أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

فعالية محدودة:

كيف تستعد إيران لمواجهة العقوبات الاقتصادية الأمريكية؟

17 يوليو، 2018


تسعى إيران للتحرك على عدة مستويات بهدف احتواء آثار تطبيق العقوبات الاقتصادية الأمريكية عليها، والتي ستبدأ في أغسطس 2018 على أن يتم تشديدها في نوفمبر من العام نفسه، ويتمثل أهمها في تأمين السلع الحيوية، وتخفيف الضغط على النقد الأجنبي، وضمان تسويق النفط دوليًا. ورغم أهمية هذه الخطوات في تعزيز قدرة الاقتصاد الإيراني على مواجهة العقوبات الأمريكية، خاصة مع ترجيح قيام إيران بإعادة تكوين شبكات تهريب الأموال والسلع على غرار فترة العقوبات الاقتصادية السابقة (2012-2015)، إلا أن نجاح الولايات المتحدة في تنفيذ تعهداتها بحظر وصول كافة صادرات النفط الإيرانية للأسواق الدولية سيكون سببًا كفيلاً لتدهور الاقتصاد الإيراني بشدة. 

ضغوط قوية:

تسبب اتجاه الإدارة الأمريكية نحو فرض حزمة جديدة من العقوبات على إيران، بعد انسحابها من الاتفاق المبرم بين إيران ومجموعة "5+1"، في مأزق شديد لاقتصادها. ومن المقرر أن تبدأ السلطات الأمريكية في تطبيق عقوبات واسعة على كافة أنشطة الاقتصاد الإيراني بما فيها النفط والسيارات والتعدين وغيرها على مرحلتين في أغسطس ونوفمبر المقبلين، وبما سوف يؤدي لأضرار شديدة للأخير.

ولتجنب أية عقوبات أمريكية محتملة، اضطرت العديد من الشركات الأمريكية الأوروبية للتخلي عن أنشطتها وصفقاتها التجارية مع إيران مؤخرًا، ولعل أبرزها شركة "توتال" الفرنسية، التي انسحبت من مشروع تطوير المرحلة 11 من حقل بارس الجنوبي، إلى جانب شركات مثل "ميرسك سيلاند" الدنماركية العاملة في مجال النقل البحري، ومجموعة "بي إس إيه" الفرنسية المتخصصة في صناعة السيارات.

وتوازى ذلك أيضًا مع وقف العديد من البنوك الأوروبية، مثل بنك "دي.زد" الألماني، تعاملاتها المالية مع إيران. فيما قررت شركة "بوينج" لصناعة الطائرات التخلي عن صفقة مع إيران بقيمة 20 مليار دولار لبيع طائرات إلى الخطوط الجوية الإيرانية "إيران إير" وشركة "آسمان".

أما على صعيد صادرات النفط، فقد بدأت الدول المستوردة للنفط الإيراني في التحول عن إيران لصالح مشترين آخرين في منطقة الشرق الأوسط، ويأتي ذلك بعد إصرار وزارة الخارجية الأمريكية على حظر كافة الصادرات النفطية الإيرانية للأسواق الدولية قبل أن تتراجع مجددًا، بيد أن ذلك نجم عنه بالآونة الأخيرة اتجاه مصافي النفط في آسيا لتقليص مشترياتها من إيران، وهو ما انعكس، على سبيل المثال، في انخفاض واردات كوريا الجنوبية من النفط الإيراني إلى 686.8 ألف طن مقارنة بـ1.15 مليون طن في يونيو 2017، واتجاه شركة "ريلاينس إندستريز"، التي تدير أكبر مصافي الهند، إلى وقف تدريجي لاستيراد النفط من إيران.

استعدادات مسبقة:

تتحرك إيران على عدة مستويات لمواجهة تبعات تطبيق العقوبات الأمريكية الاقتصادية على البلاد، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- اقتصاد حرب: على غرار خطوات اتخذتها إيران خلال الحرب مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي، بدأت الحكومة في تشكيل غرفة عمليات لإدارة تبعات تطبيق العقوبات الاقتصادية بناءً على توجيهات المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي اعتبرها ضرورية لمواجهة ما يسمى بـ"الحرب الاقتصادية" التي تشنها الولايات المتحدة ضد طهران. وفي الوقت نفسه، أكد النائب الأول للرئيس إسحاق جهانجيرى عزم الحكومة اتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بمقاومة العقوبات الأمريكية وحماية نظامها المصرفي وزيادة صادراتها النفطية للأسواق الدولية.

2- تأمين السلع الحيوية: في خطوة لتأمين إمدادات كافية من السلع الحيوية والخدمات بالأسواق، اتجهت الحكومة، في 13 يوليو الجاري، إلى حظر تصدير الكهرباء والمياه بالكامل إلى الدول المجاورة مثل باكستان وأفغانستان والعراق، وخاصة مع اندلاع احتجاجات شعبية في الأشهر الماضية نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية والخدمات بالبلاد. وسبق تلك الخطوة، قيام مديرية الجمارك، في 7 من الشهر نفسه، بحظر تصدير 18 منتجًا زراعيًا إلى خارج البلاد على رأسها الدقيق والقمح والذرة والشعير.

