أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

مصالح مينسك:

لماذا تسعى بيلاروسيا لتعزيز حضورها العسكري في سوريا؟

11 فبراير، 2021


‎تبدي بيلاروسيا اهتماماً خاصاً بالتطورات السياسية والعسكرية التي تشهدها الساحة السورية، حيث كشفت تقارير عديدة عن أنها ربما تتجه إلى رفع مستوى وجودها العسكري في سوريا، بشكل لا يمكن فصله عن حرص روسيا على تعزيز دورها عبر تمكين بعض حلفائها من الانخراط في الترتيبات الأمنية والسياسية التي يجري العمل على صياغتها في المرحلة القادمة. ففي هذا السياق، تستهدف مينسك، في أول انتشار عسكري لها في سوريا، نشر كتيبتين لـ"قوات حفظ السلام" في سوريا، كل كتيبة منها مكونة من حوالي 300 فرد، وفق ما أشارت إليه رابطة المحاربين القدامى "بايبول" في بيلاروسيا.

اعتبارات عديدة:

‎بدت تلك الخطوة، التي لم تعلق عليها السلطات في بيلاروسيا حتى الآن، مفاجئة لكثير من المراقبين، خاصة في ظل العقيدة العسكرية التي تتبناها مينسك، والتي تتسم بطابع دفاعي في المقام الأول، حيث نادراً ما تنخرط بيلاروسيا في جهود لحفظ السلام في بعض دول ومناطق الأزمات. ومن هنا، فسرت اتجاهات عديدة تلك الخطوة، التي ربما جاءت في سياق تبني سياسة استباقية للتعاطي مع التطورات السياسية والأمنية التي سوف تشهدها الساحة السورية في مرحلة ما بعد تراجع حدة المواجهات العسكرية، في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

‎1- دعم دمشق: تتبنى بيلاروسيا موقفاً داعماً للحكومة السورية، على نحو بدا جلياً في تأكيد الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشينكو، في 30 نوفمبر 2020، دعم بلاده لسيادة سوريا ووحدة أراضيها ودعوته لعدم التدخل في شئونها الداخلية، وذلك في كلمة ألقاها خلال تقبله أوراق اعتماد سفير سوريا الجديد محمد العمراني مع بعض السفراء الجدد.

‎2- دور موسكو: ربما تكون تلك المشاركة المحتملة من جانب بيلاروسيا جزءاً من خطة روسية جديدة تستهدف من خلالها موسكو تعزيز دورها باعتبارها الطرف الأساسي الذي يمتلك القدرة على توجيه المسارات المحتملة للأزمة في سوريا. وكان لافتاً في هذا السياق أن موسكو سعت في فترة سابقة إلى استقطاب دعم بعض الدول الحليفة لها للانخراط في الصراع السوري بمستويات مختلفة، إلا أنها لم تحقق نتائج تذكر في هذا السياق، خاصة أن مسارات الصراع في تلك الفترة لم تكن واضحة على عكس ما هو قائم حالياً بعد أن تغيرت توازنات القوى لصالح النظام السوري وحلفائه، لاسيما روسيا وإيران.

‎3- مواجهة الضغوط الغربية: ربما لا يمكن فصل تلك الخطوة المحتملة، التي تعبر عن ارتفاع مستوى التنسيق العسكري والأمني بين موسكو ومينسك، عن تصاعد حدة الخلافات بين روسيا والقوى الغربية، حول بعض الاستحقاقات السياسية السورية، على نحو بدا جلياً في فشل مجلس الأمن الدولي، في 10 فبراير الجاري، في تبني بيان رئاسي حول سوريا، بعد العرض الذي قدمه المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون، حول نتائج الجولة الخامسة من اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف في نهاية يناير الفائت، حيث اقترحت الرئاسة البريطانية إصدار بيان رئاسي لم يحظ بدعم من جانب روسيا والصين اللتين تحفظتا على بعض البنود مثل بند الانتخابات، فضلاً عن اقتراب بيدرسون، في رؤيتيهما، من تحميل الوفد المدعوم من الحكومة مسئولية عدم حصول تقدم في تلك الجولة. ومن هنا، فإن روسيا تسعى إلى توجيه رسائل تفيد أن لديها شركاء ربما يكون لهم دور في الترتيبات السياسية والأمنية الجديدة التي سيجري العمل على صياغتها في المرحلة القادمة.

‎4- تثبيت نتائج التدخل الروسي: يأتي حرص روسيا على استقطاب تأييد بعض الدول، مثل بيلاروسيا، للانخراط في الترتيبات الأمنية والسياسية في سوريا في إطار رغبتها في تكريس النتائج التي حققها تدخلها العسكري في سوريا، والذي فرض، وفقاً لها، تداعيات عديدة، يأتي في مقدمتها توسيع نطاق سيطرة الجيش السوري على النسبة الأكبر من أراضي البلاد، وبما يعادل أكثر من 63% تقريباً حسب بعض التقديرات، وتراجع دور المعارضة المسلحة وحلفائها الإقليميين والدوليين. واللافت هنا، أن هذه السياسة الروسية تطرح دلالة مهمة تنصرف إلى أن موسكو، على عكس كثير من القوى المعنية بالأزمة في سوريا، ما زالت تُعوِّل على الحل العسكري الذي تسعى من خلاله إلى فرض وقائع جديدة على الأرض من شأنها تحقيق مكاسب ميدانية أكبر لها ولحليفها النظام السوري.

‎5- تصاعد التعاون العسكري بين موسكو ومينسك: تبدي موسكو ومينسك اهتماماَ خاصاً برفع مستوى التعاون العسكري الثنائي فيما بينهما، ويبدو لافتاً في هذا الصدد أن الموعد الذي تم الكشف عنه لنشر القوات البيلاروسية في سوريا، وهو شهر سبتمبر المقبل، سوف يتزامن مع التدريبات المشتركة التي ستقوم بها القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي الروسية والبيلاروسية، والمخطط لها أيضاً أن تجرى في شهر سبتمبر المقبل في بيلاروسيا تحت مسمى مناورات "زاباد 2021". وتُشير بعض التحليلات إلى أن موسكو ستسعى إلى استثمار هذه التدريبات في تحقيق المزيد من التنسيق العسكري بين الطرفين، كما ترجح أن تنتشر القوات الروسية التقليدية في بيلاروسيا في زاباد 2021 على نطاق أكبر بكثير مما حدث في زاباد 2017.

‎وعلى ضوء ذلك، من الواضح أن القوات التي تنوي بيلاروسيا نشرها في سوريا خلال شهر سبتمبر المقبل، في حالة ما إذا أكدت مينسك التقارير السابقة، سوف تدعم الجهود التي تبذلها روسيا من أجل تعزيز دورها باعتبارها القوة الدولية الأساسية التي تمتلك القدرة على توجيه مسارات الصراع في سوريا. ورغم أن ذلك قد يتوافق مع مصالح وحسابات بعض القوى الحليفة لها، على غرار إيران والنظام السوري، فإنه ربما يتحول إلى محور للخلاف بين تلك الأطراف على المدى البعيد، خاصة أن دمشق وطهران تبديان تحفظات عديدة على بعض التحركات التي تقوم بها موسكو على الأرض، لاسيما ما يتعلق بالحفاظ على قنوات تواصل مع خصومهما الإقليميين والدوليين.