أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

الانتقال الأخضر:

دور الحوكمة العالمية في اتجاه البرازيل والهند للطاقة النظيفة

13 سبتمبر، 2024


عرض: سالي يوسف

في ظل الأزمات الدولية كجائحة "كورونا" والصراع الروسي الأوكراني، برزت الحاجة الملحة لتضافر جهود المجتمع الدولي لضمان إمدادات الطاقة الضرورية لتحقيق التنمية المستدامة. هنا، تظهر أهمية منطقتي المحيط الهندي-الهادئ وأمريكا اللاتينية اللتين تضمان دولاً نامية لديها هياكل اقتصادية كثيفة في إنتاج الكربون، وتمتلك المنطقتان إمكانات كبيرة لاستغلال المصادر المتجددة؛ تحتاج إلى زيادة الاستثمارات لتحقيق الانتقال إلى الطاقة الخضراء.

في هذا الإطار، يستعرض غلاكو أوليفيرا، في ورقة بحثية بمؤسسة أوبزرفر للأبحاث في يوليو 2024، فرص وتحديات حوكمة الانتقال للطاقة النظيفة على المستوى العالمي، مع التركيز على منطقتي المحيط الهندي-الهادئ وأمريكا اللاتينية. كما تطرح الورقة تجارب كل من البرازيل والهند في هذا المجال، وتقترح في الوقت نفسه استخدام آليات جديدة مثل، شبكة التمويل المستدام في منطقة المحيط الهندي-الهادئ؛ لتقليل تلك الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية في مجال الطاقة النظيفة.

طبيعة الحوكمة العالمية: 

تعني الحوكمة العالمية ممارسة السلطة وإرساء المعايير عبر الحدود الوطنية، وهي عملية تخضع دوماً للتطور، كما أنها محل للنقاش والتحليل باستمرار في مجال العلاقات الدولية ونظرية الاقتصاد السياسي الدولي. وتشمل الحوكمة مؤسسات وجهات فاعلة متنوعة مثل، المنظمات الحكومية الدولية والشبكات العابرة للحدود والمنظمات الخاصة المعنية بمعالجة القضايا والتحديات العالمية. 

وتعرف الورقة حوكمة البيئة والطاقة بأنها ممارسة السلطة وإرساء المعايير عبر الحدود لإدارة وتنظيم الموارد والأنظمة الدولية. وتؤدي المنظمات الحكومية الدولية والشبكات العابرة للحدود دوراً كبيراً في رسم السياسات المعنية بقطاعات الطاقة والبيئة، كما تهتم حوكمة الطاقة بالمنافسة بين المؤسسات وتسييسها ومنحها الشرعية في معالجة التحديات العالمية والعابرة للحدود في مجال الطاقة. 

وبينما تتمتع إدارة الطاقة بإجراءات أمنية واستراتيجية واضحة، خاصة عند التعامل مع استخراج النفط أو الغاز، فإن إدارة البيئة لديها ترتيبات جيوسياسية أقل وضوحاً. مع ذلك، فإن كلا المجالين يتداخلان بشكل متزايد، وهما مرتبطان حالياً ارتباطاً وثيقاً؛ إذ تتطلب التهديدات البيئية العالمية تحسين كفاءة الطاقة والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة.

انتقادات أساسية:

ثمة انتقادات وجهت إلى الأطر الحالية للحوكمة العالمية، منها أنها تفتقر إلى الشرعية والشفافية؛ ولاسيما فيما يتعلق بالإجراءات التي تتبعها الدول المتقدمة، والتي حققت مستويات متقدمة في التنمية الاقتصادية، بينما تسهم في المقابل في تقييد خيارات الدول النامية تجاه التنمية. كما تعاظمت ردود الفعل السلبية ضد تطبيقات الحوكمة العالمية مع انتشار السياسة الشعبوية من قبل بعض الجماعات السياسية، فضلاً عن التناقضات المحتملة التي قد تواجهها المؤسسات المالية والجهات المانحة، خاصةً الموجودة في الدول المتقدمة فيما يتعلق بالسياسات المناخية. تظهر هذه التناقضات عندما تتبنى الدول سياسات تهدف إلى الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة في وقتٍ يكون فيه سلوكها أو استثماراتها في مجالات أخرى تتعارض مع هذه الأهداف.

