أعلنت وزيرة الجيوش الفرنسية، فلورانس بارلي، في مؤتمر صحفي، في 16 سبتمبر 2021، مقتل زعيم تنظيم داعش في منطقة الساحل الأفريقي، عدنان أبو وليد الصحراوي؛ وذلك إثر غارة جوية نفذتها قوة برخان الفرنسية في أغسطس الماضي. وأشاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بـ "النجاح الكبير الذي حققته القوت الفرنسية في المعركة ضد الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل". مؤكداً مواصلة "هذه المعركة مع شركائنا الأفارقة والأوروبيين والأمريكيين".
صعود ونهاية الصحراوي
يعد الصحراوي أحد أبرز قيادات التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، والذي انتقل من تنظيم إلى آخر، وهو ما يمكن توضيحه في التالي:
1- الانضمام إلى جبهة البوليساريو: ولد الصحراوي في منطقة الصحراء المغربية، وكان عضواً في جبهة البوليساريو الانفصالية، كما أمضى جزءاً من شبابه في الجزائر، حيث انضم إلى صفوف الجماعات الإسلامية المسلحة.
2- الانتقال إلى القاعدة: شارك في تأسيس حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا في عام 2011، وذاع صيت هذه الحركة عندما قامت باختطاف إسبانيين اثنين وإيطالية في أكتوبر 2011 في مخيم للاجئين الصحراويين قرب تندوف جنوب غرب الجزائر.
وكانت حركة التوحيد والجهاد وقتها ضمن ائتلاف مرتبط بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، الذي سيطر في مارس – أبريل 2012 على شمال مالي، وكان الصحراوي ناطقاً باسم هذا التنظيم، وكان مقره في مدينة جاو بمالي، وعرف بتطبيقه المتطرف للشريعة.
وعقب هزيمة حركة التوحيد والجهاد بعد انطلاق عملية "سرفال" الفرنسية في 2013 وطردها للجهاديين في شمال مالي، اندمجت هذه الحركة مع إحدى الجماعات الموالية للقاعدة، وهي جماعة الموقعون بالدم للإرهابي مختار بلمختار، ليشكلا بذلك جماعة جديدة تحت اسم "المرابطون".
3- الانشقاق ومبايعة داعش: أنشق الصحراوي عن هذه الجماعة المتحالفة مع القاعدة، وأعلن بيعته لتنظيم داعش في أكتوبر 2015 في خطوة رفضها مختار بلمختار، مما أدى إلى انقسام جماعة "المرابطون" إلى قسمين. ولم يعترف داعش ببيعته إلا بعد مرور عام.
4- تهديد المصالح الغربية: نفذ التنظيم في منطقة المثلث الحدودي العديد من الهجمات الوحشية التي استهدفت عسكريين ومدنيين في مالي والنيجر وبوركينا فاسو؛ فمنذ عام 2013، قام التنظيم بقتل ما بين 2000 و3000 مدني، حسبما أعلنت وزيرة الجيوش الفرنسية.
وفي أغسطس الماضي، أمر الصحراوي بقتل ستة عمال فرنسيين من منظمات خيرية، ومرشديهم وسائقيهم النيجيريين، بينما قام في عام 2017، بالهجوم على القوات الأمريكية الموجودة في النيجر، مما أسفر عن مقتل 4 جنود أمريكيين، كما قام بتصفية عمال إغاثة فرنسيين في 2020. ونتيجة لذلك، صُنّف الصحراوي أثناء قمة بو في جنوب غرب فرنسا، والتي انعقدت في يناير 2020، بـ "أبرز عدو" في منطقة الساحل.
5- تصفية عدو فرنسا: أوضحت بارلي، أن الصحراوي توفي متأثراً بجروح نجمت عن ضربة نفذتها قوة برخان في أغسطس 2021 بعد القيام بالعديد من العمليات لاعتقال مقاتلين مقربين من الصحراوي، حيث تم من خلال عمليات استجوابهم تحديد المكان الذي تحصن فيه في غابة بالقرب من الحدود، وتم تنفيذ العملية باستخدام الطائرات من دون طيار والطائرات المقاتلة وحوالي 20 جندياً من القوات الخاصة الفرنسية.
ولا شك أن عملية تصفية الصحراوي مثلت دعماً معنوياً للحملة الأوروبية بقيادة فرنسا وألمانيا في الساحل الغربي لأفريقيا بعد سلسلة العمليات الإرهابية التي نفذها التنظيم خلال الفترة الأخيرة في بوركينافاسو ومالي والنيجر.
تداعيات تصفية الصحراوي:
تشير بعض التقديرات إلى أن مقتل "الصحراوي" سيكون له تأثير كبير على تماسك تنظيم داعش وأدائه خلال الفترة المقبلة، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
1- أزمة قيادة محتملة: يتوقع أن يشهد تنظيم داعش الساحل أزمة قيادة بمنطقة الساحل الأفريقي عقب تصفية الصحراوي، بالإضافة إلى حدوث بعض الانشقاقات بين بعض العناصر التابعين وانضمامهم إلى تنظيمات أخرى، خاصة تنظيم القاعدة، الذي يعد المنافس الأكبر لتنظيم داعش في منطقة الساحل، وذلك في حالة إخفاق التنظيم في اختيار قيادي خلفاً للصحراوي.
