أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

الاستنزاف البطيء:

كيف تتكيف روسيا مع العقوبات الغربية في المجال العسكري؟

11 يوليو، 2023


عرض: هند سمير

في أعقاب التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا في 24 فبراير 2022، فرضت الولايات المتحدة مجموعة غير مسبوقة من العقوبات والقيود المفروضة لمراقبة الصادرات التي تستهدف المجتمع الصناعي العسكري الروسي، مما وضع الشركات الروسية والبيلاروسية العاملة في مجال الدفاع والفضاء والإلكترونيات والبحرية وقطاعات التكنولوجيا المختلفة في قائمة الكيانات الخاضعة للعقوبات. وقيدت تلك العقوبات تدفق التكنولوجيا والبرمجيات الحساسة مزدوجة الاستخدام ذات الأصل الأمريكي إلى الشركات الخاضعة للعقوبات، وكذلك التكنولوجيا والبرامج الأجنبية المصنوعة باستخدام منتجات أمريكية المنشأ، كما أصدرت العديد من الدول الحليفة للولايات المتحدة في أوروبا وشرق آسيا، والتي تستورد منها روسيا مثل هذه العناصر توجيهات مماثلة.

نتيجة لهذه الإجراءات، واجهت موسكو تحديات في الوصول إلى المكونات الأجنبية الصنع اللازمة لإنتاج والحفاظ على أنظمة الأسلحة، من الصواريخ إلى الدبابات والطائرات. وعليه، أبدى مسؤولون غربيون نبرة متفائلة، فقد قالت وزيرة التجارة الأمريكية جينا ريموندو في إبريل 2022، "إن الجيش الروسي يكافح من أجل العثور على قطع غيار لدباباته، وأقماره الاصطناعية، وأنظمة تركيب الصواريخ الخاصة به"، مضيفة أن نظام العقوبات حظر وصول روسيا إلى "جميع أشباه الموصلات، ونظارات الرؤية الليلية، وإلكترونيات الطيران" تقريباً.

مع ذلك، تشير العديد من المؤشرات إلى أن الكرملين ابتكر طرقاً جديدة للتحايل على قيود الرقابة على الصادرات، وتأمين المكونات الأجنبية التي تشتد الحاجة إليها للحفاظ على أنظمة أسلحته وإنتاجها للاستمرار في الحرب على أوكرانيا. من هنا، تأتي أهمية تقرير ماكس بيرجمان وآخرين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) في إبريل 2023 والذي حمل عنوان "هل نفد المخزون؟.. تقييم أثر العقوبات على صناعة الدفاع الروسية"، ويفحص هذا التقرير التداعيات العملية للعقوبات الغربية على القاعدة الصناعية العسكرية الروسية ومدى قدرة الكرملين على التكيف معها.

تداعيات العقوبات: 

وفقاً للتقرير، تقدر المخابرات الأمريكية بأن قيود التصدير المفروضة على روسيا منذ فبراير 2022 قد أدت إلى تدهور قدرتها على استبدال أكثر من 6 آلاف قطعة من المعدات العسكرية، إذ أجبرت العقوبات المنشآت الصناعية الدفاعية الرئيسية في روسيا على وقف الإنتاج، كما تسببت في نقص المكونات الأساسية للدبابات والطائرات. وترافق ذلك مع جهود مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية (OFAC) حول العالم لفرض عقوبات على الدول غير الملتزمة بالعقوبات على روسيا. 

ويسعى الكرملين إلى الالتفاف على مكتب مراقبة الأصول الأجنبية والمبادرات التابعة له في سباق قد يحدد نتيجة الحرب في أوكرانيا. وتدرك وزارة الخزانة والحكومة الأمريكية حجم المهمة الماثلة أمامهما وتقومان بتعديل إجراءاتهما بناءً على النتائج الواقعية. جدير بالذكر أن هذه الجهود ستصبح أكثر أهمية مع دخول الحرب عامها الثاني، خاصةً مع عدم إظهار الجيش الروسي أي علامات على التخلي عن هدفه الرئيسي المتمثل في احتلال أوكرانيا.

وعلى الرغم من الطبيعة السرية للبيانات العسكرية المعنية بأثر العقوبات الغربية على روسيا، فقد توصل التقرير إلى عِدة استنتاجات من أبرزها ما يلي:

1) أجبرت العقوبات الغربية روسيا على الاعتماد على صواريخ أقدم وأقل دقة. ومع ذلك، فإن الضربات العسكرية الروسية المستمرة ضد أوكرانيا تُعد مؤشراً مهماً على أن موسكو لا تزال قادرة على التكيف من خلال إعادة استخدام أنواع مختلفة من الصواريخ. وما دامت القوات الروسية قادرة على شن مثل هذه الهجمات -حتى لو كانت أقل تكراراً وأقل دقة- فلا يزال هناك خطر على الأهداف المدنية والعسكرية. وقد تتعزز قدرة روسيا على مواصلة مثل هذه الهجمات من خلال جهود الدول الشريكة مثل: إيران أو الصين، ومن المرجح أن تستمر هذه التكتيكات حتى نهاية عام 2023.