3- تسويق النفط دوليًا: تضع الحكومة على قمة أولوياتها ضمان وصول صادراتها النفطية للأسواق الدولية، وهو ما دفعها للتحرك على عدة محاور لتحقيق هذا الهدف، مثل التعويل على مشترين آخرين، وفي مقدمتهم تركيا، التي أعلنت استمرار استيراد النفط الإيراني، حيث أكد وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي، في 27 يونيو الماضي، أن تركيا لا تعتبر نفسها ملزمة بالامتثال لمساعي الولايات المتحدة لوقف صادرات النفط الإيرانية.

إلى جانب إجراء مشاورات مع روسيا لضمان استمرار وصول صادرات النفط الإيرانية للأسواق الدولية، وذلك بموجب اتفاق ستقوم بموجبه الأخيرة بتزويد إيران بالسلع مقابل النفط، وذلك على غرار صفقة مماثلة لم يتم تنفيذها بين الطرفين بقيمة 20 مليار دولار في عام 2014.

وفي الوقت نفسه، تعول إيران على روسيا لتعزيز الاستثمارات بالقطاع النفطي، على نحو ما أشار إليه مستشار المرشد الأعلى علي أكبر ولايتي عقب لقاءه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث أكد استعداد موسكو لاستثمار ما يصل إلى 50 مليار دولار في قطاع النفط والغاز. ويتوازى ذلك مع السماح للشركات الخاصة الإيرانية بتصدير النفط الخام من خلال البورصة السلعية في طهران.

4- تخفيف ضغوط النقد الأجنبي: تستعد إيران لمواجهة تبعات العقوبات الأمريكية على سوق النقد الأجنبي من خلال محاور مختلفة، منها تعزيز أرصدتها من النقد الأجنبي، من خلال مصادر مختلفة، كسحب الودائع الإيرانية الموجودة خارج البلاد، وهو ما دفعها لمطالبة ألمانيا، في 10 يوليو الجاري، بسحب 300 مليون يورو (350 مليون دولار) من حسابات بنكية وتحويلها إليها.

إلى جانب ذلك، تعمل إيران على تنشيط تجارة العملات الصعبة غير الرسمية مع بعض دول الجوار، على غرار ما يحدث على الحدود الأفغانية- الإيرانية، مستفيدة من تدفقات النقد الأجنبي الوفيرة في أفغانستان بفضل المساعدات والمنح الدولية، وبما يشكل قناة أخرى لتوفير النقد الأجنبي في البلاد.

كما حرصت الحكومة على تأسيس سوق رسمية ثانوية للعملة الصعبة يتاح فيها تداول العملات الصعبة بحرية بناءً على عوامل العرض والطلب، ولتتخلى بذلك عن جهودها التي بدأتها في إبريل الماضي لتوحيد أسعار السوق الرسمية والسوق الحرة للريال من أجل الوصول إلى سعر واحد يحدده البنك المركزي، على نحو قد يجنبها تكلفة دعم الريال والسحب من احتياطياتها الأجنبية.

وتسعى الحكومة أيضًا إلى تقليص حدة الضغوط على النقد الأجنبي عبر وقف استيراد العديد من السلع من الخارج وتوفيرها من الأسواق الداخلية. وفي هذا الشأن، أقرت غرفة "عمليات الحرب" مؤخرًا حظر قائمة تضم 1339 سلعة مستوردة يمكن إنتاجها محليًا، وهى خطوة متبعة لدى كثير من دول العالم التي تواجه عجزًا واسعًا في النقد الأجنبي. وسبق ذلك أن أعلنت، في يونيو الفائت، عن اقترابها من تحقيق الاكتفاء الذاتي من البنزين بعد افتتاح المرحلة الثانية من مصفاة "نجمة الخليج العربي"، التي ستنتج 24 مليون لتر من البنزين يوميًا.

مرحلة جديدة:

من دون شك، سوف تفرض العقوبات الأمريكية ضغوطًا قوية على الاقتصاد الإيراني، حيث من المرجح أن يواجه دورة جديدة من الركود والانكماش على غرار فترة تشديد العقوبات (2012-2015) وما صاحبها من ارتفاع معدلات التضخم والبطالة والفقر، وهو ما سوف يؤدي، في الغالب، إلى اتساع نطاق الاحتجاجات الشعبية في البلاد خلال الفترة المقبلة، وبما قد يدفع طهران، بحسب الإدارة الأمريكية، إلى إجراء مفاوضات جديدة معها حول اتفاق نووي آخر، خاصة إذا نجحت واشنطن في تقويض خطتها بالاعتماد على شركائها في تسويق النفط الإيراني.