أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

توسيع الخيارات:

لماذا تسعى قطر إلى "أقلمة" و"تدويل" الأزمة الخليجية؟

14 يونيو، 2017


تسعى قطر إلى تقليص حدة الضغوط التي تفرضها عليها الأزمة المتصاعدة مع السعودية والإمارات والبحرين ومصر، حيث ترى أن إبقاء الأزمة في إطارها الخليجي-المصري يفرض خيارات محدودة، ويُقيّد من حرية الحركة وهامش المناورة أمامها، خاصة في ظل التنسيق عالي المستوى، على الصُّعُد المختلفة السياسية والأمنية والاقتصادية، بين الدول الأربع، والذي اتضح -على سبيل المثال- في وضع الدول الأربع قائمة تُدرج 59 شخصًا و12 كيانًا قطريًّا على قوائم الإرهاب، ما أحدث مزيدًا من الارتباك القطري، وجعل الدوحة تنحو باتجاه توسيع الخيارات المتاحة أمامها، على الرغم من تأكيد وزير خارجية المملكة العربية السعودية عادل الجبير أن حل الأزمة خليجي-خليجي.

في هذا الإطار، تحركت قطر على المستوى الإقليمي، فبدأت في إجراء اتصالات مباشرة مع كلٍّ من إيران وتركيا، من أجل التعامل مع الضغوط المباشرة للأزمة، ممثلة في تأمين الموارد الغذائية التي يمكن أن تحتاج إليها، وفتح الأجواء الإيرانية والتركية أمام رحلاتها الجوية، ورفع مستوى التعاون العسكري مع أنقرة من خلال مصادقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على إرسال قوات عسكرية إلى القاعدة العسكرية التركية التي تم تأسيسها في قطر بناءً على اتفاق مُسبق في عام 2014.

وبالتوازي مع ذلك، ومع دخول الولايات المتحدة على خط الأزمة، خاصة بعد التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 8 يونيو 2017، والتي اتهم فيها قطر بدعم الإرهاب، وطالبها بالتوقف عن ذلك؛ بدأت الدوحة في محاولة استقطاب دعم بعض القوى الدولية التي تمارس أدوارًا متباينة المستوى في أزمات الشرق الأوسط، على غرار روسيا وألمانيا.

ثلاث آليات قطرية

تحاول قطر تكوين ظهير إقليمي مساندٍ لها في الأزمة الحالية، ممثلٍ في إيران وتركيا في مواجهة كلٍّ من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، وظهير دولي ممثلٍ في بعض الدول الأوروبية وروسيا في مواجهة الولايات المتحدة. وقد استندت في هذا السياق إلى ثلاث آليات رئيسية، وهي:

1 - المظلومية: أي الترويج إلى أن ما تتعرض له قطر من قِبَل دول الخليج الثلاث ومعها ومصر يدخل في نطاق "الحصار" وليس "المقاطعة"، وذلك في محاولة إضفاء طابع غير قانوني على الإجراءات التي اتخذتها الدول الأربع، حيث قال وزير الخارجية القطري "محمد بن عبدالرحمن آل ثاني": "الحصار المفروض على قطر انتهاك للقانون الدولي"، وهو ما لا يتوافق مع المعطيات الموجودة على الأرض حيث إن ثمة حرصًا من الدول الأربع على مراعاة البعد الإنساني الخاص بالأسر المشتركة، فضلاً عن تصريح السعودية بأنها مستعدة لتقديم مساعدات إغاثية إلى قطر، وكذلك توضيح الدول الأربع المقصود بـ"الحظر الجوي"، والذي يشمل حصرًا شركات الطيران القطرية، ولا يشمل شركات الطيران والطائرات غير المسجلة في دولة قطر أو في أي من الدول الثلاث، والراغبة في عبور أجواء هذه الدول من وإلى دولة قطر".

ورغم ذلك، تعول قطر على وجود أكثر من اتجاه داخل الإدارة الأمريكية في التعامل مع الأزمة الخليجية - القطرية، وعلى وجود مشكلات داخلية تواجه الرئيس "ترامب"، بشكل قد يؤدي، في رؤيتها، إلى إضعاف تأثير الموقف الأمريكي المؤيد للدول الأربع في الأزمة.

2- الدفاع: بمعنى تفنيد الاتهامات التي توجهها السعودية والإمارات والبحرين ومصر ضد قطر، والخاصة بدعم الإرهاب، حيث وصفت الدوحة "قائمة الإرهاب" التي أصدرتها الدول الأربع بأنها "لا أساس لها من الصحة"، وادعت أنها بذلت جهودًا حثيثة في مكافحة الإرهاب، كما هاجمت تصريحات الرئيس "ترامب".

3- الضغط غير المباشر: وذلك من خلال محاولة استغلال الاستثمارات القطرية في بعض الدول الكبرى من أجل التأثير في مواقعها من الأزمة، وهو ما يبدو جليًّا، على سبيل المثال، في حالة بريطانيا، التي تصل فيها استثمارات قطر إلى نحو 40 مليار جنيه إسترليني، بحسب بعض التقديرات في مارس 2017. وقد أعلنت قطر، في الشهر ذاته، أنها سوف تستثمر نحو 5 مليارات جنيه إسترليني إضافية في بريطانيا في غضون الأعوام الخمسة المقبلة.

