ستكون انتخابات التجديد النصفي المزمع عقدها، في 8 نوفمبر المقبل، بمنزلة منعطف لتحديد مستقبل الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة، والذي سعى الديمقراطيون لاختزالها في المفاضلة بين الاقتصاد مقابل الإجهاض، وبايدن مقابل ترامب، وكذلك الديمقراطية مقابل نهاية الديمقراطية في مسعى منهم لتعزيز شعبيتهم في الشارع الأمريكي.
وتعد هذه الانتخابات فريدة من نوعها، ليست لأنها استفتاءً على الرئيس الحالي، كما تكون دائماً انتخابات التجديد النصفي، ولكنها استفتاءً أيضاً على الرئيس الجمهوري السابق، دونالد ترامب، والذي لايزال مؤثراً في المناخ السياسي الأمريكي. ففي حالة تمكن الجمهوريون في تحقيق الأغلبية في مجلسي الكونجرس أو كليهما، وإذا فاز عدد كبير من المرشحين المدعومين من ترامب، فإنه من المتوقع أن يحسم ترامب قراراه النهائي بالترشح للانتخابات الرئاسية الأمريكية في 2024.
ارتفاع حظوظ الجمهوريين:
تكشف استطلاعات الرأي عن تصاعد فرص الجمهوريين في الانتخابات القادمة، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
1- فوز مرجح للجمهوريين: تشير التقديرات إلى أن النتيجة الأكثر ترجيحاً، حتى الآن، للانتخابات النصفية ستكون في صالح الحزب الجمهوري، والذي من المتوقع أن يسيطر على مجلسي النواب والشيوخ، وهو ما قد يخلق العديد من التحديات والمتاعب للرئيس بايدن خلال العامين المقبلين المتبقيين من فترته الرئاسية. وعلى الرغم من ذلك، فإن الانتخابات لن تلحق هزيمة قوية بالديمقراطيين، وهو ما يرتبط بالعوامل التالية:
أ- إنجازات بايدن في الحكم: يروج الديمقراطيون لنجاحهم في تحقيق فوائد ضخمة للاقتصاد الأمريكي، بدءاً من مشروع قانون بايدن للبنية التحتية، وكذلك حزمة الإنفاق على الرعاية الصحية وسياسات مواجهة تغير المناخ.
ب- توظيف ورقة الإجهاض: يحاول الديمقراطيون الاستفادة من إلغاء المحكمة العليا لقضية "رو ضد وايد" أي إنهاء "الحق في الإجهاض" لصالحهم، وذلك عبر إقناع المستقلين أصحاب التصويت المتأرجح، خاصة النساء، بأن الحزب الديمقراطي سيسعى خلال الفترة المقبلة للدفاع عن حق النساء في الإجهاض عبر تعهد بايدن بإدراج هذه المسألة في القانون الفيدرالي في يناير 2023 في حال فوز الديمقراطيين بالأغلبية في الكونجرس الأمريكي.
ج- تحسن شعبية بايدن: بلغت نسبة الموافقة على أداء بايدن كرئيس للولايات المتحدة نحو 42% في المتوسط وفقاً لموقع "فايف ثيرتي إيت" (FiveThirtyEight)، وذلك بزيادة تقارب خمس نقاط عن أدنى مستوى له في يوليو الماضي، مما يعكس تحسن صورة الحزب الديمقراطي في البلاد مقارنة بشهور الصيف الماضي.
2- صعود وزن ترامب: ستمثل انتخابات التجديد النصفي اختباراً لشعبية الرئيس السابق ترامب، خاصة إذا ما نجح مرشحيه المختارين في الفوز بمقاعد في مجلسي النواب والشيوخ، فإذا فاز عدد كافٍ من مرشحي ترامب في نوفمبر، فسيظهر أنه لا يزال يتمتع بشعبية داخل الحزب الجمهوري، وهو ما سيعزز فرصه في الترشح للانتخابات الرئاسية في 2024.
