أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

استعدادات مبكرة:

لماذا اتجهت طهران إلى رفع مستوى التصعيد مع واشنطن؟

22 نوفمبر، 2020


رغم الإشارات الإيجابية التي وجهها الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن إلى إيران، والتي تفيد سعيه لتأسيس قنوات تواصل جديدة معها، إلا أنها ما زالت حريصة على رفع مستوى التصعيد، وهو ما يبدو جلياً في زيادة كمية اليورانيوم المخصب التي وصلت إلى 12 ضعف ما هو مسموح به في الاتفاق النووي، وضخ غاز اليورانيوم في أجهزة طرد مركزي أكثر تطوراً. وربما تحاول إيران من خلال ذلك رفع سقف المساومة مع إدارة بايدن القادمة، تمهيداً لإجراء مفاوضات قد يتم من خلالها الوصول إلى تفاهمات حول آليات عودة واشنطن للاتفاق النووي.

إجراءات متوازية:

بدأت إيران في الفترة الأخيرة تتجه نحو رفع مستوى التصعيد مع الولايات المتحدة الأمريكية، بالتوازي مع الحرص في الوقت ذاته على الترويج إلى أن نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية لا تعنيها ولن تؤثر على سياستها تجاه الملفات المختلفة. 

ففي هذا السياق، أشارت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في 19 نوفمبر الجاري، إلى أن إيران لم تكتف بتركيب أجهزة طرد مركزي أكثر تطوراً في مفاعل ناتانز، من طراز "IR 2-M"، بل قامت بضخ غاز اليورانيوم في تلك الأجهزة، على نحو يمثل انتهاكاً جديداً للاتفاق النووي الذي يقضي بحصر استخدام أجهزة الطرد المركزي في الطراز الأول فقط "IR 1".

وقد دفع ذلك فرنسا إلى التأكيد، في اليوم نفسه، على أن "البرنامج النووي الإيراني وصل إلى عتبة خطيرة، وبات أقل قابلية للمراقبة اليوم مما كان عليه بفعل اتفاق فيينا".

كما أكد قائد الحرس الثوري حسين سلامي، بعد ذلك بيوم واحد، أن الحرس الثوري لن يتقيد بمنطقة جغرافية معينة للدفاع عن مصالح إيران، بعد أن قام بالإعلان عن بناء حاملة طائرات من دون طيار مزودة بقاذفات صواريخ. 

أهداف عديدة:

قد يبدو ذلك متناقضاً مع الدعوات المباشرة التي وجهها بعض المسئولين الإيرانيين إلى الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن بتبني سياسة مختلفة عن تلك التي اتبعها الرئيس دونالد ترامب تجاه إيران، وتنفيذ مقاربة "العودة مقابل العودة" التي أعلن عنها سابقاً، على غرار وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي أشار إلى إمكانية عودة إيران تلقائياً إلى الالتزام بتعهداتها في الاتفاق النووي في حالة رفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها. لكن التمعن في مثل تلك الإجراءات وتوقيت اتخاذها يوحي بأن إيران تسعى إلى الهدف ذاته لكن عبر آلية مختلفة. 

وبمعنى آخر، فإن إيران تسعى إلى التفاوض مع إدارة بايدن. وربما تكون قد حاولت اختبار هذا السياق حتى قبل وصوله إلى البيت الأبيض، حيث لا يمكن استبعاد أن تكون هناك اتصالات مبكرة بين الطرفين، على غرار ما حدث في مراحل سابقة مع إدارات أمريكية مختلفة، وذلك لاستشراف المدى الذي يمكن أن يصل إليه الطرفان في التفاهمات حول الملفات الخلافية.

وهنا، فإن إيران تحاول تعزيز موقعها قبل الانخراط في أية اتصالات مباشرة أو غير مباشرة مع الإدارة الأمريكية الجديدة، من أجل رفع سقف المساومة، وبالتالي الحصول على أكبر قدر من المكاسب وفي الوقت نفسه تقديم أقل مستوى من التنازلات. 

وربما تسعى طهران في هذا السياق إلى استدعاء خبرة مفاوضاتها السابقة مع إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، والتي سبقت الإعلان عن الوصول للاتفاق النووي بسنوات عديدة. إذ أنها حرصت في تلك الفترة على رفع مستوى التصعيد، على المستويات المختلفة النووية والصاروخية والإقليمية.

ومن هنا، تشير اتجاهات عديدة إلى أنه كلما حرصت طهران على التصعيد في فترات معينة، وعلى المستويات المختلفة، كلما كان ذلك مؤشراً على أنها تسعى إلى الوصول لتفاهمات مع واشنطن تحديداً.

ومن دون شك، فإن الأزمة الاقتصادية التي تواجهها طهران في الوقت الحالي سوف تمثل متغيراً أساسياً ربما يكون لها دور في تحديد نمط تعاملها مع الإدارة الأمريكية الجديدة. إذ أن طهران تدرك أنها لن تستطيع تحمل تبعات العقوبات الأمريكية المفروضة عليها لفترة طويلة، في ظل تآكل الاحتياطي النقدي وتراجع الصادرات النفطية بشكل كبير. وبالتالي فإنها تبدو مستعدة للانخراط في تفاهمات جديدة مع إدارة بايدن، لكنها ستكون حريصة على أن تكون مقتصرة على آليات عودة واشنطن للاتفاق النووي مقابل عودتها للالتزام بتعهداتها فيه.

دور الباسدران:

قد يكون للحرس الثوري دور معاكس في هذا السياق. إذ ربما يسعى إلى مواصلة التصعيد في المرحلة القادمة، على الأقل إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية الإيرانية في 18 يونيو 2021، والتي يسعى إلى دعم فرص أحد مرشحيه، أو على الأقل أحد المقربين منه، في الوصول إلى منصب الرئيس.

وبالطبع، فإن "الباسدران" سوف يحرص على تكثيف الحملة التي تشنها وسائل الإعلام القريبة منه وتروج إلى المخاطر الكامنة في التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية مجدداً. وقد كان لافتاً أن الدعوات للانتقام لمقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس قاسم سليماني بدأت تتزايد في الفترة الماضية، خاصة مع اقتراب حلول الذكرى الأولى لمقتله في 3 يناير القادم، وهو ما لا ينفصل عن محاولات الحرس تأكيد نهجه المعارض لإعادة التفاوض مع واشنطن مجدداً.

انخراط محدود:

انطلاقاً من ذلك، يمكن القول في النهاية، إن الضغوط المضادة التي تمارسها دوائر صنع القرار في طهران بشأن التفاوض مع واشنطن في الفترة القادمة، قد لا توفر خيارات عديدة أمام القيادة الإيرانية، على نحو ربما يدفعها إلى تبني ما يسمى بسياسة "الانخراط المحدود" التي تقوم على القبول بإجراء مفاوضات مع واشنطن فقط حول كيفية عودتها إلى الاتفاق النووي، دون التطرق إلى الملفات الخلافية الأخرى، التي يبدو من الصعب أن تقدم طهران تنازلات رئيسية فيها على الأقل في المرحلة الحالية، وهو ما يفسر أيضاً أسباب حرصها على مواصلة التصعيد في هذه الملفات خلال الفترة الحالية.