أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

العرب:

ألمانيا تدخل معركة النفوذ في أفريقيا

03 يوليو، 2022


بعد الانسحاب الفرنسي الذي فسح المجال أمام تسلل روسي عبر مرتزقة فاغنر في مالي تتحرك ألمانيا لتدخل المعركة حول النفوذ في القارة السمراء والدائرة بين عدة قوى على غرار فرنسا والصين وروسيا والولايات المتحدة.

برلين – تبعث الجولة التي قام بها المستشار الألماني أولاف شولتس في أفريقيا في وقت سابق برسائل مفادها أن ألمانيا دخلت هي الأخرى في المعركة المحتدمة حول النفوذ في القارة السمراء خاصة في ظل حدة التنافس بين فرنسا وروسيا، ففيما تعتبر الأولى أن مستعمراتها السابقة هي مناطق نفوذ خالصة لها، فإن الثانية نجحت في التسلل وترسيخ موطئ قدم لها في المنطقة.

ومثلت أفريقيا وجهة شولتس الأولى الخارجية وليس آسيا أو أميركا اللاتينية حيث قام بزيارة خلال الفترة الممتدة من الثاني والعشرين إلى الخامس والعشرين من مايو الماضي إلى القارة شملت السنغال والنيجر وجنوب أفريقيا.

وبالرغم من أن الوضع المعقد في أوكرانيا كان في صدارة هذه الجولة حيث تستمر المعارك العنيفة بين القوات الروسية والأوكرانية التي تكابد لمنع سيطرة الروس على إقليم دونباس، إلا أن تركيز شولتس كان منصبا أيضا على استكمال ما بدأته سابقته المستشارة أنجيلا ميركل تجاه القارة السمراء.

دور عسكري   

الملف الأمني تصدر محور محادثات شولتس مع رئيس النيجر محمد بازوم ما يعكس عسكرة الدور الألماني

يعكس فحوى المباحثات التي أجراها شولتس مع قادة الدول الأفريقية الثلاث المذكورة أن ألمانيا بصدد عسكرة دورها في ظل تنامي مخاطر التنظيمات الجهادية لاسيما في دول الساحل وأيضا انشغال القوى المتدخلة هناك بالتنافس على النفوذ بدل محاربة المتطرفين كما هو الحال لروسيا وفرنسا في مالي.

وتصدر الأمن محادثات شولتس مع رئيس النيجر محمد بازوم في نيامي.

وكانت ألمانيا قد قامت شأنها شأن قوى أوروبية أخرى مثل فرنسا بنقل دعمها العسكري لمحاربة الجماعات الجهادية العنيفة إلى النيجر بعد أن أطاح المجلس العسكري بالحكومة المنتخبة في مالي المجاورة، وتبنى سياسات عدائية انتهت بطرد فرنسا من البلاد.

وسيتم نشر 200 جندي ألماني في دولة النيجر الغنية بالموارد الطبيعية وذات الأهمية الجيوستراتيجية البالغة. ويقوم الجيش الألماني بتدريب القوات الخاصة النيجيرية كجزء من عملية غزال، الجارية منذ عام 2018 في إطار مهمة بعثة الاتحاد الأوروبي للتدريب.

وكان البرلمان الألماني قد قرر في وقت سابق إنهاء مشاركة الجيش الألماني في هذه المهمة في دولة مالي المجاورة، التي تقودها حاليا حكومة عسكرية معادية لفرنسا والغرب، بينما قامت باماكو بإقحام مرتزقة فاغنر الروسية في حربها مع الجماعات الجهادية.

وسيستمر على ما يبدو تدريب القوات الخاصة في النيجر الذي يعتبر ناجحا حتى نهاية هذا العام، ومازالت المحادثات جارية حول كيفية استمرار مشاركة الجيش الألماني في المهمة.

ومن ا لمقرر أن يواصل الجيش الألماني المشاركة في مهمة “مينوسما” التابعة للأمم المتحدة في مالي، علاوة على ذلك فقد رفع البرلمان الحد الأقصى لعدد القوات المشاركة في المهمة إلى 1400 جندي.

واعتبر الباحث حمدي عبدالرحمن في ورقة بحثية لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة أن “زيارة المستشار شولتس إلى نيامي تكتسب دلالة كبيرة، نظرا لأن حكومة الرئيس بازوم المنتخبة ديمقراطيا في النيجر تتبع مسارا مواليا للغرب، كما أنها على عكس العديد من البلدان الأفريقية الأخرى، عارضت بوضوح التعاون مع روسيا”.

وأضاف عبدالرحمن “وعليه، سوف تكتسب النيجر مكانة محورية في الفكر الاستراتيجي الغربي، في إطار سياسات بناء التحالفات الجديدة في عالم ما بعد الحرب الأوكرانية. وطبقا لتفويض البوندستاغ الألماني فقد تم تمديد مهام الحرب الألمانية في منطقة الساحل حيث تقوم النيجر بدور محوري بشكل متزايد في هذا الأمر، نظرا لنقل مقر بعثة الاتحاد الأوروبي للتدريب المهني بالكامل تقريبا من مالي إلى النيجر”.

أجندة ألمانية

يعد تحرك ألمانيا صوب القارة السمراء محسوبا حيث تسعى برلين لتحقيق جملة من الأهداف لعل أهمها احتواء النفوذ الروسي المتزايد في أفريقيا وملء الفراغ الذي يتركه الفرنسيون الذين يواجهون رفضا متناميا لحضورهم هناك.

وتعكس زيادة المشاركة الألمانية في قوات مينوسما في مالي من 1100 إلى 1400 جندي استعدادا على ما يبدو لتصعيد المواجهة مع الجهاديين.

وبحسب نص التفويض يمكن حشد المزيد من القوات “في مراحل إعادة الانتشار، وكذلك في سياق تناوب القوات، وفي حالات الطوارئ”. وبذلك، تم تفويض بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي باتخاذ جميع التدابير اللازمة، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية، لإنجاز المهمة.

وسيكون من أهداف الانخراط الألماني الكبير في القارة السمراء التصدي للنفوذ الروسي حيث نجحت موسكو في التسلل إلى مالي عبر مرتزقة فاغنر خاصة وأن البلد الأفريقي الذي تمزقه الفوضى السياسية والأمنية ثالث أكبر منتج للذهب في أفريقيا بعد جنوب أفريقيا وغانا، ولديه رواسب كبيرة من البوكسيت والفوسفات وخام الحديد.

وقال عبدالرحمن إنه “على الرغم من أن ألمانيا نفسها كانت ذات يوم قوة استعمارية في أفريقيا، فقد حظيت الدول الغربية الأخرى بالأولوية، لاسيما فرنسا. وعليه ترغب ألمانيا في إطار توجهاتها الاستراتيجية الجديدة في أن تصبح قوة أوروبية رائدة من خلال اكتساب النفوذ والمكانة على الصعيد الدولي”.

ومن خلال ذلك ستكون أفريقيا على موعد احتدام التنافس على النفوذ حيث يسعى قادة أوروبا وفي مقدمتها فرنسا وألمانيا للتصدي إلى التقدم الذي أحرزته الصين في أفريقيا، وأيضا احتواء تهديدات التحركات التركية والروسية في القارة.

كما تهدف التحركات الألمانية على ما يبدو إلى التصدي لإجراءات الحرب التجارية بين واشنطن وبكين من خلال دفع الشركات الألمانية لغزو الأسواق الأفريقية والاستفادة من فرص الاستثمار فيها.

*لينك المقال في العرب:*