أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

الثلث المعطل:

التداعيات الداخلية والإقليمية لنتائج الانتخابات اللبنانية

22 مايو، 2018


على الرغم من التحولات التي شهدتها الخريطة السياسية اللبنانية عقب الانتخابات التشريعية، وتمكن حزب الله وحلفائه من السيطرة على "الثلث المعطل"؛ إلا أن ذلك لا يعني تغير توازنات القوى في المشهد السياسي اللبناني، إذ لم تتمكن أي من التيارات السياسية من تحقيق السيطرة الكاملة على المشهد السياسي اللبناني، كما لم تتعرض معادلات تقاسم السلطة لتغييرات جوهرية. وفي المقابل، أكد تراجع نسبة التصويت في الانتخابات تلك الرسائل الاحتجاجية التي سعى الناخبون إلى إيصالها للنخب السياسية تعبيرًا عن تدني مستويات الرضاء العام عن أغلب الفرقاء السياسيين ممن يتصدرون المشهد السياسي اللبناني.

توزيع المقاعد البرلمانية:

توزعت المقاعد البرلمانية وفقًا للنتائج الرسمية التي أعلنتها وزارة الداخلية في 7 مايو 2018 وفقًا لما يلي:

1- تيار المستقبل: على الرغم من تراجع التيار بسبب مراعاته في ترشيحاته لحلفائه المسيحيين والدروز، إلا أنه نجح في الحصول على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان الجديد بما يعادل 21 مقعدًا، كما تمكن من الحصول على أكبر تمثيل للطائفة السنية وذلك بعد حصده ما يقدر بحوالي 67% من أصوات الناخبين السنة و64% من مقاعدهم، وهو ما أتاح لرئيس التيار "سعد الحريري" حق رئاسة وتشكيل الحكومة الجديدة.

2- حزب الله وحركة أمل: نجح حزب الله وحركة أمل في اقتسام المقاعد الشيعية، وتمكنا مع الكتل الأخرى من قوى 8 مارس من الحصول على ما يسمى بالثلث المعطل -أي أكثر من ثلث البرلمان- وهو هدف شديد الأهمية بالنسبة لحزب الله، فهو يتيح له امتلاك حق الفيتو الذي يعطل نصاب انعقاد الجلسات البرلمانية التي تناقش وتصوت على قرارات مهمة، وهو ما عبّر عنه تصريح "حسن نصر الله" بعد صدور النتائج، حيث صرح "إن نتائج الانتخابات أتت لتحمي معادلة الجيش والشعب والمقاومة".

3- التيار الوطني الحر: استطاع الحصول على ما يقدر بحوالي ٢٠ مقعدًا، ويسعى هذا التيار إلى إنشاء جبهة أوسع داعمة لرئيس الجمهورية عن طريق تحالفه مع بعض المستقلين وكتلة نواب حزب الطاشناق، بيد أن بقاء أكثر من نصف النواب المسيحيين (35 من أصل 64) خارج هذه الجبهة يشكل عائقًا أمام طموح التيار العوني للتفرد بالقرار المسيحي.

4- حزب القوات اللبنانية: شكّلت الأرقام المرتفعة التي حصل عليها في الشارع المسيحي إحدى أهم المفأجات خلال هذه الانتخابات، حيث استطاع هذا الحزب مضاعفة عدد نوابه من ٨ إلى ١٥ نائبًا، وفي أول اجتماع لهذه الكتلة بعد الانتخابات تم التصريح "بأن المعادلة الوحيدة المقبولة في لبنان هي معادلة الجيش والشعب والدولة"، وهو ما أشار إليه البعض بأنه استعراض للقوة.

5- توزيع القوى الأخرى: انخفض عدد المقاعد التي حصل عليها حزب الكتائب اللبنانية ليصل إلى ٣ مقاعد فقط بعدما كان قد حصل على ما يقدر بحوالي 5 مقاعد في الانتخابات السابقة، فيما حافظ الحزب "التقدمي الاشتراكي" على نفس عدد المقاعد بتمكنه من السيطرة على 9 مقاعد، في مقابل حصول كتلة العزم على 4 مقاعد، بالإضافة إلى فوز مجموعة من الشخصيات المرتبطة بالنظام السوري كأسامة سعد، وعدنان طرابلسي، وعبدالرحيم مراد، وألبير منصور، وإيلي الفرزلي.

وفي تجربة هي الأولى من نوعها، شارك المجتمع المدني (المستقلون) في هذه الانتخابات، وضم ما يقدر بحوالي 66 مرشحًا موزعين على معظم الدوائر تحت تحالف "كلنا وطني"، إلا أن هذا التحالف لم ينجح في الحصول إلا على مقعد نيابي واحد في دائرة بيروت الأولى والتي فازت فيها المرشحة بوليت يعقوبيان.

