أخبار المركز

سياسات السيطرة:

دلالات خارطة المرشحين في انتخابات الرئاسة الإيرانية

20 يونيو، 2024


سرعان ما حاول النظام الإيراني احتواء أزمة تحطم طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومرافقيه خلال رحلة عودتهم من إقليم أذربيجان الشرقية، في 19 مايو الماضي 2024، عقب افتتاح سد جديد على نهر أراس الحدودي مع دولة أذربيجان، بعدد من القرارات السريعة، احتكاماً للدستور الإيراني. فقبل حتى الإعلان عن مصير الطائرة خرج المرشد الأعلى للثورة، آية الله علي خامنئي، ليطمئن الإيرانيين، ودعاهم إلى عدم القلق مؤكداً أن "شؤون الدولة لن تتأثر". وعقب تأكيد أجهزة الدولة خبر وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ومرافقيه، تم تعيين النائب الأول للرئيس الإيراني، محمد مخبر، رئيساً مؤقتاً لمدة 50 يوماً؛ ومن ثم وضع جدول زمني لمراحل الإعداد لانتخابات رئاسية مبكرة، تحدد لها يوم الجمعة 28 يونيو، الذي يتزامن مع الذكرى الأربعين لوفاة الرئيس إبراهيم رئيسي ومرافقيه، في مهلة أقل من الأيام الخمسين الممنوحة دستورياً، لتعيد كل هذه الإجراءات السريعة مقولة "النظام أولاً" إلى الواجهة.

وبالفعل تم فتح باب الترشح لمنصب الرئيس في 30 مايو، ولمدة خمسة أيام انتهت في 3 يونيو الجاري؛ إذ بدأ مجلس صيانة الدستور دراسة أهلية المرشحين، وبالرغم من طلبه تمديد فترة دراسته لطلبات الترشح إلى 11 يونيو؛ فإنه أعلن على نحو مفاجئ أسماء المرشحين المؤهلين لخوض السباق الانتخابي قبل انتهاء المهلة التي طالب بها؛ الأمر الذي عكس إلى حد كبير صعوبة مهمة المجلس في تحديد الأسماء المؤهلة –كما يرى أعضاؤه- للترشح لمنصب الرئيس في هذه المرحلة الحرجة من عمر النظام، وفي ظل الجدل الذي يدور حول أسماء المستبعدين من قائمة الترشح على الرغم من ثقل أسمائهم سياسياً واجتماعياً؛ ومن ثم فرص المرشحين في الفوز بالمنصب.

إجراءات متسارعة:

استلزم قرار النظام الإيراني إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، في 28 يونيو الجاري، موافقة البرلمان الإيراني على تعديل قانون الانتخابات الرئاسية؛ ليتم إجراء الانتخابات الرئاسية التاسعة في موعد مبكر، قبل عام من انتخابات مجالس البلديات، بشكل استثنائي لمرة واحدة؛ إذ تُجرى الانتخابات الرئاسية كل أربع سنوات، بالتزامن مع انتخابات مجالس البلديات على مستوى البلاد. فيما کان من المقرر إجراؤهما في توقيت متزامن في يونيو من العام المقبل 2025.

واستكمالاً للإجراءات المتسارعة الاستثنائية، أكد المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور، هادي طحان نظيف، أن الرئيس المنتخب الجديد سيتولى مهمة الرئاسة لمدة رئاسية كاملة؛ أي أربع سنوات كاملة، وليس عاماً واحداً فقط –الفترة المتبقية من حكم الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي- ومن ثم سيتغير تاريخ السنوات الفردية للانتخابات الرئاسية الإيرانية لأول مرة في تاريخها.

وحسب الجدول الزمني الذي أعلنته السلطات الإيرانية فقد أعلن مجلس صيانة الدستور في 10 يونيو الجاري أسماء المؤهلين للترشح لمنصب رئيس الجمهورية، وبلغ عددهم 6 مرشحين، من أصل 80 مرشحاً، كان من بينهم 4 سيدات، قدموا أوراق ترشحهم للجنة الانتخابات خلال الفترة القانونية للترشح، فيما بدأت الحملة الانتخابية للمرشحين في اليوم التالي؛ إذ أعلن محمد باقر أعلمي، نائب سكرتير لجنة الانتخابات استعداد التلفزيون الإيراني لتنظيم المناظرات على الهواء مباشرة بين المرشحين، وذلك قبل دخول البلاد فترة الصمت الانتخابي صباح 27 يونيو لمدة 24 ساعة، قبل بدء التصويت داخل البلاد في 60 ألف مركز انتخابي، وفي خارجها في مقرات السفارات والقنصليات الإيرانية. كما تقرر موعد جولة الإعادة في الجمعة التالية الموافقة 5 يوليو المقبل؛ حال لم يفز أي من المرشحين بالأغلبية المطلوبة. وذلك وفقاً للمادة (13) من قانون الانتخابات الرئاسية.

