أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

رسائل عاجلة:

كيف تعامل الحرس الثوري مع نتائج الانتخابات الرئاسية؟

01 يونيو، 2017


عقب إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 19 مايو 2017، والتي حقق فيها الرئيس حسن روحاني فوزًا بارزًا على سادن العتبة الرضوية إبراهيم رئيسي، سارع الحرس الثوري، في 25 من الشهر ذاته، إلى الإعلان عن تدشين ثالث مصنع للصواريخ تحت الأرض والاستعداد لإنتاج صاروخ باليستي جديد "أرض أرض" باسم "دزفول". ورغم أن هذه الخطوة ليست الأولى من نوعها، حيث سبق أن كشفت إيران عن قاعدتين للصواريخ الباليستية تحت الأرض، في 14 أكتوبر 2015 و5 يناير 2016، إلا أن إعلان إيران عن إنشاء هذا المصنع في هذا التوقيت يكتسب أهمية وزخمًا خاصًا، لا سيما أنه لا ينفصل عن قراءة المؤسسات الرئيسية في النظام الإيراني لنتائج الانتخابات وتداعياتها على توازنات القوى فيما بينها خلال المرحلة القادمة، التي يبدو أنها سوف تشهد استحقاقات مهمة على الساحتين الداخلية والخارجية.

محاصرة روحاني:

يشير إعلان قائد القوة الجوفضائية التابعة للحرس الثوري امير علي حاجي زاده إلى أن إيران سوف تواصل برنامجها الصاروخي، عقب كشفه عن تأسيس ثالث مصنع لإنتاج الصواريخ تحت الأرض، إلى أن الحرس الثوري يسعى إلى توجيه رسائل واضحة إلى الداخل، وتحديدًا إلى الرئيس حسن روحاني وتيار المعتدلين، بأن هذا البرنامج خط أحمر لا يمكن تجاوزه، حتى مع الفوز البارز الذي حققه روحاني والذي سوف يؤدي إلى دعم نفوذ تيار المعتدلين داخل مؤسسات النظام.

إذ حرص "الباسدران" على الإعلان عن الخطوة الجديدة بعد مرور أسبوع واحد فقط على فوز روحاني، بشكل سعى من خلاله إلى الرد على الانتقادات التي وجهها روحاني إلى الحرس، خلال المناظرات التي تم تنظيمها قبل الانتخابات، بعرقلة الجهود التي تبذلها الحكومة للحصول على العوائد الخاصة بالاتفاق النووي، بسبب تعمده إجراء بعض التجارب لإطلاق صواريخ باليستية.

إذ فرضت تلك الإجراءات "الاستفزازية"، في رؤية روحاني، نتيجتين سلبيتين على إيران: الأولى، أنها دفعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى رفع مستوى العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، لتشمل أشخاصًا وكيانات إيرانية وأجنبية، باعتبار أن هذه التجارب "تنتهك" الاتفاق النووي الذي يدعو إيران إلى عدم إجراء أنشطة خاصة بالصواريخ القادرة على حمل أسلحة نووية لمدة ثماني أعوام.

والثانية، أنها تزيد من مخاوف الشركات الأجنبية من الاستثمار في إيران، باعتبار أن تلك الإجراءات تثبت عدم قدرة إيران على الانخراط في التزامات دولية مثل الاتفاق النووي وسعيها المستمر إلى الالتفاف عليها، فضلا عن أن التعامل مع بعض الشركات الإيرانية أصبح أمرًا محفوفًا بالمخاطر في ظل ارتباط عدد منها بالحرس الثوري، بشكل يمكن أن يدفع أطرافًا عديدة إلى توجيه اتهامات للشركات الأجنبية بدعم البرنامج النووي أو الصاروخي الإيراني، ومن ثم التعرض لعقوبات أمريكية شديدة.

ومن هنا، حاول الحرس من خلال الإعلان عن إنشاء المصنع الثالث للصواريخ التأكيد على أن الانتقادات القوية التي وجهها روحاني إليه لن تؤد إلى تراجعه عن تبني السياسة المتشددة نفسها خلال الفترة القادمة، وعلى أنه يتخذ قراراته بناءً على ضوء أخضر من المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي وبعيدًا عن سلطات رئيس الجمهورية.

نفوذ خامنئي:

وبالطبع، فإن المرشد خامنئي كان يسعى بدوره، على ما يبدو، إلى توجيه تلك الرسالة، باعتبار أنها تكشف أنه هو الذي يمتلك القدرة على تحديد اتجاهات السياسة الخارجية، حتى بعد الفوز القوي الذي حققه الرئيس روحاني في الانتخابات على المرشح الذي أشارت تقارير عديدة إلى أنه كان يحظى بدعم مباشر من جانبه، وهو إبراهيم رئيسي، الذي تولى مناصب عديدة في السلطة القضائية بناءً على أوامر منه.

