أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (زلزال انتخاب فاي.. اتجاهات التغيير القادم في السنغال)

فرقاء لبنان وتحديات الثوران

10 نوفمبر، 2019


ليس هناك فريق سياسي لبناني مشارك في التسوية التي تمت عام 2016، إلا وعنده مشكلة أو مشكلات حقيقية، وإن تفاوتت المقادير واختلفت، ووحدهم «القوات» ليست عندهم مشكلة حاضرة، لأنهم خرجوا من الحكومة قبل ثلاثة أسابيع، ولأن وزراءهم ونوابهم غير متهمين بالفساد، أما «الكتائب» فما كانوا داخلين في التسوية أصلاً.

ولنبدأ بـ«حزب الله»، ومشكلاته ذات شقين؛ شق يتعلق بالوضع الاستراتيجي، وآخر يتعلق بالأوضاع التي صنعها الثوران، في الوضع الاستراتيجي يراقب الحزب بقلق حراك الشارع، وقد اشتدت الحملات عليه في الأيام الأولى، وكان «نصرالله» في طلعتيه الأوليين حريصاً على بقاء الحكومة «خشية الفراغ والفوضى»، وعندما استقال الحريري بدا أمين عام الحزب مصدوماً، لكنه دعا للإسراع بتشكيل حكومة تستجيب لمطالب المحتجين، لكن في الأيام الأخيرة، بدأت تتكون لدى الحزب، كما يقول صحفيوه وإعلاميوه، رؤية تفيد بخطورة الوضع، باعتبار أنّ الأميركيين هم الذين أثاروا الحراك، بغية تعرية «حزب الله» بإسقاط الحكومة، ومحاصرة الوضع الاقتصادي والمالي، لكي يقال إنّ الحزب هو المتسبّب بذلك، وهكذا فالحزب، وهو يتأمل تطور المشهد وعينه على العراق، تشتد حيرته فيما يمكن القيام به، ما عاد بالوسع احتلال بيروت كما حدث عام 2008، وإذا فُض حراك بيروت وصيدا، فما العمل مع حراك طرابلس والبقاع والمناطق المسيحية؟! وهذا إلى الانطباع السائد عن مشاركة الحزب بالفساد في المرفأ والمطار والمعابر الشرعية وغير الشرعية مع سوريا.. إذ يُقال إنه أمَّن نفسه مالياً لعدة أشهر من العراق، وأنه على تشاور دائم مع حلفائه الإقليميين.

ولا يعاني فريق الرئيس وباسيل من تعبٍ استراتيجي، بل من تعبٍ آني، نتيجة تُهم الفساد المالي والسياسي، والمطالبة الملحة بإزالة باسيل وأنصاره من الحكومة القائمة، ويعني ذلك اليأس من إمكان ترشيحه لرئاسة الجمهورية بعد الرئيس عون، والهمّان كبيران، وقد لجأ الرئيس وباسيل (والرئيس بري!) إلى التهويل بالفساد والمال المنهوب في الماضي، أي أيام رفيق الحريري والسنيورة، واستُدعي الأخير للاستماع إليه، وكذلك بعض وزراء سعد الحريري، لكنّ ذلك كلّه لا يحمي الجهتين من إمكان الوصول إلى معسكرهما، فقد استُدعي مدير عام الجمارك (محسوب على باسيل) متهماً بهدر المال العام، ويبقى الأفظع أنّ رئاسة الجمهورية لم تعد مُتاحةً لباسيل، ويمكن أن ترجح كفة سليمان فرنجية، والمصيبة أنّ جمهور الشبان المسيحيين في شرق بيروت، هو الذي يوجّه الاتهامات لفريق الرئيس.

ولنأت إلى فريق بري، فمنذ الأيام الأولى يوجّه الشبان الشيعة الثائرون الاتهامات بالفساد، والاستيلاء على المرافق العامة له ولأسرته، وإذا كان يعتمد في حماية نفسه على الاختباء وراء الحزب في الملف السياسي والاستراتيجي، فلا يمكنه الاعتماد إلاّ على نفسه في مسألة الفساد.

وبالطبع يبدو سعد الحريري الأكثر راحة، فاستقالته نشرت دعايةً إيجابيةً تجاهه كمتعاطف مع المتظاهرين، لكنّ هذا شيء وتشكيل الحكومة شيء آخر، فقد تفاوض مرتين مع باسيل، وزار الرئيس عون مرتين، والذي لا يزال رافضاً إجراء الاستشارات النيابية، كما يصعب عليه وعلى صهره التسليم بأنه ما عاد ممكناً دفع باسيل نحو كراسي الوزارة، وحلفاؤه حتى الآن في الحكومة 11 من 19، له ولأنصاره من الشيعة والسنة، إذا أرضى الحريري باسيل والحزب فإنه يُغضب المتظاهرين، وإذا أرضى المتظاهرين (والأميركيين والفرنسيين) فإنّ الحزب لا يرضى بالطبع، يريد أن يبقى هو أو ظله في وزارتي الخارجية والطاقة أو الكهرباء.

إنّ الحكومة الجديدة إذا تشكلت يمكن أن ترسل إشارة إيجابية من الناحية السياسية، أما المال والاقتصاد فقد حدث فيهما انهيارٌ ما عاد يمكن كبحه، وفي كل أسبوع أو أسبوعين يجري تخفيض الدرجة الائتمانية للبنان، من جانب هيئات الاستشارة الدولية، وأخيراً من البنك الدولي، إنها سلسلةٌ لا أحد يدري أين طرفها أو طرفاها!

كل النظام اللبناني الآن في أزمة، ليست كالأزمات السابقة، لأنّ سببها هذه المرة الخلاف مع أوسع الفئات الشعبية، وليست كالخلافات السابقة بين فرقاء المحاصصة الطائفية والسياسية، على أنّ الأوهام لا تقتصر على أطراف الطبقة السياسية، فعتاةُ الحراكات المدنية ليسوا أقلّ وهماً بالقدرات، خلال أسبوعين أو ثلاثة إن لم يستطع النظام إصلاح نفسه من الداخل، فقد تحدث بالفعل فوضى تهدّد النظام العام!

*نقلا عن صحيفة الاتحاد