية يجعل من الصعب تحديد ما إذا كان التعاون العسكري بين "حزب العمال الكردستاني" و"وحدات حماية الشعب" والبشمركة من حكومة إقليم كردستان سيؤدي إلى تعاون سياسي قريب.

ختاماً، يرى الكاتبان أن المقاومة الناجحة للقوات الكردية في الدفاع عن "كوباني"، أدت إلى تعاطف عالمي متنام مع قضيتهم، وهو ما دفع الولايات المتحدة وحلفائها  لقبول "حزب الاتحاد الديمقراطي" ودمج القوات الكردية في الحملات العسكرية التي يتم شنها على تنظيم "داعش". ولعل هذا الموقف يتناقض مع موقف واشنطن وحلفائها في بداية الحرب عندما رفضوا التعاون مع "حزب الاتحاد الديمقراطي"، ولم يعتبروه جزءاً شرعياً من المعارضة السورية، فقد أثَّر عداء تركيا للحزب على نظرة الحكومات الغربية له، وهو ما جعل الاستجابة الدولية لإنشاء "روجافا" فاترة أحياناً، ومعادية في أحيان أخرى نظراً للمخاوف التي روجت لها تركيا على المستوى الدولى من أن خطوات الأكراد نحو الحكم الذاتي في سوريا تهدد سلامة وتماسك الدولة السورية، حيث لا زالت أنقرة تعارض بشدة وجود "روجافا" وترفض الاعتراف بشرعية "حزب الاتحاد الديمقراطي".

وعلى الرغم من تبني أنقرة موقفاً مُعاكساً حيال الاعتراف بإقليم كردستان العراق بوصفه منطقة حكم ذاتي، فإن الجذور العميقة للعداء التركي تجاه "حزب العمال الكردستاني" يجعل من غير المحتمل حدوث تحول في موقف تركيا تجاه "روجافا" و"حزب الاتحاد الديمقراطي"، على حين قد تتغير توجهات أنقرة إذا حدث تقدم في عملية السلام بينها وبين "حزب العمال الكردستاني".


* عرض مُوجز لدراسة: "تأثير الحرب السورية على سياسات الأكراد في الشرق الأوسط"، والصادرة في يوليو 2015 عن المعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس".

المصدر:

Cengiz Gunes and Robert Lowe, The Impact of the Syrian War on Kurdish Politics Across the Middle East (London, the Royal Institute of International Affairs "Chatham House", July 2015).