أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

تقارب مصلحي:

الدلالات الإقليمية لزيارة الرئيس الإيطالي إلى الجزائر

11 نوفمبر، 2021


استقبل الرئيس الجزائري، عبدالمجيد تبون، نظيره الإيطالي، سيرجيو ماتاريلا، الذي توجه إلى العاصمة الجزائرية في زيارة رسمية لمدة يومين في الفترة من 6 وحتى 7 نوفمبر 2021، وشهدت الزيارة التوقيع على ثلاث اتفاقيات تخص قطاعات "التربية" و"العدالة" و"حماية التراث". 

واكتسبت هذه الزيارة أهمية خاصة؛ نظراً لعدة اعتبارات، وعلى رأسها أنها الزيارة الأولى من نوعها التي يقوم بها رئيس إيطالي للجزائر منذ ما يقرب من ثمانية عشر عاماً، كما أنها الزيارة الخامسة لرئيس دولة أجنبية للجزائر منذ تولي الرئيس، عبدالمجيد تبون، السلطة في ديسمبر 2019، إذ استقبلت في الفترة الماضية أربعة رؤساء من تونس وتركيا وقطر والنيجر. هذا بالإضافة إلى أن هذه الزيارة جاءت في ظل عدد من المتغيرات الملحوظة في توجهات السياسة الخارجية الجزائرية تجاه الدول الأوروبية. 

دلالات مهمة:

جاءت هذه الزيارة في إطار سعي الدولتين لتعزيز علاقاتهما الثنائية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، وحملت هذه الزيارة في طياتها عدة دلالات سياسية واقتصادية مهمة، ومن أبرزها ما يلي:

1- تعزيز العلاقات السياسية: جاءت زيارة الرئيس الإيطالي للجزائر في إطار حرص الدولتين على تعزيز العلاقات الدبلوماسية والسياسية بينهما، وذلك تنفيذاً لمذكرة التفاهم حول الحوار الاستراتيجي الخاص بتطوير العلاقات الثنائية بينهما، والتي تم التوقيع عليها بين الجانبين الجزائري والإيطالي خلال زيارة وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، للجزائر في شهر ديسمبر الماضي، حيث تم الاتفاق على تطوير العلاقات الثنائية بينهما لتصل إلى حد الشراكة في المجالات كافة، خاصة السياسية والاقتصادية.

2- إبرام تحالفات جديدة: تتبنى القيادة السياسية للجزائر سياسة خارجية جديدة تقوم على تفعيل العلاقات الدبلوماسية لتعزيز دورها الإقليمي تجاه الأزمات المثارة في المنطقة المغاربية (الأزمة الليبية) وكذلك في منطقة الشرق الأوسط (القضية الفلسطينية..) والقارة الأفريقية (طرحها دور الوساطة لحل أزمة سد النهضة الإثيوبي) وكذلك محاولة التأثير على المستوى الدولي. 

وفي هذا الإطار تركز الدبلوماسية الجزائرية على تعزيز علاقاتها مع شركائها الدوليين، وتحديداً الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين. وتسعى الجزائر لتعزيز علاقاتها السياسية مع إيطاليا؛ نظراً لما لها من ثقل سياسي واقتصادي داخل الاتحاد الأوروبي، والعمل على تشكيل تحالف استراتيجي مع روما، في ظل التوتر الدبلوماسي القائم بين الجزائر وفرنسا، حيث وصل الأمر إلى دعوة فرنسا الجزائر لاحترام السيادة الفرنسية على خلفية أحد المؤتمرات التي عقدها السفير الجزائري "محمد عنتر داوود" في باريس مع الجالية الجزائرية هناك، وحثهم على ممارسة دور فاعل في الحياة السياسية الفرنسية. 

وجاء هذا الموقف كرد فعل على التصريحات المسيئة للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والتي كان من بينها التشكيك في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي للجزائر، الأمر الذي دفع الجزائر للتصعيد ضد فرنسا، حيث أكد تبون أنه لا عودة للعلاقات مع فرنسا بسبب تصريحات ماكرون ومسألة التأشيرات والمساس بتاريخ البلاد وكذلك الموقف الفرنسي المؤيد لموقف المغرب في قضية الصحراء، وهو ما دفع الجزائر نحو تعزيز علاقاتها بإيطاليا كبديل عن علاقاتها المتوترة بفرنسا للتأكيد على قدرة الجزائر على إقامة تحالفات وشراكة مع الدول الأجنبية التي تحترم السيادة الوطنية للبلاد وتعاملها على أساس من الندية.  

3- موازنة الدور الفرنسي: تزامن التقارب الإيطالي – الجزائري في التوقيت الراهن الذي يشهد توتراً كبيراً في العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا، حيث وجدت إيطاليا الفرصة المناسبة لتوظيف هذه التوترات لتحقيق مزيد من التقارب مع الجانب الجزائري بهدف تعزيز نفوذها بشكل أكبر داخل الجزائر والحصول على علاقات مميزة معها سياسياً واقتصادياً، وبما يساعدها على تمديد نفوذها السياسي في منطقة المغرب العربي وشمال أفريقيا بما يخدم المساعي الإيطالية للحفاظ على مصالحها في هذه المنطقة الاستراتيجية، خاصة أن النفوذ الفرنسي يشهد تراجعاً ملحوظاً خلال الفترة الأخيرة، في المنطقة المغاربية وأيضاً في منطقة الساحل والصحراء، لصالح شركاء جدد ومن بينهم إيطاليا.

