أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

توتر مستمر:

تداعيات مطالبة واشنطن بترحيل رجل أعمال تركي مقرب من أردوغان

11 أغسطس، 2021


عادت قضية رجل الأعمال التركي سيزجين باران كوركماز للظهور على السطح مجدداً في أوائل أغسطس 2021. فبعد إلقاء القبض عليه، في النمسا في 19 يونيو 2021، وذلك بطلب من الولايات المتحدة، في اتهامات تتعلق بغسيل الأموال والفساد والاحتيال، تخوض أنقرة معركة قضائية ضد واشنطن في فيينا، حيث يطالب البلدان بتسليم كوركماز لتورّطه في القضية نفسها. ويجيء هذا التطور في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات التركية – الأمريكية توتراً في عدد من الملفات الخلافية. 

غضب واشنطن على أنقرة:

شهدت العلاقات الأمريكية – التركية خلافات في الفترة الأخيرة حول ملفين أساسيين يمكن تفصيلهما على النحو التالي: 

1- ترحيل كوركماز إلى واشنطن: تتهم واشنطن كوركماز، المقرب من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والملقب بـ "خزانة أردوغان السرية"، بتنفيذ عملية احتيال ضخمة، من خلال شركة "إخوان كينجستون" المتخصصة في الطاقة، إذ طالبوا بائتمانات ضريبية تصل إلى حوالي مليار دولار على وقود متجدد لم تنتجه الشركة على الإطلاق، إذ ادعا الشقيقان جاكوب وآزايا كينجستون، على نحو غير صحيح، أنهما أنتجا وباعا وقوداً حيوياً في معاملات مؤهلة للحصول على إعفاءات ضريبية، لكن بدلاً من ذلك أرسلا خزانات مياه أو بنزين مخفف لشركائهم في المؤامرة، بين تدابير أخرى. وحصلوا في النهاية على 470 مليون دولار من المخطط.

واستخدم كوركماز وشركاؤه عائدات الاحتيال للاستحواذ على شركة الطيران التركية "بورا جيت"، وفنادق في تركيا وسويسرا، ويخت "كوين آن" وفيلا، وشقة على مضيق البوسفور في اسطنبول. ووجهت واشنطن لكوركماز كذلك اتهامات بغسل أكثر من 133 مليون دولار من خلال حسابات بنكية كان يسيطر عليها في تركيا ولوكسمبورج. فضلاً عن اتهامه بعشر تهم احتيال إلكترونية، وعرقلة إجراء رسمي. 

ويخشى الرئيس التركي من ترحيل كوركماز إلى الولايات المتحدة، وذلك لأنه قد يكشف عن تفاصيل فساد الحكومة التركية، والتي لا ترتبط بالدائرة المقربة من أردوغان وحسب، ولكنها قد تطال أردوغان نفسه، وذلك على النحو التالي:

‌أ- تورط وزير داخلية أردوغان: اتهم زعيم المافيا التركي وزير الداخلية، سليمان صويلو، بمساعدة كوركماز على الفرار خارج تركيا، بعد تنبيهه قبل بدء تحقيقات ضده. ولعل ما يضفي مصداقية على هذه الرواية كشف كوركماز في أول إفادة له أن قيمة الرشاوى التي منحها إلى القيادات الأمنية خلال الأعياد فقط بلغت 3 ملايين دولار، وأن قيادات داخل مديرية أمن اسطنبول حصلت على رشاوى ضخمة منه، وأن تلك الرشاوى تضمنت هدايا كساعات وأساور وقلائد.

وأكد البرلماني التركي المعارض علي ماهر باشارير، أنّ وزيري داخلية تركيا، الحالي والسابق، على صلة بكوركماز، وأنهما استخدما طائرته الخاصة مرات عديدة.

‌ب- شبهات تدور حول أردوغان: تورط أردوغان في قضية كوركماز، حيث تم الاتفاق مع كينجستون على تلقي تسهيلات رسمية تشمل دخول أنقرة بلا جواز سفر في حراسة الشرطة، وذلك مقابل شراء كينجستون قبل عامين خطوط "بورا جت "الجوية بمساعدة رجل الأعمال الروسي ليف أسلان درمين، الرجل الثالث في القضية، والمحتجز في السجون الأمريكية حالياً على ذمة القضية. وكشفت التحقيقات التي أجراها المحقق، روبرت مولر، عن مساعدة مسؤولي الشركة في تنفيذ عمليات استخباراتية لحساب أردوغان في أمريكا.

كما أن زعيم المافيا التركي، سادات بكر، أكد أن أشخاصاً من عالم السياسة والقضاء والإعلام استعان بهم كوركماز لتسهيل الحصول على شركات مصادرة من شخصيات معارضة لنظام الرئيس أردوغان. ويضفي مصداقية على مثل هذه الادعاءات الصور الشخصية التي حصل عليها كوركماز وكينجستون مع أردوغان.

ونظراً للتداعيات السلبية لعلاقة أردوغان بكوركماز وشركائه، فقد لجأ الرئيس التركي إلى القضاء لحذف جميع صوره مع كوركماز، وكينجستون، حتى لا تؤثر على شعبيته المتدهورة بالفعل، جراء تدهور الأوضاع الاقتصادية في تركيا. 

2- تصنيف "أحرار الشرقية" كتنظيم إرهابي: صنّفت الولايات المتحدة ميليشيا أحرار الشرقية" كتنظيم إرهابي في 8 يوليو. وتعد المرة الأولى التي تلجأ فيها وزارة الخزانة الأمريكية إلى تصنيف ميليشيا وكيلة لتركيا كتنظيم إرهابي. كما فرضت الخزانة الأمريكية، في اليوم نفسه، عقوبات على حسن الشعبان، الذي وصفته بأنه "وسيط مالي للقاعدة مقيم في تركيا". 

