أخبار المركز
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)

أغلبية محدودة:

لماذا لم ينجح الجمهوريون في تحقيق موجة حمراء؟

21 نوفمبر، 2022


كشفت النتائج الأولية لانتخابات التجديد النصفي الأمريكية، التي أجريت في 8 نوفمبر 2022، عن فوز الجمهوريين بأغلبية مقاعد مجلس النواب الأمريكي، ولكن من دون اكتساح كما كان متوقعاً، بينما احتفظ الديمقراطيون بأغلبية بسيطة في مجلس الشيوخ، وذلك بحصولهم على حوالي 50 مقعداً من إجمالي مائة مقعد، وإن مثّل صوت نائب رئيس الدولة، باعتباره رئيساً لمجلس الشيوخ الصوت المرجح للديمقراطيين في المجلس. 

قراءة في النتائج الأولية: 

يمكن إيراد عدد من الملحوظات على نتائج الانتخابات الأمريكية، والتي يمكن تفصيلها على النحو التالي: 

1- نجاح الجمهوريين في النواب: تمكن الجمهوريين من الفوز بأغلبية أصوات مجلس النواب، وذلك بواقع 218 مقعداً مقابل 212 مقعداً للديمقراطيين، في حين أن نتائج خمسة مقاعد لم يتم حسمها بعد. وتشير بعض التوقعات المبدئية أن الجمهوريين قد يسيطرون على حوالي 221 مقعداً، أي أنهم سوف يحصدون الأغلبية بواقع 4 مقاعد فقط، ويعد هذا أمراً غير معتاد في انتخابات التجديد النصفي، والتي عادةً ما تتميز بخسارة من رقمين في المقاعد لحزب الرئيس الحالي. بل إنه أكثر إثارة للدهشة بالنظر إلى تراجع شعبية بايدن، والتي تعد أقل من 40%. 

وفي الخمسين عاماً الماضية، كانت ثلاثة انتخابات نصفية فقط أفضل بالنسبة للرؤساء الحاليين في مجلس النواب، وهي انتخابات 1986 و1998 و2002. وفي جميع هذه السباقات الثلاثة تضمنت رؤساء حصلوا على نسبة تأييد وشعبية اقتربت من حافة الـ 60%، وهو ما لا يتوفر في حالة بايدن. 

ولكن في المقابل، فإن الديمقراطيين كانوا يمتلكون أغلبية محدودة في مجلس النواب السابق كذلك، إذ كانوا يسيطرون على 220 مقعداً فقط، وذلك مقابل 213 مقعداً للجمهوريين، في حين ظل هناك مقعدان شاغران، وهو ما يكشف عن عجز أي من الحزبين عن تأمين أغلبية مريحة في مجلس النواب، وهو ما يعكس استمرار مناخ الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة خلال الفترة القادمة. 

وعلى الجانب الآخر، فاز القيادي الجمهوري كيفن مكارثي بترشيح الحزب لرئاسة مجلس النواب، وبذلك سيحل مكان رئيسة المجلس الحالية نانسي بيلوسي، المنتمية للحزب الديمقراطي، وهو ما يكشف عن توحد الجمهوريين، وعدم وجود انقسامات كبيرة داخلهم، خاصة أن مكارثي كان من أشد المنتقدين لإدارة بايدن. 

2- حفاظ الديمقراطيين على الشيوخ: حسم الديموقراطيون الأغلبية بحصولهم على 50 مقعداً في مجلس الشيوخ، وذلك مقابل 49 مقعداً للجمهوريين. وعلى الرغم من تبقي جولة إعادة في جورجيا في 6 ديسمبر القادم، فإنه لا يوجد أمل للجمهوريين بالفوز بمجلس الشيوخ حتى إذا فازوا هناك، إذ إن الانقسام بنسبة 50 إلى 50 يعني أن مجلس الشيوخ سيخضع فعلياً لسيطرة الديمقراطيين، بسبب أحقية نائبة الرئيس كامالا هاريس في الإدلاء بصوتها كصوت مرجح، غير أن مثل هذا الأمر سوف يتطلب أن يحافظ الديمقراطيون على توحدهم عند التصويت في القضايا الخلافية، إذ إن اعتراض ديمقراطي واحد على أي قرار يصدره الشيوخ سوف يفقدهم الأغلبية، وهو ما سيترجم باعتباره نصراً للجمهوريين. 