4- علاقات اقتصادية متطورة: من شأن التقارب السياسي الحالي في العلاقات الجزائرية – الإيطالية أن يسهم في تعظيم المكاسب الاقتصادية لكلتا الدولتين، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهما في عام 2020 حوالي 6 مليارات دولار، كما أن هذا التقارب سوف يضمن لإيطاليا تأمين حصولها على احتياجاتها من الطاقة، فمن المعروف أن إيطاليا هي الوجهة الأولى لصادرات الغاز الجزائرية، بكميات سنوية تقدر بنحو 15 مليار متر مكعب، منها 12 مليار لشركة إيني، التي تم تجديد العقد معها عام 2019 لمدة 10 سنوات، و3 مليارات متر مكعب كل عام لشركة إينال لمدة 8 سنوات، ومليار متر مكعب سنويا لمدة 8 أعوام لصالح شركة إديسون. 

ومن مصلحة إيطاليا التأكيد على الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الجزائري بشأن الحصول على الغاز الطبيعي، خاصة عقب إعلان الجزائر عدم تجديد العقد الخاص بنقل الغاز إلى إسبانيا عبر أنبوب نقل الغاز الذي يمر عبر الأراضي المغربية، وفي هذا الإطار تسعى الجزائر للاستفادة من النموذج الاقتصادي الإيطالي، خاصة فيما يتعلق بالشركات الصغيرة والمتوسطة، وتطبيق هذا النموذج لتحقيق التنمية الاقتصادية في الجزائر.

5- بلورة توافق مشترك: تعتمد كلتا الدولتين على ما لديهما من رؤى ومواقف مشتركة تجاه عدد من القضايا المثارة في المنطقة لتعزيز العلاقات السياسية بينهما، وذلك كما يلي:

‌أ- الأزمة الليبية: تتقاسم الجزائر وإيطاليا رؤية مشتركة لتسوية الأزمة الليبية من خلال دفع مسار التسوية السياسية، وفقاً لما نصت عليه خريطة الطريق الأممية، وأيضاً تؤكدان على أهمية إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية، وكذلك ترفض كلتا الدولتين التدخلات الأجنبية في الأزمة الليبية. 

وبالتالي فإن الموقفين الجزائري والإيطالي تجاه هذه الأزمة يتم البناء عليه لتحقيق مزيد من التقارب الحالي في العلاقات السياسية بين الدولتين، كما أن ذلك يساعد في تمديد النفوذ الإيطالي داخل ليبيا ومواجهة الدور التركي المتصاعد في منطقة شرق المتوسط، وما ترتب على ذلك من تداعيات على المصالح الاقتصادية الإيطالية في هذه المنطقة.

‌ب- الهجرة غير الشرعية: تمثل قضية الهجرة غير الشرعية من دول المغرب العربي وشمال أفريقيا إلى دول الاتحاد الأوروبي من القضايا الأمنية المقلقة، خاصة لإيطاليا، حيث زادت تدفقات المهاجرين الجزائريين بطريقة غير شرعية خلال الفترة الأخيرة إلى إيطاليا، سواء للإقامة بها، أو اتخاذها دولة ترانزيت والانتقال منها إلى باقي دول الاتحاد الأوروبي. 

كما أن الجزائر أصبحت "نقطة عبور" لما يسمى بـ "قوارب الموت" التي يستخدمها الأفارقة بغرض الهجرة أيضاً للدول الأوروبية، الأمر الذي دفع الحكومة الإيطالية لإجراء مزيد من التنسيق والتعاون مع نظيرتها الجزائرية، خاصة على المستوى الأمني؛ للبحث في سبل الحد من موجات الهجرة غير الشرعية باتجاه إيطاليا، ومن ذلك الزيارة التي قام بها الوفد الممثل للجنة فضاء شنغن والشرطة الأوروبية "اليوروبول" بالبرلمان الإيطالي في شهر أبريل الماضي للجزائر لوقف هجرة الجزائريين إلى سواحل "سردينيا" وتنفيذ اتفاقية مكافحة الهجرة الموقعة بين الدولتين، كما دعت إيطاليا الاتحاد الأوروبي في شهر أكتوبر الماضي لتفعيل ما يطلق عليه "قنوات الهجرة القانونية" كأحد الحلول المقترحة للقضاء على مشكلة الهجرة غير الشرعية إلى دول الاتحاد. 

وفي الختام، فإن زيارة الرئيس الإيطالي ماتاريلا للجزائر تكشف عن عدة أمور رئيسية، من أبرزها تأكيد الجزائر على التحالف مع شركاء جدد بخلاف فرنسا في ظل استمرار التوتر الحاصل في العلاقات السياسية بين الدولتين، وفي المقابل السعي الإيطالي لتعزيز نفوذه في منطقة المغرب العربي للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية هناك، ووفقاً لهذه المعطيات فإنه من المرجح أن تشهد الفترة القادمة مزيداً من التقارب الجزائري – الإيطالي على المستويات كافة، خاصة الاقتصادية منها.