المرشحون المؤهلون:

في هذا السياق وافق مجلس صيانة الدستور على ملفات ترشح ستة مرشحين هم:

- سعيد جليلي: 59 عاماً، أحد صقور التيار الأصولي، ترشح مرتين سابقاً للانتخابات الرئاسية، الأولى في عام 2013 وحصل خلالها على المرتبة الثالثة بعدد أصوات بلغ 4 ملايين و168 ألف صوت. والثانية في انتخابات عام 2021، التي انسحب منها لصالح الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، وشغل جليلي العديد من المناصب الدبلوماسية، وعين أميناً لمجلس الأمن القومي الإيراني، ورئيس فريق التفاوض النووي الإيراني (2007-2013) في عهد الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد. كما تم تعيينه عضواً في مجمع تشخيص مصلحة النظام من قبل المرشد الأعلى للثورة، وهو حالياً عضو في عدد من المجالس المهمة، وهي مجمع تشخيص مصلحة النظام منذ 2008، والمجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، وممثل قائد الثورة الإسلامية في المجلس الأعلى للأمن القومي.

- مصطفى بور محمدي: 65 عاماً، بدأ نشاطه مدعياً عاماً للثورة الإسلامية عام 1979، عمل رئيساً للمخابرات الخارجية، ونائباً لوزير المخابرات، ووزيراً للداخلية في حكومة الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد الأولى. ثم وزيراً للعدل عام 2013، سبق وأعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية عام 2013، لكنه انسحب لصالح المرشح منوشهر متقي. كما ترشح للانتخابات الأخيرة لعضوية مجلس خبراء القيادة، لكنه أخفق في الحصول على موافقة مجلس صيانة الدستور على ترشحه. ويشغل حالياً منصب أمين عام لجمعية رجال الدين المناضلين، ورئيس مركز توثيق الثورة الإسلامية.

- علي رضا زاكاني: 59 عاماً، عمل عضواً في هيئة التدريس بجامعة طهران للعلوم الطبية في مركز الطب النووي بمجمع مستشفى الإمام الخميني ومستشفى شريعتي. شغل عضوية البرلمان 2004 إلى عام 2016، كما شغل منصب عمدة طهران عام 2021، وتم تعيينه مساعداً للرئيس عام 2023، وقد تقدم زاكاني بأوراق ترشحه للانتخابات الرئاسية 3 مرات، خلال عامي 2013 و2017، إلا أن مجلس صيانة الدستور استبعده في كلتا الجولتين. كما ترشح للانتخابات الرئاسية في 2021، لكنه انسحب لصالح الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي. ويشغل زاكاني حالياً منصب مساعد الرئيس الإيراني لشؤون إدارة الأضرار الاجتماعية في مدينة طهران منذ عام 2023.

- أمير حسين قاضي زاده هاشمي: 53 عاماً، طبيب وجراح، كان عضواً في البرلمان ممثلاً لمدينة مشهد في الفترات الثامنة والتاسعة والعاشرة، كما كان سكرتيراً وعضواً في اللجنة الرئاسية في الفترات التاسعة والعاشرة، ونائباً لرئيس البرلمان في الفترة الحادية عشرة. شغل منذ عام 2021، منصب نائب الرئيس ورئيس مؤسسة الشهداء في الحكومة الثالثة عشرة. وكان قد ترشح في الدورة السابقة للانتخابات الرئاسية وحصل على المركز الرابع بحصوله على 999 ألفاً و 718 صوتاً، ثم عين نائباً للرئيس ورئيساً لمؤسسة الشهداء والمحاربين القدامي. 

- محمد باقر قاليباف: 62 عاماً، قائد سابق لسلاح الجو في قوات الحرس الثوري، ويُعد من أهم المخضرمين في النظام السياسي الإيراني، تم انتخابه عمدة لطهران في 2004 وبقي في هذا المنصب لثلاث فترات متتالية ولمدة 12 عاماً. انتخب ممثلاً لطهران في البرلمان الثاني عشر، وتم انتخابه كرئيس للبرلمان في الجلسة الأولى للبرلمان الثاني عشر بأغلبية 198 صوتاً. كما أنه عضو في مجمع تشخيص مصلحة النظام. رشح نفسه في السابق لمنصب الرئيس 3 مرات، وذلك في الدورات التاسعة والحادية عشرة والثانية عشرة، التي انسحب فيها من السباق الانتخابي لصالح المرشح إبراهيم رئيسي، الذي حل في المرتبة الثانية بعد الرئيس السابق حسن روحاني.

