أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

"تحديات "بايدن:

كيف تأزمت العلاقات الأمريكية-الصينية في عام 2020؟

30 ديسمبر، 2020


عرض: محمد محمود السيد - باحث في العلوم السياسية

على مدار سنوات حكم الرئيس "دونالد ترامب"، شهدت العلاقات الأمريكية الصينية تدهوراً حاداً ومستمراً، إلا أن عام 2020 كان له النصيب الأكبر في هذه المسيرة الصعبة، حيث تبادلت بكين وواشنطن اللوم بشأن جائحة كورونا، وظلت جولات الحرب التجارية مستمرة، غير التنافس الشرس على شبكات الجيل الخامس وغيرها من التقنيات التكنولوجية، وأخيراً جاء الاشتباك الحاد في ملف انتهاكات الصين لحقوق الإنسان في إقليم شينجيانغ وهونغ كونغ.

سيتعين على الرئيس الأمريكي المنتخب "جو بايدن" مواجهة كل هذه التحديات منذ اليوم الأول في منصبه. لذلك، يُلقي خبراء "مجلس العلاقات الخارجية" الضوء على أبرز الملفات التي شكّلت العلاقات الأمريكية الصينية في عام 2020، والتي ستكون لها آثار دائمة وانعكاسات واضحة على سياسات "بايدن"، وذلك عبر ورقة أصدرها "برنامج آسيا" داخل المجلس، بعنوان: "كيف شكّل عام 2020 العلاقات الأمريكية الصينية؟"، والتي صدرت في ديسمبر 2020.

كوفيد-19 وإثارة الرأي العام

مع ارتفاع حالات الإصابة بكوفيد-19 داخل الولايات المتحدة، ثم انطلاق الاحتجاجات الجماهيرية إثر مقتل "جورج فلويد"؛ سعى "ترامب" إلى صرف الانتباه المحلي من خلال تحميل الصين المسؤولية عن الوباء، واتهام منظمة الصحة العالمية بأنها "دُمية" في يد بكين.

أدى تصوير الصين على أنها المُتسبِّب في الوباء واضطرابات سلاسل التوريد العالمية، إلى مطالبة بعض السياسيين الأمريكيين بفك الارتباط مع الصين، وأدت نظريات المؤامرة حول أصول تفشي المرض، والتي شجّعتها جهود التضليل والمعلومات المُضلِّلة من كلا الجانبين، إلى تفاقم انعدام الثقة بين البلدين.

في الوقت نفسه، أدى الوباء إلى زيادة كبيرة في نسبة الأمريكيين ذوي النظرة السلبية للصين؛ حيث وجد استطلاع أجراه "مركز بيو للأبحاث" في أكتوبر 2020 أن 73% من الأمريكيين ينظرون إلى الصين بشكل سلبي، وهو أعلى مستوى منذ عام 2005.

في الصين، أدت قدرة الحكومة على احتواء انتشار الفيروس بسرعة، بالتزامن مع الخلاف الدبلوماسي مع الولايات المتحدة، إلى ترسيخ الميول القومية ومعاداة الولايات المتحدة، حيث إن العبارة التي اعتاد "ترامب" على ترديدها (فيروس الصين) أثارت رد فعل قومياً عنيفاً، مما أدى إلى طرد الصحفيين الأمريكيين من الصين. وصوّرت وسائل الإعلام الحكومية الصينية الولايات المتحدة على أنها قوة معادية.

كل ذلك أقنع معظم النخب الصينية، حتى ذات العقلية الليبرالية، أن على بكين تقليل الاعتماد المتبادل مع الولايات المتحدة. وكانت آراء الجمهور الصيني تجاه الولايات المتحدة في مايو 2020 أكثر سلبية بشكل ملحوظ مما كانت عليه قبل عام.

القمع في هونغ كونغ والأضرار الدائمة

يبدو أن الضرر الذي لحق بحريات هونغ كونغ في عام 2020، وبالتالي لحق بعلاقات الصين مع الديمقراطيات الليبرالية الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، لا رجوع فيه في المستقبل المنظور.

فقد أدت تحركات بكين ضد هونغ كونغ إلى تفاقم عميق للعلاقات الأمريكية الصينية، على الرغم من أنها لم تكن مُصمَّمة للقيام بذلك. كانت بكين تدرك بلا شك أن سحقها المفاجئ للديمقراطية المحدودة والمتضاربة في هونغ كونغ سيكون مُكلفاً لعلاقات الصين مع المملكة المتحدة والولايات المتحدة والعديد من القوى الأخرى.

إن تتابع المراسيم المتعلقة بهونغ كونغ، والصادرة عن الهيئة التشريعية الصينية، فضلاً عن التنفيذ الفوري لهذه التشريعات تحت إشراف الشرطة السرية للحكومة المركزية والمسؤولين، قد أدى إلى تحييد هونغ كونغ. فقد ألغى المجلس التشريعي أي احتمالات لإجراء انتخابات حرة، وحدَّ من صلاحيات محاكمه المستقلة، وقام بترهيب وسائل الإعلام، وكثّف مبادئ الوطنية الصينية في التعليم العام، وقيّد الحريات الأكاديمية، وفرض المراقبة الشمولية المُرخَّصة. وقد خلقت كل هذه التحركات مناخاً محلياً غير مسبوق من الكبت والخوف.

