أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

مورد اقتصادي:

كيف يعكس منجم "الفوسفات" تفاعلات الشرق الأوسط؟

25 مارس، 2021


تزايدت المؤشرات الدالة على تعاظم تأثير أعمال الصيانة والحماية والإنتاج والنقل والتصدير لمعدن الفوسفات في تفاعلات داخل وبين دول الشرق الأوسط، كمورد اقتصادي له انعكاسات سياسية، ومنها رفض دعوى جبهة البوليساريو المقدمة للمحكمة العليا في نيوزيلاندا ضد واردات الفوسفات المغربي، وعرقلة حركة الاحتجاج "المناطقي" إنتاج الفوسفات التونسي، وانطلاق مشروع تحويل الفوسفات الجزائري في نهاية مارس 2021، وتعزيز جاذبية الفوسفات السوري للاستثمارات المحلية والأجنبية للحد من تكلفة الاستيراد، واستحواذ روسيا على التنقيب واستخراج الفوسفات السوري وبعقود طويلة الأجل وإعادة تأهيل منشآت الطاقة المتوقفة، وتقليص أحد مصادر تمويل تنظيم "داعش" من عائدات بيع الفوسفات السوري، وتواصل نقل الفوسفات السوري بواسطة الحرس الثوري عبر الحدود العراقية إلى إيران. 

إن هناك اتجاهاً رئيسياً في الكتابات يشير إلى محورية تأثير المعادن في التفاعلات الدولية والإقليمية، وإن كان يركز بشكل رئيسي على دور النفط والغاز كمحركين للاقتصاد العالمي، في حين تتجاهل الكتابات تأثير الفوسفات، والتي برزت أبعاده في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وفي المغرب وتونس والجزائر وسوريا والعراق وإيران بشكل خاص، وذلك على النحو التالي:

ضربة للبوليساريو

1- رفض دعوى البوليساريو ضد واردات الفوسفات المغربي: وهو ما قامت به المحكمة العليا في نيوزيلاندا في منتصف مارس الجاري رداً على الدعوى التي رفعتها جبهة البوليساريو ضد صندوق سيادي "نيوزلاندا سوبر فاند" بهدف توقيف واردات الفوسفات القادمة من الصحراء المغربية، حيث اتهمت الصندوق بـ"الاستثمار في واردات الفوسفات التي مصدرها أراضي محتلة في الصحراء"، وفقاً لما أفادت به وكالة أنباء تابعة للجبهة، و"هو ما يتعين معه حماية الموارد الطبيعية بكل الوسائل المتاحة". 

وقد بررت المحكمة موقفها بأن الصندوق السيادي يتمتع بسلطة اتخاذ القرارات التي منحها له القانون، بما يعني بالمقابل أنه ليس من صلاحيتها "جبهة البوليساريو" التدخل في قرارات الصندوق، الذي يعتبر أداة للادخار ويتبع الحكومة النيوزيلاندية، إذ تم استحداثه من سنوات لدعم معاشات التقاعد وتصل قيمة المبالغ المالية المتوافرة لديه أكثر من 44.5 مليار دولار. كما أن الصندوق يحظى بسمعة عالمية باعتباره عضواً في المنتدى العالمي للصناديق السيادية. ولعل قرار المحكمة العليا في نيوزيلاندا يمثل ضربة لجبهة البوليساريو.

تنمية غير متوازنة

2- عرقلة حركة الاحتجاج "المناطقي" إنتاج الفوسفات التونسي: أدت الاحتجاجات والاعتصامات الاجتماعية والإضرابات العمالية التي شهدتها بعض المناطق التونسية، وخاصة في محافظة قفصة بالجنوب الغربي، إلى التأثير سلباً على قطاع الفوسفات، إذ تسببت في وقف الإنتاج خلال السنوات العشر الماضية، على نحو أفقد تونس ميزة التصدير للأسواق العالمية، وخاصة الآسيوية والأوروبية والأمريكية واللاتينية. هذا فضلاً عن تعثر توسيع مجالات الاستكشاف واستغلال مناجم جديدة للفوسفات على غرار الموجودة في منطقة صراورتان شمال غربي تونس.

وتجدر الإشارة إلى فشل الحكومات التونسية، سواء قبل الثورة أو بعدها، في إيجاد حلول مستدامة للتنمية والتشغيل في المناطق الطرفية، وبصفة خاصة في منطقة الحوض المنجمي التي تعرف بأوضاعها الاجتماعية الهشة وعدم القدرة على استيعاب مطالب المتعطلين عن العمل، الأمر الذي جعل مطالب التشغيل تتجه إلى شركة فوسفات قفصة. وقد أدى ذلك إلى تأجيج الوضع الاجتماعي والشعور بالغبن من سكان تلك المناطق تجاه الدولة، وهو ما يهدد الثروة الوطنية المتعلقة بقطاع الفوسفات نظراً للخسائر المالية الناتجة عن تعطل إنتاج هذا القطاع. 

