أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

مواجهة الضغوط:

دوافع مبالغة إيران في بيان قدرتها الصاروخية

19 نوفمبر، 2022


أعلن قائد القوات الجوفضائية التابعة للحرس الثوري الإيراني، العميد علي حاجي زادة، في 11 نوفمبر 2022، عن إنتاج صاروخ باليستي فرط صوتي، مضيفاً أن هذا الصاروخ بإمكانه اختراق جميع المنظومات الدفاعية. ويأتي هذا بعد أيام من إعلان طهران اختبار إطلاق صاروخ قائم 100، الحامل للأقمار الصناعية، ذي الثلاث مراحل والذي يعمل بالوقود الصلب، ونجاح إتمام المرحلة الأولى دون المدارية له، فضلاً عن تدشين صاروخ "قاصد بي 12" ضمن المنظومة الصاروخية باور 373.

دوافع متعددة:

تهدف إيران من الإعلان عن تلك الخطوات التصعيدية إلى تحقيق عدد من الأهداف وإيصال عدة رسائل أبرزها:

1- تهديد مباشر للولايات المتحدة: يأتي التصعيد الصاروخي من جانب إيران في الوقت الذي تتعرض فيه الأخيرة لضغوط متزايدة على خلفية قمع الاحتجاجات التي اندلعت عقب وفاة مهسا أميني، في 16 سبتمبر 2022، وهو ما أسفر عن فرض سلسلة من العقوبات، من قبل الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، والتي استهدفت شخصيات وكيانات إيرانية متهمة باستخدام العنف وقمع المتظاهرين.

وتتهم إيران تلك الأطراف بالوقوف وراء الاحتجاجات، كما ينظر كبار المسؤولين الإيرانيين إلى الاحتجاجات باعتبارها "مخططاً أمريكياً – إسرائيلياً – أوروبياً"، بدءاً من المرشد الأعلى علي خامنئي، حتى الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الداخلية، أحمد وحيدي، وقائد الحرس الثوري، حسين سلامي وغيرهم.

وعليه، سعت طهران من وراء تلك الخطوات إلى التأكيد أن لديها قدرة على مواصلة تهديد الغرب، وذلك من خلال تطوير أسلحة فرط صوتية، خاصة أن هذه النوعية من الأسلحة لايزال عدد محدود من الدول المتقدمة قادراً على تطويرها، كما أنه لم يتم بعد تطوير أنظمة دفاع جوي قادرة على مواجهتها، عدا روسيا، والتي تزعم أن منظومتها الجديدة من طراز "إس 500" قادرة على اعتراض هذه النوعية من الصواريخ.

ولكن على الجانب الآخر، فإن هناك شكوكاً حول قدرة إيران على إنتاج هذا الصاروخ، خاصة أن إيران لم تعلن اسم الصاروخ الجديد، كما أن الحرس الثوري ذكر أن هذا الصاروخ يتمتع بقدرة عالية من المناورة، ومن المعروف أن الصواريخ الباليستية لا تتمتع بهذه الميزة، بل لها مسار محدد ثابت لا يمكن تغييره.

2- الترويج للمخاطر الصاروخية الجديدة: أعلنت إيران أن الصواريخ الجديدة التي تم إنتاجها واختبارها، قد تمت صناعتها بالكامل بالاعتماد على الخبرات المحلية، وذلك لإيصال رسائل لواشنطن والغرب، أنها قادرة على تطوير منظوماتها التسليحية والدفاعية رغم العقوبات التي تتعرض لها.

ولذلك كشفت إيران عن الصاروخ "قائم 100" الحامل للأقمار الصناعية، والذي يعمل محركه بالوقود الصلب، وهي أيضاً المرة الأولى التي تستخدم فيها إيران تلك النوعية من الصواريخ التي تعمل فقط بالوقود الصلب، حيث جرت التجارب الصاروخية السابقة باستخدام الوقود السائل أو المزج بين الوقود السائل والوقود الصلب، كما تُشير التقارير الإيرانية إلى أن هيكل الصاروخ مصنوع من مادة "الكومبوزيت" الخفيفة في الوزن، مقارنة بالهيكل المعدني، ما يمنح الصاروخ إمكانية تحليق نحو علو أكبر في الفضاء، بمدى يصل إلى 12 ألفاً و500 كيلومتر، وهو ما يجعله ضمن الصواريخ الباليستية بعيدة المدى التي تصنف بأنها استراتيجية، وفقاً للمزاعم الإيرانية. ومن المعروف أن طهران تستخدم الصواريخ الحاملة لأقمار اصطناعية كغطاء لتطوير صواريخ قادرة على حمل رأس نووي. 

