أخبار المركز
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)
  • د. أحمد قنديل يكتب: (أزمات "يون سوك يول": منعطف جديد أمام التحالف الاستراتيجي بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة)
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)

حدود تأثير العرب والمسلمين في الانتخابات الأمريكية 2024

01 مارس، 2024


أثارت حرب إسرائيل على قطاع غزة ردود فعل شعبية غير مسبوقة في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ امتلأت شوارع واشنطن العاصمة وغيرها من المدن باحتجاجات كبيرة، دعماً لجانب أو لآخر. ومن المنظور السياسي، فإن قسماً كبيراً من النقاش الدائر في الولايات المتحدة حول هذه الحرب، يتركز داخل الحزب الديمقراطي، الأمر الذي أدى إلى إثارة قاعدتين انتخابيتين مهمتين ضد بعضهما؛ اليهود الأمريكيون من جهة، والتيار التقدمي من جهة أخرى. 

ويُضاف إلى ذلك، الأمريكيون العرب والمسلمون الذين يشكلون، وفقاً للمعهد الأمريكي العربي، 3.7 مليون شخص، وينتشرون جغرافياً في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، ويقطن 90% منهم المناطق الحضرية، بما فيها أكبر ست مناطق حضرية في البلاد (لوس أنجلوس، وديترويت، ونيويورك، وشيكاغو، وواشنطن العاصمة، ونيوجيرسي). وفي هذا السياق، يثور التساؤل عن مدى تأثير هؤلاء الأمريكيين العرب والمسلمين في موقف إدارة الرئيس جو بايدن من حرب غزة، وكذلك مدى تأثيرهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقرر إجراؤها في نوفمبر 2024. 

انعكاسات حرب غزة:

منذ شن عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023، حافظت إدارة بايدن على دعمها الثابت للرد العسكري الإسرائيلي على حركة حماس، والذي اتسم بعمليات تصعيدية واسعة ضد السكان المدنيين الأبرياء في قطاع غزة. واستمر هذا الدعم الأمريكي بالرغم من الضغوط التي مارسها الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي لتبني نهج متوازن يدعم وقف إطلاق النار. وبمرور الوقت، سعت الإدارة الأمريكية إلى تعديل خطابها السياسي بعض الشيء والحديث بشكل أكبر عن حماية المدنيين الأبرياء، وتوفير المساعدات الإنسانية، وإعادة تأكيد حل الدولتين كأساس لإنهاء الصراع. ويعكس ذلك محاولة إدارة بايدن تحقيق بعض التوازن بين الضغوط المتناقضة التي تواجهها، وذلك من خلال الاستجابة لليسار المؤيد للفلسطينيين، مع الاحتفاظ في الوقت نفسه بموقفها الأساسي الداعم لتل أبيب. ومع الوقت، بدأت الفجوة بين المواقف الأمريكية والإسرائيلية تتسع بشأن بعض القضايا العملياتية، غير أنه بإجماع كتاب أمريكيين كُثُر، من المُرجح أن يظل الدعم الأمريكي الأساسي لإسرائيل على حاله. 

وفيما يتعلق بالجاليات العربية والإسلامية، فقد أعلن قادتها أنهم بصدد التنسيق لاتخاذ موقف موحد من إدارة بايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة. في حين أظهر استطلاع للرأي أجراه "المعهد العربي الأمريكي"، في أواخر أكتوبر 2023، انخفاض دعم بايدن بين الناخبين العرب الأمريكيين بنسبة نحو 42%، ليصل إلى 17% فقط مقارنةً بعام 2020، وهي المرة الأولى منذ 26 عاماً التي لا تعبر فيها الغالبية من العرب والمسلمين الأمريكيين عن تفضيلهم للحزب الديمقراطي. كما أظهر الاستطلاع حينها أنه إذا أُجريت الانتخابات اليوم، فإن 40% سيصوتون لصالح ترامب، المرشح الأوفر حظاً عن الحزب الجمهوري، مقارنةً بنحو 35% صوتوا له في انتخابات عام 2020.

ومن الناحية العملية، لم تؤثر هذه التصريحات، أو حتى استطلاعات الرأي العام التي تشير إلى تراجع كبير في دعم الأمريكيين العرب والمسلمين لإدارة بايدن، في حقيقة استمرار دعمها لإسرائيل. ولعل من بين أحدث المؤشرات المرتبطة بذلك موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي، في 4 فبراير 2024، على مشروع قانون سعت إدارة بايدن بقوة إلى تمريره، لتخصيص 118 مليار دولار أمريكي، من بينها 14.1 مليار دولار مساعدات أمنية لإسرائيل. كما لا يجب تجاهل حقيقة أن إسرائيل حليف وثيق للولايات المتحدة، وهي في نظر أغلبية الأمريكيين تقاتل حركة حماس التي تصنفها الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية، وما زالت تحتجز رهائن أمريكيين. 

