أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

الثقة المفقودة:

قمة ترامب- كيم .. أسباب الفشل ومكاسب الصين

10 مارس، 2019


لم تُسفر القمة الأخيرة بين "دونالد ترامب" و"كيم جونج أون" عن نتائج ملموسة، على الرغم من التوقّعات الإيجابية التي سادت لدى العديد من المحللين قبل عقد القمة، وهو ما يرجع إلى تمسك كوريا الشمالية برفع العقوبات مقابل التخلي عن برنامجها النووي، في مقابل رفض الولايات المتحدة التخلي عن العقوبات كأداة للضغط على بيونج يانج، ودفعها للامتثال لالتزاماتها ضمن الاتفاقات المزمع عقدها بين الطرفين. ويُرجَّح أن تتواصل المفاوضات بين الطرفين، وقد تقوم الولايات المتحدة باللجوء إلى بعض القوى الإقليمية لممارسة ضغوط على كوريا الشمالية لدفعها إلى عدم التصعيد، واستمرار المفاوضات. 

خلافات القمة الأولى:

عقد كلٌّ من الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" والرئيس الكوري الشمالي "كيم جونج أون" قمة ثانية في هانوي بفيتنام خلال يومي 27 و28 فبراير 2019، وذلك للنقاش حول مستقبل البرنامج النووي الكوري الشمالي، وإحلال السلام بشكل دائم في شبه الجزيرة الكورية. والجدير بالذكر أن القمة الأولى بين الرئيسين عُقدت في سنغافورة في يونيو 2018، ووصفت بالتاريخية، حيث إنها كانت المرة الأولى التي يجتمع فيها رئيسا البلدين. 

ونتج عن القمة الأولى وضع إطار عام يتضمن إعلان مبادئ بشأن قضايا السلام والتعاون، ونزع السلاح النووي، ورفع العقوبات، وتطبيع العلاقات، حيث تم الإعلان في نهاية قمة سنغافورة عن إطار رباعي يرتكز على مجموعة من المبادئ، منها: وقف التجارب الصاروخية من جانب كوريا الشمالية، وتخفيض حجم وطبيعة المناورات التي تُجريها الولايات المتحدة مع كوريا الجنوبية، ونقل رفات الجنود الأمريكيين للولايات المتحدة، والاتفاق المبدئي على العمل لإخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية وبناء السلام.

وظهرت خلافات حول المقصود بـ"بناء السلام"، و"التخلص من الأسلحة النووية"، وبصفة عامة كانت النتائج التي حققتها القمة الأولى محدودة للغاية، فعلى الرغم من التزام بيونج يانج بتسليم رفات الجنود إلى الولايات المتحدة، والأهم من ذلك التزامها بوقف التجارب الصاروخية، بل وعقد قمة مع كوريا الجنوبية؛ إلا أن عملية نزع السلاح النووي الكوري الشمالي لم تشهد أي تقدم. ولذلك رأى العديد من المحللين أن القمة الثانية قد تؤدي إلى حدوث بعض التقدم في هذا الصدد، أو على الأقل قد يتوصل الطرفان إلى مفهوم مشترك حول التخلص من الأسلحة النووية وسبل إقرار السلام في شبه الجزيرة الكورية.

إخفاق القمة الثانية: 

كانت بدايات القمة الثانية مبشرة للغاية، حيث تخلى الطرفان عن استخدام أي لغة عدائية تجاه بعضهما، فقد امتدح "دونالد ترامب" نظيره الكوري الشمالي ووصفه بالقائد العظيم، بل إنه قبيل عقد القمة غرّد "ترامب" واصفًا "كيم جونج أون" بـ"صديقي". وفي المقابل، وصف "كيم" الرئيس الأمريكي بأنه "شجاع"، وقال إنه واثق من أنه ستكون هناك "نتيجة ممتازة يرحب بها الجميع".

