أخبار المركز
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (فرصة ترامب لتحديد مستقبل الشرق الأوسط)
  • سارة عبدالعزيز سالم تكتب: (النمو المستدام: تحولات صناعة الفعاليات الخليجية في عصر التكنولوجيا)
  • مركز المستقبل يتيح العدد الثالث من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (الخروج الثاني: عواقب أجندة ترامب في مناهضة المناخ على إفريقيا)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)

النمو المستدام:

تحولات صناعة الفعاليات الخليجية في عصر التكنولوجيا

06 يناير، 2025


أصبحت صناعة الفعاليات من الصناعات المهمة التي نمت بوتيرة كبيرة خلال السنوات الماضية، ومن المُتوقع أن تستمر في هذا الاتجاه من النمو المضطرد خلال الأعوام القادمة. وتسهم صناعة الفعاليات في نمو الاقتصاد العالمي؛ بالنظر إلى دورها الحيوي في توليد الإيرادات، ودفع حركة السياحة والقطاعات المرتبطة بها مثل النقل والضيافة والإعلام، فضلاً عن تعزيز المكانة العالمية للدول.

وقد أدى التطور الكبير في صناعة الفعاليات إلى إحداث تحولات جوهرية في نوعية الفعاليات التي يتم تنظيمها، والسعي نحو الاستفادة من التكنولوجيا في الحصول على ميزة تنافسية من خلال الاستجابة لتفضيلات المستهلكين المتغيرة؛ ومن ثم تعزيز تجربة الحضور في ظل بيئة عالمية شديدة التنافسية.

وعلى الرغم من أن أوروبا وأمريكا الشمالية تُعدان السوقان الرئيسيتان لصناعة الفعاليات، فهناك العديد من الأسواق الأخرى الصاعدة، حيث تشهد هذه الصناعة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ نمواً سريعاً مدفوعاً بالتوسع الاقتصادي، والتعاون الإقليمي، والتقدم التكنولوجي. كما تبرز في هذا السياق دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تطورت صناعة الفعاليات فيها بشكل سريع خلال العقدين الأخيرين؛ وذلك في إطار سعي هذه الدول إلى التنويع الاقتصادي، وتشكيل منطقة جذب عالمية تحضر الجماهير الفعاليات المُقامة فيها. 

اهتمام خليجي:

يمُكن تعريف صناعة الفعاليات على أنها قطاع من الأنشطة الاقتصادية التي تركز على عملية تنظيم وعقد وإدارة التجمعات العامة للجماهير في وقت ومكان محددين؛ لتحقيق أهداف معينة، سواء أكانت تجارية، أم ثقافية، أم اجتماعية، أم ترفيهية. وتتنوع تلك الفعاليات وفقاً للغرض منها، وتشمل الأحداث الأكثر شعبية المؤتمرات والمعارض والفعاليات والندوات للشركات والمؤسسات، والعروض الموسيقية والفنية والرياضة والمهرجانات والمعارض التجارية وإطلاق المنتجات، وغيرها. 

وقُدر حجم سوق المعارض والمؤتمرات العالمية بنحو 904.30 مليار دولار في عام 2023، ومن المتوقع أن تنمو هذه السوق من 970.76 مليار دولار في عام 2024 إلى 1932.73 مليار دولار بحلول عام 2032، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 8.99% خلال الفترة المتوقعة، وفقاً لتقديرات (Fortune Business Insights).

ومن ناحيتها، أولت دول الخليج اهتماماً كبيراً بصناعة الفعاليات، سواء المحلية أم العالمية، وذلك من خلال تسريع تنويع الاقتصاد، وتشجيع الاستثمارات في البنى التحتية والسياحة والترفيه؛ ومن ثم أصبحت الفعاليات الكبرى مثل المعارض الدولية، والمؤتمرات، والمهرجانات، والفعاليات الرياضية؛ من العناصر المحورية في الجذب السياحي وزيادة الإيرادات. 

وشهدت صناعة الفعاليات نمواً ملحوظاً؛ بما جعلها من القطاعات الاقتصادية الحيوية التي تسهم بشكل كبير في تعزيز النمو الاقتصادي لدول الخليج، والذي تواكب معه السعي نحو الاستفادة من التقنيات الحديثة في تطوير هذه الصناعة مثل الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الرقمية، إضافة إلى تعزيز مفاهيم الاستدامة البيئية. 

