أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (الدور الإنساني للإمارات.. قوة ناعمة عالمية)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (فرصة ترامب لتحديد مستقبل الشرق الأوسط)
  • سارة عبدالعزيز سالم تكتب: (النمو المستدام: تحولات صناعة الفعاليات الخليجية في عصر التكنولوجيا)
  • مركز المستقبل يتيح العدد الثالث من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (الخروج الثاني: عواقب أجندة ترامب في مناهضة المناخ على إفريقيا)

الدفاع الجماعي:

التحديات السياسية والصناعية لمبادرة درع السماء الأوروبية

09 يناير، 2025


عرض: دينا محمود

عكست الصراعات الدولية والإقليمية الراهنة مدى حاجة الاتحاد الأوروبي إلى امتلاك أنظمة دفاع جوي كامل ودفاع مضاد للصواريخ البالستية لمواجهة التهديدات المتعددة القادمة من السماء، من الطائرات من دون طيار إلى الصواريخ البالستية، وحتى الصواريخ فائقة السرعة، خاصةً أن غالبية دول حلف شمال الأطلسي "الناتو" لم تستثمر بشكل كافٍ في قطاع الدفاع الجوي والمضاد للصواريخ البالستية في العقود الأخيرة؛ بل إن بعضها تخلت عن جوانب كاملة من نظام الدفاع الجوي الأرضي الخاص بها، واحتفظت فقط بقدرات قصيرة المدى. 

ومن أجل الدفاع ضد الصواريخ البالستية، تم نشر القدرات الأمريكية في أوروبا (تركيا ورومانيا وبولندا) بدءاً من عام 2010، كجزء من نظام الدفاع الصاروخي البالستي التابع لحلف "الناتو"، والذي يقع ضمن نظام الدفاع الجوي والمضاد للصواريخ المتكامل التابع للحلف؛ وهو ما اعتبرته روسيا تهديداً محتملاً لأمنها، وعمدت إلى تطوير صواريخ جديدة، بما في ذلك الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.

وجاءت الحرب الروسية الأوكرانية؛ لتدفع الدول الأوروبية نحو إعادة الاستثمار في الدفاع الجوي والدفاع المضاد للصواريخ البالستية. وفي هذا السياق، أطلقت ألمانيا مبادرة "درع السماء الأوروبية" (ESSI) في عام 2022؛ بهدف تعزيز الركيزة الأوروبية للدفاع الجوي المشترك لحلف "الناتو"، وسد فجوات القدرات من خلال الاستحواذ والاستخدام والصيانة المشتركة لأنظمة الدفاع الجوي الأرضي. وفي هذا السياق، طرح المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية ورقة بحثية في أكتوبر 2024 تحلل الدوافع السياسية والصناعية لمبادرة "درع السماء الأوروبية"، والعواقب الاستراتيجية لهذه المبادرة، ومدى ملاءمتها لوضع الدفاع، والردع الخاص بحلف "الناتو"، وأخيراً التحديات التي لا تزال قائمة أمام المبادرة.

دوافع دفاعية وسياسية: 

تهدف مبادرة "درع السماء الأوروبية"، التي أطلقتها برلين في خريف عام 2022، إلى سد فجوات القدرات الأوروبية في جميع قطاعات الدفاع الجوي والصاروخي، بدءاً من مكافحة الطائرات من دون طيار وحتى اعتراض الصواريخ البالستية في الطبقة العليا، من خلال استراتيجية الشراء الجماعي من الأنظمة الجاهزة. وعلى الرغم من إطلاق المبادرة في البداية كمبادرة استحواذ، بهدف الترويج للأنظمة الألمانية؛ فإن برلين تسعى الآن جاهدة لتجاوز هذا الإطار وتأكيد البعد التشغيلي؛ ولهذا الهدف تم إنشاء "أكاديمية الدفاع الجوي" بهدف تدريب المشغلين المستقبليين.

كما تمت هيكلة المبادرة سياسياً، مع عقد اجتماعات غير رسمية منتظمة على هامش اجتماعات وزراء دفاع حلف "الناتو". وترى برلين أن المبادرة تُعد تجسيداً ملموساً لتعزيز الركيزة الأوروبية للحلف؛ ومن ثم تؤكد جانبها السياسي. في المقابل، تعارض بعض الدول الأخرى التوجه الصناعي الرئيسي لمبادرة "درع السماء الأوروبية"، التي تفضل أنظمة غير أوروبية معينة مثل باتريوت الأمريكي. وعلى الرغم من أن الحلول الأوروبية موجودة أو قيد التطوير؛ فإنها تُعد خيارات غير متوافقة مع هدف السيادة الأوروبية الذي تدعو إليه باريس. كما تشكل مصدراً للتوتر الفرنسي الألماني، حيث لا تشارك باريس الرؤية الألمانية لفكرة الاستحواذ أو الإنتاج المشترك في أوروبا لمعدات غير أوروبية؛ بل على العكس من ذلك ترى فيها ضعفاً على المدى الطويل. في المقابل تتبنى فرنسا مصطلح "القاعدة الصناعية والتكنولوجية الدفاعية الأوروبية" (EDTIB)؛ ومن ثم السيادة الأوروبية.

كان المستشار الألماني، أولاف شولتس قد أعلن في نهاية أغسطس 2022 عن مبادرة "درع السماء الأوروبية"، بعد ستة أشهر فقط من خطابه الشهير "نقطة التحول"، وذلك بغية تحقيق هدف سياسي مزدوج. أولاً: جاء إطلاق المبادرة تجسيداً لخطة "نقطة التحول"، والتي تتضمن العديد من الأولويات، بما في ذلك دعم أوكرانيا، وتعزيز الدفاع الجماعي لحلف شمال الأطلسي والاستثمارات الضخمة في الدفاع الوطني. ثانياً: تسمح المبادرة لبرلين بتحقيق رغبتها في أداء دور قيادي في مجال الدفاع الجوي الأرضي والركيزة الأوروبية لحلف "النانو"، ثالثاً وأخيراً: فإن المبادرة التي تركز على اقتناء أنظمة دفاعية، في إطار حلف "الناتو"، مع تفضيل الصناعة الألمانية باتت تضم حالياً 21 عضواً. فقد نجحت برلين في توحيد العديد من الأوروبيين حول مبادرتها؛ ومع ذلك، لا يزال بعض الفاعلين الرئيسيين خارج المبادرة. فقد رفضت بولندا الدعوة آنذاك الدعوة بسبب تدهور العلاقات بشكل خاص مع برلين؛ ومع ذلك، فإن المناقشات جارية الآن لانضمامها في المستقبل. في المقابل، تنتقد فرنسا وإيطاليا بشكل خاص الخيارات الصناعية التي اقترحتها برلين، والتي تستبعد نظام الدفاع الجوي الفرنسي الإيطالي، فضلاً عن تأثيرها الحقيقي في التوازنات الاستراتيجية.

وفي إطار هدفها المتمثل في سد فجوات القدرات في نظام الدفاع الجوي العالمي، أعلنت ألمانيا عن خياراتها الصناعية، على غرار أنظمة (SR-30) الألمانية للمدى القصير جداً، ولاسيما مكافحة الطائرات من دون طيار، وأنظمة (IRIS-T SLM) متوسطة المدى، ونظام باتريوت الأمريكي طويل المدى، وغيرها، وتبرر برلين التي جعلت عامل الوقت أولوية في سياستها الخاصة بالاستحواذ، افتقارها إلى المرونة واختيار الأنظمة غير الأوروبية، رغم وجود البدائل، بالحاجة الملحة للتحرك؛ ومن ثم طلب أنظمة "جاهزة للاستخدام" بسرعة وعلى نطاق واسع من دول ثالثة، خاصةً الولايات المتحدة. 