تأثير محدود:

في تقدير البعض، من الممكن لإدارة بايدن إعادة ترتيب الأوراق لاستمالة الأمريكيين العرب والمسلمين حتى يحين موعد إجراء الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل، لكن من المُرجح أن يفشل هذا الرهان. فمن جهة، لا تزال إدارة بايدن تواصل دعمها لإسرائيل، على نحو ما ذُكِر، ومن جهة أخرى فإن سجل الإدارة الحالية ضد القضية الفلسطينية قد تجاوز بمراحل سياسات إدارة ترامب السابقة، إلى حد يرقى إلى المشاركة في انتهاكات إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني. ولم تتخذ إدارة بايدن، منذ توليها السلطة، أية إجراءات إيجابية ملموسة على الأرض نحو تسوية القضية الفلسطينية، بل حافظت على استمرار الوضع الراهن. ومن ثم، لا يُتصور أن يتهاون الأمريكيون العرب والمسلمون إزاء بايدن وإدارته، ومن المُرجح أن يتواصل انخفاض دعمهم لبايدن حتى يحين موعد الانتخابات القادمة. 

ومع ذلك، يمكن القول إن تأثير الأمريكيين العرب والمسلمين في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في نوفمبر المقبل، يظل متواضعاً ولاسيما أنه ليس العامل الأوحد في تشكيل مسار هذه الانتخابات وما بعدها، إذ لا يعدو، في حقيقته، أن يكون عاملاً مساعداً ذا تأثير ثانوي في سباق الانتخابات الأمريكية. ويرجع ذلك إلى العوامل التالية:

1- الخبرة السياسية التاريخية المتواضعة للأمريكيين العرب والمسلمين: على مدار عقود، سادت صورة نمطية بأن المجتمع العربي والإسلامي في الولايات المتحدة لا يمتلك أي نفوذ سياسي يسمح له بالتأثير في تحديد السياسات والتوجهات للإدارة الأمريكية. ويعود ذلك إلى عدم توحد مواقف الأمريكيين العرب والمسلمين في الماضي، وتضاؤل عددهم الذي يتجاوز بالكاد 1% فقط من عدد سكان الولايات المتحدة البالغ 339 مليوناً، فضلاً عن افتقارهم إلى جماعات العمل السياسي القوية أو جماعات المصالح والضغط النافذة في واشنطن. كما يُلاحظ وجود حالة متكررة من رفض مساهمات الأمريكيين العرب في الحملات الانتخابية للمرشحين السياسيين، وذلك على غرار ما حدث في سباق ويلسون جود على منصب عمدة فيلادلفيا عام 1983، وكذلك بشأن حملة روبرت نيل في سباق الكونغرس في ولاية ميريلاند عام 1986، كما كان هذا الاستبعاد قائماً خلال حملة والتر مونديل في السباق الرئاسي عام 1984، وفي حملة هيلاري كلينتون للفوز بمقعد مجلس الشيوخ الأمريكي عام 2000. إذ تم رفض الأموال المقدمة بحجة أن الأمريكيين العرب ليسوا مواطنين أمريكيين كاملين. 

2- عدم اعتماد تصويت الأمريكيين بشكل عام على السياسة الخارجية: بينما تُولِي القيادات والنخبة اهتماماً كبيراً بالملفات الخارجية، فإن ما يهم الناخب الأمريكي هو القضايا الداخلية وكيفية تعامل النخبة معها. أما في حالة الناخبين الأمريكيين العرب والمسلمين، فإن اهتماماتهم تتجاوز القضايا الداخلية، وتتأثر قطعاً بما يحدث في المنطقة العربية، بما فيه تطورات القضية الأساسية والممتدة فيها والمتمثلة في القضية الفلسطينية. ومن ثم، كان طبيعياً أن تتحول نسبة كبيرة من الأمريكيين العرب إلى التصويت للحزب الديمقراطي خلال العقدين الأخيرين، ولا تختلف كثيراً طريقة تصويتهم في الانتخابات الأمريكية وانتمائهم الحزبي عن نظرائهم من الأمريكيين المسلمين، في ظل القواسم التاريخية والثقافية المشتركة بينهما. وبحسب وكالة "أسوشيتد برس"، يقول ثُلثا الناخبين المسلمين إنهم أدلوا بأصواتهم لصالح بايدن عام 2020، وهي نفس النسبة التي صوتت في الانتخابات الرئاسية عام 2016 لصالح هيلاري كلينتون، فيما يتعاطف 66% منهم مع الحزب الديمقراطي، بينما يعتبر 13% منهم أنهم جمهوريون أو يميلون إلى الحزب الجمهوري.

ولا شك في أن أجندات وسياسات المرشحين لها تأثيرها في توجهات التفضيلات الانتخابية للأمريكيين العرب والمسلمين، فقد غيَّروا ولاءاتهم السياسية في الماضي، بتصويت أكثرهم لصالح الجمهوريين، بما في ذلك جورج دبليو بوش، وذلك قبل الابتعاد عن الحزب الجمهوري بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003، وكذا مع تزايد خطاب "الإسلاموفوبيا" الذي عززه الجمهوريون بعد الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001. ومن ثم، كان منطقياً في هذا السياق أن يحافظ غالبية العرب والمسلمين الأمريكيين على دعمهم للديمقراطيين في انتخابات 2020، نتيجة لسياسات ترامب الذي فرض حظراً على سفر القادمين من بعض الدول الإسلامية، إلى جانب اتخاذه قراراً بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس وإعلانها عاصمة لإسرائيل، مما أثار غضب المسلمين والعرب.