وثمة بعض الاتجاهات التي تربط الموقف الذي تبنته بريطانيا من الأزمة بالاستثمارات القطرية فيها، وهو ما ظهر في مطالبة وزير الخارجية القطري الحكومة البريطانية بالتدخل لدعم جهود بلاده في رفع الإجراءات التي فرضتها دول الجوار، وفي تصريحات وزير الخارجية البريطاني "بوريس جونسون" خلال لقائه نظيره القطري، في 12 يونيو 2017، والتي طالب فيها الدول الأربع "باتخاذ إجراءات لتخفيف الحصار، ووقف التصعيد، والعمل على الوصول إلى حلٍّ عبر التفاوض".

عقبات عديدة

تسعى قطر، من خلال توسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها على الصعيدين الإقليمي والدولي، إلى كسب مزيد من الوقت، خاصة في ضوء اعتقادها أن تمكّنها عبر تلك الآليات الثلاث من التعامل مع الضغوط التي تفرضها الأزمة الحالية، لا سيما على المستوى الداخلي، دون أن تضطر إلى تقديم تنازلات خاصة بالاستجابة للمطالب التي تتبناها الدول الأربع، سوف يُضعف تدريجيًّا، في رؤيتها، مواقف هذه الدول، خاصة كلما مر الوقت دون أن يطرأ جديد على موقفها. ويعني ذلك أن الدوحة ربما ترى أن مرور الوقت قد يكون في صالحها، خاصة فيما يتعلق بالعمل على بلورة مواقف إقليمية ودولية قريبة من مواقفها تجاه الأزمة.

ولكن تواجه الجهود التي تبذلها قطر من أجل تقليص حدة الضغوط التي تفرضها الأزمة مع الدول الأربع، عقبات عديدة لا تبدو هينة، ويتمثل أهمها فيما يلي:

1- مواجهة إيران أزمات عديدة على الصعيدين الإقليمي والدولي: إذ إن إيران، التي تسعى قطر إلى الاعتماد عليها كظهير إقليمي، تواجه حشدًا إقليميًّا رافضًا لتدخلاتها المستمرة في الشئون الداخلية لدول المنطقة، ودورها في دعم الإرهاب وزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط. كما تتعرض طهران لضغوط دولية قوية، خاصة منذ تولي إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" مهامها في البيت الأبيض في 20 يناير 2017، والتي اتجهت إلى التركيز على ملفات خلافية أخرى مع إيران، على غرار دعمها للإرهاب ودورها في دول الأزمات، وربما ترفع من مستوى الإجراءات العقابية تجاه طهران خلال المرحلة المقبلة، خاصة في حالة ما إذا أكد التقرير المتوقع أن تصدره الوكالات التابعة لمجلس الأمن القومي الأمريكي أن الاتفاق النووي مع إيران لا يتوافق مع المصالح الأمريكية.

لكن اللافت في هذا السياق، أن إيران باتت تواجه اتهامات من جانب بعض القوى الأوروبية بأنها تسعى إلى تغذية الصراعات في الشرق الأوسط، وهو ما يبدو في تصريحات الناطق باسم وزارة الخارجية الألمانية "مارتن شيفر"، في 9 يونيو 2017، التي طالب فيها إيران بتجنب اتخاذ أية خطوات من شأنها تصعيد التوتر في الخليج، في إشارة إلى الأزمة الخليجية - القطرية، حيث قال: "من المهم عدم القيام بأي شيء على الجانب الآخر من الخليج لصب الزيت على النار".

2- معاناة تركيا من مشكلات إقليمية ودولية عديدة: حيث إن المسارات الحالية للصراع في سوريا ربما لا تتوافق بشكل كبير مع رؤية تركيا، ويبدو أن خلافاتها مع إدارة "ترامب" قد تتسع تدريجيًّا، خاصة مع الخطوة التي اتخذتها الأخيرة برفع مستوى تسليحها لـ"قوات سوريا الديمقراطية" لخوض معركة الرقة ضد تنظيم "داعش". كما أن التوتر يتصاعد في علاقات تركيا مع الدول الأوروبية، على غرار ألمانيا، التي قررت، في 7 يونيو 2017، سحب قواتها العسكرية من قاعدة إنجرليك التركية، وإعادة نشرها في الأردن.

إلى جانب ذلك، فإن تركيا نفسها قد تواجه، في مرحلة لاحقة، اتهامات مماثلة لتلك التي تواجهها قطر حاليًّا، خاصة فيما يتعلق بدعمها لبعض الجماعات الإرهابية، بشكل قد يؤثر على موقفها من تطورات الأزمة الحالية.

3- تبني الأطراف الدولية مواقف حذرة: إذ إن كثيرًا من الأطراف الدولية لديها علاقات، بمستويات مختلفة، مع الدول الأربع المنخرطة في الأزمة مع قطر، وهو ما سوف يدفعها، في الغالب، إلى تبني سياسة حذرة تجاه الأزمة بشكل لن يدعم جهود الدوحة في هذا السياق. فقد دعت روسيا، على سبيل المثال، إلى تسوية الأزمة عن طريق الحوار، مشيرة إلى إمكانية قيامها بدور وساطة في هذا السياق، بما يعني أنها حريصة على تبني موقف متوازن حتى الآن، وأنها أحرص ما تكون على علاقاتها بكلٍّ من السعودية ومصر والإمارات، ولهذا لا يُتوقع أن تتخذ موسكو مواقف داعمة واقعيًّا للجانب القطري.