لن يكون هذا التحول الدراماتيكي نهاية هونغ كونغ كمركز مالي عالمي، حيث بدأت بالفعل في تعزيز التكامل الاقتصادي مع الصين القارية، لكنه بالتأكيد سيمثل موتاً للآمال الديموقراطية لمعظم سكانها البالغ عددهم 7.5 ملايين نسمة.

تصاعد التنافس التكنولوجي

شهد هذا العام تصعيداً كبيراً في المنافسة التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين، حيث شددت وزارة التجارة الأمريكية الخناق على شركة "هواوي" الصينية، فحرمتها من شراء أشباه الموصّلات، ووسّعت القيود المفروضة على تصدير التكنولوجيا الأمريكية إليها.

وقد وجهت هذه الإجراءات ضربة قاسية لأعمال الشركة فيما يتعلق بتكنولوجيا الجيل الخامس، ونتيجة لذلك، أعلنت عدة دول أوروبية قيوداً على مشاركة "هواوي" في شبكات الاتصالات الخاصة بها. بالإضافة إلى ذلك، تحركت إدارة "ترامب" لحظر تطبيقات TikTok وWeChat المملوكة للصين لأسباب تتعلق بالأمن القومي، وهي المرة الأولى التي تحظر فيها الولايات المتحدة على نطاق واسع تكنولوجيا المعلومات الأجنبية. وفي حين أوقفت المحاكم هذه القيود حتى الآن، أعلنت إدارة "ترامب" عزمها تقييد عمل شركات الاتصالات الصينية ومقدمي الخدمات السحابية، وكذلك تقييد وصول المطورين الصينيين إلى متاجر تطبيقات الهاتف المحمول الأمريكية.

تحاول بكين عزل نفسها عن ضغوط واشنطن. في الأشهر الأخيرة، أعلنت عن استراتيجية جديدة للحفاظ على النمو الاقتصادي وتقليل اعتمادها على أسواق التكنولوجيا الخارجية. وتعد صناعة الرقائق المحلية مجال تركيز مهماً بالنسبة لها، حيث تنفق الحكومة مليارات الدولارات لدعم البحث والتطوير، وتشجع الشركات الصغيرة على دخول هذا القطاع، وتوظِّف المواهب من تايوان، وتستكشف المصادر المفتوحة للتقنيات التي يمكن أن تكون خارج نطاق قوانين مراقبة الصادرات الأمريكية.

بالإضافة إلى ذلك، تفرض القيادة الصينية المزيد من السيطرة السياسية على قطاع التكنولوجيا؛ فقد أصدرت مبادئ توجيهية جديدة لزيادة تأثير الحزب الشيوعي الصيني داخل الشركات؛ ومنعت الاكتتاب العام لشركة Ant Group، إحدى أكبر شركات التكنولوجيا في العالم من حيث القيمة المالية؛ وكذلك وضعت لوائح جديدة لمكافحة الاحتكار للحد من تأثير الشركات الكبرى.

لن يختفي الصراع بين الولايات المتحدة والصين حول التكنولوجيا في عام 2021. ومن المرجح أن تكون السياسة التكنولوجية لإدارة "بايدن" أكثر تعددية وأكثر ارتباطاً بالمبادرات الاقتصادية المحلية، ولكنها لا تزال موجّهة نحو المنافسة مع الصين. ولن تتخلى بكين عن جهودها لزيادة قدرات الابتكار المحلية وتقليل النفوذ الأمريكي. المنافسة التكنولوجية هي الآن عنصر مُحدِّد للعلاقة الثنائية.

دبلوماسية "الذئب المُحارِب" الصينية

عندما مضت كندا قدماً في خطتها لاستقبال المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية من هونغ كونغ كـ"لاجئين"، هدّد السفير الصيني "كونغ بيوو" سلامة الكنديين في هونغ كونغ. ومن ناحية ثانية انتقد السفير الصيني لدى المملكة المتحدة "ليو شياومينغ" الصحفيين الذين كتبوا عن انتهاكات حقوق الإنسان في إقليم شينجيانغ. ومن ناحية ثالثة قام المتحدث باسم وزارة الخارجية "تشاو ليجيان" بنشر تغريدات يهاجم فيها مسؤولين حكوميين من كافة أنحاء العالم بحجة نشر معلومات مضللة حول أصل جائحة (كوفيد-19).

قد يُصدِّر زعماء الصين بانتظام أنشودة للسلام والمحبة والخير و"مجتمع المصير المشترك"، لكن هذه الشخصيات "القتالية الصارمة" أصبحت وجه الصين الدبلوماسي للعالم. يُعرف نمط السياسة الخارجية هذا للصين باسم دبلوماسية "الذئب المُحارِب"، في إشارة إلى فيلم الأكشن الصيني الذي حقق أعلى أرباح عام 2017 "Wolf Warrior 2". صحيح أن الصين تستخدم هذا النهج في دبلوماسيتها منذ وقت طويل، إلا أنه هيمن بشكل كبير على تفاعلاتها الدولية في عام 2020، وهو ما يعود إلى أكثر من سبب:

1. التزم قادة الصين بما يُسمونه "قوة الخطاب"، والتي تدفع العالم –وفق اعتقادهم- إلى الاستماع إلى آرائهم، فهم يظنون أن الصراخ بصوت عالٍ قد يُلزِم الآخرين بالاستماع إليهم.

