أخبار المركز
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)

ميدل ايست أونلاين:

المديرون التنفيذيون في مواجهة كورونا

19 مايو، 2020


محمد الحمامصي

تصاعدت وتيرة تعامل المديرين التنفيذيين مع الأزمات في الآونة الأخيرة، ووفقا لمسح pwc العالمي للأزمات لعام 2019، فإن ما يقرب من سبعة من كل عشرة قادة للشركات قد واجهوا أزمة على الأقل على مدار السنوات الخمس الماضية، في حين أن الشركات التي توظف أكثر من 500 موظف، من المرجح أن تكون قد تعرضت لأكثر من خمس أزمات، في المتوسط أزمة واحدة كل عام، ومع أنه قد يكون صحيحا أن مديري الأعمال سبق أن واجهوا العديد من الأزمات داخل شركاتهم؛ فإن جائحة كورونا فريدة من نوعها بسبب نطاقها العالمي وتداعياتها الاقتصادية الخطرة، وهو ما يفرض أعباء ضخمة على شركات القطاع الخاص. 

وفي بحثها "إدارة أعمال الأوبئة: مداخل غير تقليدية لتكيف القطاع الخاص مع جائحة كورونا" تحلل د.صدفة محمد محمود الباحثة المتخصصة في العلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة، التحديات الضاغطة للقطاع الخاص خلال جائحة كورونا، ومدى استجابة الشركات لتحولات عالم كورونا، ثم تقيم فاعلية إدارة أعمال الأوبئة، وتتساءل أخيرا عن الكيفية التي سوف تستعد بها مؤسسات الأعمال للوباء القادم؟

تؤكد د.صدفة في دراستها التي نشرها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، بأبوظبي؛ أنه كان لجائحة فيروس كورونا تأثيرات غير مسبوقة على العالم؛ وتقول: إلى جانب الأزمة الصحية والإنسانية الحادة الناجمة عن تفشي الفيروس، يواجه المسؤولون التنفيذيون في جميع أنحاء العالم تحديات اقتصادية هائلة، منها: صدمات الطلب على السلع والخدمات "النقص أو الزيادة الكبرة في الطلب"، وانقطاع سلاسل التوريد، والبطالة، والركود الاقتصادي، ويضاعف من خطورة هذه التحديات حالة عدم اليقين الشديدة، سواء فيما يتعلق بالمدى الزمني المتوقع للسيطرة على الفيروس أو تأثراته المحتملة على الاقتصادات القومية. 

وفي حين تسبب تفشي الفيروس في خسائر باهظة لبعض الشركات، فقد نجح البعض الآخر في مواجهة التداعيات السلبية لتفشي الفيروس، وبدأ في الانطلاق نحو التعافي وحصاد مكاسب الاستجابة الجيدة للأزمة. وهو الأمر الذي يعني أنه برغم ما يمثله تفشي الفيروس من تحد خطير للعديد من الشركات، فإنه يعد في الوقت نفسه فرصة ثمينة لبعضها، والأمر لا يتوقف على مدى نجاح شركات القطاع الخاص في الاستجابة بفعالية ومرونة للأزمة الحالية فحسب؛ بل يعتمد أيض على مدى قدرتها على وضع خطة تمكنها من الاستعداد الجيد للجائحة التالية.

وترى أن تفشي الفيروس كشف عن هشاشة سلاسل التوريد العالمية، التي تعني اعتماد العديد من الشركات على أنظمة مترابطة بشكل وثيق. ومع أن هذا النظام قد يكون مفيدا خلال الظروف العادية، لدوره المحوري في تعزيز الكفاءة وتقليل التكاليف؛ إلا أنه يعني وجود مساحة محدودة للغاية للمناورة في حالة الأزمات والاضطرابات وقد تمتد التبعات عبر أقاليم جغرافية متنوعة، حيث يؤدي اضطراب سلسلة التوريد في إقليم جغرافي معين، إلى إحداث تأخر في جزء آخر من السلسلة، وذلك في إقليم جغرافي آخر، خاصة مع نفاد المخزون الحالي، وعدم كفاية التنويع في استراتيجيات المصادر. وفي هذا الإطار، اضطرت العديد من الشركات العاملة في صناعة السيارات، مثلا، إلى إغلاق مصانعها بسبب عدم قدرتها على الحصول على قطع الغيار من الصين، نتيجة إغلاق الحدود وتوقف حركة الطيران.