- مسعود بزشكيان: 70 عاماً، المرشح الإصلاحي الوحيد بين مرشحي الرئاسة الستة، سياسي وطبيب جراح ونائب في البرلمان عن مدن تبريز وآذرشهر منذ دورته الثامنة وحتى الآن، كما شغل منصب النائب الأول لرئيس البرلمان الإيراني في الدورة العاشرة. كما عين وزيراً للصحة والتعليم الطبي في حكومة الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي الأولى، ووزيراً للصحة في حكومته الثانية. سبق وأن ترشح في الانتخابات الرئاسية الثالثة عشرة، إلا أن مجلس صيانة الدستور رفض أهليته للترشح.

دلالات مهمة:

يلقي مجمل المشهد السياسي في إيران، والمشهد الانتخابي على وجه الخصوص عقب وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي ومرافقيه، الضوء على عدد من الملاحظات الأساسية، لعل أهمها ما يلي:

- إصرار النظام الإيراني على تخطي الأزمة دون خسائر: مع التسليم بأن إيران تمر بحالة غير مسبوقة من عدم اليقين، عقب وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي على نحو مفاجئ، وحتمية مرورها باستحقاقات انتخابية مبكرة لملء الفراغ الرئاسي حسب الدستور الإيراني، فإن القدر الذي أبداه النظام من التماسك والسرعة في اتخاذ القرار يشير إلى أن مؤسسات الدولة ما زالت قادرة على تسيير الأمور بشكل يبدو سلساً، ولاسيما في ظل تجمع خيوط النظام في مؤسسة المرشد الأعلى، التي تُعد المسيرة الفعلية لشؤون البلاد. ساعدها على ذلك نجاح التيار الأصولي في السيطرة على مفاصل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وأهم المجالس المتخصصة في البلاد. 

وتشير القرارات السريعة والمتتالية التي تتخذها السلطات الإيرانية المختلفة إلى أن النظام لن يترك المجال مفتوحاً أمام مفاجآت غير محسوبة، يمكن أن تسبب أزمات في هذا التوقيت الحرج، وأن النخبة الإيرانية، وعلى رأسها المرشد الأعلى، ترفع شعار "النظام أولاً". فيما يمكن القول إن النظام الإيراني قد راكم تجارب لمثل هذه الأزمة المفاجئة، منذ تنحية الرئيس الأسبق أبو الحسن بني صدر، واغتيال خلفه الرئيس محمد علي رضائي، خلال عام 1981.

- قائمة المؤهلين للترشح لم تحمل مفاجآت كبيرة: رفض مجلس صيانة الدستور طلبات 74 مرشحاً، على رأسهم رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني، والرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، وإسحاق جهانغيري نائب الرئيس في عهد حسن روحاني، و3 من الوزراء الحاليين؛ وزير العمل والرفاه صولت مرتضوي، ووزير الثقافة محمد مهدي إسماعيلي، ووزير الطرق والتنمية الحضرية مهرداد بذرباش. والقائد السابق في الحرس الثوري، والخاضع لعقوبات أمريكية، وحيد حقانيان، ومحافظ البنك المركزي السابق، عبد الناصر همتي.

فيما كان متوقعاً رفض طلب ترشح أحمدي نجاد، مثلما تكرر ثلاث مرات في السابق؛ لأسباب ليست سرية تتصل بخلافه مع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، وطلبه تقييد صلاحيات المرشد، كما تم رفض طلب لاريجاني للمرة الثانية، على الرغم من قربه من المرشد الأعلى، وعمله مستشاراً حالياً له، غير أن سبب رفضه جاء على الأرجح بسبب سفر ابنته وزوجها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وعملهما هناك، ذلك الرفض دعا لاريجاني لوصف المجلس بـ"انتهاج مسار غير شفاف". 

وعلى عكس ما حدث في الانتخابات الرئاسية الماضية، التي خلت فيها قائمة المرشحين من مرشح إصلاحي، جاءت الموافقة على المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان، الذي رفض المجلس أهليته لخوض الانتخابات التشريعية الأخيرة في مايو الماضي 2024؛ ليشير ذلك إلى استجابة ضمنية لضغوط مارسها التيار الإصلاحي بوضعه شرطاً للمشاركة في التصويت في الانتخابات بوجود أحد الإصلاحيين على قائمة المرشحين؛ إذ أشار الناطق باسم جبهة الإصلاحيين، جواد إمام، إلى أن "الإصلاحيين سيشاركون في الانتخابات إذا كان لديهم مرشح، وإلا فيجب عدم توقع مشاركتهم".

