أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

ملفات شائكة:

أهداف جولة الحوار الجديدة بين واشنطن وبغداد

31 مارس، 2021


تنطلق خلال الأسبوع المقبل جولة جديدة للحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق. وبينما عقدت جولتان بالتبادل بين واشنطن وبغداد العام الماضي خلال عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، فإن الجولة التالية ستكون هى الأولى من نوعها في عهد إدارة الرئيس جو بايدن، والتي يعتقد أنها ستكتسب أبعاداً جديدة في التناول لاعتبارات تتعلق بطبيعة معادلة الاشتباك الإيرانية – الأمريكية على الساحة العراقية. وعلى الأرجح، ستعكس هذه الجولة نتائج اختبار الاستراتيجية التي يسعى كل طرف إلى فرضها على الآخر، حيث تشترط واشنطن تراجع الدور الإقليمي الإيراني والتوقف عن دعم الوكلاء، وفي المقابل ترفض إيران وضع شروط استباقية بالتوازي مع تعزيز دور الوكلاء كأداة للتصعيد في مواجهة الولايات المتحدة ومحاولة كسب جولة "الضغوط القصوى".  

متغيرات ضاغطة:  

دفعت متغيرات عديدة، أغلبها ذات أبعاد أمنية، تشهدها الساحة العراقية في المرحلة الحالية الحكومة إلى طلب عقد جولة جديدة من الحوار. ويتمثل أبرز تلك المتغيرات في:

1- احتمالات خروج الوضع الأمني عن السيطرة: بحسب تقارير أمريكية، فإن الحكومة العراقية طلبت عقد جولة جديدة من الحوار بهدف مناقشة القضايا الأمنية المرحلية التي تشهدها الساحة العراقية بشكل عام، في ظل تنامي مظاهر الانفلات الأمني في العاصمة العراقية وبعض المدن الكبرى التي شهدت عروضاً عسكرية لمليشيات موالية لإيران، لاسيما بعد ظهور مليشيا "ربع الله" التي يرجح أنها واجهة جديدة لـ"حزب الله العراقي". فعلى الرغم من أن هذا التطور يرتبط بأوضاع الأمن الداخلي بالدرجة الأولى، إلا أن المعركة الكلامية بين القيادي المليشياوي أبو علي العسكري ورئيس الحكومة مصطفى الكاظمي عكست احتمالات تمدد أزمة الانفلات الأمني إلى موجة عنف جديدة ضد الوجود الأمريكي في العراق. 

وتنبه التقديرات الأمريكية إلى أن الأمر لا يقتصر على تداعيات تلك التهديدات في المدى القصير كتكتيك في إطار معادلة الاشتباك الأمريكية- الإيرانية الحالية في العراق، خاصة أنها تفرض في واقع الأمر تحديات مركبة للطرفين العراقي والأمريكي. فبالإضافة إلى مساعي طهران لاستعراض قدرتها على التهديد في محاولة لإرغام واشنطن على التراجع عن شرطها بتقويض الدور الإيراني في المنطقة لاسيما في العراق واليمن وسوريا ولبنان، فإن العراق قد تواجه، على الجانب الآخر، تحدياً أكبر وهو خوض معركة جديدة ضد وكلاء إيران في ظل الأوضاع الأمنية والسياسية الهشة، حيث أن ظهور واجهة شيعية جديدة تتمثل في "ربع الله" سيفرض على الفور "واجهة" معادِلة أو مضادة على الجانب الآخر السني، في الوقت الذي لم تفرغ العراق من الحرب على "داعش" بشكل نهائي. 

2- الانسحاب وإعادة الانتشار: سوف يكون الانسحاب وإعادة الانتشار قضية رئيسية على طاولة الحوار الاستراتيجي. وبينما كان قد تم التوصل إلى جدول لانتهاء الوجود القتالي للقوات الأمريكية بحلول العام المقبل مع الإبقاء على قوة أمريكية للتدريب في إطار برنامج التعاون الأمني والعسكري المشترك، فإن انعكاس التطورات الأمنية يلقي هو الآخر بظلاله على هذا الملف. ففي أعقاب توجيه ضربات ضد القوات الأمريكية في مواقع متعددة في العراق، اعتبر البنتاجون أن هناك ضرورة لبقاء تلك القوات لدعم القوات العراقية في التصدي للتهديدات الأمنية، وبعد تكرار الضربات ردت واشنطن بضربة مضادة استهدفت مواقع مليشيات موالية لإيران داخل الحدود السورية. وبحسب الكاظمي، فقد تم سحب 60% من القوات الأمريكية ذات المهام القتالية بعد جولة الحوار الأولى، وستتولى الجولة التالية من الحوار استكمال تلك الترتيبات، على أن تتمثل الترتيبات البديلة في توسيع مهام حلف الناتو في العراق لتولي مهمة الحرب على "داعش" ضمن التحالف الدولي. كذلك من المتصور أن عمليات تطوير القواعد الأمريكية في شمال شرقى سوريا ربما تهدف إلى استيعاب جزأ من القوة الأمريكية التي ستخرج من العراق وفق جدول الانسحاب المتفق عليه، كما قد يسمح بإضافة قسم من القوة العسكرية ضمن التحالف في إقليم كردستان العراق في سياق ترتيبات أمنية مشتركة مع إدارة الإقليم. وبالتالي فمع تخفيض مستوى الوجود العسكري الأمريكي على الساحة العراقية الذي قد يكون في صالح الحكومة والجانب الأمريكي، فإن واشنطن ستلجأ إلى تعزيز نقاط الانتشار في ساحات مجاورة للتعامل مع التطورات المستقبلية.

