أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

معادلات طائفية:

الأجهزة الأمنية ومصالح النخبة في لبنان

12 يونيو، 2015


إعداد: إسراء إسماعيل

"تعمل الأجهزة الأمنية اللبنانية لحماية مصالح النخبة، ويتحقق ذلك من خلال ترتيبات بين هذه النخب حول كيفية الحكم"... انطلاقاً من هذه الفرضية، أصدر المعهد الهولندي للعلاقات الدولية "Clingendael" تقريراً في شهر مايو 2015 تحت عنوان: "النخب والسلطة والأمن: كيف تخدم الأجهزة الأمنية مصالح النخبة في لبنان؟"، أعده "إروين فان فين" Erwin van Veen – كبير الباحثين في وحدة أبحاث الصراعات بمعهد Clingendael -، وتناول فيه الآثار المترتبة على تنافس النخب السياسية اللبنانية على أساس طائفي، وأبرز الأجهزة الأمنية وانتماءاتها الطائفية، وأهداف النخب السياسية الطائفية، وتأثير الصراع السوري على مصالح هذه النخب.

ويوضح التقرير أن كثيراً من التحليلات السياسية الحالية تُركز على آثار الصراع الدائر في سوريا، والخوف من امتداده إلى لبنان، وسقوط البلاد في دوامة من العنف، ولكنها تغفل حقيقة أن مصالح النخب السياسية في لبنان هي التي تحدد إلى حد كبير كيفية أداء الأجهزة الأمنية في البلاد، ولذا فإن فهم مصالح النخب السياسية يعد عاملاً رئيسياً لفهم أداء هذه الأجهزة، ومجالات اهتمامها، والدوافع التي تُحركها.

غياب رؤية وطنية مشتركة حول الأمن

جاء تقسيم السلطة بين النخب في لبنان على أساس طائفي، ليعكس التوازن الديناميكي بين مصالح الفئات الاجتماعية والدينية المختلفة، وتسعى كل نخبة للمحافظة على - أو زيادة - قوتها النسبية وتأمين المزايا لصالحها، مما يتسبب في اشتعال حدة المنافسة، وتعزيز الانتماءات الطائفية على حساب الانتماء القومي، وغالباً ما يقود ذلك إلى الدخول في مباراة محصلتها "صفرية"، أو أحياناً تؤدي إلى الحفاظ على استمرار الوضع القائم.

وفي ظل هذا المشهد السياسي المشحون، تعمل الأجهزة الأمنية في لبنان أولاً وقبل كل شيء على خدمة مصالح النخب السياسية الطائفية.

ويشير التقرير إلى أن تنافس النخب السياسية على أساس طائفي يتسبب في غياب وجود رؤية وطنية مشتركة حول الأمن، وهذا يؤدي بدوره إلى ثلاث نتائج، هي:

1 ـ عدم تطوير الأجهزة الأمنية في الدولة، واستمرار تخلفها بشكل متعمد.

2 ـ العجز عن توفير الأمن وإنفاذ القانون في ظل عدم التوافق بين النخب الطائفية الرئيسية.

3 ـ نتيجة لانعدام الثقة بين الطوائف، يتخلل التمثيل الطائفي كافة الأجهزة الأمنية في الدولة.

وهذا يجعل من الصعب على الأجهزة الأمنية التحرك لضمان توفير الأمن القومي أو حتى أمن المواطن بشكل يتسم بالشفافية ويضمن كسب ثقة المواطنين، وبدلاً من ذلك تتدخل الأجهزة الأمنية وفقاً لكل حالة على حدة، بما يسمح به التوافق السياسي بين النخب.

وعندما تتقاطع وتتفق المصالح الطائفية فقط تظهر المصلحة الوطنية، وفي هذه الحالة يمكن أن تتدخل الأجهزة الأمنية لمصلحة اللبنانيين كافةً، ولكن دون ذلك فإن بعض الفصائل تستفيد أكثر من غيرها من الأجهزة الأمنية القائمة.

الأجهزة الأمنية الرئيسية في لبنان

توجد في لبنان خمسة أجهزة أمنية رئيسية على المستوى الوطني، وقد حاول التقرير تقييم كل منها وفق آراء الناس حولها، عبر عدة مقابلات مع مختلف الأطياف السياسية والطائفية في لبنان، وتتمثل هذه الأجهزة في الآتي:

1 ـ القوات المسلحة اللبنانية (LAF): من حيث التكوين الطائفي، يعتبر الجيش اللبناني محايداً نسبياً، ويتمتع بمستويات عالية من الثقة الشعبية (أكثر من 80٪)، باستثناء فرع الاستخبارات، الذي يرى كثيرون أنه يتعاون مع "حزب الله" إن لم يكن الأخير مُسيطراً عليه. ولكن من حيث المهام، يُنظر إلى الجيش اللبناني باعتباره المسؤول الأساسي عن الحفاظ على الأمن الداخلي، مع تمتعه بقدرات أقل للدفاع عن حدود لبنان ضد التهديدات الأمنية التقليدية وغير التقليدية.