2) يمكن أن تؤدي العقوبات الغربية على إنتاج المحركات إلى آثار طويلة المدى على الجيش الروسي، ولاسيما فيما يتعلق بجهود التعافي والإصلاح وإعادة البناء ومحاولات تطوير أنظمة عسكرية جديدة وتسليمها إلى الجيش، بما في ذلك الطائرات، وتدرك الحكومة الروسية هذا التأثير، ويتجلى ذلك في محاولاتها المستمرة لتصوير الصناعة الثقيلة المحلية والجهود الحربية على أنها لم تتأثر بالعقوبات.

3) حظيت جهود الحكومة الروسية للحصول على الرقائق الدقيقة التي تنتجها الشركات العالمية الرائدة باهتمام كبير منذ بداية الحرب، وتشير العديد من التحقيقات إلى صعوبة التحكم التام والكامل في تدفق هذه التكنولوجيا إلى روسيا. فنظراً لأهميتها للأنظمة والأسلحة والتقنيات العسكرية الروسية، فقد تصبح جهود الكرملين للحصول على الرقائق أكثر وضوحاً في عام 2023. ويمكن أن يؤثر الاعتماد على منتجات الإلكترونيات الدقيقة المستوردة ذات الجودة الأدنى في جودة الأسلحة المصنعة في روسيا، لكنه لن يؤدي إلى إبطائها أو منعها تماماً من القيام بعمليات عسكرية. في الوقت نفسه، فإن الدفع المحلي لروسيا لإطلاق إنتاج الرقائق الدقيقة هو جهد طويل الأجل من غير المرجح أن يحقق نتائج فورية سواءً للصناعات المدنية أو العسكرية. ومع دخول الحرب عامها الثاني، من المرجح أن تكثف الحكومة الروسية محاولاتها للحصول على الرقائق الدقيقة من خلال الجهود الحالية التي سبق الإشارة إليها، وكذلك من خلال مخططات جديدة للتحايل على العقوبات.

4) من المحتمل أن تواجه روسيا نقصاً في الأنظمة البصرية المتقدمة، مما يجبرها على إعادة تجهيز دباباتها بأنظمة أقل تطوراً، وهو ما قد يكون مكلفاً للجهود الروسية لتحويل خط المعركة غرباً، كما أن روسيا قد تواجه نقصاً في المحركات، مما يؤثر في إنتاج جميع المركبات. ومع ذلك، قد تكون روسيا قادرة على تعويض النقص الحالي بمكونات آسيوية ذات جودة أقل، ويُعد التأثير الكامل لمثل هذا النقص غير معروف حتى الآن.

تكيف روسي: 

يتسم الجيش الروسي بأنه بارع في استخدام المكونات ذات الاستخدام المزدوج. وهنا فإن روسيا ليست الدولة الأولى التي تلجأ إلى التكنولوجيا المدنية لزيادة قدراتها العسكرية، لكن حجم ونطاق هذه الحرب يجبران موسكو على العمل على نطاق غير مسبوق. فقد كشفت جهود العقوبات الأمريكية في العام الماضي أيضاً عن صعوبة التحكم في تدفق المكونات والمنتجات المدنية ذات الاستخدام المزدوج التي قد ينتهي بها الأمر في الأنظمة العسكرية، مما يمنح الجيش الروسي بعضاً من التنفس مع تطور جهود الاستحواذ العالمية لتتناسب مع مساعي مكتب مراقبة الأصول الأجنبية. 

ويوضح تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أنه لا يزال هناك الكثير من الطرق التي يمكن لوزارة الدفاع الروسية من خلالها الحصول على ما تحتاجه، حيث يستفيد الكرملين من الاقتصاد العالمي وسلاسل التوريد المعقدة والدول الشريكة الراغبة في العمل مع موسكو. ومن ناحية أخرى، يجبر النقص الكبير في الإمدادات روسيا على اللجوء إلى العناصر الأقل تقدماً من الناحية التكنولوجية، فضلاً عن مخزونات الدفاع من الحقبة السوفيتية. ومع بدء الجيش الروسي في نشر أنظمة قديمة تم تحديثها في الأشهر الأخيرة أصبحت جودة مثل هذه العمليات العسكرية موضع تساؤل، ولاسيما مقارنة بامتلاك أوكرانيا المستمر للأسلحة والأنظمة التي يزودها بها الغرب.