وتشير أغلب التقارير إلى أن نمو صناعة الفعاليات في دول الخليج يُعد الأسرع مقارنةً بالعديد من المناطق الأخرى، حيث تشهد سوق الفعاليات والمعارض في دول الخليج نمواً ديناميكياً سريعاً، ومن المُتوقع أن ترتفع قيمة هذه السوق في الخليج من نحو 78.25 مليار دولار في عام 2024؛ لتصل إلى نحو 120.73 مليار دولار بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 9.06% خلال هذه الفترة، وفقاً لتقديرات شركة "موردور إنتليجنس" لأبحاث السوق.

وفي دولة الإمارات، يُقدر حجم سوق الفعاليات بنحو 12.43 مليار دولار في عام 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 22.35 مليار دولار بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 12.45% خلال هذه الفترة، وفقاً لشركة "موردور إنتليجنس". وفي هذا الإطار، أعلنت مجموعة "أدنيك"، في فبراير 2024، عن تضاعف قيمة المساهمات الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة لقطاعات أعمال المجموعة السبعة مجتمعة في اقتصاد أبوظبي ودولة الإمارات؛ لتصل إلى 7.37 مليار درهم في عام 2023، بنسبة زيادة قدرها 107% مقارنةً بعام 2022 حيث بلغت 3.56 مليار درهم؛ لتكون الأكبر في تاريخ المجموعة منذ تأسيسها في عام 2005.

وفي السعودية، شهد قطاع الفعاليات والمعارض في المملكة نمواً ملحوظاً، بلغ قرابة 15% في عام 2023، ومن المُتوقع أن يتسارع هذا النمو نتيجة التوسع في البنية التحتية لخدمات النقل والفعاليات. وتعمل الهيئة العامة للمعارض والمؤتمرات على تعزيز التحول الذي تشهده المملكة عبر الجهود المستمرة في هذا القطاع، ومنها الإعلان عن إطلاق حزمة من الحوافز بقيمة 588 مليون ريال (156 مليون دولار) لدعم الفعاليات الكبرى التي ستُقام في السعودية خلال عام 2025.

اتجاهات صاعدة:

تتمثل أبرز الاتجاهات المتعلقة بصناعة الفعاليات في دول الخليج، في الآتي:

1- زيادة حجم الفعاليات الكبرى والمتنوعة: تتميز صناعة الفعاليات في دول الخليج بالتنوع الكبير، حيث أصبح هناك تركيز على تنظيم فعاليات تتعلق بالرياضة والفنون والثقافة والترفيه، بجانب الفعاليات التجارية والتقنية. ومن أهمها ما يلي:

أ- الفعاليات الرياضية: تُعد الرياضة من القطاعات المهمة التي تجذب ملايين الزوار إلى دول الخليج. ومن أبرز الفعاليات الرياضية، بطولات "الفورمولا 1" في أبوظبي والبحرين وجدة وقطر، والدوري العالمي للتنس في أبوظبي، ومباريات دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين (NBA) في أبوظبي، والماراثونات الرياضية العالمية، واستضافة كأس العالم 2022 في قطر، وغيرها؛ وهو ما يجعل دول الخليج محوراً رئيسياً للرياضات الدولية. كما تستعد دول الخليج خلال السنوات القادمة لاستضافة مجموعة من الأحداث الرياضية الكبرى، مثل كأس العالم لكرة القدم 2034 المقرر إقامته في السعودية.

ب- الفعاليات الثقافية والفنية: شهدت دول الخليج تطوراً ملحوظاً في تنظيم المهرجانات الموسيقية والفنية العالمية، مثل مهرجان أبوظبي للموسيقى والفنون، ومهرجان دبي السينمائي الدولي، ومهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في السعودية، ومهرجان هلا فبراير في الكويت. وهذه الفعاليات تسهم في تعزيز السياحة الثقافية، وتعريف الجمهور العالمي بالثقافة الخليجية والعربية.

ج- الفعاليات التجارية والتقنية: أضحت مدن مثل دبي معروفة عالمياً بكونها مركزاً للمعارض التجارية والتقنية مثل "جيتكس" و"معرض دبي للطيران"؛ مما يعزز دور منطقة الخليج كمركز تجاري عالمي.

