أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

دروس القمة الأميركية الروسية

22 يونيو، 2021


تصلح قمة بايدن وبوتين الأسبوع الماضي درساً استهلالياً رائعاً في مقدمة العلاقات الدولية، وكنت دائماً أقول لطلابي في المحاضرة الأولى، لتيسير فهمهم للتفاعلات الدولية، إنه على الرغم من تعدد مناهج تحليل العلاقات الدولية وتعقدها واحتدام الجدل حولها، فثمة مفتاحان أساسيان لفهمها، هما المصلحة والقوة، فالدول والفاعلون الدوليون لهم مصالح محددة تنبثق منها الأهداف التي يسعون لتحقيقها في الساحة الدولية، لكنهم لا يحققون إلا تلك التي تسمح بها قوتهم، وعندما تملك من القوة ما يكفي فإنك تفرض نفسك في هذه الساحة، بغض النظر عن محبة الآخرين أو كرههم لك. هكذا يشهد نموذج تطور العلاقات الدولية عقب الحرب العالمية الثانية على سبيل المثال من الحرب الباردة والحروب بالوكالة بين عملاقي النظام الدولي آنذاك (الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي) إلى الانفراج ثم الوفاق. ففي البدء دار الصراع بين العملاقين في محاولة لتحقيق النصر على الآخر وهزيمته، لكن حقائق القوة التي بناها كل منهما فرضت استحالة هزيمة أيٍ منهما للآخر، على الأقل بسبب توازن الردع النووي. ووفقاً للمثل الإنجليزي فإنك إن لم تتمكن من هزيمتهم فانضم إليهم، وبشيء من التصرف فإنك إن لم تتمكن من هزيمة خصمك فتعايش معه. وهكذا بزغت بوادر الانفراج الأميركي السوفييتي في مطلع سبعينيات القرن الماضي في ظل رئيس أميركي «جمهوري» متشدد (ريتشارد نيكسون)، وتحول الانفراج لاحقاً إلى «وفاق» بوصول ميخائيل جورباتشوف لقمة السلطة في الاتحاد للسوفييتي، والذي كان إدراكه لحقائق القوة وما تفرضه على الاعتبارات الأيديولوجية شديد الوضوح، ومن هنا رفع شعاره الشهير الذي غيّر به التكييف الماركسي للعلاقات الدولية من تكييف صراعي بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي إلى تكييف تعاوني («عالم واحد أو لا عالم»)، بمعنى أنه إما أن نعيش معاً ويسود بيننا التعاون وإما تكون نهايتنا جميعاً. وعندما أخفقت تجربته وانتهت بتفكك الاتحاد السوفييتي وبتدهور حاد في قوة وريثته روسيا ساد نموذج القطبية الأحادية الذي فرضت الولايات المتحدة بموجبه إرادتها على الجميع. غير أن روسيا بدأت تستعيد عافيتها منذ مطلع القرن الحالي بقيادة بوتين، وتمتعت من جديد بوصف القوة العالمية، وعاد التوتر لعلاقتها بالولايات المتحدة، وإن خفّت حدته في ظل رئاسة ترامب الذي لاحقته تهمة الدعم الروسي له في الانتخابات إلى أن أزاحه بايدن من السلطة.

وعندما فاز بايدن بالرئاسة تصوّرَ الكثيرون أن أوان الحرب الباردة قد عاد مجدداً، وساعدت على ذلك التصريحات الأولى لبايدن التي كانت كثيراً ما تستعيد اتهامات روسيا بالتدخل في الانتخابات الأميركية، وتركز على ملف حقوق الإنسان وما يُنسب لروسيا في هذا المجال. ومع أن بايدن لم ينف من البداية نية التعاون مع روسيا، عندما يصب هذا في المصلحة الأميركية، فإن بعض الملابسات الأخيرة دعمت فكرة أننا في الطريق إلى حرب باردة جديدة، كما في وصف بايدن لبوتين بأنه «قاتل» ورد الأخير بأن القاتل هو مَن يتهم الآخرين بذلك، وكما في اتهام روسيا بالوقوف خلف الهجمات الإلكترونية الأخيرة على مرافق حيوية أميركية. وبدا وكأن بايدن قبل القمة يحشد الحلفاء من خلال قمة الدول الصناعية السبع الكبرى وقمة حلف شمال الأطلسي والقمة الأميركية الأوربية، في رسالة واضحة للرئيس الروسي، ناهيك بحديث بايدن عن خطوط حمراء سيحددها لبوتين. لكن للقوة وموازينها لغة أخرى، إذ لم تتمخض القمة إلا عن «تنظيم» للعلاقات بين البلدين، وإعادتها لمجراها الطبيعي بالاتفاق على عودة سفيري البلدين لممارسة عمليهما، ومناقشة القضايا الحيوية في ملف علاقاتهما.. وهو ما سيتضح أكثر بإمعان النظر في حصاد القمة.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد