أخبار المركز
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (سيطرة تبادلية: السيناريوهات المُحتملة لانتخابات الكونغرس الأمريكي 2024)
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"

استعادة التفاهمات:

أبعاد التوافق الروسي – الإسرائيلي حول الملف السوري

01 نوفمبر، 2021


أجرى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بنيت، محادثات في 22 أكتوبر الماضي في منتجع سوتشي، وقد امتدت القمة لنحو 5 ساعات بعدما كان مقرراً أن تستغرق ساعتين فقط، الأمر الذي يعكس حرص الطرفين على تحسين التنسيق المتبادل بشأن العديد من القضايا المشتركة، وتجاوز حالة الفتور التي شابت العلاقات الثنائية منذ تولي بينيت، وعٌقدت القمة بناء على دعوة من بوتين.

وتزامنت القمة مع الذكرى الثلاثين لاستعادة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل. ورافق بينيت في هذه الزيارة وزير الإسكان زئيف إلكين كمترجم عن الروسية، وهو ما يعكس حرص الحكومة الإسرائيلية على التكتم على التفاهمات الروسية – الإسرائيلية، كما تضمن الوفد الإسرائيلي مستشار الأمن القومي إيال هولاتا، والمستشار الدبلوماسي شمريت مئير، والمستشار العسكري آفي جيل وإلكين، وهو الأمر الطبيعي بالنظر إلى القضايا العسكرية التي تناولها الجانبان.

سياق ودلالات التوقيت:

جاءت القمة الروسية – الإسرائيلية لتعكس تحولات المشهد الإقليمي، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي: 

1- تداعيات الانسحاب الأمريكي: جاء انعقاد القمة بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، والمخاوف من أن تتجه واشنطن للانسحاب من سوريا والعراق في أعقاب ذلك. فقد هاجمت ميليشيات إيران في سوريا والعراق قاعدة التنف الأمريكية بالقرب من الحدود السورية والعراقية في 20 أكتوبر، بخمس طائرات مسيرة، وهو الهجوم الذي يمثل تصعيداً إيرانياً واضحاً ضد الولايات المتحدة. وفي ضوء عدم رد واشنطن على هذا الهجوم، فإن هناك مخاوف إسرائيلية من أن تتجه واشنطن، في النهاية، للانسحاب من سوريا، بما يترتب عليه إتاحة مساحة حرية أكبر لإيران وميليشياتها للتحرك وتعزيز نفوذها على الحدود العراقية – السورية وتوظيفها كمعبر لتهريب الأسلحة إلى حزب الله اللبناني، فضلاً عن تهديد الأمن الإسرائيلي.  

2- محورية الدور الروسي: نجحت روسيا في دعم الحكومة السورية في مواجهة المعارضة المسلحة، وهو ما أدى إلى تراجع التأثير الأمريكي على الحكومة السورية، باستثناء أداة العقوبات متمثلة في قانون قيصر. وفي المقابل، فإن موسكو باتت هي اللاعب الأبرز على الساحة السورية، وهو ما وضح في توجه أغلب القوى الإقليمية المنخرطة في الأزمة السورية إلى موسكو، مثل تركيا وإيران. ولذا، فإن إسرائيل تسعى هي الأخرى للتأثير على سياسات موسكو في سوريا بما يصب في النهاية في صالحها. 

3- تصاعد التهديدات الإيرانية: تبدي إسرائيل انزعاجاً واضحاً من المحاولات الإيرانية للتمدد في سوريا بالقرب من حدودها، ولذلك تسعى لضبط هذه التحركات، عبر روسيا، سواء من خلال التواصل لتفاهمات مع موسكو، تمكنها من توجيه ضربات في سوريا ضد الوجود الإيراني بحرية أكبر، كما كان الوضع عليه في السابق، أو لتحجيم التحركات الإيرانية في سوريا، خاصة منعها من إقامة قواعد دائمة هناك، أو توظيف سوريا كساحة لتهريب الأسلحة المتقدمة إلى حزب الله اللبناني، خاصة الصواريخ دقيقة التوجيه.  