انخفاض معدلات التصويت:

توقّعت القوى المتنافسة أن يؤدي التحول إلى القانون النسبي إلى زيادة عدد المصوِّتين في الانتخابات عما كان عليه في الانتخابات السابقة، حيث وصل عدد المشاركين إلى ما يقدر بـ54%، بيد أنه كانت هناك حالة من الانخفاض في نسب الاقتراع إلى مستويات غير مسبوقة، وعلى الرغم من تغير الوضع في الساعات الأخيرة من الانتخابات، فإن نسبة المشاركين لم تتجاوز 49.2%. وهو ما يُرجعه المحللون إلى عددٍ من الأسباب، منها: عدم وضوح القانون الانتخابي، واستغراق عملية التصويت وقتًا أكبر من المعتاد، بالإضافة إلى أن بعض الناخبين رأوا عدم جدوى التصويت لأن حزب الله قادر على تعطيل القرارات المهمة في البرلمان.

من جانب آخر، حاول بعض المصوِّتين الامتناع عن التصويت للاحتجاج على الخيارات المطروحة والوعود التي لم تنفذ.

ثغرات القانون النسبي:

توزعت المقاعد وفق القانون النسبي الجديد على ثلاث لوائح في 7 دوائر (بيروت الأولى، بيروت الثانية، البقاع الأوسط، جبيل كسروان، الشمال الثانية، الشمال الثالثة، صيدا جزين)، وعلى لائحتين في 5 دوائر (عكار، البقاع الغربي، البقاع الأوسط، البقاع الشمالي، بعبدا، الشوف عالية)، وعلى لائحة واحدة في دائرتي (الجنوب الثانية، الجنوب الثالثة) واللتين تعتبران مركز النفوذ الأساسي لحزب الله مما عزز فكرة أنه لا مجال للمنافسة في ظل وجود السلاح، فيما تعد دائرة المتن الوحيدة التي توزعت فيها المقاعد على 4 لوائح.

وعلى الرغم من اعتبار هذا القانون يؤمن صحة التمثيل، إلا أن هناك بعض المرشحين الذين لم يحالفهم الحظ رغم نيلهم عددًا كبيرًا من الأصوات، مثل فادي كرم المرشح عن قضاء الكورة في دائرة الشمال الثانية، والذي حصل على المركز الأول، وذلك بعد حصوله على ما يقدر بحوالي 7822 صوتًا، وأشرف ريفي الذي حصل على 5931 صوتًا عن طرابلس في دائرة الشمال الثانية، وذلك لعدم تمكن لوائحهم من الحصول على الحاصل الانتخابي المطلوب. وفي المقابل، تمكن مرشحون آخرون من الوصول إلى البرلمان رغم نيلهم عددًا بسيطًا من الأصوات مثل: أنطوان بانو (539 صوتًا)، وأدي دمرجيان (77 صوتًا)، ومصطفى الحسيني (256 صوتًا).

تراجع تأثير البرامج:

تأثرت عملية الاقتراع بمجموعة من العوامل، منها ما هو مرتبط بطبيعة النظام السياسي اللبناني، والصراع الإقليمي، يضاف إلى ذلك تغير قواعد التنافس الانتخابي، والتحول إلى النسبية، وذلك على الرغم من أن معظم البرامج الانتخابية قد ركزت على البعدين الاجتماعي والاقتصادي اللذين يخاطبان أولويات الناخبين. فعلى سبيل المثال تعهد تيار المستقبل بتطوير نظام التقديمات الصحية، فيما وعد القوات اللبنانية بإقرار صيغة تتيح للأهالي الحصول على الدعم لتأمين أبنائهم.

كما قدم حزب الكتائب في برنامجه مشروعًا لإدارة النفايات الصلبة، وركز التيار الوطني على مسألة إعطاء الأولوية لليد العاملة اللبنانية وتفضيلها على الأجنبية، فيما جاء اهتمام حزب الله منصبًّا على الأبعاد الاقتصادية، حيث تعهد بإصلاح النظام الضريبي، وتقليل ضرائب ذوي الدخول المحدودة، بيد أن هذه البرامج لم تكن العامل المؤثر، حيث يمكن القول إن هناك فكرة أساسية قد ركز عليها كل تيار أثرت على نتائج الانتخابات:

1- دعم المقاومة: ركزت خطابات حسن نصر الله الانتخابية على معادلة الجيش والشعب والمقاومة، ودورها في ترسيخ الاستقرار الأمني، متوجهًا إلى الناخبين الشيعة بالقول: "أهلنا سيحسمون من سيمثلهم، هل يمثلهم من دافع عنهم أم من دعم الجماعات المسلحة؟"، في إشارة إلى تحالف منافسيه ضمن الطائفة الشيعية مع مكونات من قوى الرابع عشر من مارس المتعاطفة مع الثورة السورية.

2- النأي بالنفس: تركزت حملة تيار المستقبل الانتخابية على فكرة حماية لبنان، حيث تمثل الشعار الانتخابي في "صوتك الخرزة الزرقا يللي بتحمي لبنان"، في إشارة إلى أن التصويت لتيار المستقبل يتيح حماية لبنان من الوضع الإقليمي المتأزم المحيط بها، خاصة أن التيار قد قام بعدد من المبادرات الداخلية التي منعت احتدام الأوضاع في لبنان، مثل: انتخاب عون رئيسًا، والتشديد على مبدأ النأي بالنفس.