2 ـ قوات الأمن الداخلية (ISF): من حيث التكوين الطائفي، فإنها تميل للطائفة السنية، وتتمتع بمستويات محدودة من الثقة الشعبية (نحو 50%). ومن حيث المهام، فإنها تعد بمثابة قوات للشرطة تتعامل مع إدارة المرور، والجرائم العادية، وفرض النظام، ولكنها لا تتمتع بالقدرة على حشد القوات في حالة وقوع صراعات عنيفة منظمة.

3 ـ الأمن العام (GS): من حيث التكوين الطائفي، يعتبر أحد أذرع "حزب الله". ومن حيث المهام، يُنظر إليه باعتباره مسؤولاً عن تأمين حدود لبنان.

4 ـ حزب الله: من حيث تكوين الطائفي، يمثل "حزب الله" الشيعة في لبنان، ويرى كثيرون أنه يعتبر وكيلاً لإيران في لبنان، وأن نشأته جاءت بسبب التهميش التاريخي الذي تعرّض له الشيعة من ناحية، والتهديد الإسرائيلي المستمر للبلاد من ناحية أخرى، مما دفعه لامتلاك أسباب القوة واستخدام العنف. ومن حيث المهام، يُنظر إليه باعتباره مُنافساً رئيسياً على النفوذ الداخلي مع النخب الطائفية الأخرى في البلاد، أخذاً في الاعتبار قدرته على استخدام القوة.

ويرى كثيرون أن "حزب الله" تسبب في إدخال لبنان في الحرب الأهلية السورية، وأنه يحاول استغلال الآثار السلبية لهذا الموقف – وهي صعود الجماعات المتطرفة – من أجل تعزيز موقفه السياسي الداخلي.

5 ـ كتائب المقاومة: من حيث التكوين الطائفي، فقد تم إنشاء هذه الألوية بقيادة "حزب الله" على الرغم من أنها تضم أعضاء من طوائف مختلفة. ويرى كثيرون أنها محاولة من جانب "حزب الله" لتوسيع نفوذه في جميع أنحاء البلاد تحت ستار توفير الأمن ضد التطرف. كما يرى آخرون أن أعضاء الطوائف الأخرى غير الشيعية تنضم لها مقابل الحصول على أجر، وبسبب القوة التي تمنحها العضوية في هذه المجموعة، والحاجة إلى توفير الحماية.

ويشير الكاتب إلى أنه أدرج "حزب الله" وكتائب المقاومة ضمن الأجهزة الأمنية اللبنانية في التقرير، نظراً لأهميتهما التي تفوق الأجهزة الثلاثة الأخرى المشار لها أعلاه.

أهداف النخب السياسية الطائفية

تخدم الطريقة التي يتم بها تكوين وتنظيم تحركات أجهزة الأمن الوطنية في لبنان حالياً، أهداف النخب الطائفية، وتتمثل هذه الأهداف فيما يلي:

1 ـ منع الأجهزة الأمنية للدولة من أن تمثل تهديداً ضد أي فصيل من الفصائل، أي ضمان عدم استخدام الدولة للقوة ضد طائفة معينة.

2 ـ سهولة استخدام العنف، فمع غياب توفر أجهزة أمنية متطورة، ووجود تمثيل طائفي قوي داخل هذه الأجهزة، فإن ذلك يجعل من السهل نسبياً استخدام العنف من أجل تحقيق أهداف سياسية، دون خوف من وجود عقاب.

3 ـ قوة التمثيل الطائفي داخل قوات الأمن اللبنانية، تزيد من قدرة النخب على الاستغناء عن الدعم الشعبي (القاعدة الشعبية) في مقابل اعتمادهم على دعم الأجهزة الأمنية عبر مُمثليهم فيها (القاعدة الأمنية). ويوفر لهم هذا التمثيل حصة من الوظائف يتمكنوا من تخصيصها وتوزيعها على من يرونه مناسباً لمصالحهم، كما أن الترقِّي واحتلال المناصب العليا يعتمد على التوازن الطائفي، ورعاية مصالح نخب الطائفة، أكثر من الاعتماد على مستوى الأداء في العمل، ومعايير الجدارة والاستحقاق.

4 ـ مراقبة الحدود بشكل جزئي في مواقع استراتيجية معينة على أساس طائفي، الأمر الذي يولِّد منافع سياسية أو مالية تصب في مصلحة النخب السياسية الطائفية، فمع محدودية قدرات الأجهزة الأمنية وارتفاع التمثيل الطائفي داخلها، يصبح من الواضح افتقاد الأجهزة الأمنية القدرة والرغبة في حماية الحدود بشكل كامل.

وفي هذا الإطار، يشير التقرير إلى أنه من الغريب أن يستمر اتفاق النخب في لبنان على الاعتراف صراحةً ورسمياً بحق "حزب الله" - كمنظمة غير حكومية - في الاحتفاظ بقدراته المسلحة خارج إطار الدولة، وأن ذلك الأمر يوضح ضعف احتكار الدولة لاستخدام القوة المسلحة، وعدم وجود إرادة سياسية لفرض السيطرة الكاملة على الدولة.