هذه الرسالة تحديدًا توازت مع حرص المرشد، في مرحلة ما بعد إجراء الانتخابات، على التقليل من أهمية فوز روحاني، حيث اعتبر أن "الفائز الحقيقي هو الشعب الإيراني"، بعد أن شارك أكثر من 40 مليون ناخب في التصويت بشكل منح، في رؤيته، "رصيدًا جديدًا للانتخابات الرئاسية"، بما يعني، وفقًا له، أن ارتفاع نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات (نحو 73%) يعود إلى السياسات التي تبناها النظام وإلى الضغوط الخارجية التي يتعرض لها، والتي دفعت الناخبين إلى التصويت كدلالة على قاعدته الشعبية الواسعة في الداخل، وهو ما لا يتسامح مع المعطيات الموجودة على الأرض، التي تشير إلى أن ذلك يعود إلى حرص أنصار روحاني على التصويت له بكثافة للرد على الحملات القوية التي شنها المحافظون الأصوليون ضده، والدعم الذي حظى به منافسه من جانب المرشد خامنئي وبعض مؤسسات النظام.

قطع الطريق:

فضلا عن ذلك، فإن إصرار "الباسدران" على الكشف عن المصنع الثالث للصواريخ الباليستية، وربما الاتجاه نحو إجراء مزيد من تجارب إطلاق بعض الصواريخ الباليستية خلال المرحلة القادمة، يكشف عن مخاوف ما زالت تنتاب الحرس وبعض مؤسسات الدولة إلى جانب تيار المحافظين الأصوليين من احتمال أن تسعى الحكومة، في مرحلة لاحقة، إلى طرح مبادرات للدخول في مفاوضات جديدة أو الوصول لاتفاق جديد حول البرنامج الصاروخي، على غرار الاتفاق النووي.  

وهنا، فإن الحرس يريد توجيه رسالة للرئيس بأن هذا الاحتمال يواجه عقبات لا تبدو هينة ربما تكون أكثر من تلك التي واجهها الاتفاق النووي، خاصة أن الحكومة لم تثبت أنها تمكنت من تحقيق مجمل الأهداف التي سعت إليها من خلال الاتفاق الأخير، مثل ضمان عدم تعرض إيران لعقوبات جديدة وجذب الاستثمارات الأجنبية وتوسيع نطاق التعاملات المالية والمصرفية مع الشركات الأجنبية، في ظل تعمد الولايات المتحدة فرض مزيد من العقوبات الأمريكية عليها بشكل تسبب في انخفاض مستوى تلك التعاملات، لا سيما مع عزوف الشركات الأجنبية عن الدخول إلى السوق الإيرانية خشية التعرض لتلك العقوبات.

احتواء الخصوم:

لكن اللافت في هذا السياق، هو أن الرئيس حسن روحاني بدا مدركًا إلى أن الفوز البارز الذي حققه في الانتخابات سوف يدفع المؤسسات النافذة في النظام إلى اتخاذ إجراءات مضادة لتأكيد نفوذها ودورها في عملية صنع القرار، ومن هنا سعى من أجل محاولة احتواء تلك المؤسسات وتقليص احتمالات دخوله في صراع مبكر معها، يبدو في أمس الحاجة إلى تجنبه، على الأقل في المرحلة الحالية، في ظل الملفات الضاغطة التي يواجهها على أكثر من صعيد، ويتمثل أهمها في استمرار الإجراءات التصعيدية من جانب إدارة ترامب بشكل يمكن أن يؤثر على استمرار العمل بالاتفاق النووي، واتساع نطاق الرفض الإقليمي للسياسة التي تنتهجها إيران في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بتدخلاتها في الشئون الداخلية لدولها ودورها في زعزعة الاستقرار فيها.

ففي هذا السياق، وبعد أن أكد الرئيس روحاني، عقب إجراء الانتخابات، على أن إيران ستواصل العمل في برنامجها الصاروخي، أعلن المتحدث باسم الحكومة محمد رضا نوبخت، في 23 مايو 2017، أن الحكومة ملتزمة بتمويل البرنامج الصاروخي للأعوام الأربعة القادمة، في إشارة إلى الفترة الرئاسية الثانية لروحاني.

لكن محاولات روحاني لاحتواء ضغوط خصومه ربما لن تستمر طويلا، خاصة في ظل تعدد الملفات الشائكة، فضلا عن حالة التحفز التي تبدو عليها المؤسسات الأخرى في النظام، والتي سوف تستغل أى تصعيد خارجي من أجل فرض مزيد من الضغوط على الرئيس في ولايته الرئاسية الثانية.