وفي هذا السياق، قال المدير المركزي للإنتاج بشركات فوسفات قفصة خالد الورغي في تصريح لوكالة الأنباء التونسية بتاريخ 9 يناير 2021: "إن إنتاج شهر ديسمبر الماضي لم يتجاوز 35 ألف طن، وهو الأسوأ على الإطلاق منذ سنة 2011، بسبب توقف الإنتاج بمنطقة الحوض المنجمي في ولاية قفصة". ودفع ذلك الوضع الحكومة إلى استيراد شحنات من الفوسفات من الجزائر في الثلث الأخير من عام 2020، لتحويله إلى أسمدة كيماوية. 

وأضاف الورغي: "إن الإنتاج في كامل عام 2020 بلغ 3 ملايين و144 ألف طن وهو أقل من نصف الإنتاج البالغ 8 ملايين طن في 2010، قبل اندلاع الثورة التي أطاحت بحكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي"، موضحاً أن "هدف الشركة، المشغل الرئيسي في قفصة، كان بلوغ 3.5 مليون طن في 2020 وهو معدل الإنتاج خلال السنوات العشر الماضية". وفي هذا الإطار، طالبت بعض الأصوات بفتح حوار جدي لحماية قطاع الفوسفات من الانهيار في تونس في حال ما استمر منسوب الاحتجاجات الاجتماعية.

تنويع الشراكات

3- انطلاق مشروع تحويل الفوسفات الجزائري في نهاية مارس 2021: أعلن محمد عرقاب وزير المناجم بالجزائر، في تصريح صحفي بتاريخ 27 أكتوبر الماضي، عن انطلاق مشروع تحويل الفوسفات في مختلف ربوع الوطن، نهاية مارس 2021، إذ أن الحكومة تتبنى استراتيجية جديدة للبحث عن الشراكة الأجنبية في مشروع تحويل الفوسفات انطلاقاً من منجم بلاد الحدبة في بئر العاتر جنوب تبسة، بالنظر لضخامة التمويل والبحث عن أسواق عالمية للتصدير، وهو ما يشير إلى تغير استراتيجية الحكومة خلال حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة بتعزيز الشراكة مع الصين.

فاتورة الاستيراد

4- تعزيز جاذبية الفوسفات السوري للاستثمارات المحلية والأجنبية: أطلقت وزارة النفط والثروة المعدنية في سوريا خطة مرحلية خلال الفترة القادمة تتمثل في إحلال صناعات جديدة تعتمد على وجود الخامات الأساسية في الأراضي السورية، الأمر الذي يسهم في خفض فاتورة الاستيراد من ناحية وإعادة العمل في منشآت دمرها تنظيم "داعش" وتأهيلها على أسس جديدة من ناحية أخرى، خاصة في ظل الحصار العالمي المفروض على النظام السوري. 

فضلاً عن استعادة مكانة سوريا في تصدير الفوسفات إلى الخارج من ناحية ثالثة، حيث كانت تشغل المرتبة الخامسة عالمياً على قائمة الدول المصدرة حتى عام 2011. وتشير بعض الكتابات في هذا الصدد إلى أن سوريا كانت تمد الاتحاد الأوروبي بخُمس وارداته من الفوسفات خلال الفترة (2009-2011)، وخاصة التصدير إلى اليونان التي كانت تتجه إليها الشحنات من ميناء طرطوس، وهو الميناء الرئيسي للأسطول الروسي في البحر المتوسط. 

وفي هذا السياق، أشار معاون مدير شركة الفوسفات والمناجم بشير منصور في تصريحات صحفية بتاريخ 26 فبراير 2021 إلى أن شركة الفوسفات الحكومية صدّرت خلال الشهر الأول من العام الجاري كمية تقدر بنحو 74 ألف طن من الفوسفات الرطب، إضافة إلى نحو 23 ألف طن من الفوسفات الجاف إلى الخارج بعد إعادة تأهيل وحدة التجفيف في معمل غسل الفوسفات بمناجم الشرقية، معلناً في الوقت ذاته عن نقل كمية 45 ألف طن من الفوسفات الرطب إلى معمل السماد الآزوتي بمدينة حمص ومن ثم إلى ميناء طرطوس.

سباق المناجم

5- استحواذ روسيا على التنقيب واستخراج الفوسفات السوري: يتمتع الفوسفات السوري بمكانة محورية في الأسواق العالمية، إذ يعد الثاني بعد الفوسفات المغربي الذي يحظى بمواصفات ممتازة، وهو ما يفسر مصادقة مجلس الشعب السوري في مارس 2018 على اتفاق بين المؤسسة الحكومية للجيولوجيا والثروة المعدنية وشركة "ستروي ترانس غاز" الروسية، أعطى الأخيرة حق الاستثمار مدة 50 سنة في مناجم تدمر - البادية السورية، أكبر المناجم في سوريا. وتحصل الشركة الروسية بموجب الاتفاق على 70 في المئة من الإنتاج، فيما تبلغ حصة النظام 30 في المئة مقابل تسديد قيمة أجور الأرض والتراخيص وأجور ونفقات إشراف المؤسسة والضرائب والرسوم الأخرى. 