 وستعتمد وتيرة ونوعية العمليات العسكرية الروسية في الواقع على قدرة الجيش الأوكراني على نشر أنظمة قادرة على مواجهة التكتيكات الروسية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للجيش الروسي الاستمرار في إطلاق طائرات من دون طيار مقاتلة إيرانية الصنع من طراز (شاهد – 136) على البنية التحتية للطاقة الأوكرانية دون القلق من إسقاط معظمها، مما يضع العبء على المدافعين الأوكرانيين لإنفاق ذخيرة دفاع جوي ذات قيمة عالية. ولعل هذا هو جوهر هذه الحرب في عامها الثاني، إذ يمكن للجيش الروسي الاعتماد على مواصلة التغذية بتقنيات أقدم أو أقل حداثة طالما أنه يعتقد ببساطة أنها يمكن أن تصمد أمام شحنات الأسلحة والأنظمة الغربية إلى أوكرانيا.

حملة استنزاف أبطأ:

فقدت روسيا عدداً كبيراً من المركبات العسكرية في الحرب الأوكرانية، مما قد يحد من قدرتها على شن هجمات برية واسعة النطاق. وقد يكون هذا أحد الأسباب التي تجعل الحكومة الروسية، والرئيس بوتين خاصةً، يُقدم هذه الحرب على أنها مسعى طويل الأجل ضروري لضمان أمن روسيا. إذ يبدو أن استراتيجية روسيا في أوكرانيا تتمحور ضمن صراع طويل الأمد يستنفد ببطء مخزون الأسلحة الأوكرانية، بينما يفوق جهود المساعدات الغربية.

في الوقت نفسه، فإن تحويل هذه الحرب إلى حملة استنزاف بطيئة الخطى يخلق مساحة صغيرة للتنفس لصناعة الدفاع المحلية الروسية الخاضعة للعقوبات للتوصل إلى حلول للأزمة. وهناك بعض الأدلة على أن الحكومة الروسية والجيش الروسي منهكان ويفضلان وصول هذا الصراع إلى المرحلة النهائية التي يديرها المجتمع الدولي. ففي بيان في 28 فبراير 2023، أشار متحدث باسم الكرملين إلى أن مفاوضات السلام مع كييف ممكنة إذا تمكنت روسيا من الحفاظ على المناطق الأوكرانية التي تسيطر عليها حالياً. 

لكن في حالة الموافقة على مثل هذه المفاوضات، فلا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الحكومة الروسية ستحصر طموحاتها في المناطق التي تحتلها بالفعل إذا حافظت أوكرانيا على توجهها السياسي والعسكري الموالي للغرب. وهكذا، طالما حافظ الكرملين على نظرته الحالية لأوكرانيا، فمن المتوقع أن تستمر الحرب، حيث تفضل موسكو حملة استنزاف أبطأ وتيرة دون اختراقات أو تقدم كبير يمكن أن يضع مزيداً من الضغط على قاعدتها العسكرية والصناعية التي أُجهدت بالفعل بسبب العقوبات والأشهر الاثني عشر الأخيرة من الغزو.

توصيات غربية:

وفي حين من غير الممكن التحكم الكامل في تدفق الأجزاء التجارية التي ينتهي بها المطاف في النظام العسكري الروسي، يقترح مؤلفو تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية توصيات لصناع السياسة الغربية لسد الثغرات التي تستخدمها الحكومة الروسية لمواجهة العقوبات، ومنها، الاستمرار في إمداد أوكرانيا بالمعدات العسكرية المتطورة بوتيرة تتجاوز معدل الإنتاج الروسي، الأمر الذي سيجعل من الصعب على روسيا الحفاظ على حرب استنزاف. مع تحديد واستهداف الشبكات غير المشروعة، خاصة الأفراد المشاركين في جهود التهرب من العقوبات الحالية. ولكن عند القيام بذلك، يجب على الولايات المتحدة استخدام نفوذها في المحيط الإقليمي الروسي، خاصة أرمينيا وجورجيا وكازاخستان. 

كما يجب منع الشركات الفرعية والشركات التابعة لشركة (Rostec) العاملة في مجال الطيران المدني من استيراد وإرسال تقنيات الاستخدام المزدوج الخاضعة للعقوبات لصالح الشركات الأخرى التابعة لنفس الشركة والمشاركة في إنتاج أنظمة أسلحة مختلفة. وأخيراً، يدعو التقرير إلى إنشاء مكافئ لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية على مستوى الاتحاد الأوروبي، خاصةً أن مراقبة تنفيذ العقوبات والامتثال تقع على سلطات داخل الدول الأعضاء، مما قد يؤدي إلى تفاوتات.

المصدر:

Max Bergmann and others, Out of Stock? Assessing the Impact of Sanctions on Russia’s Defense Industry, The Center for Strategic and International Studies (CSIS), APRIL 2023.