وتوضح د.صدفة أنه بقدر ما ساهمت نظم العمل عن بعد في مساعدة الشركات على مواصلة أداء مهامها، والحفاظ على سلامة وصحة موظفيها، وتوفير تكلفة انتقالات الموظفين من وإلى العمل؛ فإنها ارتبطت بتحمل بعض الشركات أعباء إضافية تتعلق بتوفير أنظمة وتقنيات تمكن الموظفين من إنجاز أكبر قدر من أعمالهم عن بعد، وتساعدهم في التواصل مع بعضهم بعضا ومع العملاء والمديرين دون الحاجة إلى الاتصال المباشر، وأيضا كان لنظام العمل عن بعد عيوب واضحة مثل: صعوبة التنسيق والتعاون بين الموظفين، خاصة في المهام المشتركة، إلى جانب المخاوف من ضعف الإنتاجية مع وجود تشتيت في المنزل بسبب الأطفال فضلا عن مبالغة بعض الشركات في عقد الاجتماعات غير الضرورية لتعويض النقص في التواصل المباشر، إلى جانب بعض المخاطر المتعلقة بأمن المعلومات والبيانات الخاصة بالشركات.

وترصد د.صدفة أبرز الرابحين والخاسرين من أزمة كورونا وتشير إلى استفادة بعض الشركات من الأوضاع التي فرضتها الأزمة، والتي أدت إلى زيادة الطلب على منتجاتها، حيث كانت الشركات الأكثر ربحية هي الأكثر قدرة على الاستجابة المرنة للأزمة، من خلال تطويع الأوضاع التي تفرضها الأزمة بما يتوافق مع مصالحها. وفي المقابل تضررت شركات أخرى بشدة بسبب سياسات التباعد الاجتماعي ونقص الطلب على مبيعاتها.

وترى أن أزمة كورونا كشفت فشل الكثير من الشركات الكبرى في التعامل مع الصدمات التي تتسبب فيه الأزمة وعدم نجاحها في مواكبة التحولات واسعة النطاق في الطلب والاستجابة لتوقعات العملاء، وتضع عوامل نجاح الشركات في إدارة أزمة كورونا في ستة نقاط: الاستجابة المبكرة والمرنة للأزمة، مركزية دور القيادة، إظهار التعاطف والدعم للموظفين، التواصل باستمرار وشفافية، تعزيز الاستقلالية، الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية.

وتؤكد د.صدفة أن ثمة تساؤلات كثيرة بشأن مستقبل العديد من الشركات، ومدى جدواها بعد انتهاء جائحة كورونا، الأمر الذي يجعل من الضروري على جميع الشركات العمل على تحديد موقعها المحتمل بعد انتهاء الأزمة الراهنة، وذلك من خلال التفكير في الدروس التي يمكن استخلاصها من جائحة كورونا، والاستعداد الجيد للأزمة القادمة. ولا يعني ذلك الاستعداد النفسي والفكري فحسب، بل التخطيط الحقيقي لاحتمال حدوث أزمة أخرى في أي وقت.

وتشير إلى أنه يمكن للشركات اتخاذ عدة خطوات للاستعداد للجائحة التالية، وتضع 7 خطوات نلخصها في التالي: 

أولا: تشكيل فريق إدارة الأزمات وتمكينه على أن يتم تحديد مسؤوليات كل عضو في الفريق، مع منحهم الصلاحيات اللازمة للاستجابة الكاملة والسريعة بغض النظر عن طبيعة الأزمة أو مدى خطورتها، مع السعي لتحقيق أعلى مستوى من المرونة عند النظر في كيفية تنفيذ سيناريوهات مختلفة، وكيف ستؤثر هذه السيناريوهات على الموظفين والموردين والعملاء.

ثانيا: استثمار الأزمة الراهنة في إحداث التغيير المرغوب، حيث من الضروري أن تكون الشركات واقعية في تقدير الآثار المحتملة للأزمة على أعمالها وموظفيها وعلى سلاسل التوريد، لأن هذا هو السبيل الوحيد للاستعداد بشكل أفضل للتغيرات الحتمية في السوق بعد السيطرة على الجائحة.

ثالثا: الاستعداد لمرحلة التعافي خلال الفترة الراهنة حيث إن العديد من الشركات ترتكب خطأ في قضاء وقت طويل في مرحلة الاستعداد والاستجابة للأزمة، وغالبا ما تتغافل عن مرحلة التعافي، التي تركز في أبسط أشكالها على كيفية انتقال الشركة إلى العمل كالمعتاد حينما تبدأ الأزمة في التباطؤ أو الانتهاء. وحينها لا بد أن تتوافر للشركة نظرة ثاقبة ليس فقط لكيفية أدائها أثناء الأزمة "تقييم الاستجابة"، ولكن مدى استعدادها بالأساس لمواجهة الأزمة "تقييم الاستعداد". وربما يكون من المفيد أن تقوم الشركات بدراسة تجارب بعض الدول التي تعرضت للأزمة وفترة الانتعاش خلال مراحل مبكرة، ومن بينها: الصين، وكوريا الجنوبية. ومن خلال دراسة ما يحدث في أسواق هذه الدول يمكن لقادة الشركات التنبؤ بشكل أفضل بالتحديات التي من المحتمل أن تواجههم، وسبل التغلب عليها.