3- تراجع شعبية الرئيسين: كان أحد التطورات المتصلة بهذه الانتخابات هو تراجع شعبية الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، وكذلك الرئيس السابق دونالد ترامب. فقد كشف استطلاع أجرته "رويترز" و"إبسوس"، في مطلع نوفمبر 2022 أن 39% من الأميركيين يتفقون مع أداء بايدن الوظيفي ليقترب من أدنى مستوى وصل إليه خلال ولايته. وفي المقابل، فإن شعبية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لاتزال عند مستوى 36%. ويعكس ذلك غياب بدائل تحظى بشعبية واسعة، خاصة إذا ما حافظ كل من بايدن وترامب على إصرارهما على الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة.

4- انقلاب مردوخ على ترامب: كانت وسائل الإعلام المحافظة التابعة لإمبراطور الإعلام الأمريكي، روبرت مردوخ، الأكثر دعماً ومساندة لدونالد ترامب خلال السنوات السابقة، بما في ذلك قناة فوكس نيوز، وصحيفتا وول ستريت جورنال ونيويورك بوست. ومع ذلك، فإن تلك الانتخابات كشفت عن تراجع هذا الدعم، حيث وصفت المنصات الإعلامية التابعة لـ "مردوخ" ترامب بأنه "خاسر". 

وعلى سبيل المثال، أشارت صحيفة وول ستريت جورنال إلى أن "ترامب أفسد انتخابات 2022 ... لقد قاد الجمهوريين إلى إخفاق سياسي"، وحتى قناة فوكس نيوز، نشرت قصة على موقعها على الإنترنت نقلاً عن محافظين دعوا الحزب إلى "التراجع" عن تأييد الرئيس السابق. وبصفة عامة، يتوقع المراقبون أن وسائل إعلام مردوخ قد تنقلب على ترامب كاملة لصالح الجمهوري، رون دي سانتيس، إذا تواجه الاثنان في الانتخابات التمهيدية الجمهورية لعام 2024.

5- استمرار شعبية ترامب بين الجمهوريين: فاز معظم المرشحين المدعومين من ترامب، نظراً لأن معظمهم كانوا يتنافسون في مناطق يسيطر عليها الجمهوريون. أما النواب الجمهوريون الذين تنافسوا في مناطق أكثر تنافسية، فإن أغلبهم لم ينجح. فمن بين المرشحين الستة الذين أيدهم ترامب في سباقات مجلس النواب في المناطق ذات الميول الديمقراطية، أو المتنازع عليها بين الجمهوريين والديمقراطيين، لم يفز أحد. 

أما في مجلس الشيوخ، فقد فاز أحد مؤيدي ترامب الأربعة، بينما يتجه آخر إلى جولة الإعادة في ولاية جورجيا. وفي المقابل، خسر الدكتور محمد أوز، المدعوم من ترامب لمقعد مجلس الشيوخ عن ولاية بنسلفانيا.

وبينما كان أداء المرشحين الذين يؤيدهم ترامب مشابهاً لأداء الجمهوريين الآخرين في المناطق التي يتمتع فيها الحزب الجمهوري بشعبية طاغية، فإن الحال لم تكن كذلك بالتأكيد في الدوائر التي تتسم بالتنافسية العالية. ففي ما يقرب من ربع دوائر مجلس النواب، التي كان هامش الفوز فيها 15 نقطة أو أقل، كان أداء المرشحين المدعومين من ترامب أقل من المستوى الأساسي لحزبهم بمتوسط خمسة نقاط، في حين تفوق مرشحو الحزب الجمهوري الذين لم يدعمهم ترامب على خط الأساس بحوالي 2.2 نقطة. ومع ذلك، تظهر استطلاعات الرأي أن ترامب لايزال يتمتع بشعبية وسط الجمهوريين.