3- مواجهة التهديدات الأمريكية: أتى إعلان إيران عن إنتاج صاروخ فرط صوتي، بعد يوم واحد، من تحليق قاذفتين أمريكيتين من طراز بي- 52، رفقة طائرتين إسرائيليتين من طراز "أدير" (F-35i)، فوق سماء الخليج، وهو ما أعقبها، في 13 نوفمبر الجاري، مرافقة طائرات القوات الجوية السعودية من نوع "إف- 15 إس إي"، و"تايفون"، القاذفات الأمريكية ذاتها، في رسائل مفادها أن واشنطن ما زالت متمسكة بحلفائها في المنطقة، وأنها قادرة على تهديد الجانب الإيراني.

هذا إلى جانب إعلان واشنطن تواجد الغواصة "يو إس إس وست فيرجينيا"، المحملة بالصواريخ الباليستية، في مياه بحر العرب، في سابقة نادراً ما تحدث، حيث لم تعلن وزارة الدفاع الأمريكية غالباً عن أماكن وجود غواصاتها النووية، خصوصاً تلك المُحمَلة بالصواريخ الباليتسية.

ويبدو أن طهران تسعى للرد على ذلك عبر تأكيد أنها تمتلك منظومات صاروخية متقدمة قادرة على توجيه ضربات لا يمكن اعتراضها، وذلك في مواجهة التهديدات الأمريكية بالقاذفات والطائرات الشبحية. 

كما أعلنت طهران تدشين صاروخ "صياد – 4" ضمن منظومة "باور 373" الصاروخية، والتي زعمت أنها قادرة على استهداف الجيل الخامس من الطائرات المقاتلة المزودة بتقنية التخفي من شاشات الرادار، وزيادة مدى المنظومة من 200 كم إلى 300 كم. ويلاحظ أن هذه الادعاءات مبالغ فيها، إذ إن موسكو تعد الدولة الوحيدة التي تمتلك هذه المنظومة، ممثلة في "إس 500"، وسبق أن رفضت روسيا إمداد إيران بمنظومة الدفاع الجوي "إس 400" حرصاً على علاقاتها بدول الخليج، وذلك في الوقت الذي قامت فيه ببيع هذه المنظومة إلى تركيا والهند. أما "إس 500"، فإنها لم تقم ببيعها لأي دولة أجنبية. ويبدو أن طهران تسعى للتأكيد أنها تتمتع بالقدرة على تهديد الدول المجاورة لها، في حين أن واشنطن سوف تكون عاجزة عن الرد، وهو بطبيعة الحال ادعاء مبالغ فيه. 

4- استباق زيارة مفتشي الوكالة الذرية: تأتي تلك الإجراءات التصعيدية من جانب إيران، بالتزامن مع زيارة مرتقبة لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إيران، بعد موافقة الأخيرة، والذي جاء عقب نشر الوكالة تقريراً يؤكد مواصلة إيران تخصيب اليورانيوم بمعدلات مرتفعة تصل إلى 60% في منشآتها النووية في نطنز وفوردو، باستخدام أجهزة الطرد المركزي المتطورة، والتخوف من أن يؤدي ذلك إلى صدور قرار يدين إيران، في اجتماع مجلس محافظي الوكالة المقبل.

وعبّر المدير العام للوكالة رفائيل جروسي، عن مخاوفه بشأن إعلان إيران إنتاج صاروخ فرط صوتي بأن قال "إن تصنيع إيران صاروخاً فرط صوتي يُفاقم المخاوف الدوليّة إزاء إيران وتُعيد تركيز الأضواء على ملفّها النوويّ". ومن ثم، فقد سعت إيران إلى التأكيد أن تلك الموافقة لا تعني تخلي إيران عن برنامجها الصاروخي، والذي تتمسك بفصله عن البرنامج النووي.