في السياق ذاته، تناولت الورقة موقف الدول المعنية نحو الحوكمة العالمية، ففي المنتديات العالمية مثل مجموعة العشرين، أكدت السلطات البرازيلية ضرورة توسيع دائرة التركيز لتشمل ما هو أبعد من القضايا البيئية، مع أهمية صياغة أجندة شاملة للتنمية البشرية لخلق فرص أفضل لصالح الفقراء والمهمشين، الموجودين في المدن، والذين يعانون أكثر من غيرهم من الأضرار البيئية. من جانبها، أعلنت الهند، خلال رئاستها لمجموعة العشرين في عام 2023 عن قيام البرازيل بتقديم اقتراح لوضع آليات لزيادة المشاركة الاجتماعية في القرارات المالية الدولية، وللتعامل مع تحديات تغير المناخ بشكل أفضل.

تتضافر تلك الرؤى مع أهداف التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، التي تتبنى مثل هذا النهج في الحوكمة؛ إذ تقوم بالدمج بين المناقشات الخاصة بالقضايا البيئية والإنسانية للوقوف على تداعيات الأنشطة البشرية على البيئة، وأيضاً لتتيح مزيداً من التواصل والتفاعل البناء لصنع سياسات أكثر تكاملاً وفعالية.

وترى الورقة أنه في ظل ما توليه دول أمريكا اللاتينية من اهتمام بتطبيقات الحوكمة العالمية ورغبة ملحة لمعالجة ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ، يمكن لمؤسسة مثل منصة التمويل والاستثمار المستدام ((SUFIP التي تركز على أمريكا اللاتينية، أن تؤدي دوراً في التقريب بين الدول المتقدمة والنامية لإيجاد حلول مالية للانتقال إلى الطاقة النظيفة. كما أكدت أنه من المنظور الأوسع، يجب على المحللين في أمريكا اللاتينية أن يدرسوا بنظرة فاحصة القضايا الأمنية والسياسية في منطقة المحيط الهندي-الهادئ، والتي قد تؤدي دوراً محورياً في تحقيق أهداف الانتقال للطاقة النظيفة والاعتماد على مصادر الطاقة المستدامة.

مواجهة المشكلات البيئية:

أشارت الورقة إلى أهمية تعزيز التعاون الدولي في قطاع الطاقة؛ إذ يتطلب الأمر جهوداً مشتركة من مختلف الأطراف المعنية، والتي قد تكون لديها رؤى ومصالح متنافسة. وأكدت أن منصات الحوكمة العالمية أصبحت جزءاً أساسياً من هذا الحوار. فإقليم الهند والمحيط الهادئ يواجه تحديات متعددة في انتقاله إلى الطاقة المستدامة؛ لذا من المهم الاعتراف بأن العناصر الجيوسياسية في هذه العملية ليست صفرية التنافس؛ بمعنى أن فوز أحد الأطراف لا يعني خسارة الآخر؛ إذ يمكن للدول والشركات المتنافسة التعاون في الحوكمة البيئية لتحقيق أهداف مشتركة، كما يمكن أن توفر منظمات مثل: مجموعة العشرين (G20) و"بريكس بلس" (BRICS Plus) فضلاً عن منتديات جديدة مثل ((SUFIP، مساحات إضافية للنقاش وحل المشكلات.

وأبرزت الورقة أنه يمكن للمنصات الدولية تقديم المشورة بشأن الأطر السياسية والتنظيمية التي قد تعتمدها الدول الأعضاء لتعزيز تقنيات الطاقة النظيفة ومواجهة تغيُّر المناخ. فتطوير سياسات فعالة، وتحديد أهداف طموحة للطاقة المتجددة، وتنفيذ لوائح شفافة ومتسقة هي تحديات يمكن لهذه المؤسسات المساعدة في التغلب عليها. على سبيل المثال، فقد سبق أن قدمت منظمات مالية دولية، كالبنك الدولي أو البنك الأمريكي للتنمية دعماً سياسياً لدول في منطقة أمريكا اللاتينية؛ لذا يمكن للهياكل الجديدة للاقتصاد السياسي الدولي، التي تشمل قوى ناشئة، تقديم إطار تنافسي للمشورة السياسية وخيارات التمويل.

من جانب آخر، فإن التحرك نحو نظام مالي دولي متعدد الأطراف، كأحد الحلول الممكنة قد يسهم في تعزيز الاستدامة البيئية وتحقيق أهداف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، والتي تنص على الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة؛ أذ تؤكد الورقة أن الحفاظ على البيئة يتطلب جهود دول كالصين والهند، اللتين تُعدان أكبر الدول المسببة للانبعاثات، كما أن التنافس مع مؤسسات "بريتون وودز" (مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) بدلاً من استبدالها يمكن أن يكون أكثر فعالية بالنسبة للبنوك التنموية المحلية والدولية مثل: البنك الجديد للتنمية (NDB) والبنك الآسيوي للتنمية والبنك الهندي للتصدير والاستيراد. 