- ثمة خلافات في صفوف التيار الأصولي تحول دون توحيد كلمته: على الرغم مما يبدو وكأنه تكرار لمشهد هندسة الانتخابات لصالح التيار الأصولي، من خلال الموافقة على ترشيح خمسة أصوليين وإصلاحي واحد، فإن رفض وزراء حاليين في الحكومة الثالثة عشرة؛ أدى إلى احتجاج عدد من الشخصيات الأصولية؛ الأمر الذي يشير إلى عدم توافق المعسكر الأصولي على شخص المرشح الأولى بالأصوات. كما ظهرت انتقادات لترشح رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، فعلى سبيل المثال، انتقد النائب الأصولي، حميد رسايي، ترشح قاليباف بتغريدة على موقع إكس بقوله: "أنتم تحاولون أن تجعلوا منه رئيساً منذ 20 عاماً (...) ولن تتمكنوا". فيما تشير تحليلات إلى أن ترشح قاليباف للرئاسة قد أثار خلافاً مع حلفائه من المحافظين، نظراً لوجود اتفاق مسبق بعدم ترشحه للرئاسة القادمة في مقابل إعادة انتخابه رئيساً للبرلمان. 

وتأتي الانتقادات لشخص قاليباف في ظل حديث متزايد من ناحية أخرى عن تصاعد حظوظه للفوز بمنصب الرئيس؛ نظراً لتدرجه في العديد من المناصب التنفيذية المهمة، فضلاً عن انتمائه للحرس الثوري -ما يمكن أن يرجح كفته إلى حد كبير إذا ما حصل على التوافق المطلوب لتحريك قيادات الحرس لترجيح كفته- بالإضافة إلى تفوقه في هذا السياق على أقرب منافسيه حظاً، وهو رئيس المفاوضين السابق سعيد جليلي، الذي يأخذ عليه –داخل المعسكر الأصولي- تشدده وأيديولوجيته وقلة خبرته في المناصب التنفيذية، ولاسيما في ظل الإرث الثقيل من المشكلات الداخلية التي سيضطر الرئيس للتعامل معها بقدر من المرونة حتى يعبر هذه المرحلة الحرجة، حسب العديد من المحللين.

وفي ظل هذا التخبط، من المرجح أن تشهد الأيام القليلة المقبلة محاولات لترتيب البيت الداخلي للمعسكر الأصولي، والتوافق حول المرشح الأقوى والأنسب، بأن يتم انسحاب سعيد جليلي لصالح محمد باقر قاليباف، أو العكس؛ بهدف عدم تشتيت الأصوات، في ظل ضآلة فرص المرشحين الأصوليين الآخرين بالمقارنة بكل من قاليباف وجليلي.

- حضور التيار الإصلاحي: بالرغم من اختيار المعسكر الإصلاحي عدم الاشتراك في الانتخابات التشريعية في مارس الماضي، منتقداً سير العملية الانتخابية، واصفاً الانتخابات بأنها "لا معنى لها" بعد إقصاء عدد كبير من مرشحيه؛ فإنه قرر المشاركة في الانتخابات الرئاسية بشرط تمثيله بمرشح أو أكثر في السباق الانتخابي؛ إذ اختار الإصلاحيون خمسة مرشحين، هم: النائب الأول السابق للرئيس إسحاق جهانغيري، والوزيران السابقان عباس أخوندي، ومسعود بزشكيان، والنائب السابق بالبرلمان محمود صادقي. 

وفي ظل قبول ترشح مسعود بزشكيان، أعلنت كل الشخصيات الإصلاحية التي رفض تأهلها للترشح في الانتخابات دعمها له؛ إذ أعلن النائب السابق وعضو جبهة الإصلاحات محمود صادقي، عن تشكيل اجتماع طارئ لجبهة الإصلاح لدعم مرشح التيار الوحيد. مشيراً إلى أن التيار الإصلاحي يأمل أن يكون هذا المرشح "صوت لمن لا صوت له"، كما سارعت شخصيات إصلاحية ومعتدلة إلى دعم بزشكيان، في مقدمتها وزير الخارجية الإيراني الأسبق محمد جواد ظريف الذي دعم المرشح الإصلاحي ضمنياً، من خلال تغريدة له على موقع إكس، كتب فيها "لأجل إيران"، ذلك الشعار الذي تحمله الحملة الانتخابية للمرشح مسعود بزشكيان. 

