أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

الشروق:

انقلاب النيجر.. ومستقبل الحرب على الإرهاب فى الساحل

30 يوليو، 2023


نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب حمدى عبدالرحمن، حاول فيه البحث فى تعقيدات الموقف وتأثيره فى النيجر ومنطقة الساحل، والتداعيات المترتبة على الشركاء الدوليين فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب فى المنطقة... نعرض من المقال ما يلى:

اتخذ الوضع فى النيجر منعطفا خطيرا صبيحة يوم 26 يوليو 2023 عندما قام مجموعة من أفراد الحرس الرئاسى بقيادة الجنرال عمر تشيانى باحتجاز الرئيس محمد بازوم، وإغلاق الطرقات المؤدية إلى القصر الرئاسى فى نيامى (عاصمة النيجر). سرعان ما ترددت أصداء الأحداث الماضية فى دول الجوار. سواء أكانت مالى أم غينيا أم بوركينا فاسو أم النيجر نفسها، يبقى الموضوع المتكرر والصورة النمطية كما هى، قادة عسكريون يحاولون الاستيلاء على السلطة، باستخدام التلفزيون الحكومى كمنصة لإعلان بيانهم الأول للأمة.

يمكن الإشارة إلى عدد من الدوافع المباشرة وغير المباشرة التى تفسر الانقلاب على حكومة الرئيس محمد بازوم المنتخبة فى النيجر:

1 ــ الصراع على السلطة: تتعلق الأسباب المباشرة للانقلاب بصورة أساسية بالصراع على السلطة داخل النظام الحاكم فى النيجر. كان محمد بازوم الذى ينتمى إلى قبيلة أولاد سليمان العربية، المنتشرة فى ليبيا، أول رئيس من أصول عربية فى النيجر. وعلى الرغم من أنه كان الذراع اليمنى للرئيس السابق محمدو إيسوفو فإنه حاول توطيد سلطته من خلال تعيين أنصاره فى المراكز الأمنية والسياسية الحساسة، وهو ما يعنى التخلص من رجال الرئيس السابق فى الحكومة والجيش.

وتشير بعض الروايات إلى أن بازوم ربما كان يفكر فى استبدال اللواء عمر تشيانى كرئيس للحرس الرئاسى، الأمر الذى (إذا كان صحيحا) ربما يكون سببا مباشرا لمحاولة التمرد. ولعل ما يؤكد هذا المنحى فى التفسير هو ورود اسم الجنرال ساليفو مودى، كقائد للانقلاب، وهو رئيس الأركان السابق الذى أزاحه بازوم وعينه سفيرا قبل عدة أشهر.

2 ــ نذر الانقلاب: بالفعل شهدت النيجر أربعة انقلابات منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1960، وقع أولها فى إبريل 1974 ضد الرئيس ديورى حمانى، وكان رابعها فى فبراير 2010، والذى أطاح بالرئيس مامادو تانجا. ناهينا عن محاولات الانقلاب العديدة الفاشلة.

ففى 31 مارس 2021، على سبيل المثال، أعلنت حكومة النيجر اعتقال عدة أشخاص بعد محاولة انقلاب، قبل يومين من أداء الرئيس محمد بازوم اليمين الدستورية. وفى إبريل 2022، سُجن عثمان سيسى، وزير داخلية النيجر السابق للنظام الانتقالى العسكرى (2010ــ2011) لتورطه المزعوم فى هذا الانقلاب الفاشل. وفى يناير 2018، حكمت محكمة عسكرية نيجرية على تسعة جنود ومدنى بالسجن من خمسة إلى خمسة عشر عاما لمحاولتهم الإطاحة بالرئيس السابق محمدو إيسوفو، سلف محمد بازوم، فى عام 2015.

3 ــ التوترات المدنية العسكرية: تُعد النيجر الاستثناء الوحيد فى منطقة الساحل من حيث وجود حكومة منتخبة يقودها مدنيون. على هذا النحو، فإن التوترات بين المدنيين والعسكريين تشكل خطرا كامنا، ولاسيما بشأن كيفية التعامل مع علاقة البلاد بفرنسا، وتفاقم التهديد الجهادى للمنطقة.

وعلى الرغم من العلاقة الوثيقة مع الدولة المستعمرة السابقة منذ عقود، كانت هناك علامات على مقاومة دور فرنسا الكبير فى عمليات مكافحة الإرهاب فى البلاد، وسط موجة إقليمية من المشاعر المناهضة للإمبريالية وللوجود الفرنسى، والتى يمكن أن تكون بمثابة ذريعة للاستياء العسكرى من الرئيس بازوم.

يشير انقلاب النيجر والانقلابات السابقة فى المنطقة إلى تحديين مهمين لإطار الاتحاد الإفريقى بشأن التغييرات غير الدستورية للحكومات وقضية ردع الانقلابات:

1ــ تراجع قدرة المؤسسات الإقليمية على الردع: على الرغم من أن الاتحاد الإفريقى قد صار أقل تسامحا مع الانقلابات العسكرية، فإن استجابته للتمسك بالسلطة بشكل غير دستورى لم تكن رادعة. ونظرا لأن القارة تشهد استعدادا متزايدا من قبل بعض الزعماء بتجاهل المؤسسات التى سمحت لهم بالوصول إلى السلطة، فإن فقدان الشرعية الشعبية قد حفز بشكل مباشر أو قدم شرعية ولو مؤقتة للانقلابات ضد ما ينظر إليهم على أنهم حكام فاسدون.

