أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تردد برلين:

دلالات جولة وزيرة الخارجية الألمانية إلى مالي والنيجر

04 مايو، 2022


قامت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، بزيارة مالي والنيجر، يومي 12 و13 أبريل 2022، وتنبع أهمية هذه الجولة في أنها ستحدد مستقبل الحضور العسكري الألماني في مالي، حيث تعاني الحكومة الألمانية حالة من الانقسام الداخلي بين رأي يدعم استمرار القوات الألمانية في مالي، وآخر يؤيد الانسحاب الكامل من باماكو.

إعادة هيكلة الحضور الأوروبي:

تأتي جولة بيربوك إلى الساحل في إطار إعادة هيكلة الاتحاد الأوروبي لوجوده العسكري هناك، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

1- إنهاء الاتحاد الأوروبي لمهامه في مالي: تأتي جولة وزيرة الخارجية الألمانية إلى منطقة الساحل بعد يوم واحد من قرار الاتحاد الأوروبي بإنهاء مهمته التدريبية في مالي، وفقاً لما أعلنه مسؤول السياسية الخارجية الأوروبية، جوزيب بوريل، لكنه أشار إلى استمرارية هذه المهام لباقي دول الساحل، إذ إن هذه المنطقة تمثل أولوية لبروكسل، ومن ثم فلن يتم التنازل عنها. 

وأعلنت الكتلة الأوروبية أنها لم تتلق ضمانات كافية من الحكومة المالية بأن عناصر فاجنر الروسية لن تتدخل في عملها، وبناء عليه قررت وقف عملياتها التدريبية في باماكو. ويلاحظ أن الموقف الأوروبي ارتبط كذلك برفض السماح لطائرة عسكرية مالية بالمرور من خلال المجال الجوي لمالي في سابقة هي الأولى. 

2- استضافة النيجر قوات أجنبية: يناقش البرلمان النيجري، في 22 أبريل 2022، مقترح حكومي يتعلق بفكرة استقبال مزيد من القوات الأجنبية على أرضها لمكافحة الإرهاب، وفي ظل وجود أغلبية لحزب الرئيس النيجري، محمد بازوم، في البرلمان النيجري، فمن المرجح أن يقوم أعضاء البرلمان بالتصويت لصالح هذا القرار، على الرغم من تنديد العديد من المنظمات غير الحكومية المحلية بهذا القرار.

3- زيارة وزيرة الدفاع الألمانية لمالي: سبقت جولة بيربوك للساحل، زيارة أخرى قامت بها وزيرة الدفاع الألمانية، كريستين لامبرخت، إلى مالي، في 9 أبريل الجاري، حيث عقدت الأخيرة لقاءً مع الجنود الألمان الموجودين في مدينة "جاو"، حيث يوجد نحو 300 جندي من القوات الألمانية هناك في إطار مهمة تدريب الاتحاد الأوروبي هناك، بالإضافة إلى نحو 1100 جندي في إطار بعثة الأمم المتحدة في مالي "مينوسما" (MINUSMA). 

وطالبت لامبرخت خلال زيارتها لباماكو السلطات المالية بضرورة إجراء تحقيقات موسعة بشأن الأحداث التي شهدتها منطقة مورا في نهاية مارس الماضي، مشيرةً إلى صعوبة استمرار الجيش الألماني في مالي. وكانت مورا قد شهدت عملية لمكافحة الإرهاب ضد قيادات إرهابية، غير أن الصحافة الغربية زعمت أنها شهدت سقوط مدنيين. 

مسارات ألمانية محتملة: 

عكست جولة وزيرة الخارجية الألمانية إلى مالي والنيجر دلالات مهمة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي: 

1- محاولة لحسم الجدل في برلين: لا تزال هناك حالة من الجدل داخل الحكومة الألمانية بشأن طبيعة العلاقات مع السلطات الانتقالية في مالي، برئاسة الجنرال عاصمي جويتا. فعلى الرغم من الانتقادات المستمرة من قبل برلين والاتحاد الأوروبي للسلطات في باماكو منذ الانقلاب العسكري الأخير الذي قاده جويتا في مايو الماضي، فضلاً عن علاقات الأخير بموسكو وشركة فاجنر الروسية، بيد أن ثمة دعوات بدأت تتصاعد داخل البرلمان الألماني من أجل استئناف العلاقات مع باماكو لتجنب ترك المجال مفتوحاً أمام روسيا للهيمنة على المشهد. 

وفي المقابل، هناك اتجاه آخر داخل البرلمان الألماني يعارض بشدة أي محاولة لتمديد مهام القوات الألمانية في مالي، غير أن هذه المعارضة تقتصر على حزبين فقط، وهما حزب اليسار الاشتراكي وحزب البديل الشعبوي اليمين المتطرف.

