أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

حلقة مفرغة:

الانعكاسات المحتملة لتجدد التوترات بين رواندا والكونغو الديمقراطية

04 نوفمبر، 2022


أعلنت كينشاسا طرد السفير الرواندي لديها واستدعاء القائم بأعمال سفيرها في كيجالي، في 30 أكتوبر، وذلك بسبب استئناف حركة 23 مارس، أو "أم 23" المتمردة هجماتها في شرق الكونغو، وسيطرتها على بعض المناطق الحيوية هناك، واتهام الكونغو كيجالي بدعم هجمات المتمردين.

توترات حادة:

يأتي استئناف القتال في شرق الكونغو بعد أسابيع قليلة من اعتماد مجموعة دول شرق أفريقيا خريطة طريق بجهود كينية، والتي نصت على وقف إطلاق النار لتمهيد الطريق أمام بدء مشاورات بين الكونغو الديمقراطية والجماعات المسلحة. 

وجاء ذلك التطور بالتوازي مع الوساطة التي يقودها الرئيس الأنجولي، جواو لورنسو، والذي كان قد تمكن في يوليو الماضي من عقد مباحثات مشتركة مع رئيسي رواندا وجمهورية الكونغو، وأفرزت توقيع الطرفان على التزام بالحوار وتغليب الأدوات الدبلوماسية، بيد أن تجدد القتال في شرق الكونغو يهدد جهود الوساطة بين كيجالي وكينشاسا، حيث يمكن عرض أبعاد التصعيد الراهن بين الجانبين على النحو التالي:

1- طرد الكونغو سفير رواندا: أعلن المتحدث باسم الحكومة الكونغولية، باتريك مويايا، في 30 أكتوبر الماضي، أن كينشاسا أمهلت السفير الرواندي لديها، فينسينت كاريغا، 48 ساعة لمغادرة البلاد، بسبب الدعم الرواندي لهجمات حركة 23 مارس، أو أم 23 المتمردة. كما استدعت جمهورية الكونغو الديمقراطية القائم بأعمال سفارتها لدى رواندا، مطالبة سفيرها الجديد الذي كان يفترض أن يتولي مهام عمله بتأجيل تقديم أوراق اعتماده.

وجاء الموقف الكونغولي بعد اجتماع طارئ لمجلس الدفاع الأعلى بكينشاسا، ترأسه الرئيس فيلكس تشيسيكيدي، حيث أعلن المجلس وصول عناصر من الجيش الرواندي لدعم هجمات حركة 23 مارس ضد مواقع القوات الكونغولية. كما شهد شمال كيفو تظاهرات نظمها عشرات السكان للتنديد بالتورط الرواندي في دعم المتمردين شرق الكونغو.

2- تقدم حركة 23 مارس المتمردة: تمكنت حركة 23 مارس من السيطرة على بلدة كيوانجا ومركز روتشورو، على الطريق الاستراتيجي "أر أن 2" (RN2) في شرق الكونغو، الذي يربط غوما، عاصمة شمال كيفو، بشمال البلاد وأوغندا، ومن ثم تم فصل غوما عن شمال الكونغو. وكانت القوات الكونغولية المتمركزة في معسكر رومانجابو قد غادرتها قبل يوم واحد من الهجمات.

3- استنكار رواندي واتهام مقابل: أنكرت رواندا في بيان رسمي تورطها في دعم المتمردين. كما أدانت كيجالي ما وصفته بالتواطؤ بين القوات الكونغولية و"القوات الديموقراطية لتحرير رواندا"، والتي تصنفها رواندا بالإرهابية، معتبرة أن كينشاسا تقدم الدعم لهذه القوات من أجل استهداف المناطق الحدودية بين البلدين بأسلحة ثقيلة، ولذلك أعلنت كيجالي رفع درجة التأهب بين القوات الرواندية المنتشرة على المناطق الحدودية مع الكونغو.

4- إدانة أممية وأفريقية: أعلنت فرقة تدخل عسكري تابعة للأمم المتحدة أن أربعة من قوات حفظ السلام الأممية أصيبوا خلال هذه الهجمات، إذ حاصرت عناصر حركة 23 مارس المعسكر الذي يضم قوات حفظ السلام الأممية في بلدة كيوانجا وحديقة فيرونجا.