وقد بدأ "ترامب" المباحثات الثنائية بالإشارة إلى أن هناك إمكانيات اقتصادية هائلة لدى كوريا الشمالية، كما أشار إلى أن "كيم جونج أون" سيكون لديه مستقبل هائل لتنمية كوريا الشمالية، وأنه يتطلع لحدوث ذلك، بل والمساهمة في تحقيقه أيضًا، فمن الواضح أن "ترامب" يستخدم سياسة "العصا والجزرة" بشكل واضح في التعامل مع ملف كوريا الشمالية. وبالتالي فقد بدأ "ترامب" المحادثات بالتأكيد على وجود مكاسب اقتصادية لبيونج يانج إذا سارت المحادثات بشكل جيد، وذلك لحث زعيم كوريا الشمالية على إبداء مزيد من المرونة أثناء المفاوضات. ودأب "ترامب" على القول إنه "لا يوجد عجلة للوصول إلى اتفاق، فأنا والزعيم "كيم" نريد التوصل إلى الاتفاق الصحيح، والسرعة ليست مهمة".

ومن جانبه، قام "كيم" بالرد على سؤال أحد الصحفيين -وهي المرة الأولى التي يجيب فيها كيم على سؤال صحفي أجنبي-حول مدى جديته حيال التخلي عن برنامجه النووي، حيث قال: "لم أكن لأقطع كل هذه المسافة لولا وجود نية صادقة لديّ للتخلي عن الأسلحة النووية".

ونتج عن هذا ارتفاع سقف التوقعات تجاه هذه القمة، وتوقع العديد من المحللين أن يناقش الرئيسان خارطة طريق للتخلص من الأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية، بل وتوقيع معاهدة رسمية تُنهي الحرب الكورية، وكذلك إنشاء مكاتب اتصال بين البلدين.

وعلى الرّغم من كل هذه المؤشرات والتوقعات الإيجابية لمسار القمة ونتائجها، إلا أن البيت الأبيض أعلن بشكل مفاجئ في 28 فبراير 2019 عن انتهاء القمة قبل موعدها المحدد، مما يعني أن القمة فشلت في التوصل حتى إلى بيان مشترك بين البلدين، ناهيك عن التوصل إلى اتفاق على بعض النقاط كما حدث في القمة الأولى.

مطالب رفع العقوبات:

خرج كلا الطرفين من القمة ليشير بأصابع الاتهام نحو الطرف الآخر وتحميله مسئولية عدم التوصل إلى اتفاق، فقد صرح "ترامب" خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده بنهاية القمة يوم الخميس، أن السبب الرئيسي للفشل هو عرض "كيم" التخلي عن جزء كبير من أسلحته النووية، وإغلاق مجمع (Yongbyon) النووي الذي يُعد من أهم المحطات الحيوية للبرنامج النووي الكوري، ولكن في مقابل رفع العقوبات بشكل كامل. وهذا ما لم يقبله "ترامب" لأن العقوبات هي أداة الضغط الرئيسية التي يستخدمها للتعامل مع ملف بيونج يانج النووي، وبالتالي إذا تم رفع العقوبات بشكل كامل فلن يجد "ترامب" وسائل ضغط فعالة أخرى على كوريا الشمالية.

فيما صرح وزير الخارجية الكوري الشمالي بأن "كيم جونج أون" لم يطلب رفع العقوبات بشكل كامل، بل إنه طالب برفع العقوبات بشكل جزئي. ويختلف المحللون حول سبب إصرار كوريا الشمالية على مطلب رفع العقوبات، سواء بشكل كامل أو جزئي، حيث يؤكد بعضهم أن "كيم جونج أون" قد طالب بذلك لإدراكه أن الولايات المتحدة لا يمكنها أن توافق على رفع كامل أو جزئي للعقوبات المفروضة بإجماع دولي على كوريا الشمالية منذ عام 2006 مقابل وعد بتفكيك محطة رئيسية في البرنامج النووي فحسب، لذا فمن المرجّح أن يكون قد تعمّد ذلك لكي تتوقف المحادثات دون الخروج بنتيجة ملموسة، ويرجع ذلك إلى عدم وجود رغبة حقيقية لدى بيونج يانج للتخلي عن السلاح النووي الذي يعتبره النظام ضرورة لبقائه. ويفسر الفريق الثاني هذا المطلب بأنه نابع من تخوف "كيم جونج أون" من "ترامب" وعدم ثقته فيه نظرًا لطبيعته المتهورة.

إعادة التفاوض: 

على الرغم من فشل القمة في التوصل إلى اتفاق، إلا أن "كيم جونج أون" وعد "ترامب" بألا يؤثر ذلك على ما تم إنجازه في القمة الأولى، وأكد أن نظامه لن يستأنف التجارب الصاروخية. ولكن هذا لا يُعد كافيًا لإحلال السلام في المنطقة، أو رسم طريق واضح لسير المباحثات حيال ملف بيونج يانج النووي.

وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى رد فعل "ترامب" تجاه فشل القمة، فهو له تاريخ في تبادل العبارات اللاذعة مع "كيم"، إلا أن هذا لم يحدث في هذه الحالة، بل إن وزير الخارجية "مايك بومبيو" صرح بأن الولايات المتحدة "حريصة على العودة لمواصلة تلك المحادثات"، فضلًا عن تصريح "ترامب" بأن المهم هو التوصل إلى اتفاق صحيح وليس إتمام الاتفاق بشكل سريع، وهذا يعني أن الجانب الأمريكي لم يفقد الأمل أو الرغبة في استمرار الحوار مع كوريا الشمالية، والمؤشر الأقوى لذلك هو تأكيد "ترامب" على استمرار تعليق المناورات العسكرية مع كوريا الجنوبية، وبالتالي فإنه من المستبعد أن تقوم الإدارة الأمريكية بانتهاج سيناريو تصعيدي تجاه كوريا الشمالية.

كما أنه يستبعد لجوء كوريا الشمالية إلى مزيدٍ من التصعيد في ظل الحاجة إلى إنعاش الاقتصاد الكوري الشمالي وتحقيق تنمية اقتصادية، وأي تصعيد منفرد من جانب كوريا الشمالية قد يقابله فرض مزيدٍ من العقوبات.

ومن المتوقع أن يقوم رئيس كوريا الجنوبية "مون جاي - إن" ببذل قصارى جهده لدعم سيناريو عدم التصعيد واستمرار المفاوضات، لأن أي تراجع في مسار المفاوضات يعني انتكاسة لسياسة التقارب مع بيونج يانج، حيث كانت كوريا الجنوبية مستعدة للبدء في مشروعات مشتركة مع الشطر الشمالي، وربط البلدين بشبكة سكك حديدية لنقل المواطنين والبضائع بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، إلا أن فشل القمة سيهدد هذا التقارب. واليابان هي الأخرى من مصلحتها أن يستمر التفاوض وأن يُثمر عن نتائج، خاصة وأنه إثر فشل القمة فقد تراجعت أسهم مؤشر نيكي 225 نقطة في اليابان بانخفاض قدره 0.8%.

وتُعد الصين المستفيد الإقليمي الأكبر من عدم توصل القمة لأي اتفاق، فربما تضطر الولايات المتحدة إلى اللجوء للصين للضغط على كوريا الشمالية، وبالتالي سيكون لدى الصين ورقة ضغط جيدة تستطيع أن تساوم بها الولايات المتحدة في حربهما التجارية، ولكن هذا لا يعني أن الصين ستعرقل المفاوضات بشكل كبير وتحث كوريا الشمالية على انتهاج منهج تصعيدي، لأن ذلك سوف يرتد عكسًا عليها حيث سيتهمها "ترامب" بالتلاعب بمصير المنطقة لمجرد إنهاء الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، وهي صورة ذهنية يرفض القادة الصينيون تعزيزها عنهم، فالصين قد تستخدم بيونج يانج كورقة ضغط على الولايات المتحدة ولكن دون أن تدفع الأمور إلى الانهيار أو التصعيد كما كان الحال عام 2017.

ختامًا، لا يمكن القول إن أزمة البرنامج النووي الكوري الشمالي كان من الممكن أن يتم حلها بشكل كامل خلال هذه القمة، ولكن المؤكد أنه كان يجب على كل من الولايات المتحدة وكوريا الشمالية الإعداد لها بشكل أفضل، لأنه اتضح من هذه القمة أنه لم تسبقها أية اجتماعات تحضيرية على المستوى التنفيذي، وأنه تم اعتماد منهج "من الأعلى للأسفل" (up to bottom) وهو ما نتج عنه عدم التوصل لحل. وحيث إن كلا البلدين لم يصدر عنهما أي تصرف أو تصريح عدائي تجاه الآخر فمن المرجح أن السيناريو الذي سيحدث هو استمرار المفاوضات، وبصفة عامة تحتاج إدارة "ترامب" لاتباع سياسة النفس الطويل في التفاوض مع بيونج يانج التي لن تتخلى عن كافة أسلحتها النووية بسهولة.