وعلى الرغم من تسريب قيادة الجيش الإسرائيلي أوامر رئيس هيئة الأركان أفيف كوخافي لسلاح الجو بـالاستعداد الجيد لضرب أهداف في إيران والحديث عن وضع خطة لبدء التدريبات على ذلك، فإن هذه المواقف تأتي في إطار الحرب النفسية التي تشنّها إسرائيل ضد إيران، ولذلك، فإن تل أبيب تعول على موسكو لكبح التهديدات الإيرانية في سوريا. 

توافقات ثنائية مهمة: 

كشفت اللقطات الودية بين الزعيمين، فضلاً عن إشادة بوتين بالمحادثات ووصفها بالمثمرة، وتأكيد بينيت أن بلاده ترى الرئيس الروسي صديقاً حقيقياً للشعب اليهودي أن هذه القمة نجحت في تجاوز الخلافات السابقة، وإبرام تفاهمات جديدة، والتي يمكن توضيحها في التالي: 

1- إحياء التفاهمات السابقة: توصل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو إلى تفاهمات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، منذ 2015 حول سوريا تتمثل في منع تحوّل سوريا إلى مصدر تهديد لإسرائيل، وإعاقة تمركز قوى معادية لإسرائيل قرب المناطق الحدودية، فضلاً عن السماح لتل أبيب بتوجيه ضربات ضد مواقع تنطلق منها التهديدات، وهو ما وافقت عليه موسكو، ولكن بشرطين، وهما تنسيق تل أبيب مع موسكو قبل تنفيذ الهجمات، فضلاً عن اقتصار الهجمات على إيران وميليشياتها، وعدم استهداف قوات الجيش السوري. 

ومع تولي بينيت رئاسة الوزراء خلفاً لنتانياهو، تراجعت إسرائيل عن التنسيق مع موسكو قبل شن الهجمات ضد إسرائيل، وهو ما دفع موسكو للرد عبر دعم قدرات الدفاع الجوي للجيش السوري، وهو ما مكنّه من إضعاف فاعلية الهجمات الإسرائيلية، كما قامت موسكو بتفعيل منظومة الدفاع الجوي "إس 300"، التي سلمتها لدمشق، وذلك بعد أن كانت جمدت أثناء حكم رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو، وذلك إلى جانب إمداد موسكو دمشق بأنظمة دفاع جوي حديثة من طرازي "بوك" و"بانتسير".

ولذلك هدفت زيارة بينيت إلى استعادة التفاهمات السابقة، والاستفادة من المصالح المشتركة في سوريا، والتي تتمثل أبرزها في تحجيم الوجود الإيراني هناك. وقد أكدت موسكو هذا المعنى، حين صرّح بوتين بُعيد تسلم بينيت السلطة أن التعاون الروسي – الإسرائيلي من شأنه أن يساعد في تعزيز السلام والأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.

وتوصل الجانبان إلى تفاهم بأن تواصل إسرائيل غاراتها في سوريا، مقابل تفادى الغارات الإسرائيلية البنى التحتية السورية، العسكرية أو المدنية، أو الحكومة السورية. كما اتفق الجانبان على إقامة طاقم مشترك لمواجهة خطر الطائرات المسيرة الإيرانية، بالإضافة إلى إعادة تفعيل تفاهم خفض التصعيد في جنوب سوريا بإبعاد التواجد الإيراني 80 كيلومتراً شمالاً عن الجولان.