ويعد من أبرز المرشحين لقيادة التنظيم، عثمان إلياسو، الصديق المقرب من الصحراوي منذ تأسيس تنظيم داعش، والذي ينحدر من جمهورية النيجر ويعدّ الأكثر دمويّةً وعنفاً من الصحراوي، والذي تعتبره واشنطن أخطر من الصحراوي. كما تشير بعض التحليلات إلى إمكانية تولي قيادة التنظيم، أبو مصعب البرناوي، زعيم تنظيم داعش في غرب أفريقيا، وهو ما يعني إمكانية اندماج الجماعتين المرتبطتين بداعش تحت لواء قيادة واحدة.
2- تنامي الصراع بين داعش والقاعدة: مثّل عام 2020 نقطة تحول في العلاقة بين تنظيمي القاعدة، وداعش. فقبل هذا العام، تميزت العلاقة بينهما بالتعايش المشترك والتمدد من دون صراع، وذلك نتيجة للأهداف المشتركة والروابط العرقية. واتسع نطاق المواجهات بينهما في مطلع 2020 بسبب الاختلافات الفكرية والتنافس على مناطق النفوذ. ومن ثم فإنه مع تصفية الصحراوي، فإن قدرات التنظيم قد تتراجع لصالح التنظيمات الأخرى، المرتبطة بالقاعدة، إذا ما حدث صراع على القيادة، خاصة أن التنظيم لم يعلن بعد عن خليفة له على الرغم من تصفيته في أغسطس الماضي.
سيناريوهات المشهد الجهادي:
يمكن توقع ثلاثة سيناريوهات حول مستقبل العمليات الإرهابية في منطقة الغرب الأفريقي بعد مقتل زعيم "داعش" بمنطقة الساحل، وهو ما يمكن توضيحه في التالي:
1- هدوء مرحلي: قد تتراجع العمليات الإرهابية لتنظيم داعش في الصحراء لحين التوافق على زعيم جديد له. وفي حالة حدوث خلاف داخلي على من يتولى التنظيم، فإن هذا الأمر قد يفتح الباب أمام انقسامه إلى عدة جماعات مختلفة، بما يضعف من التنظيم، ويؤثر على قدرته على تنفيذ عمليات إرهابية.
2- تصعيد الهجمات: يرتبط هذا السيناريو بعاملين أساسيين، وهما نجاح التنظيم في اختيار قيادي خلفاً للصحراوي قادر على قيادة التنظيم، ويقوم بالتخطيط لعمليات إرهابية انتقاماً لمقتل الصحراوي، فضلاً عن تأكيد زعامته، كما أن تخفيض الوجود العسكري الفرنسي من منطقة الساحل قد يغري التنظيم إلى تصعيد الهجمات، لكي يكتسب شرعية أنه أحد التنظيمات التي تسببت في مغادرة القوات الفرنسية.
فمن المفترض أن يتم خفض عدد القوات الفرنسية المنتشرة في منطقة الساحل من أكثر من 5000 عنصر حالياً إلى 2500 أو 3000 عنصر بحلول عام 2023. ولكن على الجانب الآخر، فإن السلطات المالية أعلنت أنها بصدد التباحث لإبرام اتفاق مع الشركة الأمنية شبه العسكرية الروسية "فاجنر"، لتعويض الانسحاب الفرنسي، وضمان قدرتها على مواجهة التهديدات الإرهابية. وبطبيعة الحال، فإن دخول فاجنر في مواجهة التنظيمات الإرهابية سوف يبقي الضغط العسكري عليها.
3- التفاوض مع الإرهاب: يزعم البعض أن وجود القوات الفرنسية يعيق الحوار بين قادة المتطرفين والحكومة المالية. ففي أواخر ديسمبر 2020، أعلنت الحكومة المالية استعدادها للحوار مع كافة التنظيمات الإرهابية من دون استثناء، وهو الأمر الذي رفضته فرنسا، إذ أعلنت في الشهر نفسه قبولها قيام حكومات الساحل بالتفاوض مع التنظيمات المتطرفة عدا داعش والقاعدة. وترى حكومة مالي أن الأوضاع الأمنية لن تتحسن أبداً عبر الارتكان إلى القوة العسكرية وحدها.
وفي حين أنه ليس من المتوقع أن توافق الجماعات الإرهابية كافة على التفاوض مع باماكو، إلا أن بعضها قد يكون على استعداد للقيام بذلك، بما يضعف قوة التنظيمات الإرهابية في النهاية.
وفي الختام، يمكن القول إن تراجع ظاهرة الإرهاب من خلال اتباع استراتيجية "تصفية القيادات" أثبتت إخفاقها في العديد من الأمثلة التاريخية؛ فلا يزال يمتلك تنظيم القاعدة وأفرعه الإقليمية القدرة على التمدد والانتشار رغم تصفية قياداته، ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة لداعش، وهو ما يتطلب إعادة النظر في كيفية مكافحة الإرهاب، عبر تجفيف عوامل الصراع والحروب الداخلية، والتي توفر أرضية خصبة للتنظيمات الإرهابية للتوسع.