أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

السيناريوهات الشبيهة:

اتجاهات الجدل حول "الاستنساخ" السياسي في المنطقة العربية

07 مايو، 2019


شهدت موجة التحولات العربية الثانية التي حدثت في كل من السودان والجزائر، منذ نهاية ديسمبر 2018 وحتى الآن، تكرارًا لنفس المقولات التي رددتها الحكومات ووسائل الإعلام وربما بعض مراكز الدراسات في الموجة الأولى التي شهدت انهيار نظم سياسية واندلاع صراعات داخلية حادة، في دول مثل ليبيا وسوريا واليمن، بين جيوش نظامية وميلشيات مسلحة، وبين جيوش نظامية وتنظيمات إرهابية، فضلاً عن تدخلات قوى إقليمية ودولية، وذلك للنأى بمصير هذه الدولة أو تلك عن مصير النظم المنهارة أو الدول المتفككة. 

ولا يوجد مفهوم مستقر في العلوم السياسية يطلق عليه "الاستنساخ السياسي"، بل يعود أصل كلمة "الاستنساخ" إلى علم البيولوجيا، ويتعلق بإنتاج مجموعة من الكائنات الحية لها نسخة طبق الأصل من المادة الوراثية التي تحدث في الطبيعة عندما تقوم كائنات حية كالبكتيريا والحشرات والنباتات بالتكاثر. غير أن هناك استخدامًا متزايدًا لبعض الكتابات لمفهوم الاستنساخ في سياق "التزامنية" لمسار الاحتجاجات.

تباين ملحوظ:

هناك اتجاهان رئيسيان في أدبيات النظم السياسية المقارنة بشأن ما يطلق عليه استنساخ تجارب التغيير الثوري في المنطقة العربية على مدى يقترب من عقد كامل (2010-2019). الاتجاه الأول، يرى أن ثمة استنساخًا لحركة الاحتجاجات التي شهدتها الموجتان الأولى والثانية، لا سيما من حيث المسببات (المدخلات) التي أدت إلى اندلاعها في عدة دول عربية رغم اختلاف المسارات التي انتهت إليها كل منها (المخرجات). ويستند هذا الاتجاه إلى أن التحولات التي تمر بها الدول العربية لا تحدث في فراغ وإنما في فضاء سياسي ومجتمعي وثقافي متقارب من حيث تعاظم المشكلات الاقتصادية وتنامي التهديدات الأمنية.

أما الاتجاه الثاني، فيعتبر أن الحراك الثوري لا يستنسخ، وإنما هناك ظروفًا موضوعية تؤدي إلى تكراره من دولة لأخرى، ويظل مبدأ التباين داخل الدولة نفسها من فترة زمنية لأخرى وكذلك التباين بين الدول العربية قائمًا. بعبارة أخرى، المسألة ليست استنساخ حالة واحدة تصلح للتطبيق على الجميع. فالحالة التونسية تختلف عن الحالتين الليبية واليمنية، والحالات الثلاث تختلف عن حالة سوريا. وكذلك تختلف الحالتان السودانية والجزائرية عما سبق ذكره من حالات. ولقد أثير هذا الأمر كذلك في دول مثل الكويت عندما حذر رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم من افتعال قوى خارجية "ربيع عربي" في الكويت، من خلال استثمار إسقاط عضوية النائبين جمعان الحربش ووليد الطبطبائي في القضية المعروفة إعلاميًا بـ"اقتحام مجلس الأمة"، وفي مصر عندما نفى الدكتور علي عبدالعال رئيس مجلس النواب استنساخ تجربة الحزب الوطني مرة ثانية. 

وبعبارة أخرى، فإن الظاهرة الاحتجاجية قد تكون جامعة ولكن لأسباب مختلفة، حيث أن المحدد الحاكم فيها هو المتغيرات الوسيطة.

حالات مختلفة:

تجدر الإشارة إلى أن هناك مجموعة من التصريحات وردت على ألسنة شخصيات سياسية رسمية في دول عربية عديدة، تعكس في مجملها رفض استنساخ تجارب التغيير وإدارة الانتقال داخل بنية نظمها السياسية، بل إن هناك أطرافًا دولية وإقليمية تطلق تصريحات من شأنها التدخل في دعم أو منع استنساخ نماذج التغيير الثوري في دول "ثالثة"، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- إشارة الرئيس السوداني السابق عمر البشير إلى استنساخ الربيع العربي في بلاده: وذلك بعد تمدد الاحتجاجات ضد ترشحه في الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في عام 2020، فضلاً عن المعارضة التي تصاعدت ضد إكمال فترته الرئاسية الحالية. وفي هذا السياق، قال البشير، في 27 يناير 2019: "هناك محاولة لاستنساخ ما يسمى بالربيع العربي في السودان بنفس المواقف والشعارات واستخدام واسع لوسائط التواصل الاجتماعي، ولكن الشعب السوداني وعى ذلك ورأى الآثار التي ترتبت على الربيع العربي، ويفوت الفرصة على كل من يحاول زعزعة الاستقرار". 

وأضاف البشير: "هناك العديد من المنظمات التي تعمل على زعزعة الأوضاع في دول المنطقة، وفيما يخص السودان.. الإعلام الدولي والإقليمي يحاول التهويل ولا نرى عدم وجود مشكلة.. لكن ليست هى بالحجم ولا بالأبعاد التي يثيرها الإعلام"، إذ راهن نظام البشير قبل سقوطه على ما يعرف بـ"الإثارة السالبة" التي قد تفقد مفعولها في لحظة ما وينخفض منسوب الحراك الثوري الشعبي الذي تمدد حتى تنحيته عن الحكم في إبريل الماضي. 