بُعد استراتيجي غير محدد:

رغم أهمية مبادرة "درع السماء الأوروبية"؛ فإن الأبعاد الاستراتيجية لها لا تزال غير واضحة، فالتهديدات التي من المفترض أن تواجهها المبادرة لم يتم تحديدها بشكل واضح من قبل ألمانيا وحلفائها؛ لذلك من الصعب توقع أن الأراضي الأوروبية بأكملها ستكون محمية بدرع لا يمكن اختراقها. وحتى مع عمليات الاستحواذ الضخمة على الأنظمة والصواريخ الاعتراضية الجديدة، لن يتمكن الأوروبيون إلا من حماية عواصم معينة ومدن كبيرة بشكل فعَّال، فضلاً عن جزء من البنية التحتية الحيوية. إضافة إلى ذلك؛ فإن دور الردع النووي لحلف "الناتو" وحلفائه والاعتبارات المتعلقة بالتوازن الرادع بين أوروبا وروسيا، رغم أهميتها، لم تؤخذ في الاعتبار.

كانت تجربة الحرب في أوكرانيا محفزاً لألمانيا ودول أخرى على الجانب الشرقي من أوروبا لاقتناء وسائل جديدة للحماية ضد الطائرات من دون طيار والصواريخ البالستية. في الواقع، استخدمت روسيا في المسرح الأوكراني الصواريخ والقذائف ذات النطاقات المختلفة بشكل يومي، وتدعو بعض حلفائها، خاصة إيران إلى تزويدها بطائرات من دون طيار يمكن التخلص منها بسرعة، تهدف إلى استنزاف الدفاعات المضادة للطائرات. وإذا كانت مبادرة درع السماء الأوروبية تستهدف معالجة جميع التهديدات، بما في ذلك الصواريخ البالستية في نهج 360 درجة (بما في ذلك الشرق الأدنى والأوسط وكوريا الشمالية)، فقد تم تقديم المبادرة في المقام الأول للحماية ضد التهديدات الروسية. وتجدر الإشارة إلى أن الحرب التقليدية بين روسيا وحلف "الناتو" سوف تتسم بخصائص مختلفة عن المسرح الأوكراني؛ لذلك فتكرار هذا النموذج للتحضير لسيناريو الحرب المحتملة بين الطرفين سيكون خطأً قد يؤدي إلى استراتيجيات استحواذ غير مناسبة.

وينبع الانتقاد الفرنسي لمبادرة "درع السماء الأوروبية" من هذه الفجوة الاستراتيجية، حيث تعتقد باريس أن التركيز المفرط على نظام الدفاع الجوي والمضاد للصواريخ المتكامل التابع لحلف "الناتو" -والذي يعمل على حماية أراضي الحلف وقواته ضد أي تهديد أو هجوم جوي أو صاروخي- قد يعكس ثقة محدودة في مصداقية الردع النووي للحلف وحلفائه، بما في ذلك فرنسا. والواقع أن التهديد برد نووي في حالة وقوع هجوم على المصالح الحيوية لإحدى دول الحلف من خلال هجوم بالستي كبير؛ من المفترض أن يكون كافياً لردع مثل هذا الهجوم. كما تخشى باريس من عواقب طويلة المدى على التوازن الاستراتيجي مع روسيا حال حدوث سباق تسلح فيما يتعلق بالدفاع المضاد للصواريخ.

ومع ذلك، يبدو الآن أن هناك تقارباً بين الموقفين الفرنسي والألماني، وأن التوترات الأولية المتعلقة بعدم مراعاة البُعد الاستراتيجي لمبادرة "درع السماء الأوروبية" على وشك التغلب عليها، فخلال المؤتمر الصحفي المشترك للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتس أقر ماكرون بحق كل دولة في أوروبا أن تنظر إلى المخاطر التي تتعرض لها وتسعى إلى حماية نفسها، فضلاً عن اعترافه بأهمية مبادرة "درع السماء الأوروبية"؛ مما يدل على الرغبة في اعتماد نهج بناءٍ أكثر.

ويبدو أن الجهود الألمانية تظل مركزة إلى حد كبير على الدفاع الجوي والدفاع المضاد للصواريخ، وتسعى برلين التي تمتلك بالفعل قدرات هجومية عميقة لتعزيز هذا القطاع بشكل كبير. ويصاحب ذلك تغيير في العقيدة العسكرية لبرلين، حيث لم يعد من المحرمات التفكير في شن ضربات وقائية على المنشآت العسكرية الروسية؛ ومن ثم، فالتحديث المستمر للقدرات النووية الفرنسية والأمريكية والبريطانية، جنباً إلى جنب مع تعزيز نظام الدفاع الجوي الذي تم تسريعه وتسهيله بواسطة مبادرة "درع السماء الأوروبية"، وتطوير القدرات التقليدية بعيدة المدى قد يسمح بتعزيز وضع الردع بشكل كبير، والدفاع عن حلف "الناتو" على المدى الطويل مع ضمان توازنه الشامل.