2. يبدو أن الدبلوماسيين الصينيين يعتقدون أن هذه اللهجة القومية الصارمة ستؤكد على القوة الجديدة للبلاد، مما قد يجبر الآخرين على التعامل معهم باحترام.

3. ترى الصين أن الولايات المتحدة صارت قوة متراجعة ومعادية، مما شجعها على الضغط بقوة أكبر وأكثر.

4. سأل الرئيس الصيني "شي جين بينغ" في خطاب داخلي له عام 2013: "لماذا انهار الحزب الشيوعي السوفيتي؟"، ثم قال: "لم يكن أحد رجلاً بما فيه الكفاية، ولم يخرج أحد للقتال". قد تكون هذه الكلمات أيضاً هي أحد دوافع تكثيف استخدام عقيدة "الذئب المُحارب".

لكن سجل الدبلوماسية الصينية في ظل هذه العقيدة بات سيئاً للغاية؛ فمن ناحية لم تصبح الدول المتعاملة معها تشعر بالخوف، بل وتدهورت علاقاتها الدبلوماسية مع عديد الدول مثل أستراليا والهند والولايات المتحدة. زعمت الصين أن ضرباتها الخطابية هي ردود دفاعية بحتة على انتقادات من الولايات المتحدة ودول أخرى. ولكن إذا كان هذا دفاعاً، فهو لا شك مُكلِّف للغاية.

هدية "ترامب" للصين

اتبعت إدارة "دونالد ترامب" تجاه الصين سياسات حادة وعميقة، بحيث تظل مؤثرة على مسار العلاقات بين البلدين حتى بعد مغادرته للبيت الأبيض. وقد اتضح ذلك في الأسابيع التي أعقبت الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث اضطلع مسؤولو الإدارة بسلسلة من الأنشطة المتعلقة بالتبت وتايوان وبحر الصين الجنوبي والحرب التجارية، مما عزّز سجل التوتر والاضطراب الذي تراكم على مدار السنوات الأربع الماضية.

وفي حين أن هذه الإجراءات الأخيرة قد تبدو -لبعض المحللين- تحدياً إضافياً لإدارة "بايدن" القادمة، فإن العكس هو الصحيح، لأنه كلما زادت السياسات التي تعتمدها إدارة "ترامب"، زاد النفوذ ومجموعة الخيارات التي تتركها لفريق "بايدن".

ستتمتع إدارة "بايدن" برفاهية تقرير مدى احتفاظها بما بناه فريق "ترامب". بعض القرارات، مثل الإبقاء على الرسوم الجمركية على السلع الصينية بقيمة 370 مليار دولار، ستكون صعبة، لأنها أضرت بالاقتصاد الأمريكي. لكن في الوقت نفسه فإن حلها بسرعة كبيرة سيترك الإدارة الجديدة عُرضة للاتهامات بالتساهل مع الصين.

يمكن أيضاً لإدارة "بايدن" الإبقاء على بعض التحركات الأخرى، بما في ذلك إحياء الحوار الأمني الرباعي مع أستراليا والهند واليابان؛ ورفع مستوى العلاقات بين الولايات المتحدة وتايوان؛ وكذلك معاقبة المسؤولين والشركات المشتبه في ارتكابهم انتهاكات لحقوق الإنسان في إقليم شينجيانغ. يمكن كذلك الحفاظ على بعض الجهود، مثل الملاحقة القضائية الصارمة لأولئك المتورطين في أنشطة التأثير الصينية في الولايات المتحدة، ولكن يمكن تخفيفها بشكل كبير.

يمكن لإدارة "بايدن" تحقيق بعض المكاسب السريعة من خلال سد الثغرات الهائلة التي أحدثها فريق "ترامب" من خلال التخلي عن المصادر التقليدية لنفوذ الولايات المتحدة وتأثيرها. فمن المحتمل أن تنضم واشنطن مرة أخرى إلى المؤسسات والاتفاقيات الدولية التي تخلى عنها "ترامب"، بجانب تعزيز جوانب الشراكة المختلفة مع الحلفاء الأوروبيين، وإعادة بناء الأطر الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والصين.

ولكن يبدو أن تصحيح أخطاء سياسة "ترامب" تجاه الصين أمر جيد فقط في أول مائة يوم من ولاية الرئيس الجديد. الاختبار الحقيقي لإدارة "بايدن" هو ما ستفعله حيال الصين فيما سيتبقى من السنوات الأربع.

المصدر:

Elizabeth C. Economy, Yanzhong Huang, Jerome A. Cohen, Adam Segal,and Julian Gewirtz. "How 2020 Shaped U.S.-China Relations". Council on Foreign Relations. December 15, 2020.