2- تزايد الجدل حول "السيناريو السوري" في الجزائر: وهو ما يعود إلى تطور الاحتجاجات الشعبية الرامية إلى عدم تمديد حكم الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة أو البقاء حتى انتهاء مدة الولاية الرابعة. فقد أشار رئيس الوزراء الجزائري السابق أحمد أويحيى، في 28 فبراير 2019، داخل البرلمان الجزائري، تعليقًا على ما وصفه معارضون سياسيون بفزاعة تكرار السيناريو السوري في الجزائر: "لقد سمعت من يقول أن المحتجين سلموا ورودًا لرجال الشرطة، لكن في سوريا أيضًا بدأت الأحداث بورود، وانتهت بأنهار من الدماء".

3- تصاعد التحذيرات من تكرار "العشرية السوداء": إذ أشار رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح، في 5 مارس الماضي، إلى أن "أطرافًا يزعجهم أن يروا الجزائر آمنة ومستقرة، بل يريدون أن يعودوا بها إلى سنوات الألم وسنوات الجمر"، وهو ما يعكس إشارة إلى احتمال تحول الحراك الشعبي في الجزائر إلى صراع مسلح، على نحو ما عايشته الجزائر في فترة "العشرية السوداء" (1992-2002)، والتي سقط فيها ما يقرب من 120 ألف جزائري، فضلاً عن الملايين من الجرحى والنازحين والمفقودين.

4- استبعاد باريس حدوث "السيناريو التونسي" في الجزائر: وقد عبر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان عن ذلك بقوله، حسب ما جاء في صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية في عددها الصادر في 7 مارس 2019، أنه لا توجد مخاوف لدى السلطات الفرنسية من التطورات الحاصلة في الجزائر (قبل تنحي بوتفليقة)، بالنظر لمجموعة من العوامل، أبرزها "أن المؤسسات الجزائرية صلبة وثابتة"، وبالتالي ليست هناك مخاوف من حصول تجاوزات أو انهيار السلطات وبنى الدولة. 

فالسيناريو التونسي الذي حصل عام 2011 غير متوقع في الجزائر، لا سيما في ظل قدرة السلطات الجزائرية والشارع على العثور على حلول من خلال التوافق بشأن مؤتمر للحوار الوطني وتعديل الدستور ومحاربة الفساد وتوزيع عادل للثروة وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة لن يترشح فيها بوتفليقة. ووفقًا لرؤية لودريان، فإن ثمة أهمية لترك المسار الانتخابي يأخذ مجراه، أى من غير تدخل خارجي.

5- رفض الحكومة الليبية المؤقتة ادعاءات أردوغان حول عرقلة تحويل ليبيا إلى سوريا: خاصة عقب قيام قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر بشن عملية تحرير طرابلس في بداية إبريل الماضي، والتي تهدف إلى إنهاء دولة الميلشيات المسلحة ومواجهة التنظيمات الإرهابية التي تحظى برعاية أطراف إقليمية مثل قطر وتركيا. 

ففي هذا السياق، أعلنت وزارة الخارجية في الحكومة الليبية المؤقتة رفضها تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول الوضع في ليبيا. وقال بيان عن خارجية الحكومة الليبية المؤقتة، في 29 إبريل 2019: "وزارة الخارجية والتعاون الدولي بالحكومة الليبية المؤقتة ترفض التصريح الذي أدلى به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول الوضع في ليبيا، والذي وصفه بأنه يهدد أمن المنطقة، وأن تركيا ستسخر كافة إمكانياتها لإفشال ما أسماه بتحويل ليبيا إلى سوريا جديدة".

6- معارضة حركة "النهضة" التونسية استنساخ أحزاب قديمة لمواجهة نفوذها في الساحة السياسية: لا سيما في ظل تطلع أعضائها إلى الانفراد بحكم البلاد في لحظة ما باستغلال الانقسام الحادث داخل حزب "نداء تونس"، وضعف بقية الأحزاب السياسية المعارضة، بما قد يعزز من فرصها السياسية في الانتخابات البرلمانية والرئاسية في أكتوبر ونوفمبر 2019. فقد قال رئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي في حوار لصحيفة "القدس العربي" في 7 نوفمبر 2016: "إن استنساخ الأحزاب يضعف العملية السياسية في البلاد"، موضحًا: "إن حزبًا جديدًا قد يتشكل ليخلف نداء تونس لن ينجح إذا بنى على مضادة حركة النهضة".

نفاذية الانتشار:

 خلاصة القول، إن المنطقة العربية لا تزال بعيدة عن الاستقرار ومرشحة للدخول في مرحلة ثانية من التغيير، على نحو يفسر تداول ما يعرف باستنساخ الحالات، التي يغلب عليها الاضطراب والفوضى، وإن كانت الحكومات تنفيها لمنع تأثير ارتداداتها الانتشارية. غير أن محاولات الجماعات المتطرفة وتوجهات بعض القوى الدولية والإقليمية من الممكن أن تؤدي إلى دعم أو مقاومة عدوى الاستنساخ بما يصب في مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية. فلازالت المنطقة تعيش عصر "البجع الأسود"، ولا توجد مؤشرات لتحولات تقودها إلى "بجعة بيضاء واحدة".