ويرى بعض المحللين أن المرشحين الذين يدعهم ترامب لمجلسي النواب والشيوخ قد يمثلون عبئاً على جهود الحزب الجمهوري لاستعادة السيطرة على المجلسين، إذ إنهم يتخلفون عن منافسيهم الديمقراطيين في استطلاعات الرأي وجمع التبرعات. ومن بين هؤلاء المرشحين جيه دي فانس (JD Vance) في ولاية أوهايو، ومحمد أوز (Mehmet Oz) في ولاية بنسلفانيا وبليك ماسترز (Blake Masters) في أريزونا، بالإضافة إلى المرشحين لمنصب الحاكم دوج ماستريانو (Doug Mastriano) في بنسلفانيا وتودور ديكسون (Tudor Dixon) في ميشيجان.
3- القلق من تدهور الاقتصاد: يتمثل أكثر ما يُقلق الناخب الأمريكي، وفقاً لاستطلاعات الرأي، هو تشكيل كونجرس منقسماً على ذاته بين الديمقراطيين والجمهوريين، وهو ما يمكن أن يحدث إذا فاز الجمهوريون في مجلس النواب، مع احتفاظ الديمقراطيين بمجلس الشيوخ، إذ كشف استطلاع أكسيوس / إبسوس، الذي تم إجراؤه في أواخر سبتمبر 2022، أن 53٪ من الناخبين الأمريكيين يشعرون بالقلق من سيطرة حزب واحد على مجلس الشيوخ وآخر على مجلس النواب، مما يحد من قدرة بايدن على مواجهة تدهور الأوضاع الاقتصادية عبر تمرير مشاريع قوانين تحد من مستويات التضخم غير المسبوقة أو تحفز النمو الاقتصادي في البلاد.
ويستثمر الجمهوريون أولوية الاقتصاد للناخب الأمريكي في مهاجمة الحزب الديمقراطي والرئيس بايدن، لإحراجهم وتحميلهم مسؤولية تراجع النمو الاقتصادي في البلاد حالياً. ومن ناحية أخرى، يمكن ملاحظة تركيز الديمقراطيين على القضايا الاجتماعية الخلافية ونظريات المؤامرة الانتخابية لمهاجمة الحزب الجمهوري، غير أن هذا الأمر ساهم في تراجع الدعم للحرب الديمقراطي في أواسط أنصاره، في حين أن معارضة أنصار الحزب الجمهوري للديمقراطيين باتت قوية، وهو ما يصب في النهاية في صالح نسب المشاركة في التصويت، والتي قد تصب في صالح الجمهوريين.
استقطاب مجتمعي حاد:
تتعدد المؤشرات على الاستقطاب المحتدم قبل أسبوع من موعد الاقتراع، في 8 نوفمبر المقبل، والتي يمكن تفصيلها في النقاط التالية:
1- صعود المشككين في الانتخابات: تشير بعض التحليلات إلى التأثير السلبي للشخصيات، التي تُعرف بـ"منكري الانتخابات" في غمار انتخابات التجديد النصفي، إذ يوجد ما لا يقل عن 20 جمهورياً يشككون في فوز الرئيس بايدن بانتخابات 2020، وبالتالي، فإن فوزهم في السباق الانتخابي سيؤثر على سلامة الانتخابات المستقبلية، بما في ذلك السباق الرئاسي لعام 2024، وذلك عبر التشكيك في نتائج أي انتخابات قادمة، وهو ما يغذي التيارات الشعبوية التي تؤمن بذلك، ويقوض الثقة في نزاهة الانتخابات.
ومن هؤلاء المرشحين كاري ليك، المرشحة لمنصب حاكم ولاية أريزونا، والتي رأت أن "الرب قد اختارها حاكمة"، في إشارة يراها كثيرون أنها تعكس نظرية ترامب في عدم القبول بأي هزيمة انتخابية، والبعض الآخر مثل مارك فينشيم، المرشح الجمهوري، والذي اعترف أنه عضو في جماعة تُعرف باسم "حراس القسم" المتطرفة، والتي خضع بعض أعضائها للمحاكمة على خلفية الهجوم على مبنى الكابيتول.
ويقوم نشطاء يمينيون يؤمنون بتزوير الانتخابات الرئاسية السابقة لإقصاء ترامب بتعبئة جيش من المراقبين لانتخابات التجديد النصفي، ويستخدمون الإعلام كسلاح لتشجيع آلاف الأشخاص على التسجيل للانخراط في العملية الانتخابية بصفة مراقبين، وهو أمر يُنذر باحتمالية حدوث فوضى أو ترهيب أو تزايد في معدلات العنف خلال فترة الانتخابات أو ما بعدها.