سياقات متزامنة:

تأتي تلك الإجراءات من جانب إيران، بالتزامن مع عدد من التطورات الإقليمية والدولية المرتبطة بها، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي:

1- تصعيد إسرائيلي في سوريا: تزامنت تلك الخطوات من جانب طهران، مع زيادة حدة التصعيد الإسرائيلي ضد التواجد الإيراني في سوريا، إذ استهدفت غارة شاحنات تحمل أسلحة وصهاريج في دير الزور بشرق سوريا، وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 15 عنصراً من العناصر الموالية لإيران في شرق سوريا في 9 نوفمبر الجاري.

هذا إلى جانب تزامن التصعيد الصاروخي الإيراني مع مساعي تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، والتي من المُرجح أن تكون من التيار اليميني بقيادة حزب الليكود وزعيمه بنيامين نتانياهو، وهو الأمر الذي تتحسب له إيران، على افتراض أن تلك الحكومة ستتخذ مواقف أكثر حدة تجاه إيران، لذا سعت إلى استباق ذلك بتوجيه تلك التهديدات الصاروخية.

2- استهداف إيران كردستان العراق: أعلن الحرس الثوري الإيراني، في 14 نوفمبر الجاري، أنه استهدف مواقع لجماعات كردية معارضة في إقليم كردستان العراق، متوعداً بمواصلة الهجمات حتى يتم نزع سلاح المجموعات التي وصفها بالإرهابية، خاصة في ظل تمسك النظام الإيراني بسردية أن تلك المجموعات تدعم الاحتجاجات في الداخل، وتصدر السلاح إلى الداخل الإيراني، مستغلة تدهور الأوضاع الأمنية على أثر الاحتجاجات.

كما لا يمكن فصل تلك الهجمات عن توارد أنباء عن تخطيط إيراني لضرب أهداف في مدينة أربيل بالعراق، وكذلك السعودية، وهو ما نفته إيران، على الرغم من نشر الحرس الثوري فيديو مصوراً يحاكي هجوماً إيرانياً بالطائرات المسيرة على أهداف سعودية. هذا إلى جانب تماهي الإجراءات التصعيدية من جانب إيران، مع استمرار جماعة الحوثي استهداف الموانئ النفطية في اليمن، والتي كان آخرها، استهداف ميناء قنا التجاري في محافظة شبوة.

3- تجمد مسار المفاوضات: يأتي التصعيد الصاروخي الإيراني، في الوقت الذي تشهد في المفاوضات النووية بين إيران والقوى الكبرى جموداً منذ سبتمبر الماضي، على أثر إصرار إيران على مطلب إغلاق ملف تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن العثور على مواد نووية في ثلاث مواقع غير معلنة في إيران، وهو ما رفضته واشنطن والترويكا الأوروبية، وذلك في أعقاب التوصل إلى "مسودة نهائية"، كان قد تقدم بها الوسيط الأوروبي في المفاوضات، جوزيب بوريل.

وربما تهدف إيران، من جراء تلك الإجراءات التصعيدية الصاروخية، إلى وضع الغرب أمام خيارين؛ إما العودة للتفاوض مع إيران، وإما استمرار تصعيدها على المستويات كافة، إلا أن ذلك الأمر محفوف بمخاطر عدم استجابة الغرب لتلك الرسائل، واستنئاف الضغط على الجانب الإيراني.

وفي التقدير، يمكن القول إن ملامح العلاقة بين إيران والغرب ستتوقف على مدى ما ستسفر عنه الاحتجاجات الحالية في إيران، خاصة في ضوء عجز النظام عن قمعها حتى الآن، وتدهور الأوضاع في بعض المناطق الطرفية، مثل سيستان وبلوشيستان في جنوب شرق إيران، والمحافظات الكردية في الغرب، فكلما ازدادت الاحتجاجات، كلما اتجهت إيران إلى التصعيد إقليمياً، وزاد تعنتها في المفاوضات النووية.