ويتسبب ذلك الوضع في التأثير سلباً على أداء أجهزة الأمن الوطنية لوظائفها، ويتضح ذلك من خلال المظاهر الآتية:

ويتسبب ذلك الوضع في التأثير سلباً على أداء أجهزة الأمن الوطنية لوظائفها، ويتضح ذلك من خلال المظاهر الآتية:

  • تقديم الخدمات الأمنية بشكل متفاوت وغير متكافئ، فضلاً عن عدم الوثوق في أجهزة الأمن، حيث يتم توفير الأمن وفقاً لمدى سيطرة النخب، والانتماءات الطائفية.
  • اتخاذ الخدمات الأمنية طابعاً غير رسمي من قبل الأجهزة الأمنية للدولة.
  • عدم قدرة الأجهزة الأمنية الوطنية على توفير الأمن القومي كخدمة جماعية، بسبب عدم التوافق على تحديد المصالح القومية المشتركة.
  • استمرار الوضع الراهن بما يحمله من قصور في توفير وكيفية تقديم الخدمات الأمنية للمواطنين كافة.

الصراع السوري ومصالح النخب اللبنانية

تسببت التهديدات الأمنية الناتجة عن استمرار الصراع في سوريا، في تحفيز بعض النخب السياسية الطائفية في لبنان على التقارب؛ فمن جهة أدرك قادة حزب الله (الشيعي) أنه لا يمكن النجاح في التدخل في سوريا لدعم الرئيس "الأسد"، وفي الوقت نفسه الحفاظ على الاستقرار الداخلي ضد الجماعات المتطرفة المتنامية.

ومن ناحية أخرى، يرى قادة تيار المستقبل (السني) أن سيطرتهم على المجتمع السني في لبنان مهددة من قِبل نفس الجماعات المتطرفة، خاصةً مع قدرتها على اجتذاب وتجنيد الشباب، لأنها توفر حائط صد أكثر قوة وعدوانية في مواجهة هيمنة "حزب الله".

ومن ثمَّ، حدث نوع من التقارب بين مصالح النخب - سواءً حزب الله أو تيار المستقبل أو القوت المسلحة اللبنانية - بهدف تمكين القوى الأمنية اللبنانية من التعاطي مع إشكالية التطرف في لبنان. وفي حين أن هذا التقارب يخدم المصالح الطائفية والوطنية على حد سواء، إلا أنه يُنظَر إليه باعتباره يصب في مصلحة "حزب الله" أكثر من غيره، وهذا بدوره يهدد الجماعات الطائفية الأخرى، حيث من المرجح أن تسعى على نحو متزايد لضمان أمنها، وما قد يصاحب ذلك من زيادة مستوى التطرف والعنف.

ويؤكد التقرير أنه سيكون من الخطأ النظر إلى عدم قدرة الأجهزة الأمنية الحكومية الرئيسية في لبنان على ضمان الأمن القومي أو أمن المواطن، باعتباره حالة من الخلل الوظيفي، بل على العكس تماماً، حيث إن هذا الخلل الوظيفي هو ما يريده جزء كبير من النخبة اللبنانية، لأنه يعمل على خدمة أهدافها ومصالحها بشكل جيد.

ختاماً، يُوصي التقرير بأن جهود الإصلاح لابد أن تأخذ في الاعتبار مصالح النخب في لبنان، سواء المصالح السياسية والأمنية أو الاتفاق الطائفي التوافقي فيما بينهم، وإلا فإنها ستكون محدودة التأثير. ومع ذلك، إذا تمكنت أجهزة الأمن الوطنية من استغلال الأزمة الحالية لتأكيد السيطرة على المشهد الأمني الداخلي بشكل أكثر توازناً، من خلال خدمة مصالح النخب الطائفية على المدى القصير، وفي نفس الوقت الحفاظ على شرعيتها لدى المواطنين، فإنها بمرور الوقت قد تتمكن من توفير الأمن بشكل يُرضي طموحات وتوقعات الشعب اللبناني، وبدلاً من تقديم الخدمات الأمنية على أساس طائفي يتم توفيرها على أسس وطنية.

وفي حين أن هذا المسعى قد يتحقق ببطء على المدى الطويل، كما أنه قد يكون عُرضة للانتكاسات، فإنه يمثل نهجاً عملياً للحفاظ على الاستقرار النسبي بين النخب اللبنانية المنقسمة، وهو مسعى يستحق الدعم الدولي.

* عرض مُوجز لتقرير تحت عنوان: "النخب والسلطة والأمن: كيف تخدم الأجهزة الأمنية مصالح النخبة في لبنان؟"، والمنشور في مايو 2015 عن المعهد الهولندي للعلاقات الدولية "Clingendael".

المصدر:

Erwin van Veen, Elites, power and security: How the organization of security in Lebanon serves elite interests (Nederland, Netherlands Institute of International Relations Clingendael, May 2015)