وبات المواطن الأمريكي العادي يشعر بخطورة هذه الانتخابات على مستقبل الديمقراطية الأمريكية، فقد كشف استطلاع للرأي أجرته شبكة "إن بي سي" أن 80٪ من الناخبين الأمريكيين يعتقدون أن اشتداد الصراع بين الحزبين سيدمر البلاد، حيث يستنزف السياسيون الأمريكيون كل طاقاتهم على محاربة بعضهم البعض، من دون تقديم حلول للمشكلات الاقتصادية والمجتمعية التي تواجه البلاد.
2- مخاوف من التدخل الأجنبي: صدر تقرير سري عن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في سبتمبر الماضي، لم يتم الكشف إلا عن توصياته، والتي حذرت من خطورة "التدخل في الانتخابات"، حيث نوّه باحتمالية تزايد الحملات الأجنبية للتأثير على انتخابات التجديد النصفي، وذلك في ضوء انتشار المعلومات المضللة، ووقوع هجمات إلكترونية، والمخافة من تأثير التهديدات والمضايقات الموجهة للعاملين في الانتخابات.
ويخشى الديمقراطيون أن تقوم روسيا بالتأثير على الناخب الأمريكي في هذه الانتخابات لدفعهم لانتخاب المرشحين الذين لا يفضلون دعم واشنطن لأوكرانيا، كما قد تسعى الصين أيضاً للتأثير بقوة على الانتخابات النصفية لعرقلة المرشحين الأمريكيين المعادين لسياساتها.
3- تصاعد العنف السياسي: أثار الاعتداء الذي تعرض له بول بيلوسي، زوج رئيسة مجلس النواب في منزلهما بمدينة سان فرانسيسكو، في 28 أكتوبر 2022، المخاوف بشأن تزايد العنف السياسي في الولايات المتحدة مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي، فقد أكد هذا الحادث تحذيرات شرطة نيويورك من احتمال أن يستهدف متطرفون شخصيات عامة وفعاليات سياسية أو مواقع اقتراع قبل الانتخابات.
ولم تكن حادثة الهجوم الذي تعرض له زوج رئيسة مجلس النواب الأمريكي هي الأولى من نوعها، فهناك أمثلة عديدة حدثت خلال الفترة الماضية تؤكد تنامي ظاهرة العنف السياسي مع اقتراب موعد الاقتراع، أبرزها ظهور رجل مسلح بمسدس نصف آلي أمام منزل النائبة الديمقراطية، براميلا جايابال، استمر يصرخ ويهدد ويستخدم ألفاظ نابية، فضلاً عن تحطيم نافذة منزل السيناتور الجمهورية سوزان كولينز.
وما يثير القلق في أوساط النخبة الأمريكية هو أن عدد التهديدات المسجلة ضد أعضاء الكونجرس زاد بأكثر من 10 أضعاف في السنوات الخمس التي أعقبت انتخاب دونالد ترامب، بحسب أرقام شرطة الكابيتول، وهي إشارة تعكس توجيه الاتهامات إلى ترامب بأنه مسؤول عن تغذية الشعبوية والتطرف في البلاد.
وفي الختام، يمكن القول إن الولايات المتحدة أمام سيناريوهين، يتمثل أولهما في حصول الجمهوريين على الأغلبية في مجلس النواب، مع نجاح الديمقراطيين في انتزاع الأغلبية في مجلس الشيوخ، إلا أن هذا السيناريو سيتبعه حالة من الجمود السياسي في واشنطن حتى انتخابات عام 2024؛ حيث سيتحول بايدن إلى رئيس محدود الصلاحيات، لأنه سيكون غير قادر على تمرير أي تشريعات أو موازنات من دون دعم الحزب الجمهوري، وهو أمر مستبعد الحدوث، لاسيما في ظل استبعاد المرشحين الجمهوريين ذوي التوجهات المعتدلة لصالح المرشحين الراديكاليين الموالين لجبهة ترامب والمؤيدين لنظرية سرقة انتخابات عام 2020. أما السيناريو الثاني، فيرتبط بفوز الجمهوريين بالأغلبية في المجلسين، وهو ما يزيد من فرص عودة ترامب أو أحد الأعضاء المنتمين إلى تياره الفكري إلى الرئاسة في 2024.