2 ــ شعبوية الانقلابات: شهدت السنوات الأخيرة قبولا للانقلابات العسكرية التى كانت فى بعض الأحيان أكثر انسجاما مع الشعبوية المعادية للنفوذ الغربى فى المنطقة. ولعل ذلك يقدم إشارات مهمة لمن يخطط لعمل انقلاب فى المستقبل المنظور. وبما أن المجتمع الدولى يُظهر عدم استعداده أو عدم قدرته على تحمل تكاليف كافية لمواجهة الانقلابات فى أفريقيا ربما بسبب انشغاله بالحرب فى أوكرانيا، فسوف يستمر المجتمع الدولى فى فقدان قدرته على ردع الانقلابات.

التداعيات المحتملة لانقلاب النيجر تتجاوز الفضاء المحلى الداخلى لتشمل السياق الإقليمى والدولى الأوسع نطاقا:

1 ــ احتمالات زيادة عدم الاستقرار: إن نضالات النيجر متعددة الأوجه، مع وجود قضايا مهمة على مستويات مختلفة. وتواجه الأراضى الصحراوية الشاسعة فى البلاد موجات جفاف متزايدة بسبب تغير المناخ، مما يؤدى إلى تدمير سبل العيش للبدو الرحل والمزارعين على حد سواء. وتؤدى مثل هذه الظروف إلى تفاقم أزمة الفقر، حيث يعيش ما يقرب من نصف السكان عند خط الفقر أو تحته. بالإضافة إلى ذلك، فإن النزاعات العرقية بين الجماعات المختلفة والانتفاضات المسلحة التى يقوم بها الجهاديون الإسلاميون تزيد من زعزعة استقرار النسيج الاجتماعى الهش فى البلاد.

2 ــ تراجع النفوذ الفرنسى والغربى: تُعد النيجر قاعدة مهمة للجيش الفرنسى بعد الانسحاب من مالى وبوركينا فاسو. كما يخطط الجيش الألمانى لتنفيذ جزء على الأقل من انسحابه المرتقب من مالى عبر قاعدة النقل الجوى فى نيامى. وتتلقى القوات الخاصة للنيجر التدريب والدعم اللوجستى من الولايات المتحدة وفرنسا. وقد أثار نقل الوحدات العسكرية نوعا من الازدهار فى العاصمة نيامى فى الفترة الأخيرة. فارتفعت إيجارات العقارات فى الأحياء الأفضل، وكان من الصعب الحصول على غرف فى الفنادق. كما خططت المنظمات غير الحكومية لفتح مكاتب لها فى نيامى.

وإذا تم إخراج بازوم من السلطة، فقد يؤدى النظام العسكرى الجديد فى النهاية إلى تقليل اعتماد النيجر على فرنسا، وبالتالى فتح فراغ أمنى جديد فى المنطقة لاستغلاله من قبل الجماعات الجهادية والقوى العالمية البديلة مثل روسيا والصين.

3 ــ التداعيات على الجيش الألمانى والاتحاد الأوروبى: الانقلاب فى النيجر له تداعيات على وجود الجيش الألمانى فى البلاد. مع حوالى 100 جندى يتمركزون فى نيامى للحفاظ على قاعدة نقل جوى، عملت النيجر كمركز حيوى للأفراد والمواد فى غرب أفريقيا. لكن الانقلاب عطل الخطط وأثار مخاوف بشأن مستقبل مهمة الاتحاد الأوروبى العسكرية، التى تأسست فى ديسمبر الماضى. ولا يزال الإجلاء يمثل تحديا بسبب إغلاق الحدود والمجال الجوى، مما ترك الجنود عالقين مؤقتا.

علاوة على ذلك، فإن عدم الاستقرار فى النيجر يلقى بظلال من الشك على الانسحاب المخطط للقوات المسلحة الألمانية من مالى المجاورة. ومع ذلك، نظرا للظروف الحالية، فإن جدوى هذه الخطة غير واضحة. والسلطات الألمانية على اتصال بشركاء من فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة، لكن الوضع لا يزال غير مؤكد.

4 ــ إمكانيات التمدد الإرهابى: إذا أسفر الصراع الحالى على السلطة فى النيجر عن قيام نظام عسكرى يرفض تماما الوجود الفرنسى والغربى فى البلاد، فمن المرجح أن يستغل مقاتلو تنظيم داعش فى الساحل وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين الفراغ الأمنى الناتج فى المقاطعات الغربية للنيجر. وبالمثل من المرجح أن تستغل ولاية داعش فى الصحراء الكبرى الفراغ فى حوض بحيرة تشاد لتوسيع نفوذها. فى ظل هذا السيناريو، من المرجح أن يؤدى تخفيف الضغط على الجماعات الجهادية المنبثقة من النيجر إلى زيادة التوسع الإقليمى فى منطقة الساحل الغربى وتسريع وتيرة الهجمات الإرهابية فى هذه المنطقة.

ختاما فإن الانقلاب على الحكومة المنتخبة للرئيس محمد بازوم فى النيجر يؤكد هشاشة عملية التحول الديمقراطى فى منطقة الساحل وغرب أفريقيا من جهة وتراجع النفوذ الغربى من جهة أخرى. فى السنوات الأخيرة، كانت النيجر فى طليعة الجهود الغربية لمواجهة الجماعات الإرهابية فى غرب أفريقيا. وقد شهدت البلدان المجاورة، مثل مالى وبوركينا فاسو، انقلابات، ونأت بنفسها عن الشركاء الأوروبيين، ووجهت دعوات لسحب بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة فى مالى. وعليه فإن مستقبل أمن منطقة الساحل التى تشكل مُركبا أمنيا بالغ التعقيد والتشابك يبدو غير واضح المعالم فى ظل تفاعلات إقليمية ودولية مرتبكة.

*لينك المقال في الشروق*