3- العهد القوي: بينما استغل التيار الوطني خلافاته مع حركة أمل لقطع الطريق أمام محاولات بعض القوى السياسية استغلال نتائج الانتخابات من أجل إضعاف رئيس الجمهورية، وبالتالي فقد تمحورت الحملة الانتخابية للتيار الوطني الحر حول فكرة حماية "العهد القوي"، كما أطلق على لوائحه اسم العهد.

تداعيات نتائج الانتخابات:

انتهت ولاية البرلمان القديم في 20 مايو، وسيجتمع البرلمان الجديد في 23 مايو الجاري لانتخاب رئيس البرلمان ومن المرجَّح أن يتم اختيار نبيه بري، وبعدها ستتقدم الحكومة الحالية باستقالتها للبدء في المشاورات النيابية لتشكيل الحكومة الجديدة، ومن المتوقع أن يتم تكليف "سعد الحريري" بتشكيل الحكومة الجديدة. وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى تداعيات هذه الانتخابات وذلك فيما يلي:

1- خلافات تشكيل الحكومة: ظهرت بوادر خلافات حول توزيع الحقائب الوزارية، لا سيما حقيبة المالية، حيث طالب "نبيه بري" رئيس مجلس النواب اللبناني بأن تكون من حصة الطائفة الشيعية تماشيًا مع "روح اتفاق الطائف" على حد تعبيره، في حين يرى البعض أن الاتفاق لم يخصص أي حقيبة لطائفة معينة، ويكشف السجال المتصاعد حول هذه الحقيبة رغبة الرئيس بري في امتلاك ورقة ضغط لعرقلة أي خطوة قد يتخذها التيار الوطني دون الرجوع إليه.

ويطالب رئيس الجمهورية "ميشال عون" بتشكيل الحكومة في أسرع وقت، حيث رأى أنه في حال تعذر تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم جميع الأطراف فلا مانع من تشكيل حكومة أكثرية، وذلك لقطع الطريق منذ البداية على أي محاولات لعرقلة بناء الحكومة الجديدة.

2- صعود التحالفات المؤقتة: شهدت الانتخابات تحالفات براجماتية قفزت على الانقسامات السياسية ما بين تياري 14 مارس و8 مارس، بالإضافة إلى الانقسام المستجد بين تحالف العهد في مقابل معارضي العهد، بيد أنه بعد الانتخابات وتوزيع المقاعد في البرلمان من المتوقع أن تتغير هذه التحالفات، وهو ما سيؤدي إلى عدم تبلور أغلبية برلمانية ثابتة، حيث ستكون متغيرة حسب الموضوع المطروح، وسيؤثر هذا على أداء البرلمان القادم وعلى أجندته التي تتطلب منه القيام بالإصلاحات الإدارية والاقتصادية التي تعهدت الحكومة اللبنانية بها لمواكبة وتطبيق نتائج مؤتمرات روما، و(سيدر1).

3- العلاقات مع سوريا: تمكنت شخصيات مقربة من النظام السوري من الدخول إلى البرلمان الجديد، حيث حصلوا على ما يقدر بحوالي 7 مقاعد، ومن المتوقع أن تقوم هذه الشخصيات بدعم من حزب الله بالترويج لتطبيع العلاقات الرسمية مع النظام السوري، وفتح باب النقاش حول ملف النازحين السوريين، والعمل على إعادتهم إلى سوريا بالتنسيق مع الحكومة السورية.

ختامًا، على الرغم من كافة التخوفات من أن هذه الانتخابات قد جاءت لمصلحة حزب الله ضمن مخطط إقليمي للسيطرة على لبنان وضمه كليًّا للمحور الإيراني، إلا أن بيانًا صادرًا عن مجموعة الدعم الدولية للبنان في 10 مايو بأن هناك متابعة دولية حثيثة لنتائج الانتخابات اللبنانية، كما عبر البيان عن ارتياحه الكبير لإجراء هذه الانتخابات، مشجعًا في الوقت نفسه على تشكيل حكومة لبنانية تلتزم بمبدأ النأي بالنفس، وتطلق حوارًا داخليًّا لمناقشة استراتيجية دفاعية تحترم القرارات الدولية لا سيما القرار 1559 المتعلق بسحب السلاح غير الشرعي في لبنان.

يضاف إلى هذا تلقي عدد من المسئولين اللبنانين رسائل طمأنة دولية بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي وما تلاه من تصعيد عسكري إسرائيلي-إيراني في سوريا حول عدم إمكانية تمدد هذا التصعيد إلى لبنان، في إشارة إلى عدم قدرة إيران على استخدام الساحة اللبنانية لتحقيق مصالحها وفقًا لأجندتها الإقليمية.