2- التوسع في البنية التحتية: تُعد البنية التحتية الحديثة والمتطورة من أبرز العوامل التي تسهم في نمو صناعة الفعاليات بدول الخليج، حيث ضخت حكوماتها استثمارات كبيرة في بناء منشآت متخصصة مثل مراكز المعارض، والقاعات الكبرى، وملاعب الرياضة، ومرافق الفنادق المجهزة لاستضافة الأحداث الدولية. ومنها على سبيل المثال، مركز أبوظبي الوطني للمعارض، ومدينة إكسبو دبي، ومركز دبي التجاري العالمي، ومركز إكسبو الشارقة، ومركز البحرين العالمي للمعارض، وغيرها، وكلها تُعد مرافق حديثة تسهم في استضافة فعاليات ضخمة ومتنوعة. ومن المُتوقع أن تزيد دول الخليج استثماراتها في البنية التحتية للفعاليات؛ مما يُعزز قدرتها على استضافة الأحداث الدولية الكبرى والمتنوعة. كما من المُتوقع أن تكثف دول الخليج الاستثمار في النقل الذكي؛ ليتم استخدام المزيد من الحافلات الكهربائية وكذلك السيارات ذاتية القيادة؛ لنقل المشاركين في هذه الفعاليات داخل المدن وبينها. 

3- توظيف التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي: أضحت التكنولوجيا جزءاً لا يتجزأ من صناعة الفعاليات في الوقت الراهن، وسمة مميزة للفعاليات المقامة في دول الخليج، سواء أكان ذلك من خلال تحقيق التفاعل الرقمي، حيث تم استخدام تطبيقات الهواتف الذكية والمنصات الرقمية لتحسين تجربة المشاركين في الفعاليات، بما يُمكن الزوار من معرفة التفاصيل الدقيقة عن الجلسات أو الحفلات، وتنظيم الحضور، أو من خلال الاستعانة بتقنيات "الواقع المعزز" و"الواقع الافتراضي"؛ إذ تسهم هذه التقنيات في تحسين التفاعل بين الزوار والمحتوى المعروض في الفعاليات. فعلى سبيل المثال، في "إكسبو 2020 دبي"، تم استخدام تقنيات "الواقع المعزز" و"الواقع الافتراضي" لخلق تجارب تفاعلية، مكنت الزوار من التفاعل مع العروض بطرق غير تقليدية. 

ومن المُتوقع أن يصل حجم سوق الأحداث الافتراضية العالمية إلى 297.16 مليار دولار بحلول عام 2030، مسجلاً معدل نمو سنوي مركب بنسبة 20.0% في الفترة من عام 2025 إلى عام 2030، وفقاً لتقرير صادر عن شركة (Grand View Research) في ديسمبر 2024؛ الأمر الذي يُعزى إلى التفضيل المتزايد لعقد الأحداث الافتراضية؛ مما يتيح للمشاهدين في جميع أنحاء العالم التفاعل مع الفعاليات في الوقت الحقيقي؛ وهو ما يستدعي توجيه اهتمام المنظمين لتبني ذلك النمط من الفعاليات المبتكرة والجذابة بما يحاكي اهتمامات الجيل الجديد من الحضور، ويجعل هذه الصناعة أكثر تفاعلية.

ويُرجح أن تتوسع دول الخليج خلال الأعوام المقبلة في تلبية الطلب على "الفعاليات الهجينة" التي تجمع بين المشاركة الفعلية والافتراضية، واستخدام الروبوتات والذكاء الاصطناعي بشكل أوسع، حيث تسهم هذه الآليات في تقليل التكاليف، وزيادة الوصول إلى جمهور أوسع، وتوفير فرصة للمشاركين من مختلف الأماكن حول العالم للانضمام إليها. 

وفي هذا الإطار، يُعد الذكاء الاصطناعي من الأدوات التقنية الرائدة التي سيكون لها دور كبير في تطوير صناعة الفعاليات، وجعلها أكثر كفاءة وربحية؛ من خلال استخدامه في عمليات التنظيم، وإدارة الحشود، والتنبؤ بالاتجاهات المستقبلية. كما يساعد تحليل البيانات الضخمة المتعلقة بسلوك الزوار واهتماماتهم، على تمكين المنظمين من تخصيص تجارب الزوار بشكل أكثر دقة وفاعلية بناءً على اهتماماتهم السابقة، وقياس المشاركات، وتفاعلات الجمهور، وقياس مؤشرات النجاح استناداً إلى بيانات حقيقية.