السيناريو التالي:

فيما يتعلق بجولة الحوار الاستراتيجي المرتقبة وإذا ما كان من المتوقع أن تساهم في خروج العراق من مأزق معادلة "شد الأطراف" بين إيران والولايات المتحدة وتعاني منها الأولى في الأخير، سيتوقف الأمر على قدرة الأطراف على صياغة معادلة جديدة لـ"إدارة التوتر" الراهن على الساحة العراقية، لتفادي الانزلاق إلى السيناريو الأسوأ، حيث يتوقع العديد من المراقبين العراقيين ألا تقود المرحلة الانتقالية الحالية إلى انفراجة تسمح بإعادة ترتيب المشهد العراقي باتجاه عملية استقرار سياسي، بقدر ما تدفع البلاد إلى المزيد من الفوضى، لاسيما وأن طهران تسعى إلى إضعاف الحكومة العراقية التي تتبنى استراتيجية إعادة الاعتبار للدولة بينما تسعى طهران إلى مزيد من تمكين أدواتها المحلية في الساحة العراقية. 

فالمقاربة التي يعتمدها المراقبون المحليون تستند إلى أنه على الرغم من أن نتائج الحوار الاستراتيجي العراقي- الأمريكي السابقة مشجعة على استمرار تلك الآلية، إلا أن التطورات التي تلت الجولتين السابقتين ليست مشجعة. ففي المقابل، هناك إيران، التي تعد الطرف "الحاضر الغائب" على طاولة الحوار، حيث تسعى إلى اقتناص الفرص وتوظيفها لصالحها بالإضافة إلى محاولاتها الدائمة لفرض المزيد من الضغوط ووضع الأطراف في مأزق بشكل مستمر. ولا تتوقع أغلب التقديرات العراقية أن القادم أفضل، بل على العكس هناك تبني دائم لما يمكن تسميته بـ"السيناريو الأسوأ" في ظل عدم تحسن العلاقات الأمريكية- الإيرانية، بل ولجوء الطرفين إلى اختبار قدرات بعضهما في معركة "القدرة على الإرغام"، بما يعني أن جولة مباحثات أمريكية- عراقية على وقع معركة أمريكية- إيرانية لمن يجبر الطرف الآخر على التجاوب مع سياسته وشروطه، لن تفضي إلى واقع مختلف بقدر ما ستدفع إلى الانتقال للمرحلة التالية من لعبة "شد الأطراف". 

وعلى التوازي مع انعقاد جلسات الحوار، فمن المتوقع، على نحو ما جرت العادة، المزيد من استعراض القوة من جانب الوكلاء الإيرانيين على الساحة، وربما ستكون هناك رسائل أكثر عنفاً، لن تقتصر على الجانب الأمريكي بقدر ما ستسعى الى الضغط على الحكومة العراقية ووضعها في مأزق أصعب.

في الأخير، يمكن القول إن التحدي الأكبر الذي يواجه الحوار الاستراتيجي الأمريكي – العراقي يكمن في وجهة نظر الأطراف المتعارضة حول هذا الحوار وما يجب أن تكون عليه مخرجاته، فإيران ووكلائها المحليون يسعون إلى وضع الحكومة العراقية في مقعد المُفاوِض بالنيابة لتقويض الدور والوجود الأمريكي في العراق، بينما تدرك الأخيرة مدى الحاجة إلى بناء توازنات استراتيجية بين الأطراف في إطار المصلحة العراقية، وتراهن على أفكار مثالية من قبيل عملية استعادة السيادة وإعادة الاعتبار للدولة، لكنها تظل الحلقة الأضعف في معادلة "شد الأطراف". ففي مقابل الموقف الإيراني، فإن واشنطن لا تريد أن تخسر الجولة الحالية في مواجهة طهران، وتتفاعل معها بنفس السياسة تقريباً في العراق، وهى "سياسة النفس الطويل .. ورد الفعل"، لكن هذه المعادلات لن تقود الى وضع مستقر في العراق بقدر ما ستُبقي عليها داخل دائرة من الأزمات.