رابعا: تعزيز مرونة الشركات والقدرة على التكيف، وذلك من خلال إعادة تقييم عملياتها واستثماراتها، وإعادة توجيهها للاستعداد للوباء التالي، ما يتطلب زيادة مرونتها، وتعزيز قدرتها على التعامل مع الصدمات المفاجئة في الطلب في المستقبل وهذا ما فعلته شركة "3 إم" ـ 3M بعد وباء سارس 2002 ـ 2003 عندما بدأت في الاستعداد للطفرة القادمة في الطلب على أقنعة التنفس N95.

وفي حالات أخرى، بدلاً من الارتفاع المفاجئ في الطلب، سيكون التهديد الأكبر للشركات هو تعطل العمليات. ويمكن أن تشمل الحلول المقترحة تدريب العمال للتدخل بدل زملائهم في حالة حدوث زيادة كبيرة في نسب الغياب بسبب الوباء، إلى جانب العمل على تحديد سيناريوهات لسلسلة التوريد البديلة، من خلال تنويع مواقع التصنيع، والبائعين المعتمدين، وقنوات التوزيع، ومكاتب المبيعات، مع العمل على رقمنة أكبر عدد ممكن من العمليات في سلاسل التوريد.

خامسا: الالتزام بمبادئ الشفافية والمكاشفة: ينبغي على الشركات أن تكون صادقة فيما يخص الأزمة التي تمر بها خاصة إذا كان اللوم يقع عليها، ومن الضروري تزويد العملاء بمعلومات واضحة حول ما حدث بالضبط، والضوابط الجديدة التي ستوضع محل التطبيق ولن يكون الرأي العام متسامحا إذا لاحظ أن الشركة أخفقت في القيام بواجباتها للتقليل من الأضرار، أو الاستعداد لمواجهة الأزمات الخطرة، أو إذا لم تكن الشركة صادقة في مؤتمراتها الصحفية، أو بياناتها المعلنة، أو في أسوأ الأحوال، إذا أعطت الأولوية للأرباح على حساب البشر.. لذا فإن الأساس في الاستعداد للوباء التالي يكون بالتزام الشركات بمبدأ الشفافية في التعامل مع أصحاب المصلحة الرئيسين؛ لأن ذلك يمكن أن يعزز الثقة لديهم، ويحافظ على الصلات القائمة بن الشركات وموظفيها وعملائها ومورديها والمجتمع ككل.

سادسا: تدعيم قدرات التنافسية التكنولوجية للشركات: إن التطور التكنولوجي يعيد تشكيل هياكل الصناعات، وبيئة الأعمال، وأنماط الوظائف، وتوجهات المستهلكين. لذا فإن الشركات التي ستكون أكثر قدرة على الاستعداد بشكل جيد للجائحة التالية، هي التي ستنجح في توظيف التطور التكنولوجي على نحو يعظم مكاسبها وذلك من خلال محاولة توقع المستقبل، عبر إجراء محاكاة بشأن التأثير المحتمل للتطور التكنولوجي على احتياجات العملاء، واتجاهات الطلب على المنتجات، وكيفية تلبية هذا الطلب. هذا بالإضافة إلى بناء سيناريوهات مستقبلية بشأن تأثير التكنولوجيا على الوظائف، وارتباط ذلك بنسب البطالة وطبيعة الوظائف المستحدثة والمهارات المطلوبة، وذلك لأنه في حال ساهمت التكنولوجيا في زيادة دعم الشركات لنظام العمل عن بعد، فسوف تكون لذلك عواقب مهمة على المعدات والعقارات المكتبية، وإعادة تصميم المنازل، والنقل، وغيرها من القطاعات.

سابعا: النهج التعاوني في مواجهة المشكلات المشركة: لا يمكن مواجهة الأوبئة القادمة وما يترتب عليها من مخاطر تكنولوجية واقتصادية واجتماعية ملحة بدون عمل جماعي. ومع ذلك، فإن الانكماش الاقتصادي المرتقب قد يشعل التوترات الاجتماعية، ويقلل من قدرة الحكومات على الاستجابة بشكل جيد للجائحة التالية. لذا، يحتاج قادة الأعمال إلى لعب دور استباقي في معالجة التحديات التي تواجه مجتمعاتهم، من خلال التعاون مع جميع أصحاب المصلحة، والانتقال من المناقشة إلى العمل.

تخلص صدفة للقول إن الظروف الفريدة التي ترتبط بأزمة كورونا تجعل من الصعب على كبار المديرين التنفيذيين تطبيق خطوات عمل ماثلة أو إجراءات روتينية سابقة للتعامل مع الأزمة الراهنة، ولكن من الضروري التأكيد على أنه إذا كان من واجب القادة الاهتمام بالقضايا قصيرة المدى خلال أزمة كورونا؛ فإن الفرص الحقيقية تنتظر الشركات التي ينجح قادتها في صياغة رؤية واضحة للمستقبل، ويضعون الخطط اللازمة للاستعداد للأوبئة القادمة.

*المصدر: ميدل ايست اونلاين