وأعرب الاتحاد الأفريقي عن قلقه البالغ إزاء هذه التطورات، كما صدر بيان مشترك لرئيس الاتحاد الأفريقي الحالي والرئيس السنغالي، ماكي سال، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فقي محمد، تتضمن دعوة كافة الأطراف إلى وقف فوري لإطلاق النار والعودة للحوار.

دلالات مهمة:

يعكس التصعيد الراهن بين كينشاسا وكيجالي، عدداً من الدلالات المهمة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- استئناف القتال في شرق الكونغو: شهدت منطقة شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية استئناف للقتال بين قوات الجيش وعناصر المتمردين، خاصة 23 مارس، منذ 20 أكتوبر الماضي، وهو ما تمخض عنه مقتل عدد من المدنيين، ونزوح أكثر من 23 ألف مدني.

وتشكلت حركة 23 مارس في عام 2012، وهي حركة تمرد تتشكل من عرقية التوتسي، وتمكنت من السيطرة على غوما لفترة قصيرة، قبل أن تنجح القوات الكونغولية والأممية في دحرها، وقد تم توقيع إتفاق سلام بين كينشاسا والحركة، بيد أن الأخيرة تشير دائماً إلى انتهاك الحكومة الكونغولية للاتفاقية. وتراجعت أنشطة الحركة على مدار عشر سنوات، بيد أنها عادت منذ نوفمبر 2021 لتشن هجمات متكررة على شرق الكونغو، كما شنّت، في يونيو 2022، عدة هجمات أدت إلى سيطرتها على مدينة بوناغانا الاستراتيجية المتاخمة للحدود الكونغولية – الأوغندية. 

وتنشط العديد من الحركات المسلحة في شرق الكونغو، والتي يتجاوز عددها الـ 100 مجموعة مسلحة متمردة، أبرزها، "القوات الديمقراطية لتحرير رواندا"، و"المقاومة من أجل سيادة القانون"، و"القوات الديموقراطية المتحالفة" المرتبطة بتنظيم داعش الإرهابي، بالإضافة إلى العديد من الجماعات المسلحة القومية، والتي تعرف باسم "الماي ماي" (Mai-Mai)، فضلاً عن "التعاونية من أجل تنمية الكونغو" (كوديكو)، وهو ما يؤدي إلى تغذية الصراعات في شرق الكونغو.

2- ضغوط متنامية على رواندا: جاء التصعيد الراهن في شرق الكونغو بعد أشهر قليلة من التقرير الأممي الصادر في أغسطس 2022، والذي أقر بشكل صريح بوجود دعم عسكري رواندي لعناصر حركة 23 مارس المتمردة في شرق الكونغو، وهو الأمر ذاته الذي ألمح إليه دبلوماسي أمريكي في الأمم المتحدة قبل أسبوع واحد من الهجمات الأخيرة للحركة المتمردة، وهو ما دفع كينشاسا إلى دعوة مجلس الأمن لفرض عقوبات على رواندا. وكان وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين، قد عبر عن قلقه البالغ من الدعم الرواندي لحركة 23 مارس المتمردة في أغسطس 2022. 

3- تصاعد قدرات 23 مارس: أشارت رئيسة بعثة تحقيق الاستقرار التابعة للأمم المتحدة (مونوسكو)، بنتو كيتا، إلى أن القدرات العسكرية لحركة 23 مارس باتت تناظر قدرة جيش تقليدي، وهو الأمر ذاته الذي ألمح إليه قائد قوات حفظ السلام التابعة لبعثة "مونوسكو"، اللفتنانت جنرال ماركوس أفونسو دا كوستا، والذي أكد على أن القدرات العسكرية للحركة أضحت أكبر كثيراً مما كانت عليه قبل عشر سنوات عندما بدأت هجماتها.

وتثار مخاوف حالية من سيطرة حركة 23 مارس على مزيد من المناطق في شرق الكونغو، لاسيما في ظل إشارة تقارير إلى سيطرة الحركة على منطقة روغاري، التي تبعد حوالي 30 كيلومتراً فقط من غوما، عاصمة شمال كيفو.