وسبق أن أعلن المفتش العام لوزارة الخزانة الأمريكية في يناير 2021 أن تنظيم داعش يعتمد على "مراكز لوجستية في تركيا" لنقل الأموال دولياً خصوصاً بين العراق وسوريا. وتكشف مجمل هذه المواقف والعقوبات عن غضب واشنطن تجاه دعم تركيا للتنظيمات الإرهابية في سوريا، ويعكس موقفاً أكثر تشدداً من جانب إدارة بايدن تجاه هذا السلوك، ويعني ذلك أن السياسة الأمريكية حيال سوريا تراجعت عن التغاضي عن توظيف أنقرة ورقة الإرهاب، وهو ما يجعل واشنطن تعتمد بصورة أكبر على أكراد سوريا لتنفيذ سياساتها هناك.  

أوراق تركية مقابلة: 

في مقابل الملفات الخلافية بين واشنطن وأنقرة، لاتزال الأخيرة تحتفظ بعدد من الأوراق التي يمكن من خلالها الضغط على واشنطن للتغاضي عن فساد أردوغان، وسياساته حيال سوريا، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي: 

1- ورقة اللاجئين الأفغان: رفضت تركيا أن تكون طرفاً في مخطط الولايات المتحدة المتعلق بنقل اللاجئين الأفغان العاملين مع الولايات المتحدة وعائلاتهم إلى أراضيها من خلال دول ثالثة، ومن بين تلك الدول المقصودة تركيا. ووصفت قرار واشنطن بأنه "غير مسؤول" وغير مقبول بسبب اتخاذه من دون التشاور مع أنقرة. 

وتجب الإشارة إلى أن تركيا ترى أن نقل الأفغان من خلالها للولايات المتحدة سيؤدي إلى أزمة هجرة كبيرة لتركيا. وتشهد تركيا يومياً وصول حوالي ألف لاجئ أفغاني يومياً. وتتخوف أنقرة من أن تشهد نزوحاً أكبر مع سيطرة طالبان على مزيد من الأراضي الأفغانية. ولذلك يتوقع أن تسعى تركيا لتوظيف هذا الملف في علاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا، وأن تتجه للمطالبة بمزيد من الدعم الاقتصادي الأوروبي لها، مقابل منع هؤلاء اللاجئين من التوجه إلى الأراضي الأوروبية. 

2- أمن مطار كابول: عرضت تركيا أن تقوم بتأمين مطار العاصمة الأفغانية كابول، وذلك عقب الانسحاب المقرر للقوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي المقرر إتمامه بحلول 11 سبتمبر 2021. وتمت مناقشة ذلك الأمر بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، وذلك على هامش قمة حلف الأطلسي الأخيرة. 

وتسعى أنقرة من خلال ذلك إلى محاولة مساعدة الحكومة الأفغانية في حربها ضد طالبان، ولكن بشكل غير مباشر عبر تأمين مطار كابول، وتقديم نفسها على أنها لاعب أساسي يدعم الجهود الأمريكية لدعم الحكومة الأفغانية في حربها ضد طالبان، عبر تأمين الدبلوماسيين وعناصر الاستخبارات الأمريكية الموجودة في كابول. وسوف يتطلب نشر القوات التركية في أفغانستان دعماً مالياً يتوقع أن تأخذه أنقره من واشنطن.

الخاتمة

يلاحظ أن قضية كوركماز سوف تمثل تهديداً لأردوغان على أكثر من مستوى، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي: 

1. الإساءة لصورة أردوغان: لا تعد قضية كوركماز قضية الفساد الأولى التي يتهم فيها الرئيس التركي، إذ سبق أن تم الكشف في عام 2017 عن تورطه شخصياً في صفقة تبلغ مليار دولار، وتتضمن غسيل أموال ورشاوى من أجل خرق العقوبات المفروضة على برنامج إيران النووي. ولا شك أن فضيحة الفساد الثانية له سوف تؤثر سلباً على شعبيته، خاصة أنها تجيء في وقت يشهد فيه الاقتصاد التركي تراجعاً شديداً. 

2. تداعيات سلبية على الاستثمارات الأجنبية: يعاني الاقتصاد التركي تراجعاً نتيجة تداعيات كورونا، وسوء إدارة الوضع الاقتصادي خلال الأعوام الثلاثة الماضية. ولا شك أن قضايا الفساد الأخيرة، وتورط أردوغان فيها سوف يؤثران سلباً على إمكانية تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى داخل البلاد، بما يفقد الحكومة التركية إحدى الأدوات اللازمة لتنشيط الاقتصاد التركي. 

3. الكشف عن مزيد من الفضائح: قد يؤدي التحقيق مع كوركماز إلى الكشف عن فضح الدور الذي مارسه أردوغان والدائرة المقربة منه لتسهيل والتستر على العديد من المخططات المالية غير المشروعة، وذلك في إطار التحقيق الموجه لرجل الأعمال التركي. 

وما يعطي مصداقية لهذه الهواجس عرض كوركماز تقديم معلومات بشأن السياسيين الذين يتعاون معهم، غير أن المسؤولين الأمريكان رفضوا عرض كوركماز هذا على أساس أن الدعوى القضائية القائمة ضده "جنائية" ولا يوجد جانب سياسي لها. غير أن واشنطن قد تغير رأيها، وتتجه إلى إبرام صفقة مع كوركوماز لكي تحصل منه على معلومات تدين مسؤولين أتراك، وتوظيفها على ممارسة الضغط على أردوغان.