وفي هذا السياق، عقدت وزيرة الخارجية الألمانية لقاءات مع ممثلي حكومتي مالي والنيجر، وكذا ممثلي المجتمع المدني هناك، فضلاً عن التشاور مع القوات الألمانية الموجودة في المنطقة، حيث أعلن المتحدث باسم الحكومة الألمانية أن هدف هذه الجولة يتمثل في محاولة الحصول على صورة دقيقة لطبيعة المشهد السياسي والأمني الفعلي في كلا البلدين، لاتخاذ قرار نهائي بشأن مستقبل الحضور الألماني في مالي ومنطقة الساحل الأفريقي ككل.

وستنتهي فترة انتداب القوات الألمانية في مالي بنهاية مايو المقبل، وبالتالي يجب على البرلمان الألماني اتخاذ قرار حاسم حول مستقبل المشاركة العسكرية الألمانية هناك، خاصةً بعد قرار فرنسا بسحب قواتها المتواجدة هناك في فبراير الماضي. 

ويتمثل أحد الحلول المطروحة في قيام برلين بالتواصل مع النيجر لاستقبال بعض القوات التي كانت منخرطة في مهمة التدريب الخاصة بالاتحاد الأوروبي، لكنها قد تبقي على قواتها الموجودة في إطار بعثة الأمم المتحدة في مالي، وترك المجال مفتوح إزاء أية مباحثات مقبلة مع السلطات المالية.

2- نقل القوات الألمانية للنيجر: نقلت فرنسا مركز العمليات العسكرية في منطقة الساحل من مالي إلى النيجر، وبدأت برلين في التفكير هي الأخرى في اتخاذ خطوة مماثلة، خاصةً أن ألمانيا تمتلك بالفعل مركزاً لوجستياً في النيجر، يتمثل في قاعدة النقل الجوي في نيامي. وفي هذا السياق، أشارت بعض التقديرات إلى أن هذا الملف كان هو محور المباحثات التي أجرتها بيربوك، مع الرئيس النيجري، محمد بازوم، وذلك بالتزامن مع اتجاه البرلمان النيجري لإقرار استقبال قوات أجنبية داخل البلاد.

3- مواجهة أزمة الغذاء واللاجئين: أشارت بيربوك إلى أن الجماعات الإرهابية في الساحل لا تمثل المهدد الوحيد لاستقرار هذه المنطقة، مشيرةً إلى الانعكاسات التي أفرزتها الحرب الروسية – الأوكرانية الراهنة على المنطقة، خاصةً فيما يتعلق بملف الأمن الغذائي، في ظل توقف امدادات القمح التي تحصل عليها منطقة الساحل من روسيا وأوكرانيا. 

وأعلنت بيربوك قبل جولتها إلى الساحل أنها ستركز على بحث معضلة الإمدادات الغذائية، وهو ما يؤشر على أن ألمانيا ستزيد خلال الفترة المقبلة حجم مساعداتها التنموية والإنسانية لدول الساحل، في محاولة لمنع مشكلة الهجرة من التفاقم من هذه المنطقة. ولعل هذا ما انعكس في تصريحات بيربوك خلال زيارتها للنيجر، والتي أعلنت خلالها أن بلادها قدمت نحو 100 مليون يورو لمساعدة النازحين في المنطقة، مشيرةً إلى أن برلين ستقدم أيضاً حوالي 15 مليون يورو إضافية لمكافحة أزمة الغذاء هناك. 

4- تقاسم أدوار بين برلين وباريس: اتخذ الاتحاد الأوروبي قراراً مشتركاً بشأن إنهاء مهام التدريب في مالي، غير أن برلين لا تزال لم تتخذ قراراً حاسماً في هذا الشأن، في ظل عدم رغبتها في ترك المجال أمام روسيا في مالي، وقد يعكس الأمر وجود تباين في المواقف الأوروبية، أو محاولة لتقاسم الأدوار بين برلين وباريس، خاصة في ضوء أن الأخيرة قد أجبرت على الانسحاب بناء على طلب من مالي، ولم يكن هذا خيارها المفضل، ولعل ما يؤكد ذلك مطالبة وزيرة الخارجية الألمانية، في باماكو، السلطات المالية بوقف التعاون مع فاجنر.

وفي التقدير، يمكن القول إن هناك تطلعات أوروبية بعدم الانسحاب الكامل من الساحل الأفريقي، لعدم ترك المجال مفتوحاً أمام النفوذ الروسي للتوسع والتمدد هناك، بيد أن الموقف الألماني لا يزال يسوده حالة من التردد بشأن الاستمرار من عدمه في مالي، لكنه في جميع الأحوال فإن الحكومة الألمانية تجري مشاورات مع النيجر لإيجاد بديل حال اتخذت برلين خلال الأسابيع المقبلة أي قرار لصالح الانسحاب من مالي، لكن يبقى المسار المرجح حتى الآن هو اتجاه برلين لتمديد مهام قواتها العسكرية في باماكو، حتى ولو لفترة محدودة قابلة للتمديد.