2- الضغط على واشنطن: تسعى موسكو لتوظيف تل أبيب كوسيلة ضغط على الولايات المتحدة حول سوريا فيما يتعلق بملفين تحديداً. ويتمثل الملف الأول في دفع إسرائيل للضغط على واشنطن لتخفيف العقوبات الاقتصادية عن دمشق، وذلك حتى تتمكن موسكو من دفع جهود إعادة الإعمار قدماً، خاصة أن العقوبات الأمريكية تعرقل الانفتاح العربي على دمشق، بما يستتبعه ذلك من تعزيز النفوذ الإيراني الاقتصادي على سوريا، وهو ما لا يخدم مصالح الطرفين الروسي والإسرائيلي.

أما النقطة الثانية، فتتمثل في مستقبل قاعدة التنف، والتي توجد بها قوات أمريكية، إذ تدرك موسكو أن واشنطن قد تتجه في النهاية للانسحاب من هناك. وترغب موسكو في التحسب لمثل هذا السيناريو، وذلك عبر التأكيد على قدرتها ورغبتها في الانتشار هناك لتعويض الانسحاب الأمريكي، ودعم أكراد سوريا، في مواجهة التهديدات التركية، وبما يكفل في النهاية لموسكو العمل كقناة تواصل بين دمشق والأكراد بصورة تضمن في النهاية عودة مناطق سيطرتهم للسيادة السورية. 

3- بحث الملف النووي الإيراني: تعد موسكو أحد أطراف الاتفاق النووي الإيراني، وهو الاتفاق الذي تعارض إسرائيل إعادة إحيائه، الأمر الذي يُعد أحد مجالات الخلاف بين الطرفين. وتسعى إسرائيل للتوصل لتفاهم مع موسكو حول ضرورة وقف برنامج إيران النووي العسكري.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن موسكو تتبنى أحياناً وجهة نظر إيران، فيما يتعلق بأن واشنطن هي المسؤولة عن الوصول إلى الأزمة الحالية حول برنامج إيران النووي بانسحابها منه، فضلاً عن تقبلها للعودة إلى الاتفاق النووي في شكله القديم، وهو أمر ترفضه إسرائيل، والتي تعارض إحياء الاتفاق النووي، سواء في شكله القديم أو المعدل. 

4- التعاون العسكري الروسي – الإيراني: تبدي إسرائيل تخوفاً من التعاون العسكري الروسي – الإيراني الذي تزايد زخمه مؤخراً، والذي تجلى في زيارة رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية الجنرال محمد باقري إلى روسيا. وكذلك الموافقة الروسية على التعاون عسكرياً وتصدير أنواع مختلفة من الأسلحة الروسية لإيران. 

وربما سعت إسرائيل للحصول على تطمينات من موسكو بألا تقدم روسيا أسلحة متقدمة إلى إيران، خاصة أقمار اصطناعية يمكن أن تساهم في تعزيز قدرة إيران على التجسس على المناطق الاستراتيجية والعسكرية الإسرائيلية. 

5- تعزيز العلاقات التجارية والثقافية: أكد بوتين نمو العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين على الرغم من جائحة كورونا، حيث زادت معدلات التجارة الثنائية بنسبة 50% في الأشهر السبعة الأولى من 2021، كما تم السماح للسائحين الروس بزيارة إسرائيل، وذلك حتى من دون اعتماد وزارة الصحة الإسرائيلية لقاح "سبوتنيك في" الروسي، وذلك في محاولة لتعزيز العلاقات مع الجانب الروسي. 

وفي الختام، يمكن القول إن إسرائيل قد نجحت في استعادة قدر كبير من التفاهمات مع روسيا حول الملف السوري، خاصة فيما يتعلق باستهداف الوجود الإيراني في سوريا. وفي المقابل، فإن موسكو هدفت إلى توظيف إسرائيل في الضغط على واشنطن لتخفيف العقوبات عن دمشق، بما يساهم في النهاية في دفع جهود إعادة الإعمار، وتعزيز المشاركة العربية والدولية فيها، بما يحد في النهاية من النفوذ الاقتصادي الإيراني على دمشق، وهو ما يخدم مصالح الطرفين.