أيضاً، فإن الاتفاقيات الدولية الجديدة لا بد لها من حل المشكلات بين الدول في مجال الانتقال الأخضر، ومنها على سبيل المثال، قضية توفيق بلدان مجموعة "البريكس" الموسعة بين أهداف السياسة البيئية العالمية وأهدافها الاقتصادية المحلية، والتي تعتمد على الموارد الكثيفة الكربون.

 تشير الورقة أيضاً إلى أن إنشاء الدول المتقدمة أنظمة لتسعير انبعاثات الكربون، مثل: أسواق الانبعاثات وضرائب الكربون؛ بهدف تحفيز الشركات على تقليل الاحتباس الحراري؛ سيسهم إلى حد كبير في الانتقال الأخضر والحد من انبعاثات الكربون، وأكدت أن السماح بإجراء معاملات حرة في سوق منظم سيساعد على تحديد السعر التوازني للكربون؛ وهذا السعر سيعكس التكلفة الحقيقية لاستخدام الكربون ويؤثر في كمية الانبعاثات، فكلما ارتفع السعر زادت الحوافز للشركات لتقليل انبعاثاتها.

في ظل هذا المشهد العالمي تملك أمريكا اللاتينية إمكانات كبيرة في مجال الطاقة النظيفة وتوفير المواد الخام (بما في ذلك المعادن الرئيسية، مثل الليثيوم) لمنطقة المحيط الهندي-الهادئ. وتؤكد أنه على الرغم من البعد الجغرافي بين تلك المنطقة وأمريكا اللاتينية؛ فإن تحسين التجارة في المُدخلات الأساسية والمنتجات النهائية قد يُعزز بناء القدرات في سلاسل التوريد للطاقة المتجددة، وأنه لتحقيق هذه الأهداف؛ لا بد من وجود مؤسسات موثوقة وعوامل حوكمة تضمن تنفيذاً فعلياً للسياسات المطروحة.

نموذجا البرازيل والهند: 

تناولت الورقة البحثية البرازيل والهند كنموذجين نجحا في الاستفادة من توجيهات المنظمات الدولية وحولاها لسياسات محلية فعالة في تأمين التمويل اللازم لمشروعاتهما وسياساتهما في الانتقال الأخضر. فقد بدأت البرازيل في الاعتماد على مصادر متجددة في إمدادات الطاقة، وبالأخص الطاقة الكهرومائية التي شكلت 63% من توليد الكهرباء في 2022، كما دمجت آليات الحوكمة العالمية في سياساتها الداخلية، فالحكومة الحالية تلتزم بأجندة بيئية؛ إذ تتجه نحو مشروعات مستدامة مثل: الزراعة المنخفضة الكربون والطاقة المتجددة. كما يُعد صندوق المناخ البرازيلي من الأدوات المهمة لمواجهة تغير المناخ؛ إذ يوفر الموارد والدعم الفني للمشروعات التي تسعى للتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معها.

أما الهند التي تُعد من كبرى اقتصادات منطقة المحيط الهندي-الهادئ، فإنها تعمل بقوة في تمويل الانتقال إلى الطاقة الخضراء؛ إذ وضعت وزارة البيئة والغابات وتغير المناخ خططاً طموحة للتكيف والتخفيف ضمن إطار اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ. وسلطت الورقة الضوء على دور التعاون الدولي، خصوصاً ضمن مجموعة العشرين، في تعزيز الجهود الهندية؛ إذ تشير الوكالة الدولية للطاقة (IEA) إلى التقدم الذي أحرزته الهند في إزالة الكربون وإصلاحات الانتقال البيئي، مع زيادة استثمارات الطاقة النظيفة استجابةً للأهداف الطموحة.

وتختتم الورقة البحثية بتأكيد أهمية الحوكمة العالمية في التعامل مع التحديات البيئية في منطقتي أمريكا اللاتينية والمحيط الهندي-الهادئ، مشيرة إلى أهمية وجود منصات لتبادل الآراء والخبرات لتحقيق المستهدف من الانتقال للطاقة النظيفة بشكل فعال، وأن منظمات مثل  (SUFIP)قد تؤدي دوراً مهماً في تنفيذ وتمويل مثل هذه الآراء والأفكار المعنية بالحوكمة العالمية. فهذه المنظمات تُعد ضرورية لتطوير آليات مالية فعالة لتمويل التحول الطاقي في المنطقتين مع الالتزام السياسي من قبل الدول كعامل حاسم للنجاح.

المصدر:

Glauco A.S. Oliveira, The Global Governance of the Energy Transition: Lessons for the Indo-Pacific and Latin America, July 2024, Observer Research Foundation.