تحديات قائمة:

بعد مرور عامين على إطلاقها، لا تزال هناك تحديات تواجه "مبادرة درع السماء الأوروبية" على كافة المستويات، من أبرزها ما يلي:

• التحدي السياسي: يظل غياب الفاعلين الرئيسيين تحدياً رئيسياً لمبادرة درع السماء الأوروبية. وإذا كانت بولندا تبدو وكأنها تسير نحو الانضمام للمبادرة، فإن فرنسا وإيطاليا أبعد من ذلك. كما يشكل النهج الصناعي للمبادرة عائقاً بالنسبة لباريس وروما؛ ومن ثم ربما تحتاج برلين إلى تقديم بعض التنازلات من خلال إدراج نظام الدفاع الفرنسي الإيطالي لانضمام البلدين.

• التحدي الصناعي: أعادت مبادرة درع السماء الأوروبية إطلاق المناقشة حول السيادة الاستراتيجية الأوروبية. فقد حذر الرئيس الفرنسي في يونيو 2023 من مخاطر الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة في توفير الحماية لأوروبا، والدعوة إلى إفساح المجال أمام الخيارات الصناعية الأوروبية، وتتمسك برلين بضرورة الرد على التهديدات الوشيكة؛ حتى لو كان ذلك يعني ترك هدف تعزيز السيادة الأوروبية جانباً، كما تحذر باريس في المقابل من قصر النظر الاستراتيجي والعواقب طويلة المدى لهذه القرارات.

• تحديات تشغيلية: إذا تم تحديد الاحتياجات التشغيلية بوضوح في حلف "الناتو"، فمن الضروري ترتيب وتحديد أولويات أهداف القدرات المخصصة للحلفاء كجزء من عملية التخطيط الدفاعي للحلف من أجل ضمان التماسك الشامل، ويطرح تعدد الأنظمة أيضاً تحدياً يتمثل في قابلية التشغيل البيني سواء بين الأنظمة نفسها أم المشغلين.

• تحدٍّ اقتصادي: يظل التحدي المالي كبيراً بالنسبة للعديد من البلدان الأوروبية، التي اضطرت إلى تحديد أولويات إنفاقها؛ ومن ثم فتكلفتها المرتفعة تشكك في الاستدامة الاقتصادية لمباردة درع السماء. وبعيداً عن الأنظمة، فإن تكلفة الصواريخ الاعتراضية، والتي غالباً ما تكون أعلى بكثير من القدرات الهجومية، تثير تساؤلات أوسع حول النسبة الدفاعية/ الهجومية، ولاسيما في ضوء ظهور طائرات من دون طيار غير مكلفة يمكنها إتلاف أو تدمير أنظمة متطورة للغاية.

ختاماً، على الرغم من أن مبادرة درع السماء تقدم استجابات ملموسة لاحتياجات الأوروبيين في مجال الدفاع الجوي؛ فإنها تواجه تحديات تنسيق هذه المبادرة الطموحة متعددة الجنسيات؛ ومن ثم، سيتعين على ألمانيا مواصلة التشاور مع جميع الشركاء وخاصة فرنسا، فلا يزال هناك الكثير من الجهود التي يتعين على كلا الجانبين بذلها للتوصل إلى رؤية مشتركة حول تحديات تعزيز الدفاع الجوي الأرضي وربطه بالأبعاد الأخرى لموقف الردع ودفاع "الناتو". ويبدو من الضروري للغاية دمج الحلفاء والشركاء في هذه المناقشات. 

المصدر:

Sven Arnold & Héloïse Fayet, "Entre ambitions industrielles et contribution à l’OTAN, les défis de la European Sky Shield Initiative", Ifri, Octobre 2024.