كما أن موسكو هى التي تتحكم في دخول شركاء جدد إلى سوق الفوسفات السوري، إذ دخلت صربيا عبر شركة "وومكوأسوشيتس دوو" كمستثمر أجنبي جديد في مجال الفوسفات في نوفمبر 2020، الأمر الذي يمثل تحدياً لقانون العقوبات الذي تطبقه الولايات المتحدة والدول الأوروبية على النظام السوري فيما يعرف بقانون "قيصر". فروسيا تعمل على ترسيخ نفوذها الاقتصادي عبر استثمارات واتفاقات تتوزع في قطاعات مختلفة داخل سوريا مثل الطاقة والصناعة والزراعة والكهرباء والنقل والبناء، وجاء ذلك على حساب نفوذ طهران التي كانت تتصور أنه يمثل تعويضاً اقتصادياً عن تكاليف تدخلها لدعم بقاء نظام الأسد.

تمويل الإرهاب

6- تقليص أحد مصادر تمويل تنظيم "داعش" من عائدات الفوسفات السوري: ساهم تحرير أكبر المناجم في البادية السورية (تدمر) من سيطرة تنظيم "داعش" في حرمان الأخير من عائدات بيع النفط والغاز والفوسفات، والتي كان يتمتع بها لتعزيز نفوذه في مناطق غنية بهذه المادة في العراق وسوريا. وتجدر الإشارة إلى أن اهتمام "داعش" بالفوسفات يعود إلى نهاية عام 2014، عندما أعلنت وزارة حقوق الإنسان في العراق عن نقل كميات من الفوسفات العراقي في قضاء القائم، غربي العراق، إلى محافظة الرقة السورية، التي كان "داعش" يبسط سيطرته عليها. كما استطاع كوادر التنظيم استخدام مادة الفوسفات في تصنيع المتفجرات للقيام بالعمليات الإرهابية.

اقتصاديات الحدود

7- نقل الفوسفات السوري بواسطة الحرس الثوري عبر الحدود العراقية إلى إيران: يشير اتجاه في الكتابات إلى أن العديد من الشاحنات التابعة للحرس الثوري الإيراني تواصل عملية نقل فوسفات سوريا من مناجم منطقة خنيفيس شرقي حمص عبر معبر القائم (المقابل لـمعبر البوكمال شرقي دير الزور) إلى إيران، وذلك بواسطة المليشيات الموالية لها في العراق، كما ينقل حزب الله الأطنان من الفوسفات من سوريا إلى لبنان، إذ يقوم اقتصاده على تهريب النفط والفوسفات، فضلاً عن تجارة غير شرعية مثل الإتجار بالمخدرات، وذلك مقابل دعمه لنظام الأسد.

تسييس المعادن:

خلاصة القول، يعبر معدن الفوسفات عن تفاعلات جارية في الشرق الأوسط، سواء على صعيد التطورات الداخلية أو العلاقات الإقليمية أو التأثيرات الدولية، وهو ما برز جلياً خلال الأعوام القليلة الماضية. فقد أدى عدم الاستقرار الحكومي في تونس واستمرار الاحتجاجات الفئوية إلى عرقلة إنتاج الفوسفات في جنوب البلاد بحيث لم تعد تونس على خريطة الفاعلين الدوليين الرئيسيين بل خسرت البلاد 6.7 مليار دولار على مدى الأعوام الستة (2014-2020)، على حد تعبير مروان العباسي، محافظ البنك المركزي التونسي، في تصريحات بتاريخ 7 فبراير 2020. وبناءً عليه، صار الفوسفات التونسي "ثروة مهدرة". كما أدى طول أمد الحرب في سوريا إلى التأثير على مكانة الفوسفات السوري في الأسواق العالمية، وتعزيز هيمنة موسكو على قطاع الطاقة والفوسفات على حساب طهران في الداخل السوري. ويعتبر الفوسفات أيضاً أحد الموارد الاقتصادية التي يعتمد عليها في مرحلة إعادة الإعمار بسوريا من حيث كونها مصدراً للدخل القومي من العملة الصعبة بعد التصدير، وتوفير فرص عمل عديدة. وعلاوة على ذلك، تراجعت سيطرة التنظيمات الإرهابية على مورد الفوسفات في سوريا والعراق، في حين استمرت الهيمنة للمليشيات المسلحة والجيوش الموازية.