4- تعزيز معايير الاستدامة والحفاظ على البيئة: في إطار التوجهات العالمية نحو الحفاظ على البيئة، أصبح دمج الاستدامة في صناعة الفعاليات من الأمور الحيوية التي لا غنى عنها. وقد تميزت دول الخليج بالتركيز على دمج الاستدامة والتكنولوجيا في تصميم الفعاليات. فعلى سبيل المثال، قدم "إكسبو 2020 دبي" نموذجاً عالمياً في دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة. كما بدأ التركيز على تقليل البصمة الكربونية الناتجة عن تنظيم الفعاليات الكبرى، حيث تضمن ملف ترشح السعودية لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 2034 دور الاستدامة البيئية كإحدى الركائز الأساسية في الملف، وشمل مجموعة من التدابير للحد من التأثيرات البيئية المُحتملة، مثل تحسين كفاءة استخدام الطاقة، واعتماد أساليب البناء المستدامة، واستخدام مواد بناء صديقة للبيئة، إلى جانب تنفيذ مبادرات لإدارة النفايات وتعزيز الوعي البيئي من خلال البرامج التثقيفية التي تواكب الحدث.

5- الأمن السيبراني وحماية البيانات: مع تزايد استخدام التكنولوجيا في تنظيم الفعاليات، أصبحت الأخيرة أكثر عُرضة للتهديدات السيبرانية، بدايةً من هجمات التصيد الاحتيالي وبرامج الفدية إلى خروقات البيانات واسعة النطاق؛ ومن ثم أصبح الأمن السيبراني وحماية البيانات الشخصية جزءاً أساسياً من تنظيم أي فعالية، حيث تتعامل صناعة الفعاليات العالمية مع بيانات من أكثر من مليار مشارك سنوياً؛ مما يجعلها هدفاً مربحاً لمجرمي الإنترنت. وتسلط الحوادث البارزة، مثل الهجوم الإلكتروني على أولمبياد طوكيو 2021، الضوء على المخاطر التي تنطوي عليها تلك العملية. كما أدى التبني السريع للفعاليات الافتراضية والهجينة إلى توسيع مجال الهجوم بشكل أكبر؛ مما يُعرض المعلومات الشخصية والمالية للمشاركين لانتهاكات مُحتملة؛ ومن ثم أضحى لزاماً على المنظمين الحفاظ على سلامة المعلومات الشخصية للمشاركين من خلال اعتماد أفضل تقنيات الحماية الرقمية ودمج استراتيجيات الأمن السيبراني في كل مرحلة من مراحل التخطيط للفعالية.

6- الشراكات الاستراتيجية بين القطاعين العام والخاص: تشهد صناعة الفعاليات في دول الخليج تطوراً ملحوظاً من خلال تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، حيث يُعهد في الأغلب إلى منظمين من القطاع الخاص مسؤولية تنظيم وعقد وإدارة الفعاليات واستثمارها، بالشراكة مع الهيئات الحكومية، والرعاة، بينما تسهم الحكومات في تمويل وتطوير الفعاليات الكبرى، وتقديم التسهيلات التنظيمية مثل إصدار التأشيرات؛ مما يعزز القدرة التنافسية للفعاليات في الخليج. وبشكل عام، تسهم هذه الشراكة في توسيع نطاق الفعاليات وزيادة جاذبيتها للمستثمرين.

ختاماً، تمتلك دول الخليج العديد من المقومات التي تجعلها من الأسواق الواعدة في صناعة الفعاليات، حيث إن موقعها الاستراتيجي يجعلها وجهة مثالية لاستضافة الفعاليات العالمية، بالإضافة إلى الاستثمارات الضخمة التي تضخها حكوماتها في تدشين وتعزيز البنية التحتية لمراكز المؤتمرات والمعارض والمرافق الرياضية والثقافية؛ ما يعزز القدرة على استضافة الفعاليات الضخمة. ومن المُتوقع أن تعزز دول الخليج مكانتها المتميزة في هذه الصناعة خلال الأعوام القادمة، وأن تجذب ملايين الزوار والمشاركين من مختلف أنحاء العالم من خلال استخدام التكنولوجيا المتطورة، والاهتمام بمعايير الاستدامة، والتوسع في "الفعاليات الهجينة"؛ ومن ثم ستستمر تلك الصناعة في النمو بوتيرة سريعة.