- حرص النظام على نسب المشاركة: يُعد التفسير الأول، إن لم يكن الوحيد، لوجود مرشح إصلاحي على قائمة المرشحين للرئاسة؛ هو استجابة النظام الإيراني لشرط التيار الإصلاحي للمشاركة في الانتخابات، وتجنب الحشد لمقاطعة الانتخابات، تلك الدعوة التي تتلاقى مع توجه عريض لدى الشارع الإيراني، ولاسيما مع نسب المشاركة المتدنية للغاية خلال الاستحقاقات الانتخابية السابقة، اعتراضاً على سياسة الإقصاء التي يمارسها مجلس صيانة الدستور مع المرشحين الإصلاحيين، في الوقت الذي يعد فيه النظام نسبة المشاركة مؤشراً على مدى شرعيته.

وفي هذا السياق، نشرت هيئة الرقابة على الصحافة لائحة تعليمات تجرم الدعوة لمقاطعة الانتخابات ودعوات الاحتجاج، مكونة من 16 فقرة، تهدد بالعقاب من يرتكب هذه المخالفات، وبحسب الفقرة الأولى من هذه اللائحة، "فإن نشر أي محتوى يهدف إلى إقناع وتشجيع المواطنين على مقاطعة الانتخابات أو التجمع الاحتجاجي دون تصريح، أو الإضراب، أو الاعتصام، أو الادعاء الكاذب بشأن الانتخابات أو أي إجراء من شأنه أن يؤدي إلى الإخلال بالانتخابات، يُعد مخالفة قانونية".

ويأتي تخوف النظام من تدني نسبة المشاركة أيضاً على خلفية إجراء الانتخابات الرئاسية الطارئة هذه المرة من دون انتخابات المحليات، التي عادة ما كانت تسهم في رفع نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية، باستثناء الانتخابات الرئاسية السابقة التي تراجعت فيها نسبة المشاركة لتصل إلى 48.8% من الإيرانيين الذين يحق لهم التصويت، وهي النسبة الأدنى في الانتخابات الرئاسية منذ نجاح الثورة الإسلامية.

فيما تجدر الإشارة إلى أن نتائج استطلاع للرأي أجراه مركز استطلاع الرأي العام للطلاب الإيرانيين (إيسپا) قد أوضحت أن 44.4% من المستطلعة آراؤهم قد قرروا المشاركة في الانتخابات، مقابل 7.3% مشاركتهم محتملة، و15% منهم لم يقرروا بعد مشاركتهم من عدمها، مقارنة بـ28.7% أكدوا عدم مشاركتهم؛ إذ أجرى المركز مقابلات مباشرة مع 3906 أشخاص تزيد أعمارهم عن 18 عاماً، ويعيشون في 31 محافظة إيرانية (مناطق حضرية وريفية).

 الأمر الذي يعني أن الانتخابات الرئاسية المرتقبة قد لا تشهد نسب مشاركة مرضية كما يرغب النظام، ولاسيما في ظل الأسباب التي أشارت إليها باقي نتائج الاستطلاع، والتي تعود إلى انعدام تأثير الانتخابات في تحسين أوضاع البلاد، واستمرار المشكلات الاقتصادية والمعيشية، وعدم اليقين بشأن قدرات المرشحين، وعدم وجود شخصية ذات كفاءة وشعبية بين المرشحين في الانتخابات المقبلة.

بناءً على ما سبق يمكن القول إن النظام الإيراني قد اختار مجدداً هندسة الانتخابات الرئاسية الطارئة، كأحد سبل احتواء أزمة فراغ منصب الرئيس؛ بهدف الحفاظ على مكتسبات التيار الأصولي الذي استطاع على مدار السنوات الثلاث الماضية استعادة سيطرته على مفاصل النظام، من خلال مؤسستي الرئاسة والبرلمان، والمجالس القومية المتخصصة، وفي الوقت ذاته الحفاظ على قدر من المناورة مع التيار الإصلاحي الذي سمح لأحد رموزه بخوض الانتخابات لقطع الطريق أمام حملات المقاطعة التي هدد بها ذلك التيار، ولاسيما في ظل رمزية نسب المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية لدى النظام الإيراني. فيما يحسب للأخير حتى الآن قدرته على استيعاب الأزمة بشكل سريع، والاحتكام إلى الدستور بشكل مؤسسي.