6- انقسام حضري – ريفي: سيشغل الجمهوريون حوالي 92% من جميع المقاعد الريفية. وفي المقابل، يسير الديمقراطيون في طريقهم للاحتفاظ بنسبة 92% من المقاطعات في المناطق الحضرية، بينما سيمثل جمهوري واحد فقط منطقة حضرية بالكامل، وهي جزيرة ستاتن بنيويورك. 

أسباب تراجع الجمهوريين: 

أكد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أن الصحافة توقعت حدوث "موجة حمراء كبيرة" وفوزاً ساحقاً للحزب الجمهوري، غير أن هذا لم يحدث، مضيفاً أن هناك احتمالاً للحفاظ على الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، وهو ما تحقق. ويمكن إرجاع انكسار الموجة الحمراء إلى ثلاثة أسباب رئيسية، وذلك على النحو التالي: 

1- إخفاق رهان الجمهوريين على الاقتصاد: توقعت استطلاعات الرأي قبل الانتخابات أن يحصد الجمهوريون فوزاً غير مسبوق في ظل ارتفاع نسبة التضخم في الولايات المتحدة إلى مستويات 8%، وذلك بالتزامن مع تراجع معدلات التأييد للرئيس الديمقراطي بايدن، ومع ذلك فإن النتائج الأولية كشفت عن أن التضخم والاقتصاد لم يشكلا العوامل الوحيدة لسلوك الناخب الأمريكي، إذ لعبت عوامل أخرى دوراً، مثل الإجهاض والهجرة وتغير المناخ والعنصرية. 

وفي هذا السياق، يرى بعض المحللين أن اهتمام الجمهوريين بالقضايا الاقتصادية فحسب كان سوء تقدير منهم، خاصة في ضوء تشددهم في القضايا الاجتماعية، وتجاهلهم حضور ناخبي جيل زد (Z)، الأكثر ميلاً نحو الدفاع عن حق المرأة في الإجهاض، وإعطاء المزيد من الحريات لها.

2- حشد الديمقراطيين "قوة النساء": تعهد بايدن بالدفع باتجاه مشروع قانون لتقنين حق الإجهاض إذا حصل الديمقراطيون على أغلبية في الكونجرس، خاصة في ظل تفعيل قوانين تقييد الإجهاض التي أعيدت بعدما ألغت المحكمة العليا قرار قضية "رو ضد وايد". 

فقد أجرى مركز بروكينجز تحليلاً قبل الانتخابات وجد فيه أنه سوف يكون هناك إقبال من جانب النساء لدعم انتخاب المرشحين الديمقراطيين بشكل كبير. كما أجرت مجلة إيكونوميست ويوغوف استطلاعاً للرأي أواخر أكتوبر، وأظهر أن 60% من النساء المشاركات في الاستطلاع سيصوتن بسبب قضية الإجهاض.

3- تبني الديمقراطيين مواقف أكثر اعتدالاً: مثلت أحد الأسباب التي مكنّت الديمقراطيين من عدم تعرضهم لخسارة فادحة في انتخابات التجديد النصفي، كما كان متوقعاً، في إبداء مرشحي الحزب الديمقراطي مواقف أكثر اعتدالاً مقارنة بأقرانهم من الجمهوريين، بل وسعى الديمقراطيون إلى تقييد المجموعة اليسارية التقدمية بداخله، خشية التورط في إلقاء أي خطابات استقطابية ضد الرئيس السابق دونالد ترامب، وربما ساهمت كل هذه الخطوات في اجتذاب أصوات المستقلين للتصويت لصالح الحزب الديمقراطي. 

وفي الختام، يمكن القول إن انتخابات التجديد النصفي، وإن شهدت انحساراً لفوز الجمهوريين، فإن ذلك لا يعني أن الرئيس الأمريكي بايدن سوف يستطيع أن يدير العامين المقبلين من الفترة المتبقية من حكم إدارته من دون معارضة واسعة من الجمهوريين، خاصة مع توحدهم، وإصرارهم على التعبير عن مواقف سياسية تغاير تلك التي يتبناها الرئيس.