انعكاسات محتملة:

هناك جملة من الإرتدادات المحتملة التي يمكن أن تتمخض عن التوترات الراهنة بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- تأجيج التوتر في البحيرات العظمى: تشير بعض التقديرات إلى أن الرئيس الكونغولي، فيلكس تشيسكيدي، عمد إلى تعزيز علاقاته مع أوغندا، مما سمح للأخيرة بالمشاركة في مكافحة الجماعات المسلحة المنتشرة في "شمال كيفو"، فضلاً عن الموافقة على بناء الطرق التي تربط كينشاسا وكامبالا، وهو ما وفر للأخيرة معابر بديلة عن المعابر الحدودية مع رواندا، وأثار هذا التقارب الكونغولي – الأوغندي حفيظة رواندا، والتي لديها توترات قديمة مع كامبالا.

2- تخوفات من اندلاع حرب شاملة: قد تشهد الفترة المقبلة اندلاع مواجهات محتملة بين رواندا والكونغو الديمقراطية، لاسيما مع تحذير تشيسكيدي من احتمالية أن تدفع التوترات الإقليمية الراهنة نحو حرب شاملة، بالتزامن مع تلويح الرئيس الرواندي، بول كاجامي، بأن القصف الناجم عن التوترات المسلحة في شرق الكونغو قد عبر حدودها،  محذراً من أن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي حيال ذلك، بيد أن ثمة تقديرات أخرى ترجح أن الضغوط الأمريكية والأوروبية لن تسمح بالانزلاق نحو حرب شاملة بين كينشاسا وكيجالي، في ظل المصالح الغربية في المنطقة.

3- تكثيف جهود الوساطة بين الكونغو ورواندا: يرجح أن تشهد الفترة المقبلة مزيد من الجهود لتسوية التوترات الراهنة بين رواندا والكونغو، حيث يتوقع أن تنخرط كينيا، بدعم أمريكي، بدور أكبر في مساعي الوساطة بالتوازي مع المسار الآخر الذي تقوده أنجولا. 

وفي هذا السياق، دعا الاتحاد الأفريقي ومفوضية الاتحاد إلى عقد حوار ثالث للسلام بشأن التوترات الأمنية في شرق الكونغو، وذلك خلال الفترة 4 – 13 نوفمبر الجاري، حيث أشارت بعض التقديرات إلى أن كينيا تستعد لاستضافة المفاوضات بين أطراف الصراع، بيد أن التحدي الرئيس يكمن حالياً في تمسك كينشاسا برفض الحوار مع حركة 23 مارس، باعتبار أن الأخيرة تحصل على تمويلها من أطراف خارجية معادية.

وعمد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى محاولة لعب دور الوساطة بين كاجامي وتشيسكيدي، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة، في سبتمبر 2022، حيث اتفق الأطراف الثلاثة على حلحلة الخلافات بين كينشاسا وكيجالي، وإخراج حركة "23 مارس من كافة المناطق التي تسيطر عليها، ولذا قد تشهد الفترة المقبلة انخراط فرنسي أكبر في جهود الوساطة.

4- تهديد دول شرق أفريقيا بالتدخل: على الرغم من تمسك مجموعة دول شرق أفريقيا بالمسار الدبلوماسي والحوار لتسوية الصراع الراهن في شرق الكونغو، فإن الكتلة الإقليمية لوحت بالعمل العسكري كملاذ أخير للتعامل مع التصعيد الراهن في هذه المنطقة المضطربة حال تفاقمت الأوضاع.

5- تأجيل محتمل لانتخابات كينشاسا: أكد تشيسكيدي على الالتزام بإجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في موعدها المقرر في 2023، والتي ستشهد ترشح تشيسكيدي للحصول على ولاية ثانية، بيد أن هناك بعض التقديرات الغربية ألمحت إلى أنه ربما يسعى إلى توظيف اضطرابات شرق الكونغو لتأجيل الانتخابات الرئاسية المقبلة، وتمديد فترة رئاسته الحالية.

وفي الختام، تتفاقم الأوضاع الأمنية بشكل مضطرد في شرق الكونغو، في ظل الاستغلال غير المشروع للموارد الطبيعية التي تزخر بها، مما يدفع نحو تأجيج الاشتباكات بين المجتمعات المحلية والجماعات الإرهابية المنتشرة في هذه المنطقة، ناهيك عن الشبكات الإجرامية العابرة للحدود التي تستغل السيولة الأمنية في المنطقة، حتى أن السكان المحليين في شرق الكونغو باتوا يطلقون على الصراع الراهن في المنطقة اسم "الحرب الأبدية" أو "الحرب التي لا نهاية لها".