3- الانقسام داخل المجتمع الأمريكي حول تعامل بايدن مع حرب غزة: وفقاً لنتائج استطلاع أجرته شبكة "أن بي سي نيوز" الأمريكية في الفترة من 10 إلى 14 نوفمبر 2023، يعتقد ما يقرب من نصف الناخبين الأمريكيين أن الإجراءات الإسرائيلية في غزة كانت مبررة، مقارنةً بـ30% فقط من الناخبين الذين اعتقدوا أنه ليس هناك ما يبرر ذلك. وعليه، بينما قد يخسر بايدن بعض الدعم في ولايات أمريكية رئيسية، لا توجد بيانات تدعم الحجة القائلة إن الموقف الأمريكي الأكثر انتقاداً لإسرائيل سيكسب الأصوات، فأولئك الأكثر انتقاداً لطريقة تعامل بايدن مع حرب غزة هم الجمهوريون، بالنظر إلى أن 70% منهم لا يوافقون على نهج إدارة بايدن، لكنهم يفضلون ترامب. 

4- تزايد الاستقطاب الداخلي إزاء كراهية الإسلام و"معاداة السامية": خلال الشهر الأول الذي أعقب هجوم حماس في 7 أكتوبر الماضي، أفاد مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية بزيادة بنسبة 216% في حوادث التمييز ضد المسلمين في الولايات المتحدة، فيما أعلنت رابطة مكافحة التشهير عن زيادة بنسبة 388% في "معاداة السامية" منذ وقوع هذا الهجوم. وعلى الرغم من تزايد نسبة كراهية المسلمين، من التقليدي في الولايات المتحدة، كما الغرب عموماً، أن تتمتع مسألة "معاداة السامية" بنوع من الخصوصية، كونها خطاً أحمر لا يجب المساس به. ومن ثم، من المُرجح أن تكون الغلبة لكسب تعاطف اليهود في الداخل الأمريكي، وهو ما من شأنه التأثير سلباً في مدى تأثير الأمريكيين العرب والمسلمين في الانتخابات القادمة، حتى ولو شكَّل هؤلاء كتلة تصويتية واحدة وجامعة، وذلك مع الأخذ في الاعتبار ضآلة نسبة الأمريكيين العرب والمسلمين مقارنةً بغيرهم من الأمريكيين بشكل عام.

خيار صعب:

إذا كانت هناك حالة من الغضب تجوب الشارع الأمريكي، ارتباطاً بما يجري في قطاع غزة، فإن ذلك من شأنه فقط دعم مسعى الأمريكيين العرب والمسلمين على أمل حرمان بايدن من الفوز بولاية رئاسية ثانية، وذلك بمراعاة تركز العرب والمسلمين في الولايات الخمس المتأرجحة، والتي تُقدَّر أصواتها بـ75 صوتاً من أصل 538 صوتاً في المجمع الانتخابي. هذا مع دخول عوامل أخرى قد يُوليها الأمريكيون اهتماماً في هذا السياق، من بينها تقدم بايدن بالعمر، والخلافات الداخلية المرتبطة بالمهاجرين غير الشرعيين والوضع الاقتصادي وغيرها من الملفات التي تشغل بال الناخب الأمريكي. 

وبما أنه من غير المُرجح أن تغير إدارة بايدن سياستها الداعمة لإسرائيل، فقد يجد الأمريكيون العرب والمسلمون أنفسهم أمام خيار صعب، يتمثل في إعطاء أصواتهم للمرشح الجمهوري، وهو ترامب في الغالب، نكاية في منافسه الديمقراطي، بالرغم من أن ما يقارب 70% منهم صوتوا ضد ترامب في انتخابات 2020 بسبب مواقفه المتماهية مع إسرائيل. وقد أظهر استطلاع "المعهد العربي الأمريكي" سالف الذكر، أن نحو 40% من العرب الأمريكيين سيصوتون لصالح ترامب، معاقبةً لبايدن. وقد يدعم العرب والمسلمون الأمريكيون مرشحاً ثالثاً، قد يظهر عندما يحين موعد الاستحقاق الانتخابي، في ظل عدم رضا غالبيتهم عن إدارة بايدن، وكذا نهج ترامب الداعم هو الآخر لتل أبيب. ويتعزز هذا المنحى في ظل تراجع تأييد المقاربة السياسية للحزبين المسيطرين في الولايات المتحدة من غالبية المواطنين الأمريكيين، وعلى نحو غير مسبوق، وخاصةً في ضوء رفض قطاع منهم عودة ثنائية "بايدن - ترامب".